تركيا اليوم ستبتلع ١٥كم عمق من الأراضي السورية بالقوة الغاشمة المؤيدة من دول عظمى، وغدا ٥٠ كم على طول مئات الكيلومترات، وهكذا دواليك ومن المؤكد أنها ستغير ديمغرافية المنطقة بأسرها خلال سنوات قليلة قادمة.
ما تفعله تركيا ليس احتلالا مؤقتا لأراضينا وإنما هو و وفق الاستراتيجية التركية احتلال مستقر ونهائي، بهدف الضم والالحاق وتحقيق هدف الميثاق المللي أولا، وقطع الطريق جغرافيا على التواصل الكردي بين شمال سوريا وجنوب شرق تركيا، وهدفه النهائي هو القضاء كليا على القضية الكردية في كلا البلدين، وهذا المسعى التي نادى به النظام التركي طويلا قد لاقى الدعم له دوليا وتوافر ظرفه الموضوعي في هذه المرحلة، ليحوله إلى واقع عملي، وبغض النظر عن الأسباب التي دعت المحتل التركي إلى التدخل بهذه الصورة الرعناء والوقحة مع السكوت الدولي المتواطىء والذي يجب بحثه لاحقا، وحيث أرى أن أهم هذه الأسباب هو الإرادة الدولية في إعادة رسم الخارطة الإقليمية من جديد بما يتوافق مع الاحتياجات والمصالح الغربية الجديدة وذلك بإحياء “سايكس _بيكو ” من قبريهما.
إلا أننا اليوم مدعوون جميعا للوقوف في وجه ما يسمى ظلما وعدوانا بالمنطقة الآمنه فما هي الا احتلال وقح وفاضح للأراضي السورية، وماهي إلا خطوة من خطوات كثيرة سابقة ولاحقة لاحتلال مزيد من الأراضي.
في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها البلاد، لا يملك أي طرف حق التصرف بأي شبر من الأراضي السورية ولا يملك شرعية التنازل عن شبر منها، سوى الشعب السوري بكل فئاته وشرائحه في استفتاء عام، وما عدا ذلك يعد تصرفا غير شرعي وتواطؤ مع المحتل وبعيدا عن نوايا أصحاب هذا الموقف، فلا النظام السوري يملك هذه الشرعيه لأنه لا يمثل الشعب السوري وفقا لمجريات الأحداث منذ ثمان سنوات، ولا الإدارة الذاتية بصفتها سلطة أمر واقع، ولا تركيا او أو روسيا أو امريكا بصفتهم دول مختلفة ومتدخلة بشكل غير شرعي بالشؤون السورية.
من يقبل بالتنازل عن ٥ أو ١٥ كم اليوم بحجة الحفاظ على ما تبقى، سيقبل التنازل غدا عن الآلاف الكيلومترات بحجج وذرائع وهمية أخرى.
صحيح أن مواقفنا لن تؤثر كثيرا في نتائج القرارات الدولية والإقليمية بما يخص تقطيع جسدنا السوري، لكنه موقف للتاريخ، ولعل توحد قوى الشعب السوري في هذه المسألة يشكل الخطوة الأولى لخلاص الشعب من فم الكماشة التي تطبق عليه منذ ثمان سنوات من قبل طرفين متوحشين يتقاتلون على السلطة “النظام من جهة والفصائل الإسلامية من جهة أخرى “، ولعلها تكون ايضا خطوة أولى نحو الخروج الحقيقي من الأزمة تقرره إرادة الشعب السوري وحده.
الدكتور أكثم نعيسة
كاتب وحقوقي سوري