الناقد الفنى شريف الوكيل يكتب
لاشك أنه مع زيادة رؤوس الأموال الأجنبية ، وتدفقها مع ظهور المستثمرين الأجانب والعرب، تكونت مجموعات طفيلية كل هدفها هو الربح السريع غير المنتج، وبشكل مايسمى رأس المال المقامر.
وأصبح الشغل الشاغل لهذه الفئات تحقيق أكبر قدر من المال، كما تفننت هذه الفئات فى إبتداع طرق إستغلال متعددة، للحصول على المال والربح، وأصبحت المادة هى القانون الأمثل للحياة(اللى معاه قرش يسوى قرش)
ونظرٱ لأن قيمة التعليم والثقافة، كانت تمثل قيمة مثلى فى مرحلة تاريخية معينة، بالنسبة للطبقة الوسطى، فقد أصبح هناك صراع نفسى إجتماعى لدى الأفراد، فى تحديد القيم وتبنيها ، وأصبح السؤال الحائر بين إجابتين، هل يتبنى القيم المادية، او قيم التعليم والثقافة…وفى إطار الإعتبارات والأوضاع المعيشية المزدوجة والمتناقضة، ومع إتساع الهوة بين الأسعار والدخول خاصة المحدودة منها، تسود قيمة المادة على قيمة التعليم والثقافة .
ونتيجة للإزدواجية بين القيم الأصلية”التعليم” والوافدة” المادة”، تولدت أيضا إزدواجية بحيث أصبح الفرد يطلب التعليم للحصول على الشهادة…ثم يبحث عن عمل يدر له الربح، أو يجمع بينهما، وأصبح هناك كما يشير الواقع على ظهور المعلم التاجر، وأستاذ الجامعة المستغل والموظف السائق، ورئيس مجلس الإدارة السمسار…إلى آخر تلك الأمثلة الواقعية، وفى ضوء هذه الإعتبارات تغيرت القيم الأسرية وتغير التعليم وغيره .
وفى عام ١٩٨١ قدم لنا المخرج على بدرخان رؤيته بهذا الخصوص من خلال الفيلم العربى الهادف أهل القمة عن قصة الكاتب الكبير “نجيب محفوظ” التي جاءت ضمن مجموعة «الحب فوق هضبة الهرم» بكونها أكثر أعماله تعبيرا عن فترة الإنفتاح الإقتصادي .
وكتب لها السيناريو والحوار مصطفى محرم والمقصود بأهل القمة هنا هم اللصوص الجدد الذين إستفادوا من قوانين الإنفتاح الإقتصادى ، وتحولوا إلى فئة شديدة الثراء، ترتدى أحدث وأفخم الثياب وتستخدم أفخر السيارات، وتتستر أحيانا وراء مظاهر التدين ، والفيلم وكما أراد نجيب محفوظ فى قصته يضع المواجهة بين ضابط شرطة شاب (عزت العلايلى) ونشال محترف (نور الشريف) طالما تعقبه الضابط وقبض عليه…وطالما أيضا إستخدمه كمرشد له عن المسروقات، فبينهما علاقة مشوبة بالحذر .
يفاجأ الضابط ذات يوم بإختفاء النشال من الوكر الذى تعود أن يجلس فيه مع زملائه من النشالين …ويتساءل الضابط ماذا حدث؟….فقد لاحظ إنخفاض معدل جرائم النشل فى منطقته، وهذا لايبعث على الطمأنينة، فما هو سر إختفاء النشالين ؟ ليأتيه الرد من صاحب المقهى العجوز، والذى أصبح وحيدا ، بعد أن هجره زبائنه النشالين ، ويقول صاحب المقهى” إنهم يعملون الآن فى وضح النهار ، وتحت حماية الشرطة” .
يكتشف الضابط الحقيقة…فقد تحول النشالين إلى التجارة، تجارة المهربات وأصبحوا جزءٱ من عصابة الرجل الكبير”عمر الحربرى” الذى يتمسح بالدين بينما رجاله يعملون فى تهريب البضائع من بورسعيد…لعرضها للبيع فى أسواق القاهرة المكدسة بكل أنواع السلع وأغربها .
ويصنف نجيب محفوظ هذه المأساة فى تلك العبارة من قصته : ” أصبح هؤلاء من الأغنياء ، أما هو وأعوانه فيغوصون فى غمار الفقر”…ويجسد الفيلم هذا الصراع من داخل بيت الضابط الشاب ، حيث يعيش مع زوجته وأطفاله…وأيضا مع شقيقته وإبنتها “سعاد حسنى” حيث يصبح عليه أن يحقق لهم المستوى المعقول فى الحياة ، وأن يلبى كل طلباتهم فى ظل ظروف صعبة، ودخل محدود، ومشاكل لاتنتهى…وتأتى الصدمة القاسية عندما يكتشف أن إبنة أخته على علاقة عاطفية بهذا النشال الذى أصبح تاجرٱ كبيرٱ ، وإصرارها عليه حتى بعد أن عرفت حقيقته .
وكان منطقها الوحيد، أنها تريد أن تنجو بنفسها من مشاكل الحياة فى بيت خالها، ثم إنه لا عيب فيه مادام قد تخلى عن مهنته الأولى ، وأصبح الآن تاجرٱ معروفٱ ويعمل فى النور .
وهكذا يجد هذا الضابط نفسه داخل معركة مع جميع الأطراف…فى بيته وفى عمله حيث يحاول المهرب الكبير الإفلات من قبضة القانون…بل ويسعى لإستصدار قرار بنقل الضابط إلى صعيد مصر عقابا له عن ملاحقته لينتهى الفيلم بإنتصار أهل القمة الجدد من اللصوص والمهربين .
يعتبر أهل القمة فيلم من أهم الأفلام التي أنتجتها السينما المصرية في فترة الثمانينيات، ويجمع عدد من ألمع نجوم هذا العقد وهو من إخراج علي بدرخان، حيث تقوم سعاد حسني بالبطولة بمشاركة نور الشريف وعزت العلايلي وعمر الحريري، مع عدد كبير من الفنانين المعروفين .
تجسد قصة نجيب محفوظ ملامح فترة الانفتاح الاقتصادي وانتشار المهربين الذين سيطروا على المجتمع فى ذلك الوقت، كما يلقى الضوء على فكرة الاشتراكية وما حدث للمجتمع من تحول في الافكار والعادات والمفاهيم التي كان يتمسك بها سابقاً إبان حكم جمال عبدالناصر .
ومما لاجدال فيه أن ماقدمته السينما المصرية من خلال هذه النوعية المتميزة من الأفلام، خلقت احساسٱ لدى المتفرج بالوقوف ضد انحرافات الإنفتاح، وتحويله إلى إنفتاح إنتاجى، ليحمى الصناعة المصرية ويطورها
نتيجة تميز الفيلم بالجرأة الشديدة في مناقشة القضية وحيث اعتبر تمهيدا للعديد من الأعمال التي انتقدت الانتفاح الاقتصادي .
فى بداية الفيلم تشير الكاميرا إلى مجموعة الملصقات والإعلانات المنتشرة على جانبى الطريق، والتى تعبر عن صورة صارخة من صور الإعلانات عن البضائع الأجنبية، فى نفس الوقت الذى تعانى فيه فئات إجتماعية من الحصول على السلع الضرورية للحياة .
حيث يتضح التخلى عن قيم أصيلة، فى سبيل قيم الربح السريع، من خلال بيع السلع الأجنبية والتهريب الجمركى، وفى ظل هذه الأمور يفقد المجتمع بالتالى هويته، وشخصيته وتتحطم التكوينات النفسيةوالإجتماعية للمواطن العادى، فيفقد ثقته فى القيم الإجتماعية التى تنشأ عليها، فيفقد ثقته فى الدولة…إذ يرى أن تعطيل القوانين لصالح فئات معينة تعد من الأمور العادية، كما يرى إصدار قوانين جديدة تخدم الفئة المسيطرة أو الفاسدة…فيقف حائرا بين القيم الأصلية والقيم المصطنعة…وعليه أن يختار بين الأصيل والوافد .
وقد عكس الفيلم مدى إنتشار ظاهرة الفساد والمحسوبية والرشوة وإستغلال النفوذ، وقد إنتشر هذا السلوك على جميع المستويات فى القطاعات المختلفة ، مثلما تعرض فيلم (المذنبون) عن قصة لنجيب محفوظ أيضا لمدى المعاناة التى يعانيها جماهير الشعب الفقيرة، سواء بتصوير التزاحم الشديد على المجمعات الإستهلاكية” الطوابير” من أجل
الربح والجنس، نجد مدير الجمعية يتاجر هو وموظفيها فى السلع التموينية مبررأ ذلك فى قوله :”زبونة محترمه وحلوه طلباتها كتير، وبتزود الدخل القومى معقول برضه أوقفها فى الزحمة”…وصور فيلم أهل القمة أيضا هذا الإستغلال للقوانين وتعديلها لصالح بعض الفئات الطفيلية الفاسدة، حين حصل مهرب كبير يتستر خلف الدين من خلال تبرعاته للجمعيات الدينية، ومسك المسبحه التى لايفتأ يحركها بين يديه، دلالة على الورع والظهور بالمظهر التقى، على إذن إستيراد بضاعة بعد ضبطها فى الجمرك، عن طريق مسؤل كبير فى الدولة…ويدل ذلك على تزاوج الفئة الرأسمالية الطفيلية، مع كبار موظفى الدولة ،ويوضح هذا الحوار الدائر بين ضابط الشرطة وزميله :
“البضاعة اللى من غير مستندات تصادرها وتقبض على صاحبها”….ليرد عليه زميله بقوله”حيلك…حيلك القانون ده اتلغى من مدة” …اتلغى ليه..؟….فيرد عليه بقوله”يظهر المهربين إحتجوا…”
كما توضح بعض مشاهد الفيلم تغير قيمة التعليم وظهور القيم المادية، وطغيانها على الحياة الإجتماعية من خلال حوار ضابط الشرطة “عزت العلايلى” والنشال زعتر الذى تحول للتجارة”نور الشريف”:
-الحق يازعتر أنت درست لحد فين
-وهو المهم درست أو حصلت، الدنيا دلوقتى مش محتاجة علام، كله ماشى بالفكاكة وتفتيح المخ.
وحتى فى هبوط قيم الثقافة والتعليم أيضا يصور الفيلم من خلال حوار دار بين الضابط والنشال :
-تعرف يامحمد بيه، انا لولا الحظ ملخبط معايا. ماكنش الحال بقى كده
-أظن حتقولى كنت حتبقى ظابط
-لأ فشر…شغلتكم دى متملاش العين …
يتضح لنا من خلال الحوار أن القيم المادية أصبحت هى السائدة فى ظل هذه الظروف المشوهة والمتناقضة، وتصبح الحياة فرصة ذهبية لمن يغتنمها، بإعتبار أنه “عبيط اللى يضيع الفرصة من إيده…والشاطر اللى يتغدى بأخوه قبل مايتعشى بيه” .
وكما يشير” محمد حسنين هيكل” فى مقالة له: إننى لست قلقا لأننا لانبنى صناعات ثقيلة أو لانقيم سدودٱ جديدة فى مصر…لكننى فى غاية القلق على شئ أخطر بكثير، ألا وهو مجموعة القيم التي تم غرسها فى الخمسينات والستينات، والتي طغت عليها موجة ساحقة بهدف إغراقها تماما” .
يسجل للمخرج علي بدرخان أنه حرص منذ الثمانينات، على أن تأتي أعماله جامعة ثلاثة عناصر يؤمن بها: الإجادة والأهمية والجماهيرية…ينبثق العنصر الأول من السعي لتحقيق أعمال جيدة التنفيذ في كل مرافق العمل، أما العنصر الثاني فيتكون من أهمية المضمون الذي يتداوله الفيلم. والثالث فهو حسن إنتاج وتحقيق الفيلم الذي لا يخالف رغبة الجمهور السائد بل يلبي الأسباب التي تدفعهم لمشاهدة الفيلم، بما في ذلك الإختيار الجيد لأسماء مشهود لها بالنجاح فيما تقوم بتجسيده من شخصيات…ووفقٱ لأسلوب هذا المخرج المتميز بالإجادة، يأتي فيلم (أهل القمة ليكون إضافة كبيرة وهامة لرصيد مخرجه الفني. حيث قفز به إلى الصفوف الأولى في دنيا الإخراج في مصر.
إن بدرخان في فيلمه هذا قدم أسلوب السهل الممتنع، وذلك باعتماده على الأسلوب الواقعي البسيط، والمعتمد أساساً على إبراز التفاصيل الصغيرة والشخصيات الثانوية، وذلك لإغناء الخط الدرامي الرئيسي وتعميقه. فمن المشاهد الجيدة التي تألق فيها بدرخان كمخرج، تلك المشاهد التسجيلية لسوق ليبيا، سوق البضائع المهربة، والتي نفذت بتقنية عالية، أثبت فيها قدرته على تحريك الكاميرا بخفة وسلاسة ملحوظة بين الجموع المحتشدة في السوق، وإطلاقها وسط الزحام حيث انتقى لنا عشرات الوجوه المتعبة. كما أن هناك مشاهد أخرى تدل على تمكن بدرخان في إدارة أدواته الفنية والتقنية، مثل مشهد وداع سهام لحبيبها في المطار، والذي بدا أقرب لمشاهد وداع الموتى. كذلك مشهد حديثها عن حياتها لزعتر النوري والذي نفذه بدرخان في لقطات قصيرة وسريعة معبرة، أخذها من عدة زوايا موفقة وجميلة لمدينة القاهرة. هناك أيضاً مشهد النهاية المؤثر لذلك الزفاف المأساوي، وسط جو مليء بالنشالين والمهربين في قلب سوق البضائع المهربة، والحيرة والقلق تبدوان على وجه الضابط الذي أجبر بالطبع على قبول هذا الوضع الشاذ، حيث نراه ـ في لقطة قوية ومعبرة ـ يغوص وينغمس في زحام سوق الانفتاح، معلناً هزيمته أمام هؤلاء اللصوص.
صحيح إن الفيلم لا يحوي أحداثاً شديدة الإثارة، وإنما الأفكار التي يناقشها مثيرة حقاً وواقعية جداً، بحيث لا يتخللها الملل، هذا بالرغم من بعض الرتابة التقليدية في الإخراج…رتابة تقليدية لكنها حافظت على هدوء المشاهد وتسلسلها، وأتاحت للحوار الذي اعتمد عليه الفيلم كثيراً أن يأخذ حقه في الظهور… حوار ساخن متدفق وغير مفاجئ ساهم في توصيل الصورة المرسومة بهدوء دون إثارة أو افتعال.
فقد تضافرت مجموعة العمل لتقدم عملٱ جيدٱ فنيٱ وفكريٱ، فمعظم العناصر من التصوير والديكور والمونتاج، كانت فى خدمة الدراما القوية المحكمة التى كتبها مصطفى محرم .
لم يخرج “أهل القمة” عن إطار هذه المكونات بل يؤكد عليها مستفيداً من أن الفيلم مستوحى من إحدى روايات نجيب محفوظ ومحاطاً بعدد من وجوه السينما المصرية المحببة آنذاك ولها جماهيرها وشعبيتها .
أهل القمة هو فيلم آخر عن مصر الثمانينات
لنماذج متباينة المواقع تتحرك بدافع من مبادئها من دون أن يكون أحدها خالياً من الشوائب… حيث تناول لحياة ماكان يسمى بعصر الإنفتاح ، وماسببه هذا العصر من وجهة نظر المؤلف (نجيب محفوظ) ووجهة نظر المخرج (علي بدرخان) الذي لم يكن يوماً بعيداً عن النقد الاجتماعي في أفلامه فقد قدم لنا من قبل فيلم «الكرنك» الذي انتقد فيه مرحلة ما بعد هزيمة حرب ١٩٦٧ ذلك الفيلم أيضاً كان عن رواية نجيب محفوظ التي نشرت قبل سنة واحدة من إنتاج الفيلم ومع الممثلين سعاد حسني ونور الشريف في واجهة عريضة ضمت كذلك كمال الشناوي وفريد شوقي وتحية كاريوكا وعماد حمدي وعلي الشريف من بين آخرين…وتدور أحداث الفيلم عن حالة الاستبداد السياسى والفكرى.
ورغم ذلك، نجد أن فيلمنا اليوم لم يكن نقداً صريحاً مثل فيلم الكرنك، فربما تكون الرقابة (ذاتية أو رسمية) وربما يكون موقفاً شخصياً للمخرج الذي لا يريد إدانة الأطراف سياسياً، بل يفضل الحكم عليها أخلاقياً.
مع ذلك، تظهر براعة بدرخان مخرجاً فذاً للأحداث، ومديراً بارعاً لشخصياته. الجميع يبدو مختلفاً هنا عن معظم ما قام بتمثيله سابقاً. ربما حركات نور الشريف هي ذاتها، لكن براعته في أداء الدور المتأرجح بين العاطفة الصادقة والجنوح صوب المصلحة الذاتية لا تنسى… وقدم نور مشهد من أدق المشاهد وأبرعها فى الأداء , وفى التعبير عن التناقض بين ظاهر الشخصية وباطنها، حين حاول الفرار لأول وهله عندما سمع الناس تصرخ فى أحد الأسواق(حرامى…حرامى) رغم مظهره الجديد والمختلف…وارتبط نور الشريف، منذ صغره بأعمال الأديب العالمى نجيب محفوظ، وكان يقول عن نفسه إنه من مريدي نجيب محفوظ، وإن روايات أديبه المفضل لم تُقرأ بعد! في المقابل، كان محفوظ يثني كثيراً على نور الشريف، ويطمئن إلى الأدوار التي يقوم بتمثيلها… ومن أعمال نجيب محفوظ قدم نور شخصية كمال عبد الجواد، فى الجزء الثانى من الثلاثية”قصر الشوق”، فى الفيلم الذى يحمل نفس الاسم، إنتاج عام ١٩٦٧، كما قدم أيضا شخصية الشاب الثرى كامل رؤوبه فى فيلم السراب، المأخوذ عن رواية بنفس الاسم إنتاج عام١٩٧٠ من إخراج أنور الشناوى، ومن بطولة ماجدة ورشدى أباظة، ثم أعقبه بالجزء الثالث من الثلاثية إستكمالا لشخصية كمال فى فيلم “السكرية”، فى نفس العام أيضا، ولعب دور شطا الحجرى، فى فيلم “الشيطان يعظ” المأخوذ عن قصة قصيرة تحمل اسم “الرجل الثانى” ضمن المجموعة القصصية “الشيطان يعظ” لأديبنا الكبير ، أيضا قدم دور إبراهيم براءة فى فيلم ” عسل الحب المر” عام ١٩٨٥وهو مأخوذ عن قصة قصيرة بعنوان “دنيا الله” من المجموعة القصصية التى تحمل نفس الاسم ، ثم تلاه بتقديم شخصية مختار، فى فيلم “وصمة عار” عام ١٩٨٦ المأخوذ عن رواية “الطريق” ، وكذلك قدم شخصية جعفر فى فيلم “قلب الليل”، المأخوذ عن رواية بنفس الاسم للأديب العالمى نجيب محفوظ، عام ١٩٨٩ ، وبعده قدم شخصية عاشور الناجى، فى مسلسل “الحرافيش” سنة ١٩٩٨المأخوذ عن ملحمة “الحرافيش” …ويعد هذا المشوار الفنى الحافل،والذى قدمه نور الشريف خلال إرتباطه بالأعمال السينمائية والتليفزيونية التى كتبها نجيب محفوظ، لتوضح مدى حبه وتقديره للأديب الكبير .
تمامٱ فيما تعد الفنانة الراحلة شادية أكثر ممثلة شاركت في أفلام كتبها الأديب العالمي.
يُذكر أن لنجيب محفوظ في قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية، التي شارك في إعدادها عدد كبير من النقاد، ضمن فعاليات الدورة العشرين من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، نصيب كبير، فالقائمة ضمت “بداية ونهاية”، “الفتوة”، “الناصر صلاح الدين”، “الكرنك”، “درب المهابيل”، “إحنا التلامذة”، “لك يوم يا ظالم”، “الاختيار”، “جميلة”، “المذنبون”، “الوحش”، “ريا وسكينة”، “إمبراطورية ميم”، “أنا حرة”، “السمان والخريف”، “بين القصرين”...ليكون لدينا أكثر من عشرين رواية حوّلت إلى أفلام سينمائية، فيما بلغ عدد الأعمال التي كتبها الأستاذ وتحولت إلى مسلسلات تلفزيونية نحو ثمانية روايات…كما كتب محفوظ عددٱ من السيناريوهات الكبرى التي تعد من أفضل الأفلام السينمائية في تاريخ السينما المصرية والعربية، مثل “شباب امرأة”، بطولة الفنانين تحية كاريوكا وشكري سرحان، و”الفتوة” إخراج صلاح أبو سيف، بطولة فريد شوقي، وتحية كاريوكا ومحمود المليجي ، أيضا كتب محفوظ عددا آخر من الأفلام، من بينها: “أنا حرة” المأخوذ عن رواية للأديب والكاتب إحسان عبدالقدوس، وإخراج صلاح أبو سيف، و”جميلة بوحريد”، الذي أنتجته ولعبت دور البطولة فيه الفنانة ماجدة، من إخراج يوسف شاهين، و”إحنا التلامذة” الذي أحدث ضجة كبرى حينها نتيجة تطرقه لعلاقة الأسر بأبنائها للمخرج عاطف سالم. وبوصول أدب نجيب محفوظ للعالمية، تحولت أعمال له في بعض الدول إلى أفلام سينمائية، مثل رواية “زقاق المدق” التي قدمتها السينما المكسيكية ومثلتها الممثلة “سلمى حايك” حيث أدت شخصية (لميتا) والتي تناظر شخصية حميدة في الرواية الأصلية لمحفوظ والتي سبق أن قدمتها الفنانة شادية بإمتياز أشاد به الكاتب بنفسه، ونال الفيلم جوائز دولية عديدة، فضلا عن جائزة آريل التى تماثل جائزة “الأوسكار” بالمكسيك، كما ترشح للدب الذهبى بمهرجان برلين، وأيضا في أذربيجان قدم فيلم “اعتراف” المأخوذ عن رواية “اللص والكلاب
وكذالك رواية “بداية ونهاية” التى قدمها المخرج المكسيكي “ارترو ريبستسين”، في تحويلها لفيلم عرض عام ١٩٩٣، لم تختلف الأحداث والشخصيات عن القصة الأصلية، وكما جاءت في الفيلم المصري “بداية ونهاية” والذي كان أول رواية لمحفوظ تحول لفيلم سينمائي.
وترجمت معظم أعماله الأدبية لكل اللغات تقريبٱ كما كانت رواياته مصدرًا لأعمال سينمائية كثيرة، وشكلت جزءا من تاريخ السينما المصرية.
أما عزت العلايلي فقد قدم دوره كما لو لم يكن ممثلاً على الإطلاق فقد إستطاع تجسيد مشاعر الضابط الشريف الذى تقهره الظروف ، وإن ظل متماسكا كإنسان رغم كل عوامل الإحباط المحيطة به، وقد عبر عن ذلك ببساطة وعفوية تحسب له، وكان معبرٱ عند رفضه للواقع فى نهاية الفيلم، شديد المرارة حين قال بألم عميق “ياخسارة” لإدراكه أن الظروف الطارئة، على هذا المجتمع قد أضاعت أجمل مافيه من قيم …قدم العلايلى مع محفوظ سواء للسينما أو التليفزيون أو الإذاعة تقريبا إثناعشر عملا، نذكر منها فيلم الاختيار وحماسة عزت بعد النكسة لعمل قوي يعبر عما يجيش في صدر الأمة، فكتب بضع صفحات عرضها على نجيب محفوظ فكان فيلم “الاختيار” من إخراج يوسف شاهين.
أما سعاد حسنى فستظل هى السندريلا المتألقة دائما، مهما كان الدور الذى تلعبه، ومهما كان حجمه فى الرواية فأثبتت أن الفنان الكبير يمكنه أن يجعل من أصغر الأدوار عملاقٱ حقيقيٱ، فقد أجادت تصوير مشاعر سهام إبنة الطبقة المتوسطة، التى تعيش فى كنف خالها، وتحت سياط لسان زوجته، والتى تحاول الخلاص من هذا الواقع المرير، فتتألق فى التعبير برعشة شفتيها، أو خلجات عينيها، أو نظرة كلها إنكسار فى لحظة سعادة عابرة، أو موقف إمتنان أو تحدى…كل ذلك قدمته سعاد حسنى بإقتدار وتميز … فالجميع تحت إدارة علي بدرخان متميزون يتمتعون بعناية إضافية، وهذه شهادة كل من عمل معه .
ينحدر على بدر خان من جذور كردية، درس في معهد السينما خلال الفترة التي قام خلالها يوسف شاهين وصلاح أبو سيف وتوفيق صالح بالتدريس في المعهد…أخرج أول أفلامه (الحب الذي كان) وهو لا يزال في الثامنة والعشرين من عمره، وكان أبطاله سعاد حسنى ومحمود ياسين ، حصل على جائزة أحسن إخراج عن فيلم الكرنك في المسابقة التي أقامتها وزارة الثقافة لأفلام عام ١٩٧٥ .
قال عنه يوسف شاهين (يمكنني أن أمرض أثناء العمل في فيلم إذا كان مساعدي هو علي بدرخان، أعرف أنني يمكنني أن أعتمد عليه تمامٱ في غيابي وسيقوم بكل شيء كما لو كنت موجودًا)…وهو نجل المخرج أحمد بدرخان، وقد عمل مساعد مخرج معه منذ سنته الأولى بالمعهد ، كان يهوى التصوير الفوتوغرافي منذ الصغر.
وقع خلاف شهير تعرفه البيئة السينمائية بينه وبين السيناريست وحيد حامد حول طريقة تقديم مسرحية (جريمة في جزيرة الماعز) لأوجو بيتي على شاشة السينما، مما أدي لخروج القصة في فيلمين (الراعي والنساء) الذي أخرجه وكتب له السيناريو، وفيلم (رغبة متوحشة) لوحيد حامد وخيري بشارة .
أما مصطفى محرم فقد كان بارعٱ فى تقديم شخصياته، مبينٱ من الوهلة الأولى ملامحها الإجتماعية والإقتصادية والنفسية، فجعل تعارفها أو تقابلها أمرٱ منطقيٱ، وليس صدفة مفتعلة
صمم الموسيقار”جمال سلامة” الموسيقى التصويرية للفيلم ، وهو موسيقي مصري، من مواليد الإسكندرية، نشأ فى عائلة فنية، فوالده حافظ أحمد سلامة كان مؤلفًا للموسيقى السيمفونية، وكان أخوه ملحنًا وعازفًا لآلة الأكورديون بفرقة سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وباقي عائلته الفنية كانوا يعملون بالمجال الفني .
إن قيمة “أهل القمة” تكمن فى أنه إستطاع تقديم صورة لمجتمع تكاد تعصف به رياح التغيير المدمرة، التى تبدل قيمه وتعدل علاقاته، وتحليل الظروف التى أفرزت أهل القمة الجدد، ليأتى الفيلم وثيقة فنية لتلك الفترة، بإشارتها الواعية وتحذيرها من تلك الطبقة الطفيلية… ويصبح فيلماً هاماً وناجحاً، على صعيد النقاد والجماهير على حد سواء. وقد ساهم في نجاحه هذا، تركيزه على سلبية واحدة من سلبيات الانفتاح وهى (التهريب) بعيدٱ عن الضياع والتشتت في مواضيع كثيرة لاتفيد .
ونختتم حديثنا اليوم بإستعارة عبارة على لسان فراش المدرسة عند إكتشافه أن ناظر المدرسة فى فيلم(المذنبون) يبيع الإمتحانات فيقول :-
{ ياخسارة الناس الطيبين} .
(شريف الوكيل)
**************************************