في واحدة من سقطات الزمن، جمعتني بالزميل إبراهيم عيسي علاقة عمل، وقتها كنت نائباً لرئيس التحرير في جريدة صوت الأمة ، كان ذلك في العامين 2004-20055 ، جاء عيسي إلي رئاسة تحرير الجريدة في أعقاب خلاف نشب بين رئيس تحريرها في ذلك الوقت عادل حمودة وبين رئيس مجلس إدارتها الراحل عصام فهمي ، ارتضي فيه حمودة أن يترك الجمل بما حمل ويذهب لتأسيس جريدة جديدة هي الفجر .
قبلها بعامين تقريباً وكنتُ وقتها مع ثلاثة من زملائي هم محمد عبد اللطيف، وعبد الحفيظ سعد، وشقيق الطاهر القوة الضاربة في صوت الأمة والذين تتصدر موضوعاتهم العناوين الرئيسية لصفحتها الأولي، طلب مني الراحل عصام فهمي ومن الزميل شقيق الطاهر أن نجهز لحملة صحفية ضد صفوت الشريف أمين عام الحزب الوطني المنحل بصفته رئيساً للمجلس الأعلى للصحافة لرفضه الموافقة علي استخراج رخصة لجريدة تحمل اسم الدستور كانت تصدر في السابق بترخيص أجنبي، وأوقفتها الدولة علي خلفية موضوع صحفي نشره إبراهيم عيسي يحمل تهديداً من الجماعات الإرهابية باستهداف رجال الأعمال الأقباط،
ما اعتبرته الدولة وقتها تهديداً للسلم الاجتماعي، فأغلقت الجريدة، وبعدها سمحت لصاحبها عصام فهمي بجريدة أخري هي جريدة صوت الأمة برئاسة تحرير عادل حمودة بل قيل أن الرخصة صدرت في الأساس لـ عادل حمودة وأتي هو بـ عصام فهمي شريكا وممولاً للحصة الأكبر في أسهمها، غير أن حنيناً من عصام فهمي لتجربته الأولي الدستور دفعه لأن يؤسس لها شركة مساهمة وطلب بموجبها من المجلس الأعلى للصحافة الذي يرأسهصفوت الشريف وقتها التصريح لها برخصة صحفية لكي تعاود الدستور الصدور من جديد.
إيماناً مني وقتها بحق إبراهيم عيسي في العودة للعمل الصحفي، بعد أن صار مطارداً من الأمن في كل تجربة يسعي لإصدارها، وبعد أن علمت أنه يعيش فقط علي مبلغ شهري يصله من رجل الأعمال نجيب ساو يرس والذي قيل أن موضوع النشر الذي تسبب في إغلاق الدستور في نسختها الأولي كان بإيعاز منه رغبة في تأكيد مظلومية سعي لها ساو يرس بأن رجال الأعمال الأقباط في مصر يعانون أشد المعاناة وبأنهم ملاحقون من الجماعات الإسلامية المسلحة و بأنهم يعملون في جو من التهديد والملاحقة الإرهابية أملاً في أن يساهم ذلك كله في مزيد من المكاسب التي يريد نجيب ساو يرس الحصول عليها من نظام مبارك مستخدما هذه المظلومية وقد حصل بموجبها علي مكاسب بالفعل، فكان أن استمر في التواصل مع إبراهيم عيسي عبر هذه المنحة الشهرية التي كانت تمثل الدخل الوحيد لـ عيسي ، إلي ما سبق وبسببه وافقت أنا والزميل شقيق الطاهر علي التنسيق للحملة، جزء من قبولنا التكليف كان لرغبتنا في ملاحقة فساد صفوت الشريف والجزء الثاني كان انتقاماً للزميل إبراهيم عيسي الذي يرفض صفوت الشريف أن يوافق له علي عودة الدستور وقد ساء حاله.
بدأت وزميلي في مطاردة صفوت الشريف جمعنا ملفات فساده، وفساد ابنه أشرف لم يكن الكثير من الصحفيين يجرؤ علي صنع عداء مع صفوت الشريف الرجل صاحب الناب الأزرق كما كانوا يلقبونه في الأوساط الصحفية،
فقط أنا والزميل شقيق الطاهر قبلنا المهمة، جمعنا مستندات هامة وقبل أن نبدأ في نشر الحلقة الأولي رن جرس الراحل عصام فهمي وكان علي الطرف الآخر صفوت الشريف يبلغه بموافقته علي رخصة جريدة الدستور.
كنا في الدور الأرضي في هذه الفيلا التي كانت مقراً لجريدة صوت الأمة في ميدان لبنان عندما طلبني عصام فهمي يخبرني بنجاح حملتنا التي لم تبدأ، بأن أعادت الدستور للصدور، وأبلغني بما دار بينه وبين صفوت الشريف في التليفون، وقال لي أنه يريدني نائباً لرئيس التحرير مع إبراهيم عيسي في الجريدة الجديدة، صراحة كنت وقتها متيماً بمدرسة عادل حمودة التي تقدس الخبر وتعطيه المكانة الأبرز في الصحافة، وكان للخبر شهوته التي زرعها فينا المعلم القاسي عادل حمودة قسوة وصلت في يوم من الأيام أن اعتبرتها كراهية منه لي، فقد كان ينشر لزملائي مالا ينشره لي، ولا يقبل مني إلا ما يصلح لأن يكون فقط مانشيتاً رئيسياً للجريدة، وحين أغطس وأعود به أجد فيه حنان الأخ الكبير الذي يستنير بشاشة مع كل خبطة صحفية أدخل بها عليه، و إبراهيم عيسي ليس كذلك، إبراهيم عيسي لا يقدس الخبر ولا يسعي إليه، بل ولا يحب من يسعي إليه، هو من أنصار صحافة الرأي وصحافة السؤال، صحافة هل التي قال عنها يوماً مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين الأسبق في معرض سخريته من هذا النوع من الصحافة : أنا لم أعرف في تاريخي المهني الطويل هذا النوع من الصحافة إن اعتبرناها صحافة، الصحافة هي تقديم الخبر وتحليل لبياناته، والتعبير بالرأي في مضمونه وداخل إطار المعلومة التي يحتويها، أما صحافة هل هذه فأنا لم أفهمها ولم أعرفها في تاريخي الصحفي، ومع ذلك فأنا ضد حبس إبراهيم عيسي ، هذا ما قاله الأستاذ الكبير مكرم محمد أحمد وقت أن كان نقيباً للصحفيين في معرض رفضه إحالة إبراهيم عيسي للمحاكمة بتهمة نشر أسئلة يفهم منها تدهور صحة مبارك واعتبرتها الدولة في ذلك الحين تهديداً للاقتصاد والأمن الاجتماعي.
رفضت عرض عصام فهمي للعمل مع إبراهيم عيسي في الجريدة التي خرجت للنور بفضل حملة لم نتمكن من نشرها،
فضلت البقاء مع عادل حمودة برغم قسوته المهنية التي كثيراً ما كان يستهدفني بها، وكانت للأمانة ملهمة للكثير من الخبطات الصحفية، والتي كان أخطرها من وجهة نظري تلك التي دخلت فيها مكتب شركة رجل أعمال شهير واستطعت من خلال موظفة كبيرة لديه تتبوأ الآن منصباً رسمياً كبيراً في الدولة- عبر صفة مزعومة لي أن أحصل علي أوراق خطيرة من هذه الموظفة تتعلق بمسار الرحلات الجوية لطائراته الخاصة التي تقلع من تل أبيب وتهبط في دمشق وهي طائرات من نوع الـ إير تاكسي التي كانت يؤجرها لصالح رجال الأعمال العرب والأجانب الذين يتحركون في منطقة الشرق الأوسط، وهو نشاط مشروع، لكن حصولي علي هذه الملفات من مكتبه بهذه الطريقة كان مغامرة…