في واحدة من القضايا الحساسة التي يتعامل معها الإنجليز بكثير من الدقة والقلق أعلنت الحكومة البريطانية خلال الساعات الماضية أن سلسلة صفقات غير تقليدية، معقدة وسرية عقدتها صحف “الإندبندنت” و”إيفننغ ستاندرد” بهدف إخفاء عملية بيع حصص منهما لبنك سعودي ورجل أعمال من المملكة العربية السعودية.
وكانت صحيفة الغارديان البريطانية قد نشرت أول أمس 23 يوليو 2019، أن إفغيني ليبيديف، الذي يسيطر على كلتا الصحيفتين، قد باع 30٪ من حصصهما لشركات تعود ملكيتها إلى رجل الأعمال السعودي، سلطان محمد أبو الجدايل، في عامي 2017 و2018.
وقال ديفيد سكانيل الممثل القانوني للحكومة البريطانية، أمام محكمة بريطانية، في 23 يوليو الجاري، أن الحكومة السعودية يمكن لها الآن أن تمارس نفوذاً تحريرياً على منصتي الأخبار، مضيفاً أن بيع هذه الأسهم له “تداعيات على الأمن القومي”.
وقال سكانيل أن “ما يثير قلق الحكومة البريطانية هو أن دولة أجنبية – في إشارة إلى السعودية- قد تستحوذ على حصة كبيرة في شركة ليبيديف القابضة، مالكة الإندبندنت وإيفننغ ستاندرد”.
وكان وزير الثقافة البريطاني جيريمي رايت قد أعلن الشهر الماضي إجراء تحقيق في الصفقات الخاصة بالصحيفتين الإنجليزيتين، محذراً من أن المستثمر النهائي قد تكون لديه “روابط قوية مع الدولة السعودية”، وهذا ما يثير مخاوف من أن حكومة أجنبية – يقصد السعودية – قد اكتسبت نفوذاً يؤثر في حيادية الأخبار في اثنتين من كبرى الصحف البريطانية.
جيريمي رايت قال في وقت سابق، أن الصفقة السعودية قد يكون لها تأثير في أخبار “إندبندنت” و”إيفننغ ستاندرد”.
يأتي ذلك بعد فترة قصيرة من إطلاق “إندبندنت” سلسلة من المواقع الإلكترونية بلغات أجنبية (منها العربية)، بإدارة الصحفي السعودي عضوان الأحمري
الانطلاقة يوم أمس لـ اندبندنت عربية ، وما يزال العمل التحريري قائماً وكذلك التقني … في حال وجود ملاحظات على الموقع بالإمكان ذكرها في "المنشن" وستؤخذ بعين الاعتبار.https://t.co/pq6xIRD3Kc
— عضوان الأحمري (@Adhwan) January 25, 2019
من جهته، طلب وزير الثقافة البريطاني من “أوفكوم” الهيئة البريطانية المعنية بتنظيم خدمات الاتصالات والإعلام في المملكة المتحدة، التحقيق في أي مخاوف تتعلق بالمصلحة العامة لبلاده، وتقديم تقرير للحكومة بخصوص ذلك منتصف أغسطس المقبل.
“الإندبندنت” و”إيفننغ ستاندرد” تواجه الإتهامات
إلى ما سبق فقد أصرت كل من “إندبندنت” و “إيفننغ ستاندرد” على أن المخاوف بشأن استقلالية التحرير في الصحيفتين لا أساس لها من الصحة، وقالتا أن سياستيهما التحريريتين لا تتأثران بالداعمين الماليين لهما.
يأتي ذلك فيما حاولت شركة ليبيديف القابضة المالكة للصحيفتين، إقناع الحكومة بالتوقف عن المضي قدماً في التحقيق بشأن الاستثمار السعودي في الصحيفتين، بحجة أن الحكومة البريطانية انتظرت فترة طويلة قبل أن تقرر التدخل. وهذا ما ردته الحكومة إلى رفض الشركة والمستثمرين السعوديين تقديم المعلومات الأساسية المطلوبة منهم.
إلى ما سبق فقد كشفت مصادر لـ” الغارديان” أن الاستثمارات في “إندبندنت” و”إيفننغ ستاندرد” تمت من خلال شركتين منفصلتين مسجلتين في جزر كايمان، غرب البحر الكاريبي. وهذا ما ساعد- بحسب المصادر- في إخفاء هوية المستثمر الحقيقي، قبل أن يظهر للصحيفة أن الشركتين كلتيهما مملوكتان بنسبة 50 ٪ لأبو الجدايل و50 ٪ من لـ “ووندروس للاستثمار”، التابعة للبنك التجاري الوطني في السعودية..
وقال سكانيل، بالنيابة عن الحكومة: “لقد جرى تأسيس هذه الشركات لغرض صريح هو حجب هوية الشركات المستحوذة الحقيقية”.
وقالت “الغارديان” إن ليبيديف تربطه علاقات وثيقة مع السعودية، إذ سبق وان عرض على تطبيق “إنستغرام” صوراً له مع القوات التي تدعمها السعودية في اليمن، كما زار محرر الإندبندنت كريستيان بروتون الرياض للقاء شركاء الأعمال الجدد.
في الإطار أعلاه فإن الصفقة التي دفعت فيها المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، عشرة ملايين دولار لـ”الاندبندنت”، وبموجبها قامت المؤسسة الصحفية البريطانية بإطلاق أربعة مواقع لها بأربع لغات هي، العربية، التركية، الأردية، والفارسية، وتتولى فيها “السعودية للأبحاث والتسويق” إدارتها وتشغيلها، قد تكون كاشفة لرغبة حقيقية لدى المملكة في أن تتمدد بقوتها الناعمة في العمق الأوروبي، ليس بهدف التأثير فيه كما يتخوف الإنجليز بحسب مصدر شبه رسمي في السعودية – طلب من جريدة البلاغ عدم الكشف عن اسمه- بل لمواجهة أكاذيب وشائعات الأذرع المعادية للمملكة في مراكز القرار الغربي بحسب المصدر.