بيزنس “شهود الزور” ينتشر بالمحاكم .. واجراءات جديدة لمحاصرته
منذ عشرات السنين ومع تراجع أخلاق البعض وتنازلهم عن القيم والثوابت التي تربينا عليها ومنها شهادة الحق، ظهرت مجموعات من ضعاف النفوس ليس لهم عمل سوى شهادة الزور بالمحاكم من أجل الحصول علي بضعة جنيهات، ومع مرور الوقت تطورت المهنة واتخذت اشكال مختلفة فأصبح هناك الشاهد الذي يتخفى وراء “البدلة” والنظارة السوداء ليرفع من أجره، واصبح هناك الشاهد الملتحي مستغلاً المظهر الديني في إقناع القاضي بما يدلوا من شهادة، وجميعها صور لنفس الوظيفة، وهو ما دفع بعض الدوائر بوزارة العدل للتفكير في القضاء علي تلك الظاهرة بعد أن انتشرت بقوة الفترة الماضية وتهديد منظومة العدالة، وذلك من خلال ميكنة القضايا بما يضمن سهولة التعرف علي الشاهد في حال تكرر ظهوره أمام نفس الدائرة أو أمام دوائر مختلفة بنفس المحكمة.
وفي هذا السياق، تكشف “البلاغ” كواليس العالم السري لشهود الزور، او شهود الإيجار كما يسموا أنفسهم أو يسميهم المحامون الذين يلجأون إليهم في بعض الأوقات حتى لا يرهقوا أنفسهم في إثبات براءة موكليهم بالشكل القانوني.
يروي “محمد .ف” محامي بالنقض، تفاصيل مثيرة حول عالم شهود الإيجار، قائلاً، الصورة اختلفت عن الماضي فالأعداد كانت متضائلة قديمًا وأقصى ما كانوا يقومون به هو الشهادة علي عقد بيع تم تحريره بين طرفين ثم تراجع أحد الطرفين عن البيع فنلجأ وقتها لشهود للطعن علي صورة العقد، ورغم أن الشاهد بالأساس لم يكن موجود بالعقد إلا أنه يقسم بأن البيعة تمت أو لم تتم علي حسب اتفاق المحامي، اما الآن تطورت المسائل لتصل إلى جرائم القتل والسرقة بالإكراه والخطف والإغتصاب وأيضًا السعر يتفاوت، فهناك شاهد قد يحصل على 200 إلى 250 عن كل قضية، وهناك آخر تصل شهادته إلى 10 الاف جنيه.
وتابع، السعر يتفاوت بحسب الوظيفة التي يعمل بها الشاهد، ولتفهم ذلك، لابد وأن تزور المحكمة لتتعرف علي بعض الأشخاص يعملون بوظائف محترمة ولكن ضيق الحال دفعهم للعمل كشهود عيان وهؤلاء سعرهم مرتفع حتى لا يشك القاضي بشهادتهم.
“سامي.ج” محامي بالإستئناف،يقول، الشهود علي كافة أشكالهم موجودين داخل المحكمة، هناك الشاهد الذي يضطر لارتداء البدلة وهذا له سعر، واخر يطلق لحيته وهذا له سعر، وبينهما سمسار قد يكون محامي أو شاهد زور قديم استطاع ان يجمع كافة البيانات عن هؤلاء الشهود طوال سنوات عمله، حيث يقوم بتوفير الشخص المطلوب سواء كان رجل أو امرأة، ويحصل في المقابل علي نسبة من المبلغ.
وتابع، نظام عمل الشاهد معقد بدرجة كبيرة، فلا يمكن ظهوره أمام نفس الدائرة بالأسبوع الواحد، ويكتفي بالغالب في الإدلاء بشهادة مزورة اربعة مرات بالشهر وأمام دوائر مختلفة بنفس المحكمة وفي كل مرة يغير من ملامحه، كأن يرتدي نظارة أو يحلق شعره وهكذا، وعلي الجانب الآخر يعمل بمحاكم أخرى بما يجعل حصيلة ما يتقاضونه مقابل ذلك العمل حوالي 2 إلى 3 الاف جنيه شهريًا كحد أدنى.
فقيه قانوني: ميكنة قضايا المحاكم وسيلة فعالة لمواجهة شهود الزور
ومن جانبه أكد الدكتور محمد السيد، الفقيه القانوني، أن مواجهة تلك الظاهرة القديمة الحديثة يضمن عدالة اكثر نزاهة، وعلي وزارة العدل أن تدرك خطورة استمرارهم، ففي الدول المتقدمة ولمنع تلك الشهادات الزور لابد وأن يثبت الشاهد بأن كان متواجد بساعة وتاريخ حدوث الواقعة أياً كانت سواء بالفيديو أو الصور او شهادة آخرين، علي عكس ما يحدث لدينا في بعض القضايا، فهناك محامين يلقنون الشاهد بعض التفاصيل ويطلقونه أمام القاضي ليكذب علي هيئة المحكمة ويقسم بالله زورًا علي رؤية أشياء لإثبات براءة أحد المتهمين أو إدانته وللأسف يؤثر بشهادته علي المحكمة التي تحكم في ضوء ما لديها من أوراق وشهادات شهود.
وتابع الفقيه القانوني، هناك أمرين لعلاج مسألة الشهود، اولاً أن يتم تطبيق تعديلات قانون الإجراءات الجنائية التي قامت بها الحكومة من قبل وعرضت على البرلمان ولا نعرف إلى أي درجة وصلت وخاصة فيما يتعلق بشهود العيان وأن يكون الاستماع إليهم اختياريًا من قبل هيئة المحكمة، الأمر الثاني أن يتم ميكنة قضايا المحكمة وهو أمر مفيد للحفاظ عليها لسنوات أطول كما يساعد علي تقليل ظاهرة شهود الزور.
ويتفق معه المستشار أسامة الرخ المحامي بالنقض، قائلاً، حدد المشرع مواد القانون أرقام 297، و300، و301، من قانون العقوبات عقوبة كل من شهد زور أو أرغم غيره على شهادة الزور، وتنص المادة 297 على أنه : “كل من شهد زوراً في دعوى مدنية يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين”، كما تنص المادة رقم 300 على أنه :”من أكره شاهداً على عدم أداء الشهادة أو على الشهادة زوراً يعاقب بمثل عقوبة شاهد الزور مع مراعاة الأحوال المقررة في المواد السابقة”، فيما تنص المادة 301 على أنه : “من ألزم باليمين أو ردت عليه في مواد مدنية وحلف كاذباً يحكم عليه بالحبس، ويجوز أن تزداد عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه”.