بعد أقل من شهرين على خروجه إلى المعاش، وقت أن قرر وزير البترول والثروة المعدنية، طارق الملا، تعيين علاء البطل رئيساً للهيئة العامة للبترول، في 24 يناير 2022 خلفا له في رئاسة الهيئة، أعادت قوى خفية في البلاد المهندس عابد عز الرجال إلى الوجاهة الاجتماعية وصدارة العمل القيادي من جديد بتعيينه رئيسا لمجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة أبو قير للأسمدة
جاء عز الرجال إلى منصبه الجديد تنفيذًا لتوصية من شخصية نافذة في قطاع البترول، أن يخرج بهدوء من الهيئة غير عابث على عدم التجديد له، مقابل تسكينه في وظيفة أخرى، بدلاتها أكبر وراتبها أعلى، وهو الوعد الذي استهدف إزاحته عن المشهد البترولي بعيدًا عن أي ترشيح يمكن أن يجري في دوائر القرار لمنصب وزير البترول في أي تعديل قادم.
من هي القوى الخفية التي تحرك الكبار على طاولة المناصب مثل قطع الشطرنج؟
و بالفعل تم تعيين عابد عز الرجال رئيسًا لشركة أبو قير للأسمدة بديلُا لسعد إبراهيم أبو المعاطي الذي استقال من منصبه إفساحًا للرئيس الجديد، لكنّه بعد تلك الاستقالة.. استمر عضوًا من ذوي الخبرة في مجلس إدارة الشركة.. الشركة التي تمتلك فيها الحكومة نحو 41.31% من رأس مالها المتوزَّع بين بنك الاستثمار القومي وهيئة التنمية الصناعية والأهلي كابيتال والقابضة للصناعات الكيماوية، بعدما باعت الحكومة نحو 10% من أسهمها في البورصة ديسمبر الماضي، مقابل 2.2 مليار جنيه.
ليبقى السؤال الوجودي: لماذا كانت الاستقالة إذن لـ”أبو المعاطي” من رئاسة شركة أبوقير للأسمدة ما دام سيبقى فيها عضوًا في مجلس الإدارة؟! ومن هي تلك القوى الخفية التي تقوم بتحريك هؤلاء الرجال على رقعة المناصب الكبرى في الدولة مثل قطع الشطرنج ..؟!

على أن ذلك ليس هو بيت القصيد في هذا التقرير الذي يتناول طريقة إدارة التكاليف في الهيئة العامة للبترول بين علاء البطل رئيس الهيئة الحالي، وسلفه عابد عز الرجال رئيسها السابق، بيت القصيد هنا هو: لماذا هي كل تلك التكاليف الغريبة في الهيئة العامة للبترول.. ولماذا أغفلت الأجهزة الرقابية فحص أغلب بنودها المثيرة للريبة في التقارير الدورية..؟!
هل لأن الهيئة بالفعل تمتلك زيادة أو خفض الامتيازات الممنوحة للمراقبين من سيارات وخلافه، ما يؤثر على طريقة تلك الأجهزة في الفحص والتدقيق؟ لا أظن.. أم أن هناك قوى خفية تملك التأثير لتخرج تلك التقارير على هيئتها التي تخرج عليها بأن كل شيء في هيئة البترول وإداراتها على ما يُرام ؟!
تعالوا نفتش في الأرقام
لقد ارتفع بند التكاليف والمصروفات في الهيئة العامة للبترول في عهد رئيسها الحالي علاء البطل بمقدار 237 مليار جنيه، من 552 مليار و 860 مليون و 629 ألف جنيه في العام المالي (2021-2022) إلى 789 مليار و 7773 مليون و38 ألف جنيه في ميزانية العام الجاري (2022-2023).
هذا الارتفاع الهائل في إجمالي التكاليف والمصروفات يستدعي تكثيف الأجهزة الرقابية أدواتها لسبر أغوار هذا الفرق الشاسع في التكاليف بين العام المالي الحالي مع علاء البطل، عنه في العام السابق مع عابد عزّ الرجال، أخذًا في الاعتبار لنقطة محورية في هذا الاتجاه أن العام المالي السابق شهد لوحده خسائر في فروق سعر العملة قدرها 25 مليار جنيه.

إلى ما سبق قد يقول قائل أن بند الإيرادات في موازنة هذا العام (2022-2023) يشهد زيادة قدرها 241 مليار 927 مليون و755 ألف جنيه عنها في ميزانية العام الماضي (2021-2022)، والرد على مثل ذلك القول أن هذه الزيادة في الإيرادات قد تم تدميرها مسبقًا في نفس الموازنة.. موازنة العام الجديد.
في الإطار أعلاه قد لا تكون تلك الأرقام الكبيرة كاشفة بشكل جيد لمستوى الخلل في طريقة إدارة علاء البطل للهيئة العامة للبترول مقارنة بسلفه عابد عز الرجال، لكن إذا تأملنا بعض البنود الصغيرة في التكاليف والمصروفات بالهيئة مع “البطل” يمكن أن تتضح الصورة بشكل كبير..
تعالوا نفتش من جديد في الأرقام
لقد ارتفع بند الأدوات الكتابية والكتب بالهيئة العامة للبترول في موازنة (2022-2023) بقيمة 600 ألف جنيه عنه في العام السابق، إذ كان 2 مليون جنيه في عهد عابد عز الرجال وأصبح 2 مليون و600 ألف جنيه في عهد رئيس الهيئة الحالي..!
ليتبادر إلى الذهن تلقائيًا عدة أسئلة استفهامية استغرابية عن ماهية الأدوات الكتابية التي تشتريها الهيئة بـ 2 مليون العام الماضي أو 2 مليون و 600 ألف جنيه هذا العام..؟ ثم ويُفترض مع اتجاه الدولة إلى الرقمنة أن تنخفض قيمة هذا البند لا أن ترتفع مع العام الجديد، ما يعني أن “البطل” غير عابئ أساًسًا باتجاه الدولة وسياسات الجمهورية الجديدة في التحوّل نحو الرقمنة.. “البطل” على قديمه..!
في الحلقة القادمة نستكمل القراءة في الأرقام المثيرة بموزانة الهيئة العامة للبترول
عبده مغربي