إذا كان الأمير محمد بن سلمان قد نجح في استرداد مليارات الدولارات التي استولت عليها أكابر المملكة العربية السعودية عندما احتجز أمراء وحيتان المملكة في فندق الريتز كارلتون الشهير، فإن مصر بحاجة إلى إجراء شبيه يعيد اليها حقوقها من أكابر القوم على أرضها الذين ارتكبوا أعنف الجرائم بحق المال العام
بطل السطور التالية هو واحد من أبرز الذين احتجزهم ولي العهد في الريتز كارلتون الشهير، ولم يخرج منه إلا بعدما أعاد ما استولي عليه من أموال السعوديين.. أموال المصريين في حاجة إلى نفس الإجراء
في منتصف العام 2012 أي قبل 10 سنوات تقريبًا كشف تقرير صادر عن الجهاز المركزي للمحاسبات عن إهدار هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة نحو 5 مليارات جنيه لصالح شركة «المراكز المصرية للتطوير العقاري» المالكة لـ«مول العرب» بالسادس من أكتوبر.
التقرير رصد مخالفات هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة في قبولها عطاء شركة «المراكز المصرية» التي يساهم فيها فواز الحكير رجل الأعمال السعودي مع شركة «فاس» السعودية القابضة لشراء 880 ألف متر في مدينة السادس من أكتوبر، على الرغم من أن الشركة لم تكن قد انتهت من إجراءات تأسيسها في مصر من الأصل، وبالتالي لم تكن لها ملاءة مالية بمصر أو سابقة أعمال لها، وهو ما يتنافى مع مواد القانون المنظم للمناقصات والمزايدات، الأمر الذى كان يستوجب وقتها رفض قبول العطاء من الأساس.
وكشف التقرير أن القيمة البيعية للأرض وفقا للسعر الذى تم ترسية العطاء على الشركة به هو 1٫145 مليار جنيه، في حين أن رأس مال الشركة المصرح به بحسب عقد تأسيسها عام 2007 كان 100 مليون جنيه.. كما أن رأس المال المصدر والمدفوع وصل إلى 10 ملايين جنيه فقط أى ما يمثل 8٫7% من إجمالي قيمة الأرض فقط في ذلك التاريخ.
إلى ما سبق فإن الملاءة المالية للشركة وقتها لم يكن يتناسب مع سعر الأرض، وعليه كان يجب رفض العرض المالي الذى قدمته شركة «المراكز المصرية» وهو ما لم تفعله هيئة المجتمعات العمرانية فضلًا عن تعثر الشركة بعدها في دفع باقي ثمن أقساط الأرض.
وكشف تقرير الجهاز المركزي وقتها- تحت يدنا نسخة منه- أن الهيئة قامت بترسية الأرض على شركة «المراكز المصرية» بسعر 1302 جنيه للمتر، في حين أنها قد قامت ببيع أراضٍ بنفس المنطقة ولنفس الغرض بسعر تعدى 2000 جنيه للمتر كما حدث مع شركة 6 أكتوبر للاستثمار، التي حصلت على الأرض بسعر 2390 جنيها للمتر، وشركة بنيان للاستثمار والتنمية بسعر متر حدد وقتها بـ1900 جنيه.
فساد من أول السطر
الجهاز المركزي: الممارسات التي تمت مع “الحكير” تسببت في ضياع 526٫5 مليون جنيه على الدولة في حالة بيعها بنفس الأسعار التي أخذت بها الشركات الأخرى أراضي مشروعاتها..
وكشف التقرير عن مخالفة هيئة المجتمعات العمرانية القانون فيما يخص المزايدة الخاصة بالأرض، بتحويل المزايدة من «عامة» إلى «محدودة» تضم أعلى الشركات عروضاً، الأمر الذى قصر المزايدة على 3 عروض فقط سعودي وكويتي وإماراتي، واستبعاد بقية العروض الأخرى رغم قبولها فنياً.
كما قامت اللجنة بفتح العروض الثلاثة في جلسة مغلقة وليست علنية، كما ولم تتم دعوة أصحاب العطاءات المقبولة فنيا الذين يلزم القانون دعوتهم للجلسة، بل استأجرت وزارة الإسكان لهم قاعة في فندق «الهيلتون» بدلا من مقر وزارة الإسكان.
إلى ما سبق حصلت شركة «المراكز المصرية» على تيسيرات بتأجيل أقساط مجموعها وصل إلى 216 مليون جنيه بدون فوائد بقرارات من وزير الإسكان السابق أحمد المغربي الذي كان يتحتم عليه فسخ العقد وسحب الأراضي من الشركة، جرّاء عدم التزام الشركة بسداد قسطين متتاليين أكثر من مرة بالمخالفة لنصوص عقد بيع الأرض.
إزاء هذا الموقف من وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية فإن تلك الأرض لو كان تم سحبها وعرضها مرة أخرى في مزاد لكان سعر المتر سيصل إلى 6٫5 ألف جنيه، ما أهدر على الدولة 4٫2 مليار جنيه تقريبا، بخلاف الأموال المهدرة لإعفاء الشركة من غرامات التأخير في دفع الأقساط.
إلى ما سبق وافقت وزارة الإسكان على رهن الشركة 209 أفدنة من الأرض لصالح البنك التجاري الدولي مقابل الاقتراض بقيمتها في الوقت الذى لم تكن قد سددت قيمة الأرض المرهونة للهيئة.
لم تنته مخالفات الشركة حينها عند ذلك الحد بل لقد خالفت عقد البيع نفسه بتغيير نشاط المشروع من مجتمع عمراني متكامل إلى مشروع تجارى وإداري، ما كان يستدعى سحب الأرض منها إلا أن ذلك لم يحدث.
على ما سبق وبرغمه فقد خالفت شركة «المراكز المصرية- مول العرب» وعد انتهائها من المشروع في الجدول الزمنى المتفق عليه بين وزارة الإسكان والشركة إبان توقيع العقود في 2007.
واتهم التقرير وقتها إدارة المشروعات والشئون الفنية بهيئة المجتمعات العمرانية بالتقاعس عن عملها وعدم تحصيل زيادات فى السعر من «المراكز المصرية- مول العرب» بعد مخالفتها الاتفاق واستغلالها المناطق المخططة لتكون مساحة خضراء لإنشاء ساحة للطعام وإنشاء كافيتريات بما أهدر على الدولة 32٫2 مليون جنيه أخرى.
يوم الاثنين، الموافق 20 مايو 2013 اتفقت شركة «المراكز المصرية- مول العرب» مع حكومة الإخوان عبر وزيرها يحيى حامد وزير الاستثمار في حكومة “قنديل” على إنقاذ الشركة من مصادرة الأرض المخصصة لها.
وقتها أعلن رجل الاعمال فواز الحكير خلال لقائه بوزير الاستثمار يحيى حامد رغبته في سداد مبلغ 840 مليون جنيه، ليتمم بذلك إجراءات التصالح فيما يتعلق بمشروع “مول العرب” بمدينة السادس من أكتوبر.
وأشار “الحكير” في تصريح نشرته جريدة اليوم السابع وقتها من بيان صادر عن وزارة الاستثمار في حكومة الإخوان إلى: “الروح الجديدة التي باتت تسود مناخ الاستثمار في مصر، ورغبة وزارة الاستثمار الجادة في حل جميع مشكلات المستثمرين، بهدف تيسير عملية استثمارهم بمصر والتوسع في مشروعاتهم القائمة، مؤكداً نيته في ضخ استثمارات جديدة تزيد على 5 مليارات جنيه خلال العام المالي 2013-2014، في حال حصوله على الأراضي اللازمة للمشروعات التي ينتوى تدشينها بمصر”.
حكومة الإخوان منحت شركة مول العرب تيسيرات تفوق ما طلبه الحكير ووزير الجماعة الإرهابية عرض على الحكير امتيازات لم يكن يحلم بها
من جهته أكد يحي حامد وزير الاستثمار في حكومة الإخوان في بيان الوزارة: ” بحثه إمكانية توفير الأراضي اللازمة للشركة، في سبيل تنفيذ خطتها الاستثمارية بمصر بأسرع وقت ممكن، ما من شأنه أن يتيح الكثير من فرص العمل الجديدة للمصريين“.
كما وجه الوزير الإخواني بضرورة التنسيق بين شركة «المراكز المصرية- مول العرب» ووزارة الإسكان :” بهدف سرعة استصدار التراخيص اللازمة من هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وذلك بهدف استكمال مشروع مول العرب، والذى يشتمل على الجزء السكنى المزمع إقامته بالمول“.
في العام 2016 رصد تقرير موسع للجهاز المركزي للمحاسبات عدم فسخ التعاقد وسحب الأرض من شركة المراكز المصرية- مول العرب لعدم قيام العميل بالتزامات التنفيذ الناشئة عن التعاقد وتقديم برنامج زمني تنفيذي لأعمال المرافق والمباني، واستخدام الأرض في غير الغرض المخصص من أجله، بالمخالفة للبند العشرين من العقد، أيضا وبعدم سداد قسطين متتاليين من العقد في غضون عام 2011 بالمخالفة للبند الرابع من العقد ما ترتب عليه ضرر على المال العام بلغ ما أمكن حصره منها نحو 4 مليار و 178 مليون جنيه.
الانحرافات التي ارتكبتها الهيئة بمنح “الحكير” التيسيرات المقررة للعملاء المتعثرين عن عامي 2009 و 2010 دون وجه حق وبالمخالفة لشروط منح هذه التيسيرات ترتب عليه تأجيل سداد مبلغ 216 مليون جنيه، لما بعد عام 2017 مما أضر بالمال العام.
وتناول التقرير عاليه تقاعس إدارة المشروعات بجهاز مدينة 6 اكتوبر والشئون الفنية بالهيئة عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحصيل علاوة السعر المقررة لاستخدام المسطحات الخضراء والممرات لإقامة قاعة طعام وكافيتريا أدى لوجود ضرر على المال العام بنحو 22 مليون و 900 ألف جنيه.
ضًا وتقاعس إدارة المشروعات بالجهاز عن اتخاذ الإجراء القانوني تجاه “الحكير” لقيامه بعمل سور خارج القطعة بالمخالفة لقانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008 واشتراطات التنمية بالمدينة وشروط التعاقد مما أضاع على المال العام قيمة علاوة السعر.
فضلًا عن قيام العميل بتأجير المحلات بالمول الشهير والهايبر ماركت دون الحصول على موافقة مسبقة من الهيئة بالمخالفة للمادة الثالثة بند 2/6 من كراسة الشروط وكذا البند رابعًا من محضر الإستلام.
كما وتقاعس جهاز المدينة عن اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه المحلات بالمركز التجاري التي مارست النشاط دون استصدار تراخيص التشغيل اللازمة بلغ ما أمكن حصره منها 475 محل بخلاف الهايبر ماركت مما أضاع على المال العام رسوم التراخيص اللازمة بخلاف مستحقات مصلحة الضرائب.
أيضًا وقيام اللجنة المختصة بإدارة المشروعات بالجهاز بحساب نسبة الإنجاز(تنفيذ المشروع) بتاريخ18/1/2012 بنحو 58% وصحتها 26% فقط أدى لعدم اتخاذ اللجنة العقارية الفرعية بجهاز مدينة 6 اكتوبر قرار بفسخ التعاقد وإلغاء الترخيص.
ومن جملة الانحرافات التي ارتكبها “جهاز مدينة 6 اكتوبر” و دونها تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات منح عدد 11 محل بالمركز التجاري تراخيص التشغيل الخاصة بها في غضون 2011 على الرغم من استحقاق نحو 64 مليون جنيه على العميل من القيمة البيعية بخلاف غرامات التأخير المقررة قانونًا
إلى ما سبق كانت مخالفة أحمد المغربي واضحة بإصداره القرار الوزاري رقم 4 في 1/1/2008 بإجازة تنفيذ المشروع على مرحلتين منفصلتين غير متكاملتين بما يتعارض مع البند السادس من التعاقد والمادة 2 من كراسة الشروط.
على أن ما سبق لا يأتي في خطورة الموافقة لـ”الحكير” على رهن المنشآت العقارية المقامة على الأرض لصالح البنك التجاري الدولي، استنادًا إلى عدم وجود مستحقات مالية للجهاز بالمخالفة للحقيقة، لتكون هي المخالفة الأخطر، إذ أن هذه الموافقة خرجت دون وجه حق، حيث تم رهن إجمالي المنشآت التي ستقام على كامل مساحة الأرض في الوقت الذي لم تتعد نسبة التنفيذ في المشروع 26% فقط وقت صدور التقرير في العام 2016.
وكانت اللجنة الوزارية لفض منازعات الاستثمار قد أقرت في اجتماعها ديسمير 2016 تسوية مع شركة المراكز المصرية، التابعة لمجموعة الحكير السعودية بشأن نزاع على 61 فدانًا مجاورة لمشروع «مول العرب»، المملوك للشركة.
وقررت اللجنة سحب 40 فداناً من إجمالي 61 فداناً تمثل أرض المرحلة الثانية لمشروع «مول العرب» المملوك لشركة المراكز المصرية للتطوير العقاري، المملوكة بدورها لرجل الأعمال السعودي فواز الحكير.
في هذا الاجتماع منحت اللجنة مهلة جديدة لـ«المراكز المصرية» لاستكمال المشروع على مساحة 21 فدانًا بعد اعتراض الشركة على إعادة تسعير كامل مساحة الأرض الذى حددته هيئة المجتمعات العمرانية.
اللجنة الوزارية لفض منازعات الاستثمار اعتمدت التسوية الجديدة بين «المجتمعات العمرانية» و«المراكز المصرية» والتي تتضمنت سحب 40 فدانًا من الشركة وإعادة التعامل على 21 فدانًا أخرى.
وقررت لجنة التظلمات بـ«المجتمعات العمرانية»، في وقت سابق، قبول تظلم «المراكز المصرية»، وإلغاء سحب الأرض على أن تتم إعادة تسعير 61 فدانًا، وفقًا للأسعار الحالية-أسعار 2016- ووضع برنامج زمنى جديد لاستكمال المشروع، إلا أن «المراكز المصرية» رفضت التسعير الذى حددته الهيئة، ولجأت إلى لجنة فض منازعات الاستثمار لإلغاء قرار سحب الأرض.
في اجتماع “فض المنازعات” حصلت شركة «المراكز المصرية» على مهلة زمنية جديدة لاستكمال المرحلة الثانية من مشروع «مول العرب» وحددت المهلة وفقًا للمخططات التى ستقدمها الشركة إلى “المجتمعات العمرانية”
التسوية تم توقيعها تمهيدًا لتسليم الشركة مخططاتها لتنفيذ المشروع لاعتمادها وإصدار القرار الوزاري وتراخيص التنفيذ.
اعتبرت المصادر- وقتها- أن التسوية هى أفضل صيغة لحل النزاع مع الشركة وستعيد هيئة المجتمعات العمرانية طرح الأرض على الشركات بعد ارتفاع قيمتها الاستثمارية، خاصة أنها فى موقع مميز ومجاور لمشروع تمت تنميته بالكامل.
أضافت المصادر أن «المراكز المصرية» ستقوم بتطوير مساحة 21 فدانًا بنشاط سكنى وفقًا للمخططات التي تم تقديمها فى وقت سابق وتنتظر الهيئة المخطط النهائي لتحديد استخدامات الأرض والفترة الزمنية المناسبة لتطوير المشروع.
ووقعت «المراكز المصرية» تسوية سابقة مع «المجتمعات العمرانية» فى ديسمبر 2012 بشأن أقساط متأخرة من قيمة الأرض تنص على سداد الشركة 120 مليون جنيه من مديونيتها البالغة 268 مليون جنيه آنذاك وتتم جدولة باقي المبلغ على 4 أقساط نصف سنوية محملة بالفوائد واستكمال تنفيذ المشروع.
وحصلت الشركة على قرض فى أغسطس 2014 بقيمة 140 مليون دولار موزعة بين 120 مليوناً بالتساوي بين مؤسسة التمويل الدولية والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية و20 مليونًا من البنك التجاري الدولي CIB بقيمة 20 مليون دولار لاستكمال “مول العرب” بالمخالفة لبنود التعاقد سابق الإشارة اليها.
الخلاصة فيما سبق.. أن هذا المكان الرائع الذي أصبح قبلة الكثير من المصريين، ويحقق أرباحًا بعشرات الملايين كل شهر قد قام على سلسلة من الانحرافات والمخالفات، التي بدأت مع صدور قرار التخصيص، الذي صدر لشركة لم يكن رأس مالها يساوي 1% من سعر الأرض وتكلفة البناء والتطوير، مرورًا بالموافقة على رهن الأرض لبنوك مصرية تحملت عبء تمويله من أموال المصريين، بينما تذهب أرباحه الآن بالكامل خارج البلاد، وليس انتهاءً بقصور الرقابة على منشآته من أجهزة الدولة المختلفة.
عبده مغربي