تصاعدت التوترات في منطقة القرن الأفريقي، بعد التحالف العسكري بين الصومال ومصر، الذي أثار حفيظة إثيوبيا. وقد شهد الأسبوع الماضي وصول طائرتين عسكريتين مصريتين من طراز “سي-130” إلى العاصمة الصومالية مقديشو، ما يشير إلى بداية تنفيذ اتفاق عسكري تم توقيعه في أغسطس/آب خلال زيارة رسمية للرئيس الصومالي إلى القاهرة.
تفاصيل التحالف العسكري المصري الصومالي
وفقًا للخطة، من المتوقع انضمام ما يصل إلى 5000 جندي مصري إلى قوة جديدة تابعة للاتحاد الأفريقي بحلول نهاية العام، مع نشر 5000 آخرين بشكل منفصل في وقت لاحق. هذا التحالف يعكس تقاربًا بين مصر والصومال في وقت تتصاعد فيه التوترات بين مصر وإثيوبيا بسبب السد الإثيوبي على نهر النيل.
وفي حين ترى إثيوبيا أن هذا التحالف يزعزع استقرار المنطقة، أعرب وزير الدفاع الصومالي عن رفضه للتصريحات الإثيوبية، داعيًا أديس أبابا إلى التوقف عن “الصراخ”، مشددًا على أن الجميع “سيحصدون ما زرعوه”، وذلك في إشارة إلى تدهور العلاقات بين البلدين في الأشهر الأخيرة.
خلافات إثيوبيا والصومال: جذور الأزمة
التوتر بين إثيوبيا والصومال ليس جديدًا، ولكنه يرتبط بطموحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الذي يسعى إلى منح بلاده غير الساحلية منفذًا إلى البحر. بعدما فقدت إثيوبيا وصولها إلى البحر مع انفصال إريتريا عنها في أوائل التسعينيات، ومنذ ذلك الحين تسعى إلى إيجاد حلول لهذا الوضع الجغرافي الصعب.
وفي يناير، وقع آبي أحمد اتفاقية مثيرة للجدل مع جمهورية أرض الصومال المعلنة ذاتيًا وغير المعترف بها دوليًا لاستئجار شريط ساحلي بطول 20 كيلومترًا لمدة 50 عامًا، مما أثار قلق مقديشو التي تعتبر أرض الصومال جزءًا من أراضيها. ورأت الصومال في هذه الخطوة عملاً “عدوانيًا”، معتبرة أن مثل هذه التحركات قد تشجع دولًا أخرى على الاعتراف باستقلال أرض الصومال، مما يهدد وحدة البلاد.
قلق جيبوتي والمخاوف الإقليمية
لم يقتصر الأمر على إثيوبيا فقط؛ فقد أعربت جيبوتي المجاورة عن مخاوفها من تأثير الصفقة على اقتصادها المعتمد على الموانئ، خاصة وأن إثيوبيا تعتمد تقليديًا على جيبوتي في استيراد البضائع. وفي محاولة لتهدئة التوترات، أبدت جيبوتي استعدادها لمنح إثيوبيا حق الوصول إلى أحد موانئها بنسبة 100٪.
التدخلات العسكرية وخروج إثيوبيا من قوة الاتحاد الأفريقي
لم تكتف الصومال بإدخال مصر في هذه المعركة، بل أعلنت أيضاً أن القوات الإثيوبية لن تكون جزءًا من قوة الاتحاد الأفريقي الجديدة اعتبارًا من يناير المقبل، ما يزيد من تعقيد الوضع العسكري والسياسي لإثيوبيا. ومع هذا القرار، يُتوقع أن يتم سحب حوالي 7000 جندي إثيوبي ينتشرون في عدة مناطق بالصومال.
قلق إثيوبيا من الدور المصري ودوافع القاهرة
ترى إثيوبيا أن مشاركة مصر في التحالف العسكري مع الصومال تهديد لمصالحها الإقليمية، خاصة مع استمرار التوترات بين القاهرة وأديس أبابا حول السد الإثيوبي. ويخشى المسؤولون الإثيوبيون من أن يؤدي نشر القوات المصرية على طول حدودها الشرقية إلى تصاعد التوترات، في ظل توتر العلاقات بين الجانبين بشأن المشروع المائي الضخم الذي تعتبره القاهرة تهديدًا وجوديًا.
من جانبها، ترى مصر في هذا التحالف “فرصة تاريخية” لتعزيز نفوذها في منطقة القرن الأفريقي، حيث يمكن أن يكون لها دور في تسوية الحسابات مع إثيوبيا فيما يتعلق بقضية السد التي ترفض اثيوبيا طوال اكثر من عقد التفاوض أو طمأنة دول المصب من مخاوفهم الانفراد بالقرار فيما يخص إيراد النيل السنوي من الماء . وقد سبق وأن حذرت مصر من أنها ستتخذ “إجراءات” إذا شعرت بتهديد لأمنها المائي، خاصة وأن سد النهضة يؤثر بشكل كبير على إمدادات مياه النيل التي تعتمد عليها مصر بشكل أساسي.
تداعيات سد النهضة على العلاقات المصرية الإثيوبية
منذ بدء بناء سد النهضة في 2011، تصاعدت الخلافات بين مصر وإثيوبيا بشأن كيفية تشغيل السد وضمان تدفق كميات كافية من المياه لدول المصب. تتهم مصر إثيوبيا بتجاهل حقوق دول المصب وتهديد أمنها المائي، حيث تخشى القاهرة من أن يؤثر السد على إمدادات المياه اللازمة للري والزراعة.
احتمالات التصعيد وأثره على البحر الأحمر
يحذر الخبراء في اثيوبيا من أن النزاع حول سد النهضة يمكن أن يمتد إلى الصومال، ما قد يؤدي إلى مواجهات مباشرة بين القوات المصرية والإثيوبية. كما أن إنشاء قواعد عسكرية مصرية في الصومال قد يؤدي إلى زعزعة استقرار اثيوبيا.
وفي ظل الوضع المعاند الذي تتخذه إثيوبيا ضد دول المصب، وفي ظل الاضطرابات الداخلية في أديس أبابا فإن أي تصعيد إضافي قد يفاقم الأوضاع الأمنية ويؤدي إلى مزيد من الهجرة والاضطرابات. ويرى بعض المحللين أن النزاع قد يعقد الجغرافيا السياسية للبحر الأحمر، خاصة مع مرور 12٪ من التجارة العالمية عبر هذا الممر الحيوي سنويًا.
مواقف دولية ومحاولات للوساطة
في محاولة لتخفيف حدة التوترات، تتطلع بعض الدول مثل تركيا والإمارات إلى لعب دور الوسيط. وقد استثمرت الإمارات بشكل كبير في ميناء بربرة في أرض الصومال، ولديها نفوذ على إثيوبيا بسبب استثماراتها في البنية التحتية والموانئ. ومن المتوقع أن تستمر تركيا في جهودها الدبلوماسية للتوسط بين الأطراف المتنازعة في منتصف سبتمبر المقبل.
في ظل تصاعد التوترات، يبدو أن المنطقة أمام مرحلة حرجة من الصراع الجيوسياسي بين مصر وإثيوبيا، ومع دخول الصومال كطرف جديد في هذا الصراع. يبدو أن القاهرة تريد ان توصل رسالة عملية إلى العالم بأنه قد فاض عليها الكيل من تصرفات اثيوبيا، وقد تتحرك بما يحفظ مصالحها مهما تكن التحديات.