مجددًا.. يثير وزير البترول المهندس طارق المُلّا الجدل بقراره الفاضح تعطيل أعمال وزارته، من أجل حضور حفل عديم القيمة، لتدشين كتاب دعائي فارغ الفائدة، انطوى على عبارات المديح الهائلة التي لا حصر لها وهي تصف القدرات الخارقة لـ”طرق المُلّا” في “إنقاذ إقتصاد البلاد”.
بدا الوزير سطحيًا بشكل فقد فيه البوصلة تمامًا، في إدارة وقته، عندما راح يتفرغ للأمور التي لا مغزى لها، سوى أنها تُمَجّدْ بطريقة تافة الجدوى لـ”إنجازاته” طوال السنوات التسع التي قضاها في الوزارة، مراقبون قالوا إن الوزير يظن أن لمثل هذه المطبوعات قيمة يمكن أن تؤثر في صاحب القرار أن يبقيه في منصبه لفترة جديدة؟1.. عبثًا يفكّر الوزير إن كان يعتقد أن مُتّخذ القرار يعطي بالًا لمثل هذه الترهات، أو يمكن لها أن تكون سببًا في التمديد له بالوزارة.
ففي مشهد بالغ المأساة يُظهر الاستخفاف الهائل بالقيم الأساسية والضعف الواضح في فهم أهمية الوقت، ظهر “المُلّا” وهو يتناسى قيم الكفاءة والإنتاجية في قطاع البترول. فقد ألقى بالكادر القيادي كلّه مع مساعديه، جنبًا إلى جنب مع رؤساء الشركات ومساعديهم، في صفوف، لحضور حفل تدشين مطبوع دعائي جمع بيانات الوزارة بين دفّتيه، وهو موقف يعكس بوضوح طريقة إدارة الموارد في هذا القطاع الحيوي بالبلاد، ونحن نرى ناصر شومان رئيس شركة التعاون للبترول مع مساعديه وقد عطّلوا شركة بهذا الحجم من الضخامة فقط لمجاملة الوزير، يشترك معه في هذا المضمار المؤسف محمد ماجد بخيت الذي ترك عمله أيضًا مع مساعديه من أجل المشاركة في هذا “العُرسْ” الابتهاجي، ودكتور مجدي جلال رئيس الشركة القابضة للغازات الذي هبّ مع نفر غير قليل من مساعديه لاحتفال مع الوزير بـ”إنجازاته”، وطبعًا تسابق معهم في المنافسة على رضا الوزير أو ربّما علا عليهم، فيما لا يمكن اعتباره عُلوًّا ولا بطولة، المهندس علاء البطل رئيس هيئة البترول، الذي وجّه بترتيبات استثنائية تظهر إهتمامه شخصيًا بهذا الحدث الاستثنائي الذي يُمجّد في شخص وزير البترول، أذكر أنّ مسئولًا حينما أراد أن يتخلص من وزيره، أمر أحد المحيطين به أن يدشن لهذا المسؤول عملًا دعائيًا جبارًا للإشادة به، وبقدراته الخارقة، رفعه فيه إلى عنان السماء، فكان أن تم طرد الوزير وجلس المُدبّر مكانه.
فضيحة.. المُلّا يعفي شركة بترول أجنبية من سداد مليار دولار مستحقة عليها للخزانة المصرية
إلى ذلك واصطف في هذا العمل الدعائي الدكتور سمير رسلان وكيل أول وزارة البترول للاستكشاف والاتفاقيات بالوزارة مع عدد من مساعديه، وإلى جانب غير بعيد منه شمّر شريف حسب الله أكمامه –مجازًا- استعدادًا لـ”الحدث الهام” فأخذ طاقمه معه ابتهاجًا بانتصارات الوزير الذي بدا عريسًا لمطبوعة لطّخت وجهها بأسوأ أدوات التجميل، وعبارات التجميل، وبيانات التجميل، وأرقام التجميل.
تجلى في هذا السياق استخدام “المُلّا” لأسلوبٍ مُهين، يسلط الضوء على عدم احترامه للوقت والجهود المبذولة من جانب قيادات الوزارة ورؤساء الشركات، الذين أبدى عدد غير قليل منهم انزعاجًا مكتومًا من هذا التصرّف المشين في هذا المشهد المهين الذي يعكس واقعًا مرفوضًا عند دوائر القرار، حيث أظهر هذا المشهد الذي أشرفت على إخراجه –مؤسسة صحفية تحتاج إلى الدعم المالي- وزير البترول في صورة الجاهل كثيرًا بفقه الأولويات والضعيف نسبيًا في التصرف بمسؤولية.
وتساءل مصدر رقابي مطّلع –مستغربًا- كيف يمكن أن يتسبب تنظيم حفل تدشين كتاب دعائي في تعليق أعمال وزارة البترول ليومٍ كامل؟! و أضاف: “كل هذه الجهود، فقط لكي يتباهى الوزير بكتاب يُمجّد فيه وفي قراراته؟! وطلب المصدر من وسائل الإعلام الوطنية أن تكشف هذا الموقف الذي يجسد فشلًا ذريعًا في منظومة العمل بقطاع البترول ينبغي إلقاء الضوء عليه، وبما يفضح الإستخفاف بأهمية متابعة الأعمال الأساسية والعمل الفعّال في قطاع البترول.
“أنوبك للبترول” تتعاقد مع شركات اُدينت عالميًا بتقديم الرشاوى لشركات البترول
عوضاً عن التفرغ للقضايا الهامة التي تواجه القطاع، قرر قيادات في قطاع البترول إعلان يوم كامل عطلة إجبارية لهم ولمساعديهم لحضور ذلك الحفل الترويجي لمطبوع يتناول “انجازات وزارته”، فوجدنا الفتى المدُلل لطارق المُلّا وسكرتيره الخاص محمود ناجي المُعيّن على درجة معاون وزير، يتابع مع قيادات الشركات حضورهم “الحدث الهام” وأن يكونوا في استقبال الوزير أثناء دخوله القاعة، ومن ذلك وجدنا في استقال الوزير كلًا من رئيس شركة ميدور ورئيس شركة جاسكو وغيرهم الكثير من رؤساء الشركات الذين عجزت مصادرنا عن حصرهم.
لقد اعتمد الوزير بشكل خاص على الفتى المدلل محمود ناجي في أن يكون الإخراج يليق بالوزير، فإذا بنا أمام مسرحية هزلية، بهلوانية تسابق فيها الجميع على إسعاد الوزير. وهنا قد يكون مبررًا من الفتى المدلل الإهتمام الكبير بهذا “الحدث” إذ لولا وليّْ نعمته المهندس طارق المُلّا لما حصل “ناجي” الأربعيني الشاب الذي لم يكن أكثر من مجرّد موظف –سكرتير- في مكتب المُلًا، على لقب “معاون وزير” ثم وعليه أضاف له المُلّا منصبًا آخر عندما عينه ريئسًا للإدارة المركزية للتوزيع والتكرير بالوزارة، وهو المنصب الذي يترأس فيه –ضمنيًّا- تسعة رؤساء شركات، مع نواب رئيس الهيئة العامة للبترول.
مصادر بالوزارة قالت إن الهدف من تنصيب ناجي هكذا، هو أن يرتب الفترة الانتقالية لما بعد “المُلّا” إذا ما تمت الإطاحة به من الوزارة، بشكل يحفظ للمُلّا سلامته.
وقالت المصادر إن هذا التصرّف من المُلّا بسحب قيادات القطاع من مكاتبهم إلى مجرّد حضور مناقشة مطبوع دعائي للوزارة يُعدّ خطوة فاشلة تعكس تفاقم مشاكله الكثيرة في الإدارة والتخطيط داخل الوزارة.
الحفل الدعائي جمع بين الإعلام والاستهتار فما هي تكاليف هذا الاستهتار.. يجب على الجهات الرقابيية قياس الخسائر
ففي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وأزمات الفشل الواضح في جذب الشركات الدولية للعمل في مصر، يَظهر هذا القرار كتصرف استهتاري يهدر وقت قيادات القطاع بشكل غير مبرر. فإذا أردنا حساب الفاتورة، نتساءل كم يكلف تعطيل قطاع البترول المصري ليوم كامل؟ وهل تستحق هذا التكاليف الضخمة الفعل اللا مسؤول من الوزير؟
يتطلب القطاع البترولي إدارة فعّالة وجادة للتعامل مع التحديات الكبيرة التي تواجهه. هذا الفشل الإداري يجب أن يكون منبع الاستفادة والعبرة لتحسين الأداء الإداري والاستخدام الفعّال للوقت. يجب أن يكون الاستقرار والتقدم أولوياتنا، وليس الحفلات الدعائية التي تهدر الوقت والجهود بلا جدوى.
من الضروري على وزير البترول أن يعيد تقييم أولوياته ويتوجه نحو التحول من إهدار جهوده في الحفلات الدعائية إلى الالتزام بالعمل الفعّال والجاد للارتقاء بالقطاع. إذا كان يرغب في التقدم والنجاح، يجب أن يكون قائداً حقيقياً يُحسِّن استخدام الوقت ويسعى جاهداً لتحقيق التطور والاستقرار في القطاع البترولي.