في مقابلة له مع إذاعة “ثمانية” بالمملكة العربية السعودية، قبل أيام.. تساءل الكاتب السعودي الشهير خالد الدخيل عن السر في عدم اتخاذ مصر موقف واضح من الصراع العربي الإيراني في المنطقة، قال: ” الثقافة السياسية العربية مرتبكة بشكل مخيف، مصر حاليًا في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي لم تتخذ موقف علني واحد واضح من إيران، وذلك ليس تأييدًا-منها- لإيران، مصر لا تؤيد إيران (لكن) ما في موقف معلن بالإسم من إيران، يُسأل عن ذلك وزير الخارجية المصري “: يقول الدخيل.
كلام “الدخيل” أتى بالتوازي مع تحذير قبل أيام لعماد الدين أديب من إسقاط النظام في مصر، في مقالة لـ”أديب” لم تخل من الوضوح برغم اعتماده الترميز في صياغتها، واحتوت على كثير من الرصاصات التي استهدفت مناطق حساسة في جسم النظام المصري، لتبدو وكأنها رسالة عامة، في حين كانت واضحة في أنه يقصد نظام الرئيس السيسي، ما ذهب بالبعض لأن يعتقد بأن رسالة عماد أديب المضبوط في كتاباته – برغم مصريته – على البوصلة السعودية.. لم تكن إلا رسالة تحذير من محتوى إعلامي مكتوم يمكن أن ينفجر بوجه النظام المصري في أي لحظة إذا لم تفهم القاهرة المغزى من وراء كلام “أديب” والهدف الذي كتبه من أجله، محتوى إعلامي مكتوم يمكن أن ينفجر في وجه النظام المصري من الداخل، رسالة محمولة في قدم طائر يتغذى في “الرياض” ويسبح في “القاهرة”، الظاهر منه عماد الدين أديب والمخفي منه عشرات الكتّاب والصحفيين والسياسيين الذين يدينون بالولاء للرياض، وهو اعتقاد خيالي بعيد، لكن أصحابه يؤمنون بمنطقيته، ويسألون:-
هل يُعد تصريح الدخيل كاشفًا لحوار في الغرف المغلقة عن استياء سعودي من الموقف المصري تجاه ايران، وعليه كانت كتابات “أديب” باعتباره ذراع إعلامي سعودي، من أن “الكلام ليكي ياجارة” كما يقول المثل المصري الشهير..؟!
المتابع للمشهد الإقليمي بوجه عام والخليجي منه بشكل خاص يرى أن موقف دولة الإمارات العربية المتحدة التي اعتمدت قبل أيام سفيرًا لها في طهران، مع ما بدا من توافق مصري إماراتي على عودة سوريا إلى الجامعة العربية، في ظل رفض سعودي قطري لتلك المبادرة، ربما ينضم إلى أصحاب الاعتقاد السابق في أن ذلك كان كذلك هو السرّ في غياب “الدوحة” عن قمة العلمين، بعد تصريحات شبه رسمية في القاهرة عن حضور الأمير تميم لتلك القمة، وهو مالم يحدّث أيضَا.

إلى ما سبق فإنه لا يمكن اعتبار ذلك توترًا في العلاقات بين القاهرة والرياض، بقدر ما يمكن أن يشير إلى إختلاف في وجهات النظر، وهي أمور واردة كثيرًا بين الأشقّاء.
على أن كتابات عماد أديب على سطحيتها يمكن أن تكون كاشفة ربما إلى ضيق غير معلن في صدر الرياض من موقف القاهرة تجاه “طهران” في تلك الفترة التي تشهد فيها المنطقة مخاض لمشهد جديد تسعى فيه إيران إلى تغيير مسار سنوات طويلة من الحظر السياسي والإقتصادي والعسكري عليها، إلى مسار جديد، يضعها كلاعب رئيسي في معادلة التوازنات الجديدة بالمنطقة في ظل المتغيرات التي يتمخضها العالم وتُبشّر أو تُنذر بميلاد عالم جديد؟ وهو ضيق صدر ربما كان فقط في عقل عماد أديب، لا في عقل الرياض، إن كان هدفه بم كتب إرضاءها.
فبدت عبارات أديب كما لو أنها عدسة مصغرة تم تركيبها على منظارٍ مقدمته في الرياض ونهايته في القاهرة ، ليكشف لنظام السيسي، المشهد الذي سيظهر به رجال الرياض في الإعلام المصري إن أرادت لهم الرياض الانطلاق نحو تعكير صفو الاستقرار الشعبي في مصر حال ما إذا لم يخطو نظامها خطوات جادة نحو تغيير خطابه السياسي من إيران على البوصلة السعودية، وهو خيال مريض في أذهان من يحاولون نثر بذور الفتنة استنادًا إلى أصوات من هنا عماد الدين أديب أو هناك خالد الدخيل.
على أن الموقف القطري من إيران، وحجم مستوى التقارب بينهما، يقلل من استيعاب الفكرة السابقة في أن موقف “القاهرة” من “طهران” كان هو كلمة السر في غياب “الرياض” عن قمة العلمين، إذ لو كان ذلك كذلك، لكانت “الدوحة” أولى بضيق صدر السعودية من “القاهرة”، لكن “الدوحة” غابت عن “العلمين” مثلما غابت “الرياض”، وهو وإن كان ينسف فكرة غضب الرياض من “الموقف الرمادي للقاهرة تجاه “طهران” فإنه لا ينسف فكرة اتفاقهما –الدوحة والرياض- على عدم عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية في ظل حكم الرئيس بشار، الأمر الذي يذهب بالتحليل إلى أن أهم بند على قمة العلمين ربّما كان متعلّقًا بعودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية.
إلى ما سبق تتبقى لنا معادلة جديدة طرحت نفسها أيضًا في انقلاب عماد أديب على النظام في مصر، معادلة تبدو عناصرها موزعة بين حالة الغياب التي يعاني منها عماد أديب عن المشهد المصري، بعدما كان قريبًا لعقود من دوائر القرار في عصر مبارك، وبين رغبته في أن يخطب ودّ جهات بعينها يحب أن يخبرها بأنه قادر على التأثير فلا يجب قطع الإمدادات.. فراح يقلب أفكاره في عبارات تعيد إليه الحضور المفقود.
عبده مغربي
رئيس التحرير