مقدمــــــة:
ضمن أهم الإشكاليات الحديثة التي واجهت ولا تزال الإنسانية منذ بدايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يأتي الحديث عن قضية الحضارات الإنسانية، وهل هي حضارة واحدة، أم حضارات متباينة، بل لقد ذهب البعض في طريق أبعد من ذلك عندما تحدثوا عن حتمية المواجهة والصراع بين الحضارات([1])، لا إمكانيات التلاقي بين الإنسانية عبر موجات التفاعلات البشرية التي عرفت باسم الحضارات.
ولعله من سوء الطالع أن سكان الأرض المعاصرين قد قدر لهم أن يعيشوا أحداث الحادي عشر من سبتمبر أيلول 2001، تلك التي أذكت “وهم” صدام الحضارات، لاسيما بين طرفين أساسيين حول الكرة الأرضية، العالم الغربي، والعالم العربي، وجوازا العالم المسيحي اليهودي، في مواجهة الإسلامي الكونفوشيوس، بحسب توصيف وتصنيف “صموئيل هنتنجتون“.
وقد كان هذا الانطباع خاطئا، فأسامة بن لادن لم يكن ليمثل العالم العربي ولا الإسلامي، وبطريقة مماثلة لم يمثل جورج بوش الاتجاه الغربي السائد، وكان الأمر في حقيقته ليس أكثر من مجموعتان محددتان جداً من العوامل هما اللتان تتصادمان، وبيس هو صدام الحضارات التي ننتمي إليها. لكن حصر الوعاء الإنساني الحضاري في طرفي نقيض كما فعل هنتنجتون، أمر لا يستقيم فهناك عشرات الحضارات التي سادت ثم بادت، ومنها ما هو كائن في الحال، وعرضه للاضمحلال في الاستقبال، وبينها كذلك ما هو خارج دائرة تنويعات هنتنجتون القريبة من العنصرية، وفي كل الأحوال يبقي التساؤل الأولى الذي لابد منه، ما هي الحضارة … ماذا تعني … وكيف لنا أن نعرفها ؟
في المفهوم الإنساني للحضارة:
عديدة هي في واقع الحال التعريفات العلمية والأكاديمية للفظة الحضارة، لكن المعنى والمبنى، يكاد يتشابه فيها جميعا، فهي نتاج الشعوب التي وعت دورها، ومن ثم قامت بأدائه وفق المقومات التي تمتلكها، معتبرة أن من أدى الواجبات نال الحقوق، وأن الأمر لابد له من فترة حضانة، وللحضارة على هذا الأساس مكونان أساسيان، الإدارة الحضارية التي تعني المبررات عند الإنسان، والإمكان الحضاري المتمثل بالعلوم والفنون والتكنولوجيا([2]).
والشاهد أن كلمة “الحضارة” قد ارتبطت ارتبطاً وثيقاً بالكاتب والمفكر الأمريكي الشهير “وول ديورانت” صاحب الموسوعة الأشهر في عالم المؤلفات الإنسانية: “قصة الحضارة” وفي كتابه العام “أبطال من التاريخ … مختصر قصة الحضارة“([3])، نجده يقدم لنا رؤية خاصة للحضارة، فالتاريخ الإنساني عنده ما هو إلا شذرة من علم البيولوجيا، والإنسان ليس إلا واحدا من ملايين الأنواع الحية، وهي كلها عرضة للصراع من أجل الوجود، ويحكمها التنافس بين الأكفاء من أجل البقاء.
غير انه قرناً بعد قرن، روض الإنسان نفسه على السكن بين الجدران، وجنح إلى الحياة المستقرة، والنسوة اللواتي دجن الخراف، والكلاب، والحمير، والخنازير، وها هن الآن يدجن الرجال، فالرجل هو الحيوان المدجن الأخير للمرآة، وتمدنه جزئي فقط، وقد قوبل بممانعة شديدة منه، وبالتدريج أخذ يتعلم منها الخصال الاجتماعية: حب الأسرة، الشفقة والحنان، الرزانة والرصانة، الاستعداد للتعاون والنشاط الجماعي، وتعين هنا أن يعاد تعريف الفضيلة كخاصية لابد منها لبقاء الجماعة، ومن هنا بدأت الحضارة، لأنها تعني صيرورة الناس مواطنين متمدنين.
المؤرخ الفرنسي “فرنون بردويل“
أما المؤرخ الفرنسي “فرنون بروديل” فقد عرف الحضارة في مداهلته التي كتبها لإحدى الموسوعات في العالم 1959 كما يأتي([4]): “إننا نتحدث أولاً عن مجال، عن “مساحة ثقافية” … عن مكان يجب عليك أن تتصور مع المكان أنواعا كبيرة من “السلع والأشياء … وخصائص ثقافية، تتراوح ما بين أشكال البيوت، والمواد التي شيدت بها، وسقوفها، وبين مهارات مثل ترييش السهام، وبين لهجة أو مجموعة من اللهجات، وبين أذواق الطبخ، ومجموعة من المعتقدات، حتى البوصلة، والورق، والمطبعة … إننا نتحدث هنا عن التجميع المنتظم، وعن تواتر حدوث خصائص محددة، وعن شمولية وجود هذه الأشياء ضمن مساحة محددة، بالترافق مع نوع من أنواع الديمومة المؤقتة“.
يطول البحث في التعريفات، لكنها جميعا تبلغ مبلغاً واحداً، إنها النشاط الإنساني المشترك، لإضفاء مسحة من الراحة والأمل للإنسانية الباحثة عن الحلم، وعن اليوتوبيا، منذ لحظة خروجها إلى الأرض، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
صموئيل هنتنجتون
هنتنجتون وانقلاب على مفهوم الحضارة:
حكماً إننا لسنا في مجال تفكيك وتحليل تلك الرؤية الافتراقية لصموئيل هنتنجتون، لكن نقاط بسيطة من رؤيته التي ضمنها كتابه الشهير عن صدام الحضارات([5])، تقودنا إلى قناعة فكرية فحواها انقلاب كامل على الأصل، أي رفض لما يجمع لحساب ما يفرق، فعوضنا عن أن تكون الحضارة “معينا إنسانياً واحداً” يلجأ إليه المجموع البشري، يقدم لنا رؤية تشريحية لأجزاء إنسانية متصارعة إلى حد الامتثال والاشتباك الملح، خذ إليك على سبيل المثال ما يلي:
- تقوم فرضية هنتنجتون على أن المصدر الأساسي للصراع في العالم الجديد، لن يكون بالدرجة الأولى بسبب إيديولوجي أو اقتصادي، بل إن الانقسام الأكبر سيكون بسبب الحضارة، وستظل الدولة القومية Nation state هي اللاعب الأقوى على مسرح الشؤون الدولية، غير أن الصراعات الرئيسية في السياسة الدولية ستنشب بين الدول وبين مجموعة دول تنتمي لحضارات مختلفة.
- ستكون حدود التوتر الفاصلة بين تلك الحضارات المختلفة هي ذاتها خطوط المعارك في المستقبل، إن الصراع بين الحضارات المختلفة إن هو إلا الطور الأخير في عملية تطور النزاعات في العالم الحديث.
- ستكون الهوية الحضارية متزايدة الأهمية في المستقبل، وسيشكل العالم إلى حد كبير نتيجة تفاعلات بين سبع أو ثمان حضارات رئيسية تشمل الحضارة الغربية، الكنوشيوسية اليابانية، الإسلامية، الهندية، السلافية، الأرثوذكسية، الأمريكية اللاتينية، وربما الحضارة الإفريقية. أما الصراعات الأهم التي ستنشب في المستقبل، فإن حدودها ستكون حدود التوتر الحضاري التي تفصل بين هذه الحضارات الواحدة عن الأخرى.
ومن أشرس العبارات والمفاهيم التي جاءت في نظرية هنتنجتون تلك المتعلقة بعلاقة العالم الغربي بالإسلام وعنده على سبيل المثال:
- إن المجابهة القادمة مع الغرب ستبدأ من جانب العالم الإسلامي كما يقول المؤلف الهندي المسلم “م. ج. أكبر” وأن النضال من أجل نظام عالمي جديد سيتحقق بتحرك شامل للدول الإسلامية من المغرب إلى باكستان([6]).
هل آمن الغرب كله أو جله بما قاله هنتنجتون من حتمية صراع الحضارات أم أن هناك من خالفه ومضى في طريق السعي إلى تأكيد أن الحضارات وجدت لتأكيد تعايش الشعوب والثقافات والتقائها، وخدمة بعضها البعض في شرق المسكونة وغربها ؟
هارالد موللر
هارالد موللر … الحضارات في خدمة الإنسانية:
على الجانب الآخر من الأطلسي كان الفيلسوف الألماني “هارالد موللر”، وععبر كتابع “تعايش الثقافات … مشروع مضاد لهنتنجتون يؤكد على إمكانية بل حتمية تعايش الحضارات المشتركة، وتسخيرها جميعا من أجل الصالح الإنساني العام، ووحدة الجنس البشري.
يتساءل موللر ما العمل ؟ وكيف يمكننا التوصل إلى جعل دواعي الارتباط والتعاون بين أبناء الحضارات المختلفة – إن قبلنا جوازاً بالفكرة ذاتها – أكثر قوة من أسباب الفرقة([7]) ؟
ما هي الخطوات الضرورية لتعزيز السلام في مقابل النزاعات العنيفة في وقت يصبح فيه عدد متزايد من الناس أقل شعوراً بالأمن، وقد غيرن الظروف الخارجية مجرى حياتهم وباتوا بذلك أيضاً مهيئين للعنف…!! يقدم لنا موللر الألماني جوابا على ثلاثة أصعدة في سياق انتظام الجنس البشري في مصفوفة واحدة تقود إلى تمتين الروابط الإنسانية، لا تمزيقها، وهي الدولة، والاقتصاد، والمجتمع.
المبدأ الحاسم فيما يتعلق بعالم الدول هو أن أي لاعب هام لم يخرج نفسه بنفسه من شراكة الشعوب من خلال حرب عدوانية أو جرائم في حق الشعوب لا ينبغي له أن يشهر بالخوف. إن بناء الثقة أكثر أهمية من الردع، علماً أنه لا يمكن التنازل عن هذا الأخير في مواجهة مخلين محتملين بالسلام.
يطالب موللر في مواجهة الدعوات العنصرية الغربية من قبل البعض الساعية لعزل بعض من دول العالم الإسلامي بدعم تضامني للدول التي تبذل مجتمعاتها جهوداً في تحديث رؤاها الآنية ومشروعاتها المستقبلية، وفي استدخال مبادئ من الثقافة السياسية الغربية مهما كانت غير متصفة بالكمال.
أما فيما يخص الجانب الاقتصادي فيوصي موللر بدعم أقطار العالم الإسلامي التي قطعت شوطاً في الإصلاح الاقتصادي، الأمر الذي يضمن رفاهية شعوبها، ويضمن انفتاح تجاري واقف مع الغرب والشرق، ويقلل من فرص ظهور حركات التطرف النابعة من الفقر والبطالة والفساد.
نيتشه
نيتشه وجزر الحضارات المنعزلة:
بالقطع لا يستطيع الإنسان أن يعيش في هذا الكوكب بمفرده منعزلا عن بقية الناس، وإلا فإنه في هذا الحال وعلى حد قول الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه([8])، إما أن يكون إله أو شيطان، إذ لا يقوى على العزلة والانعزال إلا واحداً من الاثنين، وقطعا لأنه إنسان، لذا فهو ليس إله ولا شيطان، ولهذا لا يقوى على العيش بمفرده مهما علت الحضارة التي ينتمي إليها.
ومن هنا عرف الفلاسفة القدماء الإنسان بأنه مدني بالطبع كما عرفه علماء الاجتماع بأنه كائن اجتماعي.
والشاهد أنه مهما اختلف الناس في لغاتهم وأجناسهم وعقائدهم فإنهم لا يختلفون في جوهرهم. فطبيعة الإنسان واحدة في كل زمان ومكان، وإذا كنا في حاجة إلى غيرنا فإن غيرنا في حاجة إلينا، وهذه سنة الحياة، ومن هنا كان تأكيد القرآن الكريم على أن الله قد خلق الناس مختلفين ليتعارفوا، والتعارف هو الخطوة الأولى نحو التواصل بين الناس والتعاون فيما بينهم من أجل خيرهم وسعادتهم([9]).
ولعل السؤال الذي يجب أن يشغل أبناء الحضارات الإنسانية الراقية في “حاضرات أيامنا” كيف يتم هذا التواصل بين الناس ؟ أو: ما هي آليات التواصل ؟
الثابت أن الله سبحانه وتعالى عندما خلق الإنسان في أحسن تقويم جعل من وجه الفرد نافذة يطل منها على هذا الكون، ومن خلالها يتم التواصل عن طريق آليات عديدة منها السمع والبصر والكلام وتعبيرات الوجه وغير ذلك من وسائل. ولأهمية الوجه يقول النبي عليه الصلاة والسلام: “تبسمك في وجه أخيك صدقة“([10])، والبسمة تعبر عن نفسها في انفراج أسارير الوجه. وفي ذات المعنى يقول النبي صلى الله عليه وسلم أيضا: “لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق“([11]) … هل الابتسامة هنا وفي عالم وزمن العولمة تتوقف عند حدود الداخل المحلي أو الإقليمي أم أنها قادرة على تجاوز الحدود والسدود والقارات وإقامة المجتمع الإنساني المتسامح والمتفاهم عبر القارات ؟ الجواب دون تهوين أو تهويل هو أنه إذا كان من المستحيل إيقاف قطار العولمة، فإننا من ناحية أخرى ينبغي أن نتبين ما في هذا التيار من جوانب إيجابية وأخرى سلبية حتى نستفيد من الإيجابيات ونتجنب السلبيات، عملا بقوله تعالى: “فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ“([12]).
غوستاف لوبون
الحضارة الإسلامية في خدمة الإنسانية:
لا يستقيم الحديث عن دور الحضارات في خدمة المسيرة الإنسانية دون التوقف طويلا ومليا مع الحضارة الإسلامي التي ظلت أرقى حضارة إنسانية مدة تزيد على عشرة قرون، كما ذكر “وول ديورانت” وكما أشار إلى ذلك المفكر الفرنسي الكبير “جوستاف لبون“([13])، صاحب كتاب “حضارة العرب“
يتساءل الباحث المحقق والمدقق في قصص الإنسانية وأحاجي الكون: “ما الذي قدمته الحضارة الإسلامية إلى البشرية حتى تحتل مثل هذه المكانة الكبيرة في رحلة التطور البشري وبشهادة شهود عدول من غير الأجناس العربية ومن غير الذين يعتنقون الإسلام ديناً ومذهباً ؟!!
يخبرنا المفكر الإسلامي الكبير الراحل الدكتور “عبد الحليم عويس“([14])، أن الحضارة الإسلامية خدمت الحضارة الإنسانية في رحلة تطورها من جانبين:
- الجانب الأول: أنها قدمت لها خلاصة الحضارات القديمة بأسلوب ملائم للعصر، مقرون بالشرح والتوضيح، ومقرون كذلك بالنقد والتجريح عندما يقتضي الأمر ذلك، فوجدت أوربا بين يديها علوما ومعارف كانت قد عجزت عن استيعابها، وكادت الخيوط تنقطع معها، وحتى ولو كانت محفوظة في الكتب.
- الجانب الثاني: أنها تقف عند هذه المرحلة بل قامت بعمل عظيم غير مجرى الحضارات الإنسانية، وهو أنها وصلت معرفياً وكيفياً، وليس تراكمياً فقط، ما كاد يذهب وينقطع معه التواصل، وذلك عندما قامت بحركة إبداع شملت كل المعارف والعلوم، وجمعت بين التطورين الكمي والكيفي، وقدمت نظريات ومدارس فكرية وعملية، ومؤلفات تتلمذت عليها أوربا ولعدة قرون.
ولعله بين يدي هذا المقام يعين لنا كذلك التساؤل: “هل كانت الحضارة العربية والإسلامية، حضارة تنفيذية فقط، حضارة كلام إنشائي وأحاديث طنانة رنانة، أم حضارة معرفة وعلوم وضعية وتطبيقية لم يعرفها الغرب إلا حديثاً ؟ تخبرنا صفحات التاريخ بأنه في المساجد الكبرى وفي الحواضر الإسلامية كانت علوم الفيزياء والكيمياء والطب والفلك تدرس جنبا إلى جنب مع علوم الشريعة، واللغة العربية، بل كان أمراً جديداً على المستوى الإنساني أن يكون عدد كبير من علماء الشريعة، علماء في الوقت نفسه في علوم تطبيقية أخرى دون التفوق أو التعصب لعلم على علم، فكل العلوم الصحيحة تخدم الدين والدنيا معاً، إذا كانت وسائلها شريفة وأهدافها نافعة كريمة([15]).
علوم المسلمين ونهضة أوربا المعاصرة:
لم تكن علوم المسلمين التي ازدهرت في القرون الثلاثة (التاسع والعاشر والحادي عشر) قسراً في منافعها عليهم، بل ساهمت إنجازاتهم العلمية في ظهور عصر النهضة في أوربا ولذلك يذهب عدد كبير من علماء الغرب إلى القول أنه لولا أعمال العلماء المسلمين الرائعة لاضطر علماء النهضة الأوربية أن يبدؤوا من حيث بدأ هؤلاء العلماء المسلمين ولتأخر سر المدنية العالمية لعدة قرون([16]) … ما الذي جاءت به الحضارة الإسلامية واعتبر فضل منها على البشرية ؟ الثابت أن المسلمين جاءوا بمبدأ جديد في البحث هو مبدأ يتفرع من الدين نفسه، وهو مبدأ التأمل والبحث والذي بدأه المسلمون ثم مالوا بالاشتغال إلى علوم الطبيعة وبرعوا فيها، وهم الذين برعوا في علوم الكيمياء والطب والصيدلة، والهندسة والجبر، والفلك،. في هذا الصدد يحدثنا المستشرق الفرنسي الكبير “هنري لاوست“([17])، في كتابه الثقافة الإسلامية: “إن وحدة الثقافة الإسلامية تقوم على أساس وحدة العقائد الإسلامية، وما كان الانقسام عند المسلمين إلا في الفروع، ومهما يكن من تأثير العنصر الديني في الثقافة الإسلامية، فإن الإسلام ليس فيه ما يمنع البحث العلمي، ولقد كانت اللغة العربية من أهم دواهي وحدة الثقافة بين المسلمين ومن أهم أسباب تفوق هذه اللغة هي أنها لغة القرآن الكريم الذي يجتمع المسلمون عليه“
هل من اعترافات أوربية رسمية بفضل الحضارة الإسلامية على العالم لاسيما في سياق خدمتها للبشرية دون تفرقة لجنس أو لون أو دين ؟ يعترف الكاتب والأديب الفرنسي “روبير بريو” بفضل العالم الإسلام قائلا: “كانت أوربا في القرن الحادي عشر والقرن الثاني عشر تتجه إلى العرب باحثة عما استجد عندهم من صناعات ومن فنون وكانت السبب في تطورها وتقدمها، وكانت أوربا تتجه إليهم باحثة عن كشوفهم في علوم الرياضة والفلك والطب والكيمياء، لقد دعيت أوربا فجأة إلى الحياة بعد أن ظلت غارقة في ظلمات الجهل قروناً، ذلك لأن الروح العلمية التي كانت سائدة في مدارس بغداد كان همها استخراج المجهول من العلوم والتدقيق في الحوادث تدقيقاً مؤدياً إلى استنباط العلل من المعلومات وعدم التسليم بما يثبت بغير التجربة وهذه ميادين قال بها أساتذة وعلماء من المسلمين في القرن التاسع من الميلاد.
والخلاصة هنا أن العالم الغربي يدين بوجود الثقافة العربية وأن الطريقة العلمية الحديثة قدمها الإسلام للغرب، وأنه ليس هناك أدنى شك في أن روح البحث العلمي الجديد وطريقة الملاحظة والتجربة التي أخذت بها أوربا إنما جاءت في اتصال طلاب الغرب الأوربي بالعالم الإسلامي.
الحضارة المسيحية العربية وفضل علومها:
هل سبقت الحضارة العربية في شقها المسيحي، الحضارات الأوربية الغربية؟، وبديهي عدم الإشارة إلى الأمريكية، حيث لم تكن قد ظهرت على سطح الأحداث بعد ؟ ربما يكون الحديث هنا ميزة تضاف إلى الموازين الحضارية العربية بشقيها الإسلامي والمسيحي، وفضل هذه الحضارة على البشرية واتصالها ببقية شعوب العالم دون أدنى إحساس بمركبات النقص، لقد كان للعلماء المسيحيين العرب دورهم الكبير الحياة العلمية في الدولة الإسلامية([18])، وتعايشوا مع زملائهم من العلماء المسلمين في مجتمع تعددي، وقد ساهم هؤلاء العلماء في ميدان التعليم، فعلموا المسلمين، وتعلموا منهم، وشاركوا في الحلقات العلمية التي كانت ذات طابع تعددي واضح.
وهناك إحصائية لعدد من العلماء المسيحيين العرب الذين خلفوا آثاراً كتابية ونقلية وهي كما يلي:
215 طبيباً | 63 ناقلاً | 40 فيلسوفاً ومنطقياً |
15 فلكياً | 10 رياضيين | 7 منجمين |
5 كيميائيين | 4 صيدلانيين | 1 جغرافي |
1 نسابة | 1 حجامة | 1 اصطرلابي |
كان السواد الأعظم من هؤلاء النصارى من البلاد الواقعة ضمن الهلال الخصيب، وكانوا في كثير من الأحيان يجيدون إلى جانب لغتهم الأصلية، أي الأرامية، أو السريانية، لغة الثقافة القديمة أي اليونانية، ولغة الفاتحين الجدد العربية، وهذا ما دفع الخلفاء إلى الاستعانة بأعداد كبيرة منهم لنقل ثروات الثقافتين اليونانية والسريانية على لغة العرب([19])، ولاشك أن البيئة العلمية التي كانت تسود مجتمع الدولة الإسلامية كانت تساعد العلماء في إنتاجهم ونتج أيضا علماء جدد، فكانت تعقد الحلقات العلمية في حضرة الخلفاء، وكانت تجمع العلماء على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، كانت للخلفية العباسي (المأمون) حلقة علمية يجتمع فيها علماء الديانات والمذاهب كلها، وكان يقول لهم: ابحثوا ما شئتم من العلم من غير أن يستدل كل واحد منكم بكتابه الديني كيلا تثور بذلك مشاكل طائفية([20]).
وكان في مجلس الخليفة العباسي الواثق حلقات علمية، وتعقد في القصر مناظرات في علوم الطبيعة وما وراء الطبيعة يشارك فيها “ابن بختيشوع، ويوحنا ماسوية، وميخائيل إبنه، وحنين بن إسحاق، وسلموية“.
ولعل أفضل مشهد للتبادل الإنساني الحضاري، والذي كان النموذج الأنفع والأرفع لبقية أبناء الحضارات الأخرى حول العالم هو مشهد الدولة الإسلامية في مبتدأها، فقد كان المسلمون يتعلمون على أيدي المسيحيين، والمسيحيون على أيدي المسلمين، فلم يكن العالم المسلم يستكثف أن يأخذ العلم عن نصراني، حتى الفارابي الفيلسوف الكبير أخذ بعض علمه عن نصاري نجران([21]).
كانت جموع طلاب العلم تتسابق إلى معاهد قرطبة وبغداد والقاهرة، كما تستقي الحكمة من صدور معلمي الشرق وحكماء المسلمين.
وها هم المسيحيون القابعون في أقاصي زوايا أوربا الغارقة في ظلام الجهل لا يعدون نفراً منهم يؤم الكليات الإسلامية ليستنير. وقد أصبح الكثير من هؤلاء رؤساء ومفكرين كباراً في الديار المسيحية فيما بعد. وكان أحدهم هو البابا سلفيستر الثاني الذي تلقى علومه في جامعة قرطبة، حيث جعل هذه المدينة الأساتذة ورجال العلم كعبة للثقافة في أوربا، فكان عشاق المعرفة يزحفون إليها كم كل حدب ليتلقوا علومهم على أيدي أولئك المفكرين الكبار، وحتى الراهبة “روسوينرا” من ديرها القص في “عوزدهايم” ما كان لها أن تأنف من إنشاد أغاني قرطبة عندما ذكرت قضية استشهاد يوليو جيوس، وهي تقول يا قرطبة، يا أروع مكان في العالم وأبهاه.
والحديث عن دور المدارس النصرانية التي ازدهرت في بغداد يطول لاسيما وإنها ازدهرت ازدهاراً لا نظير له، وكثرت لديهم مكاتب البيع، كما كثرت مدارس الديارات، وضمت الوفا من المتعلمين والدارسين وازدحمت بمئات من المعلمين والمدرسين والأساتذة، فدرسوا في اغلبهم العلوم العقلية على تعدد أنواعها، بل درسوا كل ما يهود إلى اللغة العربية والأرامية واليوانينة من أصناف العلوم والمعارف والفنون كالنحو والشعر والتاريخ والجغرافيا والموسيقى والهندسة والفلك والطب والمنطق والفلسفة وعلوم الدين([22]).
الحضارات والهويات هل من تعارض:
بعد نحو عقد من خروج صموئيل هنتنجتون على العالم برؤيته لحتمية صراع الحضارات، طفأ على السطح جدل شديد، وربما لا يزال بعضا منه محتدم حتى الساعة، أنه ذاك الذي يتعلق بالهوية والانتماء، كلاهما في واقع الحال من الروافد الرئيسية والمحددات الأساسية لأي معين حضاري حول العالم.
وفهمنا كما يقول الدكتور عبد العزيز بن عثمان الشوبجري للهوية([23])، ينبني على تراثنا الحضاري، فالهوية فيق ثقافتنا العربية الإسلامية هي الامتياز عن الأغيار من النواحي كافة. ولفظ الهوية يطلق على معان ثلاثة:
التشخيص، والشخص نفسه، والوجود الخارجي. والهوية عند الجرجاني([24])، في التتعريفات هي: الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق.
وتستعمل كلمة “هوية” في الأدبيات المعاصرة لأداء معنى كلمة Identité (Identity)، التي تعبر عن خاصية المطابقة: مطابقة الشيء لنفسه، أو مطابقته لمثيله([25]).
وخلاصة القول أن الهوية الثقافية والحضارية لأمة من الأمم، هي القدر الثابت، والجوهري، والمشترك من السمات والقسمات العامة، ا لتي تميز حضارة هذه الأمة عن غيرها من الحضارات، والتي تجعل للشخصية الوطنية أو القومية، طابعاً تتميز به عن الشخصيات الوطنية والقومية الأخرى … هل يعني ذلك أن الهويات لابد لها وأن تتقاتل طالما أنها تعكس حضارات مختلفة ؟
في كتابه الشيق “الهويات القاتلة“([26])، يؤكد الكاتب الفرنسي الجنسية، اللبناني الأصل “أمن معلوف” على أن الهوية لا تعطى مرة واحدة وإلى الأبد إلى الفرد، بل تتشكل من عدة انتماءات وتتبدل من وقت لآخر، ويختلف تراتب عناصرها طوال حياة الإنسان، وبالتالي تضحى الهوية قابلة للتغير والتبدل حسب تأثير معطيات خارجية وداخلية.
يرى معلوف أن إطلاق لفظة “هويات قاتلة” هو أمر غير مبالغ فيه، ذلك أن المفهوم الذي يفضحه هو اختزال الهوية إلى انتماء واحد يضع الرجال في موقف متحيز ومذهبي ومتعصب ومتسلط وأحياناً انتحاري ويحولهم في أغلب الأحيان إلى قتلة أو إلى أنصار للقتلة … لماذا ؟ لأن رؤيتهم للعالم مواربة ومشوهة فالذين ينتمون إلى جماعتنا ذاتها هم أهلنا الذين نتضامن مع مصيرهم وقضاياهم ولكننا لا نسمح لأنفسنا في الوقت ذاته بأن نكون طغاة تجاههم، وإذا بدوا لنا فاترين نتنكر لهم ونرهبهم ونعاقبهم بوصفهم خونة ومارقين، أما بالنسبة للآخرين الموجودين على الشفة الأخرى فلا نسعى أبداً لأن نضع أنفسنا مكانهم، ونمتنع عن التساؤل عما إذا كانوا غير مخطئين تماماً حول هذه المسألة أو تلك، ولا نسمح لأنفسنا أن نهدأ بشكواهم أو آلامهم والمظالم التي كانوا ضحيتها، ما يهم هو وجهة نظر جماعتنا فقط التي غالبا ما تكون وجهة نظر أكثر الناس تشدداً في الجماعة وأكثرهم ديماجوجية وسخطاً.
العودة إلى الحضارة القبلية الكونية:
هل تمضي البشرية في طريق البحث عن عولمة يتبادل فيها الجميع الخدمات لتسهيل حياة إنسان القرن الحادي والعشرين بغض النظر عن الهويات والانتماءات المكونة للحضارات المتباينة أم تعود البشرية إلى الوراء لتتقوقع على ذاتها ولترتد إلى ضيق التفكير القبلي والمجتمعات البطريركية المنغلقة ؟
يدهش المرء في واقع الحال عندما تخرج أصوات مفكرين وباحثين غربيين بآراء تتنافى وتجافي فكرة العصرانية، ومرة ثانية نجد هنتنجتوون في المقدمة منهم، فضمن الدراسات التي لم يسلط الضوء كثيراً عليها، تلك التي كتبها في عدد شهري (نوفمبر – ديسمبر 1996) من مجلة شؤون خارجية([27])، تحت عنوان مثير للغرابة بالفعل “الغرب: منفرد وليس عالميا، يفرق فيها بين التحديث Modernization وبين التغريب Westernization، ويقول: “إن شعوب العالم غير الغربية، لا يمكن لها أن تدخل في النسيج الحضاري للغرب، حتى وإن استهلكت البضائع الغربية، وشاهدت الأفلام الأمريكية، واستمعت إلى الموسيقى الغربية، فروح أي حضارة هي اللغة والدين والقيم والعادات والتقاليد، وحضارة العرب تتميز بكونها وريثة الحضارات اليونانية والرومانية والمسيحية الغربية، والأصول اللاتينية للغات شعوبها، والفصل بين الدين والدولة، وسيادة القانون، والتعددية في ظل المجتمع المدني، والهياكل النيابية، والحرية الفردية“.
ويضيف قائلا: “إن التحديث والنمو الاقتصادي لا يمكن أن يحققا التغريب الثقافي في المجتمعات غير الغربية، بل على العكس، يؤديان إلى مزيد من التمسك بالثقافات الأصلية لتلك الشعوب ولذلك فإن الوقت قد حان لكي يتخلى الغرب عن وهم العولمة، وأن ينمي قوة حضارته وانسجامها وحيويتها في مواجهة حضارات العالم. وهذا الأمر يتطلب وحدة الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ورسم حدود العالم الغربي في إطار التجانس الثقافي“.
تستدعي كلمات هنتنجتون تلك عن العولمة تساؤلات عدة، فهل العولمة هي صيغة جديدة من صيغ المواجهة الحضارية التي يخوضها الغرب، بالمفهوم العام للغرب، ضد هويات الشعوب وثقافات الأمم، ومن أجل فرض هيمنة ثقافية واحدة، وإخضاع العالم لسيطرة حضارة واحدة ؟
جهاد حضاري لبلورة رؤية إنسانية واحدة:
ربما حان الوقت الذي تتوحد فيه الإنسانية من أجل بناء مفهوم إنساني شامل، مفهوم ينتج لكل فرد الشعور بمكونات وعوامل انتمائية لكن أيضا بقوميته ولغته ومعتقداته دون أن يكون مجبراً على الاختيار.
في هذا السياق علينا أن نميز بين مكونات القيم الأساسية للمجتمعات التي يجب أن تكون مشتركة وإن ظهرت مختلفة، فالعالم القابل للتقدم هو العالم الذي يستطيع كل فرد فيه أن يعبر عن آرائه باللغة التي يختارها والمعتقد الذي ينتمي إليه ولا يشعر بأي نقص في انتمائه لهذه الفئة أو تلك، وعلى السلطات والشعوب ألا تجعل ذلك مقياسا للتميز فمن لا يستطيع المرء أن يعبر بلغته عما يشعر به وعن معتقداته، وعن التعاون مع الآخر المختلف حضاريا عنه فذلك يعني أن العالم يسير إلى الوراء.
هل من مقياس حضاري أولى يدلنا على اتجاه سير البشرية، بمعنى هل هي ماضية قدماً في طريق الأسرة الكونية الكوسمولوجية الواحدة أم في طريق الهوية القبلية ؟
أمين معلوف
يرى “أمين معلوف” في محاولة للجواب على السؤال المتقدم أن مقياس الحضارات اليوم هو قبل كل شيء تقبل الآخر خاصة الذين يستقبلون مهاجرين ينتمون إلى حضارات أخرى، إذ يجب ألا يكون هذا الانتماء موضع مجابهة، وفي هذه المعركة تتحدد القيم الحضارية، فإن استطاع الغرب خاصة كسب هذه المعركة والانسجام بشكل حقيقي مع القيم التي يطالب بها، وهي قيم حضارية، عندئذ سيكون بمقدوره التغلب على جميع ا لمشكلات التي تعترضه مع المهاجرين.
هل الدور الحضاري الإنساني الواحد في أيامنا هذه بات فرض عين على سكان البسيطة كلها ؟
هذا السؤال نطرحه من جانبنا، ومبلغ الرأي هو أن الإنسانية اليوم، وهي في منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين تواجه أخطاراً جديدة لا مثيل لها في التاريخ، وتحتاج إلى حلولا شاملة مبتكرة، وإذا لم تتوافر هذه الحلول في مستقبل قريب، فلن يكون بالإمكان الحفاظ على شيء من كل ما صنع عظمة حضارتنا الإنسانية المشتركة وجمالها.
خذ أليك التغيرات المناخية على سبيل المثال، إنها اليوم التحدي الحضاري الحقيقي الأول والأخطر، وهو تحديد يفرض على الجميع عملاً جباراً وأملاً خلاقاً، جباراً من ناحية تضافر جهود الشرق والغرب، الروس والأمريكان، الحضارات السلافية وتلك المسيحية، والحضارة الإسلامية ونظيرتها اليهودية، الكونفوشيوسية والبوذية، فكارثة تغير المناخ لن توفر بشراً على الأرض من آثراها السلبية والكارثية.
إن جميع شعوب الأرض اليوم في مهب العاصفة بشكل أو بآخر سواء أكنا أغنياء أو فقراء، مستكبرين أو خاضعين، محتلين أو تحت الاحتلال، فنحن جميعا على متن زورق هزيل، سائرين إلى الغرق إذا أبحرنا فرادى وليس جماعات، ومن أسف نبدو كبحارة يتصارعون فوق سفينة، ولا يكفون عن تبادل الاتهامات والمشاحنات غير آبهين لتعاظم أمواج البحر، بل من المؤسف هو أننا كثيراً ما نرحب بالموجات القاتلة إذا ما ابتلعت أعدائنا أولا إبان صعودها نحونا، ولا يشغلنا أن مصيرنا سيكون سيئا للغاية في نهاية الأمر.
غرور الحضارات وتساؤل تشرشل الاممي:
ما الذي يعوق تكامل الحضارات من أجل خدمة الإنسانية ؟ ربما كانت فكرة القومية الحضارية من قبل البعض في مواجهة البعض الأخر، الأمر الذي يمكن أن نطلق عليه غرور الحضارات، هو العائق الأول والأكيد، وليدنا في فكرة الضرورة عند الرجل الأبيض تجاه تحضر بقية شعوب العالم مثال على هذا التفكير، وهو الأمر الذي انعكس لاحقاً على الحضارة الغربية بأكملها.
غير انه من قلب العالم الفكري الغربي يخرج من يقر ويعترف بأن الحضارة الغربية لا تخلو من العيوب القاتلة، فقد استنفذت هذه الحضارة حصتها من الآثام التاريخية، بدءا بوحشية الاستعمار إلى ابتذال المجتمع الاستهلاكي، ويضاف إلى ذلك أن إغراقها في المادية أدى إلى كل أنواع العواقب الوخيمة وليس أقلها تلك الرغبات التي شجع “فرويد” الغربيين على الانغماس فيها([28]).
ذات مرة تحدث رئيس وزراء بريطانيا الأشهر وبطلها في الحرب العالمية الثانية “ونستون تشرشل” عن نقطة جوهرية في سياق فهم مسيرة الكيانات الإنسانية، وذلك عندما عرف “المبدأ الرئيسي للحضارة الغربية” على أنه “خضوع الطبقة الحاكمة للعادات والتقاليد المتفق عليها بين الناس ولإرادتهم كما يعبر عنها الدستور، سأل تشرشل: لماذا لا تربط الأمم نفسها معاً في نظام أكبر وترسخ حكم القانون لمصلحة الجميع ؟ كان ذلك عنده بالتأكيد، الأمل الأسمى الذي يجب أن نسير جميعاً على هدية …
ونستون تشرشل
غير أن مؤرخاً بريطانياً شهيراً آخر، يرى أن من العبث أن نتصور أن مجرد … إعلان المبادئ الصحيحة … سيحمل معها قيمة إلا إذا دعمت بخصائص مثل الفضائل المدنية والشجاعة الرجولية، وكذلك بالأدوات ووسائل القوة والعلم التي يجب في نهاية المطاف أن تدافع عن الحق والمنطق.
يؤكد ونستون تشرشل على ما نذهب إليه في قراءتنا هذه من حتمية تعاون الأمم والحضارات لخير الإنسان والإنسانية فيقول في كتابه “الحضارة“([29])، إن الحضارة لن تدوم، والحرية لن تبقي، والسلام لن يخيم، إلا إذا اتحدت غالبية كبيرة جداً من البشر من أجل حمايتها، وإلا إذ أظهرت هذه الغالبية أنها تمتلك سلطة حفظ الأمن، وهي السلطة التي يجب أن تخيف القوى البربرية والغرائزية.
ظهرت تلك القوى البربرية والمتخلفة في العام 1938 في الخارج وعلى الخصوص في ألمانيا، ولكن كانت تلك نتاج الحضارة الغربية بمثل ما كانت عليه قيم الحرية، والحكومات الشرعية التي كانت عزيزة على قلب تشرشل. أما في هذه الأيام، وكما كانت الحال في ذلك الوقت، فإن أكبر تهديد يواجه الحضارة الغربية ليس ذلك الصادر عن الحضارات الأخرى – يقر فيرجسون – بل هو ذلك الجبن الذي يسيطر علينا، وكذلك جهلنا التاريخي الذي يغذيه.
توصيات ختامية لحياة حضارية:
هل من توصيات ختامية قبل الانصراف ؟ ربما يحتاج الأمر منا بالفعل إعادة قراءة وتفكيك بل وتحليل وتوصيف لجوهر فكرة الحضارة، حتى نباعد بينه وبين تعبيرات مذكوبة أبركريفية، من عينة ما يعرف بالتنبؤات التي تسعى إلى تحقيق ذاتها بذاتها أي ال Self prophecy ذلك أن أولئك الذين أرادوا “صراع الحضارات” كان مبلغهم فرض مقدرات هيمنتهم على العالم، بعد أن بدت البسيطة وقد دانت لقطب عالمي واحد منفرد بمقدرات وشئون العالم، وعليه يتوجب التميز بل والتفريق باستمرار بين فكرة الشراكات الحضارية لخير البشرية، وبين صراعات القوة، فالقوة ميدان تصويب، وضرب نار، والحضارة شراكة ومحيط أنوار في كتابه على هامش صراع الحضارات رؤية صحفي“([30])،
يسجل الكاتب المصري الأستاذ محمد حسنين هيكل ملاحظة هامة بالفعل، إذ يرى أننا لسنا أمام صراع حضارات متعددة متعارضة يمكن أن تتصادم أو تتصالح، لأن شواهد التطور التاريخي، تومئ إلينا بأنها حضارة إنسانية واحدة، صب فيها الجميع ما زاد عندهم أوقات الفيض، وسحب منها الجميع ما لزمهم أوقات الجفاف، وساعد كل في زمانه على ملء خزان هائل للحضارة الإنسانية أصبح شراكة طبيعية ورصيداً جماعياً متاحاً بالحق لمن يريد ويستطيع.
ولعل أول وأهم توصية ينبغي تعليتها من أجل أن تستمر الحضارات في خدمة الإنسان، لا الإنسان من أجل صراع الحضارات، هي تعميق الوعي بالآخر وثقافته ومحريات حياته، فالآخر الذي يعرف المرء عنه شيئا يصبح أقل غرابة، والحوار يغدو أكثر سهولة.
إن أفضل طريق لتستخير الحضارات لخدمة البشر، هو طريق الانفتاح وليس الانغلاق المحكم الذي يؤدي بنا إلى الخوف من الآخر المجهول.
إلى أين يمضى العالم بحضاراته وبملياراته الست والمرشحة لن تضحى “9” بحلول العام 2050 ؟ هل إلى تعاون أم تصادم ؟ ربما تكون الإنسانية وعن حق في حاجة على مشروع أممي كوني جديد، يحاول رسم صورة للعالم بعد أن عجزت المؤسسات الأممية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية وفي مقدمتها الأمم المتحدة، عن بلورة مشروع تعايش إنساني له ملامح وأبجديات، ويستند إلى قوة خير مشروعة، تنفذ العدل وتسعى في طريق العدالة، بعد أن رخص ثمن الإنسان وأضحى كما يقول “عاموس” بنى العدالة الاجتماعية القديم عند بنى إسرائيل، لا يتجاوز ثمن “زوجي حذاء” لا يملك المرء سوى الرجاء في أن يكون الغد أفضل وأرحب، وأن يخرج البشر من ضيق الإيديولوجيات إلى رحابة الأبستمولوجيا، وساعتها فقط ستعزز الحضارات من دورها الواجب الوجود من أجل خدمة “الإنسان الأعلى” المنشود، النموذج الذي سعى إليه ينتشه وتطلع إليه توماس كارليل على حد سواء.
المراجع
- com/articles/48950/samuel-p-humtimgton/the-clash-of-civilization
- موسوعة الحضارة المسيحية… جورج الفغالي… دار نوبليس… بيروت 2010، ص7.
- Heroes of history: will Durant, simon & Schuster, INC, NY, 2001, page 16-17.
- Civilization: The west and the rest. Niall Ferguson, London 2013, page 27.
- المصدر الأول في (1)
- قبول الآخر: د. ميلاد حنا، دار نش ستامبا، القاهرة 2000 ص 68، 69.
- هارالد موللر… مشروع تعايش الثقافات … دار الكتاب الجديد، بيروت 2005، ص 301.
- فريدريك نيتشه (1844-1900) فيلسوف وشاعر ألماني، وعالم لغويات متميز، ومن أبرز الممهدين لعلم النفس.
- د. محمود زقزوق: الفكر الديني وقضايا العصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2012، ص 149.
- سنن الترمذي.
- صحيح مسلم.
- سورة الرعد، الآية 17.
- Le Bom, gustave: decivilisation de arabes, Paris, 1946.
- عبد الحليم عويس (1943-2012) عالم مصر ونائب لرئيس جامعة روتردام الإسلامية بهولندا.
- تراث الإسلام: أرنولد توماس وآخرون: مترجم القاهرة 1936، صـ250.
- الحضارة الإسلامية وتحديات القرن الحادي والعشرين: د. عبد الفتاح الغنيمي، مكتبة مدبولي، القاهرة 1995، ص35.
- هنري لاوست (1905-1983): مستشرق فرنسي أهتم بالإسلاميات.
- العيش المشترك الإسلامي المسيحي في ظل الدولة الإسلامية … شهادة من التاريخ، د. محمد منير سعد الدين … المكتبة البولسية، بيروت 2001، ص87.
- الأب كميل حشيمة: في مقدمة كتاب علماء النصرانية في الإسلام، لويس شيخون جونيه، المكتبة البولسية، روما، المعهد البابوي الشرقي، 1983م، ص21.
- مصطفي السباعي: من روائع حضارتنا، بيروت، 1999م، ص142.
- جرجي زيدان: تاريخ التمدن الإسلامي، ج3، بيروت، دار منشورات مكتبة الحياة، 1967م، ص1830.
- رفائيل بابو اسحق: أحوال نصاري بغداد في عهد الخلاف العباسية، بغداد، مطبعة شفيق، 1960، ص140-141.
- د. عبد العزيز التويجري: الحوار من أجل التعايش، دار الشروق، القاهرة، 1998، ص 67.
- كتاب التعريفات، الشريف علي بن محمد الجرجاني، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، 1995، ص 257.
- الموسوعة الفلسفية العربية، المجلد الأول، الطبعة الأولى، معهد الإنماء العربي، بيروت، 1986م،ص 821.
- الهويات القاتلة، أمين معلوف، دار الفارابي، بيروت، ترجمة نهلة بيضون، 2010م.
- Samuel Humtington, the west: unique, not universal- foreign affairs, 6, nov/dec. 1996. vol. 75.
- Ibid, P 484.
- Churchill, winstons., Civilization, in Randolphs. Churchill (ed), whitefish, MT 200 [1940], 45-9.
- محمد حسنين هيكل: على هامش صراع الحضارات، دار الشرق، 2009، ص 35.
- com/articles/48950/samuel-p-humtimgton/the-clash-of-civilization
- موسوعة الحضارة المسيحية… جورج الفغالي… دار نوبليس… بيروت 2010، ص7.
- Heroes of history: will Durant, simon & Schuster, INC, NY, 2001, page 16-17.
- Civilization: The west and the rest. Niall Ferguson, London 2013, page 27.
- المصدر الأول في (1)
- قبول الآخر: د. ميلاد حنا، دار نش ستامبا، القاهرة 2000 ص 68، 69.
- هارالد موللر… مشروع تعايش الثقافات … دار الكتاب الجديد، بيروت 2005، ص 301.
- فريدريك نيتشه (1844-1900) فيلسوف وشاعر ألماني، وعالم لغويات متميز، ومن أبرز الممهدين لعلم النفس.
- د. محمود زقزوق: الفكر الديني وقضايا العصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2012، ص 149.
- سنن الترمذي.
- صحيح مسلم.
- سورة الرعد، الآية 17.
- Le Bom, gustave: decivilisation de arabes, Paris, 1946.
- عبد الحليم عويس (1943-2012) عالم مصر ونائب لرئيس جامعة روتردام الإسلامية بهولندا.
- تراث الإسلام: أرنولد توماس وآخرون: مترجم القاهرة 1936، صـ250.
- الحضارة الإسلامية وتحديات القرن الحادي والعشرين: د. عبد الفتاح الغنيمي، مكتبة مدبولي، القاهرة 1995، ص35.
- هنري لاوست (1905-1983): مستشرق فرنسي أهتم بالإسلاميات.
- العيش المشترك الإسلامي المسيحي في ظل الدولة الإسلامية … شهادة من التاريخ، د. محمد منير سعد الدين … المكتبة البولسية، بيروت 2001، ص87.
- الأب كميل حشيمة: في مقدمة كتاب علماء النصرانية في الإسلام، لويس شيخون جونيه، المكتبة البولسية، روما، المعهد البابوي الشرقي، 1983م، ص21.
- مصطفي السباعي: من روائع حضارتنا، بيروت، 1999م، ص142.
- جرجي زيدان: تاريخ التمدن الإسلامي، ج3، بيروت، دار منشورات مكتبة الحياة، 1967م، ص1830.
- رفائيل بابو اسحق: أحوال نصاري بغداد في عهد الخلاف العباسية، بغداد، مطبعة شفيق، 1960، ص140-141.
- د. عبد العزيز التويجري: الحوار من أجل التعايش، دار الشروق، القاهرة، 1998، ص 67.
- كتاب التعريفات، الشريف علي بن محمد الجرجاني، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، 1995، ص 257.
- الموسوعة الفلسفية العربية، المجلد الأول، الطبعة الأولى، معهد الإنماء العربي، بيروت، 1986م،ص 821.
- الهويات القاتلة، أمين معلوف، دار الفارابي، بيروت، ترجمة نهلة بيضون، 2010م.
- Samuel Humtington, the west: unique, not universal- foreign affairs, 6, nov/dec. 1996. vol. 75.
- Ibid, P 484.
- Churchill, winstons., Civilization, in Randolphs. Churchill (ed), whitefish, MT 200 [1940], 45-9.
- محمد حسنين هيكل: على هامش صراع الحضارات، دار الشرق، 2009، ص 35.
الحضارات الإنسانية
دعوة لتعزيز الوفاق الإنساني
وزخم لمسيرة وحدة المجتمع البشري
إميل أمين
مقدمــــــة:
ضمن أهم الإشكاليات الحديثة التي واجهت ولا تزال الإنسانية منذ بدايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يأتي الحديث عن قضية الحضارات الإنسانية، وهب هي حضارة واحدة، أم حضارات متباينة، بل لقد ذهب البعض في طريق أبعد من ذلك عندما تحدثوا عن حتمية المواجهة والصراع بين الحضارات([1])، لا إمكانيات التلاقي بين الإنسانية عبر موجات التفاعلات البشرية التي عرفت باسم الحضارات.
ولعله من سوء الطالع أن سكان الأرض المعاصرين قد قدر لهم أن يعيشوا أحداث الحادي عشر من سبتمبر أيلول 2001، تلك التي أذكت “وهم” صدام الحضارات، لاسيما بين طرفين أساسيين حول الكرة الأرضية، العالم الغربي، والعالم العربي، وجوازا العالم المسيحي اليهودي، في مواجهة الإسلامي الكونفوشيوس، بحسب توصيف وتصنيف “صموئيل هنتنجتون”.
وقد كان هذا الانطباع خاطئا، فأسامة بن لادن لم يكن ليمثل العالم العربي ولا الإسلامي، وبطريقة مماثلة لم يمثل جورج بوش الاتجاه الغربي السائد، وكان الأمر في حقيقته ليس أكثر من مجموعتان محددتان جداً من العوامل هما اللتان تتصادمان، وبيس هو صدام الحضارات التي ننتمي إليها. لكن حصر الوعاء الإنساني الحضاري في طرفي نقيض كما فعل هنتنجتون، أمر لا يستقيم فهناك عشرات الحضارات التي سادت قم بادت، ومنها ما هو كائن في الحال، وعرضه للاضمحلال في الاستقبال، وبينها كذلك ما هو خارج دائرة تنويعات هنتنجتون القريبة من العنصرية، وفي كل الأحوال يبقي التساؤل الأولى الذي لابد منه، ما هي الحضارة … ماذا تعني … وكيف لنا أن نعرفها ؟
في المفهوم الإنساني للحضارة:
عديدة هي في واقع الحال التعريفات العلمية والأكاديمية للفظة الحضارة، لكن المعنى والمبنى، يكاد يتشابه فيها جميعا، فهي نتاج الشعوب التي وعت دورها، ومن ثم قامت بأدائه وفق المقومات التي تمتلكها، معتبرة أن من أدى الواجبات نال الحقوق، وأن الأمر لابد له من فترة حضانة، وللحضارة على هذا الأساس مكونان أساسيان، الإدارة الحضارية التي تعني المبررات عند الإنسان، والإمكان الحضاري المتمثل بالعلوم والفنون والتكنولوجيا([2]).
والشاهد أن كلمة “الحضارة” قد ارتبطت ارتبطاً وثيقاً بالكاتب والمفكر الأمريكي الشهير “وول ديورانت” صاحب الموسوعة الأشهر في عالم المؤلفات الإنسانية: “قصة الحضارة” وفي كتابه العام “أبطال من التاريخ … مختصر قصة الحضارة”([3])، نجده يقدم لنا رؤية خاصة للحضارة، فالتاريخ الإنساني عنده ما هو إلا شذرة من علم البيولوجيا، والإنسان ليس إلا واحدا من ملايين الأنواع الحية، وهي كلها عرضة للصراع من أجل الوجود، ويحكمها التنافس بين الأكفاء من أجل البقاء.
غير انه قرناً بعد قرن، روض الإنسان نفسه على السكن بين الجدران، وجنح إلى الحياة المستقرة، والنسوة اللواتي دجن الخراف، والكلاب، والحمير، والخنازير، وها هن الآن يدجن الرجال، فالرجل هو الحيوان المدجن الأخير للمرآة، وتمدنه جزئي فقط، وقد قوبل بممانعة شديدة منه، وبالتدريج أخذ يتعلم منها الخصال الاجتماعية: حب الأسرة، الشفقة والحنان، الرزانة والرصانة، الاستعداد للتعاون والنشاط الجماعي، وتعين هنا أن يعاد تعريف الفضيلة كخاصية لابد منها لبقاء الجماعة، ومن هنا بدأت الحضارة، لأنها تعني صيرورة الناس مواطنين متمدنين.
أما المؤرخ الفرنسي “فرنون بروديل” فقد عرف الحضارة في مداهلته التي كتبها لإحدى الموسوعات في العالم 1959 كما يأتي([4]): “إننا نتحدث أولاً عن مجال، عن “مساحة ثقافية” … عن مكان يجب عليك أن تتصور مع المكان أنواعا كبيرة من “السلع والأشياء … وخصائص ثقافية، تتراوح ما بين أشكال البيوت، والمواد التي شيدت بها، وسقوفها، وبين مهارات مثل ترييش السهام، وبين لهجة أو مجموعة من اللهجات، وبين أذواق الطبخ، ومجموعة من المعتقدات، حتى البوصلة، والورق، والمطبعة … إننا نتحدث هنا عن التجميع المنتظم، وعن تواتر حدوث خصائص محددة، وعن شمولية وجود هذه الأشياء ضمن مساحة محددة، بالترافق مع نوع من أنواع الديمومة المؤقتة”.
يطول البحث في التعريفات، لكنها جميعا تبلغ مبلغاً واحداً، إنها النشاط الإنساني المشترك، لإضفاء مسحة من الراحة والأمل للإنسانية الباحثة عن الحلم، وعن اليوتوبيا، منذ لحظة خروجها إلى الأرض، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
هنتنجتون وانقلاب على مفهوم الحضارة:
حكماً إننا لسنا في مجال تفكيك وتحليل تلك الرؤية الافتراقية لصموئيل هنتنجتون، لكن نقاط بسيطة من رؤيته التي ضمنها كتابه الشهير عن صدام الحضارات([5])، تقودنا إلى قناعة فكرية فحواها انقلاب كامل على الأصل، أي رفض لما يجمع لحساب ما يفرق، فعوضنا عن أن تكون الحضارة “معينا إنسانياً واحداً” يلجأ إليه المجموع البشري، يقدم لنا رؤية تشريحية لأجزاء إنسانية متصارعة إلى حد الامتثال والاشتباك الملح، خذ إليك على سبيل المثال ما يلي:
- تقوم فرضية هنتنجتون على أن المصدر الأساسي للصراع في العالم الجديد، لن يكون بالدرجة الأولى بسبب إيديولوجي أو اقتصادي، بل إن الانقسام الأكبر سيكون بسبب الحضارة، وستظل الدولة القومية Nation state هي اللاعب الأقوى على مسرح الشؤون الدولية، غير أن الصراعات الرئيسية في السياسة الدولية ستنشب بين الدول وبين مجموعة دول تنتمي لحضارات مختلفة.
- ستكون حدود التوتر الفاصلة بين تلك الحضارات المختلفة هي ذاتها خطوط المعارك في المستقبل، إن الصراع بين الحضارات المختلفة إن هو إلا الطور الأخير في عملية تطور النزاعات في العالم الحديث.
- ستكون الهوية الحضارية متزايدة الأهمية في المستقبل، وسيشكل العالم إلى حد كبير نتيجة تفاعلات بين سبع أو ثمان حضارات رئيسية تشمل الحضارة الغربية، الكنوشيوسية اليابانية، الإسلامية، الهندية، السلافية، الأرثوذكسية، الأمريكية اللاتينية، وربما الحضارة الإفريقية. أما الصراعات الأهم التي ستنشب في المستقبل، فإن حدودها ستكون حدود التوتر الحضاري التي تفصل بين هذه الحضارات الواحدة عن الأخرى.
ومن أشرس العبارات والمفاهيم التي جاءت في نظرية هنتنجتون تلك المتعلقة بعلاقة العالم الغربي بالإسلام وعنده على سبيل المثال:
- إن المجابهة القادمة مع الغرب ستبدأ من جانب العالم الإسلامي كما يقول المؤلف الهندي المسلم “م. ج. أكبر” وأن النضال من أجل نظام عالمي جديد سيتحقق بتحرك شامل للدول الإسلامية من المغرب إلى باكستان([6]).
هل آمن الغرب كله أو جله بما قاله هنتنجتون من حتمية صراع الحضارات أم أن هناك من خالفه ومضى في طريق السعي إلى تأكيد أن الحضارات وجدت لتأكيد تعايش الشعوب والثقافات والتقائها، وخدمة بعضها البعض في شرق المسكونة وغربها ؟
هارالد موللر … الحضارات في خدمة الإنسانية:
على الجانب الآخر من الأطلسي كان الفيلسوف الألماني “هارالد موللر”، وععبر كتابع “تعايش الثقافات … مشروع مضاد لهنتنجتون يؤكد على إمكانية بل حتمية تعايش الحضارات المشتركة، وتسخيرها جميعا من أجل الصالح الإنساني العام، ووحدة الجنس البشري.
يتساءل موللر ما العمل ؟ وكيف يمكننا التوصل إلى جعل دواعي الارتباط والتعاون بين أبناء الحضارات المختلفة – إن قبلنا جوازاً بالفكرة ذاتها – أكثر قوة من أسباب الفرقة([7]) ؟
ما هي الخطوات الضرورية لتعزيز السلام في مقابل النزاعات العنيفة في وقت يصبح فيه عدد متزايد من الناس أقل شعوراً بالأمن، وقد غيرن الظروف الخارجية مجرى حياتهم وباتوا بذلك أيضاً مهيئين للعنف…!! يقدم لنا موللر الألماني جوابا على ثلاثة أصعدة في سياق انتظام الجنس البشري في مصفوفة واحدة تقود إلى تمتين الروابط الإنسانية، لا تمزيقها، وهي الدولة، والاقتصاد، والمجتمع.
المبدأ الحاسم فيما يتعلق بعالم الدول هو أن أي لاعب هام لم يخرج نفسه بنفسه من شراكة الشعوب من خلال حرب عدوانية أو جرائم في حق الشعوب لا ينبغي له أن يشهر بالخوف. إن بناء الثقة أكثر أهمية من الردع، علماً أنه لا يمكن التنازل عن هذا الأخير في مواجهة مخلين محتملين بالسلام.
يطالب موللر في مواجهة الدعوات العنصرية الغربية من قبل البعض الساعية لعزل بعض من دول العالم الإسلامي بدعم تضامني للدول التي تبذل مجتمعاتها جهوداً في تحديث رؤاها الآنية ومشروعاتها المستقبلية، وفي استدخال مبادئ من الثقافة السياسية الغربية مهما كانت غير متصفة بالكمال.
أما فيما يخص الجانب الاقتصادي فيوصي موللر بدعم أقطار العالم الإسلامي التي قطعت شوطاً في الإصلاح الاقتصادي، الأمر الذي يضمن رفاهية شعوبها، ويضمن انفتاح تجاري واقف مع الغرب والشرق، ويقلل من فرص ظهور حركات التطرف النابعة من الفقر والبطالة والفساد.
نيتشه وجزر الحضارات المنعزلة:
بالقطع لا يستطيع الإنسان أن يعيش في هذا الكوكب بمفرده منعزلا عن بقية الناس، وإلا فإنه في هذا الحال وعلى حد قول الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه([8])، إما أن يكون إله أو شيطان، إذ لا يقوى على العزلة والانعزال إلا واحداً من الاثنين، وقطعا لأنه إنسان، لذا فهو ليس إله ولا شيطان، ولهذا لا يقوى على العيش بمفرده مهما علت الحضارة التي ينتمي إليها.
ومن هنا عرف الفلاسفة القدماء الإنسان بأنه مدني بالطبع كما عرفه علماء الاجتماع بأنه كائن اجتماعي.
والشاهد أنه مهما اختلف الناس في لغاتهم وأجناسهم وعقائدهم فإنهم لا يختلفون في جوهرهم. فطبيعة الإنسان واحدة في كل زمان ومكان، وإذا كنا في حاجة إلى غيرنا فإن غيرنا في حاجة إلينا، وهذه سنة الحياة، ومن هنا كان تأكيد القرآن الكريم على أن الله قد خلق الناس مختلفين ليتعارفوا، والتعارف هو الخطوة الأولى نحو التواصل بين الناس والتعاون فيما بينهم من أجل خيرهم وسعادتهم([9]).
ولعل السؤال الذي يجب أن يشغل أبناء الحضارات الإنسانية الراقية في “حاضرات أيامنا” كيف يتم هذا التواصل بين الناس ؟ أو: ما هي آليات التواصل ؟
الثابت أن الله سبحانه وتعالى عندما خلق الإنسان في أحسن تقويم جعل من وجه الفرد نافذة يطل منها على هذا الكون، ومن خلالها يتم التواصل عن طريق آليات عديدة منها السمع والبصر والكلام وتعبيرات الوجه وغير ذلك من وسائل. ولأهمية الوجه يقول النبي عليه الصلاة والسلام: “تبسمك في وجه أخيك صدقة”([10])، والبسمة تعبر عن نفسها في انفراج أسارير الوجه. وفي ذات المعنى يقول النبي صلى الله عليه وسلم أيضا: “لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق”([11]) … هل الابتسامة هنا وفي عالم وزمن العولمة تتوقف عند حدود الداخل المحلي أو الإقليمي أم أنها قادرة على تجاوز الحدود والسدود والقارات وإقامة المجتمع الإنساني المتسامح والمتفاهم عبر القارات ؟ الجواب دون تهوين أو تهويل هو أنه إذا كان من المستحيل إيقاف قطار العولمة، فإننا من ناحية أخرى ينبغي أن نتبين ما في هذا التيار من جوانب إيجابية وأخرى سلبية حتى نستفيد من الإيجابيات ونتجنب السلبيات، عملا بقوله تعالى: “فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ”([12]).
الحضارة الإسلامية في خدمة الإنسانية:
لا يستقيم الحديث عن دور الحضارات في خدمة المسيرة الإنسانية دون التوقف طويلا ومليا مع الحضارة الإسلامي التي ظلت أرقى حضارة إنسانية مدة تزيد على عشرة قرون، كما ذكر “وول ديورانت” وكما أشار إلى ذلك المفكر الفرنسي الكبير “جوستاف لبون”([13])، صاحب كتاب “حضارة العرب”
يتساءل الباحث المحقق والمدقق في قصص الإنسانية وأحاجي الكون: “ما الذي قدمته الحضارة الإسلامية إلى البشرية حتى تحتل مثل هذه المكانة الكبيرة في رحلة التطور البشري وبشهادة شهود عدول من غير الأجناس العربية ومن غير الذين يعتنقون الإسلام ديناً ومذهباً ؟!!
يخبرنا المفكر الإسلامي الكبير الراحل الدكتور “عبد الحليم عويس”([14])، أن الحضارة الإسلامية خدمت الحضارة الإنسانية في رحلة تطورها من جانبين:
- الجانب الأول: أنها قدمت لها خلاصة الحضارات القديمة بأسلوب ملائم للعصر، مقرون بالشرح والتوضيح، ومقرون كذلك بالنقد والتجريح عندما يقتضي الأمر ذلك، فوجدت أوربا بين يديها علوما ومعارف كانت قد عجزت عن استيعابها، وكادت الخيوط تنقطع معها، وحتى ولو كانت محفوظة في الكتب.
- الجانب الثاني: أنها تقف عند هذه المرحلة بل قامت بعمل عظيم غير مجرى الحضارات الإنسانية، وهو أنها وصلت معرفياً وكيفياً، وليس تراكمياً فقط، ما كاد يذهب وينقطع معه التواصل، وذلك عندما قامت بحركة إبداع شملت كل المعارف والعلوم، وجمعت بين التطورين الكمي والكيفي، وقدمت نظريات ومدارس فكرية وعملية، ومؤلفات تتلمذت عليها أوربا ولعدة قرون.
ولعله بين يدي هذا المقام يعين لنا كذلك التساؤل: “هل كانت الحضارة العربية والإسلامية، حضارة تنفيذية فقط، حضارة كلام إنشائي وأحاديث طنانة رنانة، أم حضارة معرفة وعلوم وضعية وتطبيقية لم يعرفها الغرب إلا حديثاً ؟ تخبرنا صفحات التاريخ بأنه في المساجد الكبرى وفي الحواضر الإسلامية كانت علوم الفيزياء والكيمياء والطب والفلك تدرس جنبا إلى جنب مع علوم الشريعة، واللغة العربية، بل كان أمراً جديداً على المستوى الإنساني أن يكون عدد كبير من علماء الشريعة، علماء في الوقت نفسه في علوم تطبيقية أخرى دون التفوق أو التعصب لعلم على علم، فكل العلوم الصحيحة تخدم الدين والدنيا معاً، إذا كانت وسائلها شريفة وأهدافها نافعة كريمة([15]).
علوم المسلمين ونهضة أوربا المعاصرة:
لم تكن علوم المسلمين التي ازدهرت في القرون الثلاثة (التاسع والعاشر والحادي عشر) قسراً في منافعها عليهم، بل ساهمت إنجازاتهم العلمية في ظهور عصر النهضة في أوربا ولذلك يذهب عدد كبير من علماء الغرب إلى القول أنه لولا أعمال العلماء المسلمين الرائعة لاضطر علماء النهضة الأوربية أن يبدؤوا من حيث بدأ هؤلاء العلماء المسلمين ولتأخر سر المدنية العالمية لعدة قرون([16]) … ما الذي جاءت به الحضارة الإسلامية واعتبر فضل منها على البشرية ؟ الثابت أن المسلمين جاءوا بمبدأ جديد في البحث هو مبدأ يتفرع من الدين نفسه، وهو مبدأ التأمل والبحث والذي بدأه المسلمون ثم مالوا بالاشتغال إلى علوم الطبيعة وبرعوا فيها، وهم الذين برعوا في علوم الكيمياء والطب والصيدلة، والهندسة والجبر، والفلك،. في هذا الصدد يحدثنا المستشرق الفرنسي الكبير “هنري لاوست”([17])، في كتابه الثقافة الإسلامية: “إن وحدة الثقافة الإسلامية تقوم على أساس وحدة العقائد الإسلامية، وما كان الانقسام عند المسلمين إلا في الفروع، ومهما يكن من تأثير العنصر الديني في الثقافة الإسلامية، فإن الإسلام ليس فيه ما يمنع البحث العلمي، ولقد كانت اللغة العربية من أهم دواهي وحدة الثقافة بين المسلمين ومن أهم أسباب تفوق هذه اللغة هي أنها لغة القرآن الكريم الذي يجتمع المسلمون عليه”
هل من اعترافات أوربية رسمية بفضل الحضارة الإسلامية على العالم لاسيما في سياق خدمتها للبشرية دون تفرقة لجنس أو لون أو دين ؟ يعترف الكاتب والأديب الفرنسي “روبير بريو” بفضل العالم الإسلام قائلا: “كانت أوربا في القرن الحادي عشر والقرن الثاني عشر تتجه إلى العرب باحثة عما استجد عندهم من صناعات ومن فنون وكانت السبب في تطورها وتقدمها، وكانت أوربا تتجه إليهم باحثة عن كشوفهم في علوم الرياضة والفلك والطب والكيمياء، لقد دعيت أوربا فجأة إلى الحياة بعد أن ظلت غارقة في ظلمات الجهل قروناً، ذلك لأن الروح العلمية التي كانت سائدة في مدارس بغداد كان همها استخراج المجهول من العلوم والتدقيق في الحوادث تدقيقاً مؤدياً إلى استنباط العلل من المعلومات وعدم التسليم بما يثبت بغير التجربة وهذه ميادين قال بها أساتذة وعلماء من المسلمين في القرن التاسع من الميلاد.
والخلاصة هنا أن العالم الغربي يدين بوجود الثقافة العربية وأن الطريقة العلمية الحديثة قدمها الإسلام للغرب، وأنه ليس هناك أدنى شك في أن روح البحث العلمي الجديد وطريقة الملاحظة والتجربة التي أخذت بها أوربا إنما جاءت في اتصال طلاب الغرب الأوربي بالعالم الإسلامي.
الحضارة المسيحية العربية وفضل علومها:
هل سبقت الحضارة العربية في شقها المسيحي، الحضارات الأوربية الغربية؟، وبديهي عدم الإشارة إلى الأمريكية، حيث لم تكن قد ظهرت على سطح الأحداث بعد ؟ ربما يكون الحديث هنا ميزة تضاف إلى الموازين الحضارية العربية بشقيها الإسلامي والمسيحي، وفضل هذه الحضارة على البشرية واتصالها ببقية شعوب العالم دون أدنى إحساس بمركبات النقص، لقد كان للعلماء المسيحيين العرب دورهم الكبير الحياة العلمية في الدولة الإسلامية([18])، وتعايشوا مع زملائهم من العلماء المسلمين في مجتمع تعددي، وقد ساهم هؤلاء العلماء في ميدان التعليم، فعلموا المسلمين، وتعلموا منهم، وشاركوا في الحلقات العلمية التي كانت ذات طابع تعددي واضح.
وهناك إحصائية لعدد من العلماء المسيحيين العرب الذين خلفوا آثاراً كتابية ونقلية وهي كما يلي:
215 طبيباً | 63 ناقلاً | 40 فيلسوفاً ومنطقياً |
15 فلكياً | 10 رياضيين | 7 منجمين |
5 كيميائيين | 4 صيدلانيين | 1 جغرافي |
1 نسابة | 1 حجامة | 1 اصطرلابي |
كان السواد الأعظم من هؤلاء النصارى من البلاد الواقعة ضمن الهلال الخصيب، وكانوا في كثير من الأحيان يجيدون إلى جانب لغتهم الأصلية، أي الأرامية، أو السريانية، لغة الثقافة القديمة أي اليونانية، ولغة الفاتحين الجدد العربية، وهذا ما دفع الخلفاء إلى الاستعانة بأعداد كبيرة منهم لنقل ثروات الثقافتين اليونانية والسريانية على لغة العرب([19])، ولاشك أن البيئة العلمية التي كانت تسود مجتمع الدولة الإسلامية كانت تساعد العلماء في إنتاجهم ونتج أيضا علماء جدد، فكانت تعقد الحلقات العلمية في حضرة الخلفاء، وكانت تجمع العلماء على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، كانت للخلفية العباسي (المأمون) حلقة علمية يجتمع فيها علماء الديانات والمذاهب كلها، وكان يقول لهم: ابحثوا ما شئتم من العلم من غير أن يستدل كل واحد منكم بكتابه الديني كيلا تثور بذلك مشاكل طائفية([20]).
وكان في مجلس الخليفة العباسي الواثق حلقات علمية، وتعقد في القصر مناظرات في علوم الطبيعة وما وراء الطبيعة يشارك فيها “ابن بختيشوع، ويوحنا ماسوية، وميخائيل إبنه، وحنين بن إسحاق، وسلموية”.
ولعل أفضل مشهد للتبادل الإنساني الحضاري، والذي كان النموذج الأنفع والأرفع لبقية أبناء الحضارات الأخرى حول العالم هو مشهد الدولة الإسلامية في مبتدأها، فقد كان المسلمون يتعلمون على أيدي المسيحيين، والمسيحيون على أيدي المسلمين، فلم يكن العالم المسلم يستكثف أن يأخذ العلم عن نصراني، حتى الفارابي الفيلسوف الكبير أخذ بعض علمه عن نصاري نجران([21]).
كانت جموع طلاب العلم تتسابق إلى معاهد قرطبة وبغداد والقاهرة، كما تستقي الحكمة من صدور معلمي الشرق وحكماء المسلمين.
وها هم المسيحيون القابعون في أقاصي زوايا أوربا الغارقة في ظلام الجهل لا يعدون نفراً منهم يؤم الكليات الإسلامية ليستنير. وقد أصبح الكثير من هؤلاء رؤساء ومفكرين كباراً في الديار المسيحية فيما بعد. وكان أحدهم هو البابا سلفيستر الثاني الذي تلقى علومه في جامعة قرطبة، حيث جعل هذه المدينة الأساتذة ورجال العلم كعبة للثقافة في أوربا، فكان عشاق المعرفة يزحفون إليها كم كل حدب ليتلقوا علومهم على أيدي أولئك المفكرين الكبار، وحتى الراهبة “روسوينرا” من ديرها القص في “عوزدهايم” ما كان لها أن تأنف من إنشاد أغاني قرطبة عندما ذكرت قضية استشهاد يوليو جيوس، وهي تقول يا قرطبة، يا أروع مكان في العالم وأبهاه.
والحديث عن دور المدارس النصرانية التي ازدهرت في بغداد يطول لاسيما وإنها ازدهرت ازدهاراً لا نظير له، وكثرت لديهم مكاتب البيع، كما كثرت مدارس الديارات، وضمت الوفا من المتعلمين والدارسين وازدحمت بمئات من المعلمين والمدرسين والأساتذة، فدرسوا في اغلبهم العلوم العقلية على تعدد أنواعها، بل درسوا كل ما يهود إلى اللغة العربية والأرامية واليوانينة من أصناف العلوم والمعارف والفنون كالنحو والشعر والتاريخ والجغرافيا والموسيقى والهندسة والفلك والطب والمنطق والفلسفة وعلوم الدين([22]).
الحضارات والهويات هل من تعارض:
بعد نحو عقد من خروج صموئيل هنتنجتون على العالم برؤيته لحتمية صراع الحضارات، طفأ على السطح جدل شديد، وربما لا يزال بعضا منه محتدم حتى الساعة، أنه ذاك الذي يتعلق بالهوية والانتماء، كلاهما في واقع الحال من الروافد الرئيسية والمحددات الأساسية لأي معين حضاري حول العالم.
وفهمنا كما يقول الدكتور عبد العزيز بن عثمان الشوبجري للهوية([23])، ينبني على تراثنا الحضاري، فالهوية فيق ثقافتنا العربية الإسلامية هي الامتياز عن الأغيار من النواحي كافة. ولفظ الهوية يطلق على معان ثلاثة:
التشخيص، والشخص نفسه، والوجود الخارجي. والهوية عند الجرجاني([24])، في التتعريفات هي: الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق.
وتستعمل كلمة “هوية” في الأدبيات المعاصرة لأداء معنى كلمة Identité (Identity)، التي تعبر عن خاصية المطابقة: مطابقة الشيء لنفسه، أو مطابقته لمثيله([25]).
وخلاصة القول أن الهوية الثقافية والحضارية لأمة من الأمم، هي القدر الثابت، والجوهري، والمشترك من السمات والقسمات العامة، ا لتي تميز حضارة هذه الأمة عن غيرها من الحضارات، والتي تجعل للشخصية الوطنية أو القومية، طابعاً تتميز به عن الشخصيات الوطنية والقومية الأخرى … هل يعني ذلك أن الهويات لابد لها وأن تتقاتل طالما أنها تعكس حضارات مختلفة ؟
في كتابه الشيق “الهويات القاتلة”([26])، يؤكد الكاتب الفرنسي الجنسية، اللبناني الأصل “أمن معلوف” على أن الهوية لا تعطى مرة واحدة وإلى الأبد إلى الفرد، بل تتشكل من عدة انتماءات وتتبدل من وقت لآخر، ويختلف تراتب عناصرها طوال حياة الإنسان، وبالتالي تضحى الهوية قابلة للتغير والتبدل حسب تأثير معطيات خارجية وداخلية.
يرى معلوف أن إطلاق لفظة “هويات قاتلة” هو أمر غير مبالغ فيه، ذلك أن المفهوم الذي يفضحه هو اختزال الهوية إلى انتماء واحد يضع الرجال في موقف متحيز ومذهبي ومتعصب ومتسلط وأحياناً انتحاري ويحولهم في أغلب الأحيان إلى قتلة أو إلى أنصار للقتلة … لماذا ؟ لأن رؤيتهم للعالم مواربة ومشوهة فالذين ينتمون إلى جماعتنا ذاتها هم أهلنا الذين نتضامن مع مصيرهم وقضاياهم ولكننا لا نسمح لأنفسنا في الوقت ذاته بأن نكون طغاة تجاههم، وإذا بدوا لنا فاترين نتنكر لهم ونرهبهم ونعاقبهم بوصفهم خونة ومارقين، أما بالنسبة للآخرين الموجودين على الشفة الأخرى فلا نسعى أبداً لأن نضع أنفسنا مكانهم، ونمتنع عن التساؤل عما إذا كانوا غير مخطئين تماماً حول هذه المسألة أو تلك، ولا نسمح لأنفسنا أن نهدأ بشكواهم أو آلامهم والمظالم التي كانوا ضحيتها، ما يهم هو وجهة نظر جماعتنا فقط التي غالبا ما تكون وجهة نظر أكثر الناس تشدداً في الجماعة وأكثرهم ديماجوجية وسخطاً.
العودة إلى الحضارة القبلية الكونية:
هل تمضي البشرية في طريق البحث عن عولمة يتبادل فيها الجميع الخدمات لتسهيل حياة إنسان القرن الحادي والعشرين بغض النظر عن الهويات والانتماءات المكونة للحضارات المتباينة أم تعود البشرية إلى الوراء لتتقوقع على ذاتها ولترتد إلى ضيق التفكير القبلي والمجتمعات البطريركية المنغلقة ؟
يدهش المرء في واقع الحال عندما تخرج أصوات مفكرين وباحثين غربيين بآراء تتنافى وتجافي فكرة العصرانية، ومرة ثانية نجد هنتنجتوون في المقدمة منهم، فضمن الدراسات التي لم يسلط الضوء كثيراً عليها، تلك التي كتبها في عدد شهري (نوفمبر – ديسمبر 1996) من مجلة شؤون خارجية([27])، تحت عنوان مثير للغرابة بالفعل “الغرب: منفرد وليس عالميا، يفرق فيها بين التحديث Modernization وبين التغريب Westernization، ويقول: “إن شعوب العالم غير الغربية، لا يمكن لها أن تدخل في النسيج الحضاري للغرب، حتى وإن استهلكت البضائع الغربية، وشاهدت الأفلام الأمريكية، واستمعت إلى الموسيقى الغربية، فروح أي حضارة هي اللغة والدين والقيم والعادات والتقاليد، وحضارة العرب تتميز بكونها وريثة الحضارات اليونانية والرومانية والمسيحية الغربية، والأصول اللاتينية للغات شعوبها، والفصل بين الدين والدولة، وسيادة القانون، والتعددية في ظل المجتمع المدني، والهياكل النيابية، والحرية الفردية”.
ويضيف قائلا: “إن التحديث والنمو الاقتصادي لا يمكن أن يحققا التغريب الثقافي في المجتمعات غير الغربية، بل على العكس، يؤديان إلى مزيد من التمسك بالثقافات الأصلية لتلك الشعوب ولذلك فإن الوقت قد حان لكي يتخلى الغرب عن وهم العولمة، وأن ينمي قوة حضارته وانسجامها وحيويتها في مواجهة حضارات العالم. وهذا الأمر يتطلب وحدة الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ورسم حدود العالم الغربي في إطار التجانس الثقافي”.
تستدعي كلمات هنتنجتون تلك عن العولمة تساؤلات عدة، فهل العولمة هي صيغة جديدة من صيغ المواجهة الحضارية التي يخوضها الغرب، بالمفهوم العام للغرب، ضد هويات الشعوب وثقافات الأمم، ومن أجل فرض هيمنة ثقافية واحدة، وإخضاع العالم لسيطرة حضارة واحدة ؟
جهاد حضاري لبلورة رؤية إنسانية واحدة:
ربما حان الوقت الذي تتوحد فيه الإنسانية من أجل بناء مفهوم إنساني شامل، مفهوم ينتج لكل فرد الشعور بمكونات وعوامل انتمائية لكن أيضا بقوميته ولغته ومعتقداته دون أن يكون مجبراً على الاختيار.
في هذا السياق علينا أن نميز بين مكونات القيم الأساسية للمجتمعات التي يجب أن تكون مشتركة وإن ظهرت مختلفة، فالعالم القابل للتقدم هو العالم الذي يستطيع كل فرد فيه أن يعبر عن آرائه باللغة التي يختارها والمعتقد الذي ينتمي إليه ولا يشعر بأي نقص في انتمائه لهذه الفئة أو تلك، وعلى السلطات والشعوب ألا تجعل ذلك مقياسا للتميز فمن لا يستطيع المرء أن يعبر بلغته عما يشعر به وعن معتقداته، وعن التعاون مع الآخر المختلف حضاريا عنه فذلك يعني أن العالم يسير إلى الوراء.
هل من مقياس حضاري أولى يدلنا على اتجاه سير البشرية، بمعنى هل هي ماضية قدماً في طريق الأسرة الكونية الكوسمولوجية الواحدة أم في طريق الهوية القبلية ؟
يرى “أمين معلوف” في محاولة للجواب على السؤال المتقدم أن مقياس الحضارات اليوم هو قبل كل شيء تقبل الآخر خاصة الذين يستقبلون مهاجرين ينتمون إلى حضارات أخرى، إذ يجب ألا يكون هذا الانتماء موضع مجابهة، وفي هذه المعركة تتحدد القيم الحضارية، فإن استطاع الغرب خاصة كسب هذه المعركة والانسجام بشكل حقيقي مع القيم التي يطالب بها، وهي قيم حضارية، عندئذ سيكون بمقدوره التغلب على جميع ا لمشكلات التي تعترضه مع المهاجرين.
هل الدور الحضاري الإنساني الواحد في أيامنا هذه بات فرض عين على سكان البسيطة كلها ؟
هذا السؤال نطرحه من جانبنا، ومبلغ الرأي هو أن الإنسانية اليوم، وهي في منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين تواجه أخطاراً جديدة لا مثيل لها في التاريخ، وتحتاج إلى حلولا شاملة مبتكرة، وإذا لم تتوافر هذه الحلول في مستقبل قريب، فلن يكون بالإمكان الحفاظ على شيء من كل ما صنع عظمة حضارتنا الإنسانية المشتركة وجمالها.
خذ أليك التغيرات المناخية على سبيل المثال، إنها اليوم التحدي الحضاري الحقيقي الأول والأخطر، وهو تحديد يفرض على الجميع عملاً جباراً وأملاً خلاقاً، جباراً من ناحية تضافر جهود الشرق والغرب، الروس والأمريكان، الحضارات السلافية وتلك المسيحية، والحضارة الإسلامية ونظيرتها اليهودية، الكونفوشيوسية والبوذية، فكارثة تغير المناخ لن توفر بشراً على الأرض من آثراها السلبية والكارثية.
إن جميع شعوب الأرض اليوم في مهب العاصفة بشكل أو بآخر سواء أكنا أغنياء أو فقراء، مستكبرين أو خاضعين، محتلين أو تحت الاحتلال، فنحن جميعا على متن زورق هزيل، سائرين إلى الغرق إذا أبحرنا فرادى وليس جماعات، ومن أسف نبدو كبحارة يتصارعون فوق سفينة، ولا يكفون عن تبادل الاتهامات والمشاحنات غير آبهين لتعاظم أمواج البحر، بل من المؤسف هو أننا كثيراً ما نرحب بالموجات القاتلة إذا ما ابتلعت أعدائنا أولا إبان صعودها نحونا، ولا يشغلنا أن مصيرنا سيكون سيئا للغاية في نهاية الأمر.
غرور الحضارات وتساؤل تشرشل الاممي:
ما الذي يعوق تكامل الحضارات من أجل خدمة الإنسانية ؟ ربما كانت فكرة القومية الحضارية من قبل البعض في مواجهة البعض الأخر، الأمر الذي يمكن أن نطلق عليه غرور الحضارات، هو العائق الأول والأكيد، وليدنا في فكرة الضرورة عند الرجل الأبيض تجاه تحضر بقية شعوب العالم مثال على هذا التفكير، وهو الأمر الذي انعكس لاحقاً على الحضارة الغربية بأكملها.
غير انه من قلب العالم الفكري الغربي يخرج من يقر ويعترف بأن الحضارة الغربية لا تخلو من العيوب القاتلة، فقد استنفذت هذه الحضارة حصتها من الآثام التاريخية، بدءا بوحشية الاستعمار إلى ابتذال المجتمع الاستهلاكي، ويضاف إلى ذلك أن إغراقها في المادية أدى إلى كل أنواع العواقب الوخيمة وليس أقلها تلك الرغبات التي شجع “فرويد” الغربيين على الانغماس فيها([28]).
ذات مرة تحدث رئيس وزراء بريطانيا الأشهر وبطلها في الحرب العالمية الثانية “ونستون تشرشل” عن نقطة جوهرية في سياق فهم مسيرة الكيانات الإنسانية، وذلك عندما عرف “المبدأ الرئيسي للحضارة الغربية” على أنه “خضوع الطبقة الحاكمة للعادات والتقاليد المتفق عليها بين الناس ولإرادتهم كما يعبر عنها الدستور، سأل تشرشل: لماذا لا تربط الأمم نفسها معاً في نظام أكبر وترسخ حكم القانون لمصلحة الجميع ؟ كان ذلك عنده بالتأكيد، الأمل الأسمى الذي يجب أن نسير جميعاً على هدية …
غير أن مؤرخاً بريطانياً شهيراً آخر، يرى أن من العبث أن نتصور أن مجرد … إعلان المبادئ الصحيحة … سيحمل معها قيمة إلا إذا دعمت بخصائص مثل الفضائل المدنية والشجاعة الرجولية، وكذلك بالأدوات ووسائل القوة والعلم التي يجب في نهاية المطاف أن تدافع عن الحق والمنطق.
يؤكد ونستون تشرشل على ما نذهب إليه في قراءتنا هذه من حتمية تعاون الأمم والحضارات لخير الإنسان والإنسانية فيقول في كتابه “الحضارة”([29])، إن الحضارة لن تدوم، والحرية لن تبقي، والسلام لن يخيم، إلا إذا اتحدت غالبية كبيرة جداً من البشر من أجل حمايتها، وإلا إذ أظهرت هذه الغالبية أنها تمتلك سلطة حفظ الأمن، وهي السلطة التي يجب أن تخيف القوى البربرية والغرائزية.
ظهرت تلك القوى البربرية والمتخلفة في العام 1938 في الخارج وعلى الخصوص في ألمانيا، ولكن كانت تلك نتاج الحضارة الغربية بمثل ما كانت عليه قيم الحرية، والحكومات الشرعية التي كانت عزيزة على قلب تشرشل. أما في هذه الأيام، وكما كانت الحال في ذلك الوقت، فإن أكبر تهديد يواجه الحضارة الغربية ليس ذلك الصادر عن الحضارات الأخرى – يقر فيرجسون – بل هو ذلك الجبن الذي يسيطر علينا، وكذلك جهلنا التاريخي الذي يغذيه.
توصيات ختامية لحياة حضارية:
هل من توصيات ختامية قبل الانصراف ؟ ربما يحتاج الأمر منا بالفعل إعادة قراءة وتفكيك بل وتحليل وتوصيف لجوهر فكرة الحضارة، حتى نباعد بينه وبين تعبيرات مذكوبة أبركريفية، من عينة ما يعرف بالتنبؤات التي تسعى إلى تحقيق ذاتها بذاتها أي ال Self prophecy ذلك أن أولئك الذين أرادوا “صراع الحضارات” كان مبلغهم فرض مقدرات هيمنتهم على العالم، بعد أن بدت البسيطة وقد دانت لقطب عالمي واحد منفرد بمقدرات وشئون العالم، وعليه يتوجب التميز بل والتفريق باستمرار بين فكرة الشراكات الحضارية لخير البشرية، وبين صراعات القوة، فالقوة ميدان تصويب، وضرب نار، والحضارة شراكة ومحيط أنوار في كتابه على هامش صراع الحضارات رؤية صحفي”([30])،
يسجل الكاتب المصري الأستاذ محمد حسنين هيكل ملاحظة هامة بالفعل، إذ يرى أننا لسنا أمام صراع حضارات متعددة متعارضة يمكن أن تتصادم أو تتصالح، لأن شواهد التطور التاريخي، تومئ إلينا بأنها حضارة إنسانية واحدة، صب فيها الجميع ما زاد عندهم أوقات الفيض، وسحب منها الجميع ما لزمهم أوقات الجفاف، وساعد كل في زمانه على ملء خزان هائل للحضارة الإنسانية أصبح شراكة طبيعية ورصيداً جماعياً متاحاً بالحق لمن يريد ويستطيع.
ولعل أول وأهم توصية ينبغي تعليتها من أجل أن تستمر الحضارات في خدمة الإنسان، لا الإنسان من أجل صراع الحضارات، هي تعميق الوعي بالآخر وثقافته ومحريات حياته، فالآخر الذي يعرف المرء عنه شيئا يصبح أقل غرابة، والحوار يغدو أكثر سهولة.
إن أفضل طريق لتستخير الحضارات لخدمة البشر، هو طريق الانفتاح وليس الانغلاق المحكم الذي يؤدي بنا إلى الخوف من الآخر المجهول.
إلى أين يمضى العالم بحضاراته وبملياراته الست والمرشحة لن تضحى “9” بحلول العام 2050 ؟ هل إلى تعاون أم تصادم ؟ ربما تكون الإنسانية وعن حق في حاجة على مشروع أممي كوني جديد، يحاول رسم صورة للعالم بعد أن عجزت المؤسسات الأممية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية وفي مقدمتها الأمم المتحدة، عن بلورة مشروع تعايش إنساني له ملامح وأبجديات، ويستند إلى قوة خير مشروعة، تنفذ العدل وتسعى في طريق العدالة، بعد أن رخص ثمن الإنسان وأضحى كما يقول “عاموس” بنى العدالة الاجتماعية القديم عند بنى إسرائيل، لا يتجاوز ثمن “زوجي حذاء” لا يملك المرء سوى الرجاء في أن يكون الغد أفضل وأرحب، وأن يخرج البشر من ضيق الإيديولوجيات إلى رحابة الأبستمولوجيا، وساعتها فقط ستعزز الحضارات من دورها الواجب الوجود من أجل خدمة “الإنسان الأعلى” المنشود، النموذج الذي سعى إليه ينتشه وتطلع إليه توماس كارليل على حد سواء.
- forgiinaffairs.com/articles/48950/samuel-p-humtimgton/the-clash-of-civilization
- موسوعة الحضارة المسيحية… جورج الفغالي… دار نوبليس… بيروت 2010، ص7.
- Heroes of history: will Durant, simon & Schuster, INC, NY, 2001, page 16-17.
- Civilization: The west and the rest. Niall Ferguson, London 2013, page 27.
- المصدر الأول في (1)
- قبول الآخر: د. ميلاد حنا، دار نش ستامبا، القاهرة 2000 ص 68، 69.
- هارالد موللر… مشروع تعايش الثقافات … دار الكتاب الجديد، بيروت 2005، ص 301.
- فريدريك نيتشه (1844-1900) فيلسوف وشاعر ألماني، وعالم لغويات متميز، ومن أبرز الممهدين لعلم النفس.
- د. محمود زقزوق: الفكر الديني وقضايا العصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2012، ص 149.
- سنن الترمذي.
- صحيح مسلم.
- سورة الرعد، الآية 17.
- Le Bom, gustave: decivilisation de arabes, Paris, 1946.
- عبد الحليم عويس (1943-2012) عالم مصر ونائب لرئيس جامعة روتردام الإسلامية بهولندا.
- تراث الإسلام: أرنولد توماس وآخرون: مترجم القاهرة 1936، صـ250.
- الحضارة الإسلامية وتحديات القرن الحادي والعشرين: د. عبد الفتاح الغنيمي، مكتبة مدبولي، القاهرة 1995، ص35.
- هنري لاوست (1905-1983): مستشرق فرنسي أهتم بالإسلاميات.
- العيش المشترك الإسلامي المسيحي في ظل الدولة الإسلامية … شهادة من التاريخ، د. محمد منير سعد الدين … المكتبة البولسية، بيروت 2001، ص87.
- الأب كميل حشيمة: في مقدمة كتاب علماء النصرانية في الإسلام، لويس شيخون جونيه، المكتبة البولسية، روما، المعهد البابوي الشرقي، 1983م، ص21.
- مصطفي السباعي: من روائع حضارتنا، بيروت، 1999م، ص142.
- جرجي زيدان: تاريخ التمدن الإسلامي، ج3، بيروت، دار منشورات مكتبة الحياة، 1967م، ص1830.
- رفائيل بابو اسحق: أحوال نصاري بغداد في عهد الخلاف العباسية، بغداد، مطبعة شفيق، 1960، ص140-141.
- د. عبد العزيز التويجري: الحوار من أجل التعايش، دار الشروق، القاهرة، 1998، ص 67.
- كتاب التعريفات، الشريف علي بن محمد الجرجاني، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، 1995، ص 257.
- الموسوعة الفلسفية العربية، المجلد الأول، الطبعة الأولى، معهد الإنماء العربي، بيروت، 1986م،ص 821.
- الهويات القاتلة، أمين معلوف، دار الفارابي، بيروت، ترجمة نهلة بيضون، 2010م.
- Samuel Humtington, the west: unique, not universal- foreign affairs, 6, nov/dec. 1996. vol. 75.
- Ibid, P 484.
- Churchill, winstons., Civilization, in Randolphs. Churchill (ed), whitefish, MT 200 [1940], 45-9.
- محمد حسنين هيكل: على هامش صراع الحضارات، دار الشرق، 2009، ص 35.