علمتنا التجارب الحياتية، أن الانتصارات ليست كلها انتصارات، فهناك انتصار.. الخسارة أشرف منه، وقد كان انتصار رئيس مجلس إدارة شركة مصر للأسمنت، وعضوها المنتدب، على حفنة من عمالهم البسطاء بمصنع الشركة في صحراء قفط بمحافظة قنا انتصارًا بطعم الفشل، وذلك أثناء اعتصام أولئك العمال الذي لم يرفعوا فيه سكينًا ولا رمحًا في وجه مجلس الإدارة، بل رفعوا لافتات طالبوا فيها بزيادة أجورهم المتدنيّة لمواجهة الغلاء الذي تشهده البلاد، أسوة بما تفعله الدولة مع مختلف المؤسسات، وما يحدث في بقية المصانع، لكن جبروت مجلس إدارة شركتهم، لم يستجب لمطالبهم فحسب، بل عاقبهم بالطرد من العمل بعد عقودٍ من حياتهم خدموا فيها الشركة بالعرق والكفاح، أحدهم قضى نحبه أثناء العمل قبل أسابيع، لتنتهي حياته ويخيّم الحزن على أسرته وزملائه وأهل بلدته، وتنتهي معها معركة الاعتصام التي خاضها زملاؤه العمال في قلب الصقيع، وهم يفترشون الرمال لأكثر من عشر ليال، بانتصار مجلس الإدارة عليهم انتصارًا ساحقًا، سحقوا فيه مصدر الرزق الوحيد لؤلاء العمالَ وأطفالهم وزوجاتهم وأمهاتهم.. لا لشيء إلا لأنهم طلبوا فقط زيادة رواتبهم بما يعينهم على مواجهة أعباء الحياة.
جاء في كتاب “قوّة الفشل” أن صبيًا يدعى “جون بووين” اشترك في أحد سباقات العدّو لمسافة ١٠ كيلومترات في واشنطن، ولقد تدرب بقدر كبير جدا من أجل الإستعداد للسباق وكاد أن يفوز في أسرع وقت، وعندما وصل إلى منتصف السباق.. فجأة التوى رسغ قدم العدّاء الذي يسبقه في حفرة صغيرة فوقع على الأرض، أمسك العدّاء الواقع على الأرض برسغ قدمه وتدحرج على ظهره.
وفي لحظة من الحيرة فكّر “بووين” بين أن يتوقف ويساعد العدّاء الواقع على الأرض وبين أن يستمر في العدّو، لكن “بووين” لم يتوقف حيث وثب فوق العدّاء محاولا تجنب ضياع الوقت الثمين، وعندما ألقى نظرة سريعة خلفه، وجد امرأة عدّاءة قد توقفت كي تساعد ذلك العدّاء الواقع على الأرض.
فاز “بووين” في هذا السباق.. لكن ما أزعجه أن اكتشف أن فوزه هذا.. الخسارة كانت أشرف منه، حدث ذلك، في منافسة شريفة، فكيف الحال إذا ما كانت المعركة أصلًا بين طرفين غير متكافئين، قادة بياقات زرقاء يقبضون الملايين في مقر شركة مصر للأسمنت بالقاهرة.. وعمال بسطاء فقراء في قلب الصحراء لا تشبع الجنيهات القليلة التي يقبضونها من المصنع حاجاتهم الأساسية.
يقول “شارلز مانز” في كتابه “قوة الفشل” أن أقصر طريق لتحقيق النصر ربما يكون فخا يسبب لنا الخسارة أكثر من المكسب طوال الحياة، وربما أدركت المرأة التي توقفت لمساعدة العدّاء الواقع على الأرض ذلك، إذ أدركت أنها إذا اختارت الطريق الذي يبدو ممهدا أكثر للفوز قصير المدى، فإنها ستخسر خسارة لا يمكن لفوزها الهامشي أن يعوضها عنها أبدا، ويتضح أنها تعي أنه أحيانا حينما نفوز فإننا نخسر!.
أقول ذلك للسيد اللواء المقاتل عبدالفتاح حتحور رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب المهندس طارق طلعت، بعدما نجحا في إخماد مطالب مشروعة لحفنة من العمال في زيادة رواتبهم، بفصلهم من العمل وقطع أرزاقهم، أكررها؛ إنه انتصار.. الخسارة أشرف منه، خاصة إذا ما طالعنا السطور التالية التي تكشف بشكل مؤلم كيف تُدار الأمور في تلك الشركة..وهي مأخوذة نصًّا من اجتماع الجمعية العامة العادية لشركة بورتلاند المنيا للأسمنت- التابعة للمجموعة- في يوم الأثنين الموافق 22 مارس 2021 الساعة 11:00 صباحاً بالعنوان : 22ش – أنور المغني – أبراج طبيبة 2000 – مدينة نصر – القاهرة .
حرحور و طلعت يصرفون لأنفسهم مكافآت رغم خسارة الشركة
تم انعقاد الجمعية العامة لشركة بورتلاند المنيا للاسمنت بناءاً على الدعوة المرسلة من السيد اللواء عبد الفتاح حرحور بصفته رئيس مجلس الادارة، وذلك للنظر في جدول الاعمال الآتي :-
1- النظر في التصديق على تقرير مجلس الإدارة عن نشاط ونتائج أعمال الشركة عن العام المالي المنتهي في 31 ديسمبر 2020.
2- النظر في التصديق على تقرير مراقب الحسابات على القوائم المالية للشركة عن العام المالي المنتهي في 31 ديسمبر 2020
3- النظر في التصديق على القوائم المالية للشركة عن العام المالي المنتهي في 31 ديسمبر 2020
4- النظر في توزيع أرباح عن العام المالي المنتهي في 31 ديسمبر 2020
5- النظر في إبراء ذمة السادة رئيس وأعضاء مجلس الإدارة وإخلاء مسئوليتهم عن العام المالي المنتهي في 31 ديسمبر 2020، والتصديق على قرارات مجلس إدارة الشركة عن السنة المالية المنتهية في 31 ديسمبر 2020، وإعادة تشكيل مجلس الإدارة.
6- النظر في تحديد مكافآت وبدلات حضور و انتقال السادة أعضاء مجلس إدارة الشركة عن السنة المالية المنتهية في 31 ديسمبر 2020 مع اعتماد ما تم صرفه عن الفترة السابقة طبقا لقرار مجلس الإدارة بجلسته في 29/7/2020.
7- النظر في تعيين مراقب حسابات الشركة وتحديد أتعابه عن السنة المالية التي تنتهي في 31 ديسمبر 2021
8- النظر في اعتماد عقود المعاوضة التي أُبرمت مع شركات مرتبطة خلال العام المنتهي في31/12/2020
- والموافقة على عقود المعاوضة بين الشركة والأطراف ذات العلاقة شركة مصر للأسمنت قنا والمزمع توقيعه خلال العام المنتهي في 2011/12/31 وهي اتفاقية رسوم الإمتيار بين شركة بورتلاند المنيا للاسمنت وشركة مصر للأسمنت فنا لاستخدام أكياس شركة مصر للاسمنت قنا واستخدام شركة بورتلاند المنيا للاسمنت لاكياس شركة مصر للأسمنت قنا
- والموافقة على الترخيص مقدماً لمجلس الإدارة بإبرام عقود المعاوضة بين الشركة والأطراف ذات العلاقة خلال العام المنتهي في 2021/12/31 عند الحاجة مع العرض على الجمعية العامة في أول اجتماع لها.
9- اعتماد التبرعات التي تمت خلال الفترة المالية المنتهية في 31 ديسمبر 2020 والترخيص لمجلس الإدارة أو من يفوضه بمنح تبرعات خلال السنة المالية المنتهية في 31 ديسمبر 2021 في الحدود المقررة في قانون الشركات المساهمة.
وترأس الاجتماع السيد اللواء عبد الفتاح سالم حرحور – رئيس مجلس الإدارة، واقترح سيادته تعيين كل من السيد المستشار/ قاسم علي قاسم أمينا للسر والاستاذة / مني عبد المجيد شاكر والاستاذة / إسراء السيد محمد .. فارزی أصوات ، ووافق الاعضاء على هذا التعيين.
ما سبق هو جدول الأعمال الذي أعقبه جملة من القرارات التي اتخذها مجلس عبدالفتاح حرحور وطارق طلعت مع باقي أعضاء مجلس إدارة طبقًا لذلك الجدول.
وبعد استعراض القوائم المالية وبعد المناقشات فيما بين الأعضاء وافق أعضاء الجمعية على الاتي:-
( وننتقل مباشرة هنا إلى ) :
القرار الثالث:
التصديق على القوائم المالية للشركة عن السنة المالية المنتهية 31 ديسمبر 2020
ثم انتقل سيادته –حرحور- الى البند التالي من جدول الأعمال وهو النظر في توزيع أرباح عن العام المالي المنتهي في 31 ديسمبر 2020
حيث أوضح السيد رئيس الاجتماع للسادة الحضور من أعضاء مجلس الإدارة والمساهمين أنه بعد أخذ رأي السيد مراقب الحسابات بعدم توزيع أرباح نظرًا لتحقيق خسائر على النحو السابق توضيحه في البند السابق
وبعد المناقشات فيما بين الحضور من السادة المساهمين تم اتخاذ القرار الآتي:
القرار الرابع:
الموافقة على عدم توزيع أرباح السنة المالية المنتهية 31 ديسمبر 2020
ثم انتقل سيادته -حرحور- الى البند التالي من جدول الأعمال وهو النظر في إبراء السادة رئيس وأعضاء مجلس الإدارة وإخلاء مسئوليتهم عن العام المالي المنتهي في 31 ديسمبر 2020 والتصديق على قرار مجلس الإدارة عن العام المنتهي في 31 ديسمبر 2020 وإعادة تشكيل مجلس الإدارة.
ما يهمنا فيما سبق وفيما هو لاحق من الاجتماع هو أن شركة “المنيا” رغم تحقيقها خسائر في الميزانية عن عام ٢٠٢٠، ورغم الاتفاق على عدم توزيع أرباح عنها إلا أن رئيس مجلس إدارة الشركة –حرحور- قد قرر صرف مكافآت لنفسه فقط دون العاملين
وهنا ننقل نصًّا من محضر الاجتماع:-
( الموافقة على صرف مكافأة للسادة أعضاء مجلس الإدارة علي النحو التالي:
- مبلغ و قدره 250 ألف جنيه خالصة الضرائب مكافأة عضوية مجلس الإدارة لرئيس مجلس الإدارة
- مبلغ و قدره 250 ألف جنيه خالصة الضرائب لباقي أعضاء المجلس.. تصرف كالتالي :
- للعضو المنتدب مبلغ و قدره 50 ألف جنيه مكافأة عضوية مجلس الإدارة
- 200 الف جنيه مكافأة عن حضور اللجان المنبثقة من مجلس الإدارة).
حدث ذلك رغم إقرار مجلس إدارة الشركة بتحقيقها خسائرعن تلك السنة، وإقراره كذلك بعدم توزيع أرباح، لأن نتائج الأعمال جاءت بالخسارة.. إلا أن ذلك لم يمنعهم في الشركة من صرف مكافأة تميّز للعضو المنتدب المهندس طارق طلعت، ليس ذلك فحسب بل تم زيادة راتبه طبقًا للقرار (رقم 7) بمنح السيد المهندس طارق طلعت العضو المنتدب للشركة مكافأة تميّز- أي والله كتبوها هكذا- لمدة أربعة أشهر من صافي الراتب الشهري-بعد زيادته- بمبلغ وقدره 380 ألف جنيه مصري، صافية وخالصة من الضرائب.
ويبدو أن هذه السياسة كانت مبيّتة لدى السادة “حرحور وطلعت” منذ قدومهم إلى الشركة في الربع الأخير من العام 2019، إذ أنهم قرروا لأنفسهم صرف مكافآت عن ذلك العام الذي لم يمض على تعيينهم فيه إلا( 3 أشهر) وعلى الرغم من تحقيق الشركة لتلك السنة خسائر كبيرة، إلا أن ذلك لم يمنعهم من صرف مكافأة قدرها 200 ألف جنيه لكل واحد منهم عن تلك الأشهرالثلاثة في العام 2019- وأكرر رغم خسارة الشركة- وهو أمر كاشف لسياستهم في صرف المكافآت لأنفسهم على أي شكل من الأشكال.. سواء كانت الشركة رابحة أو خاسرة..!
“القصبجي”.. كلمة السر في جميع العمليات الغامضة بالشركة في مجال الفحم
وإلى هنا وحتى نلتقي في الحلقة القادمة، فإن قضية إسناد عمليات توريد الفحم بالأمر المباشر لشركة ريلانس القصبجي بمبلغ يزيد عن 15 مليون دولار، ستكون محور حديثنا القادم، إذ تبين أن “القصبجي” هو كلمة السر في العمليات الغامضة والتي جاءت بالقرار رقم (6).. وسنحدّث فيها فقط من واقع الأوراق.. انتظرونا.
