وسط تداعيات العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، طرحت مصر مقترحًا جديدًا لإدارة القطاع، يتضمن تشكيل لجنة وطنية مؤقتة لإدارة شؤونه حتى تحقيق توافق وطني شامل. وبينما أبدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) موافقتها المبدئية على الفكرة، عبّرت حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) عن تحفظات واضحة، مما أثار جدلًا سياسيًا واسعًا حول مستقبل القطاع.
مضمون المقترح المصري
يتضمن المقترح المصري تشكيل لجنة إدارية وطنية تُشرف على إدارة كافة شؤون قطاع غزة، بما يشمل الصحة والتعليم والاقتصاد وإعادة الإعمار. وفق الوثيقة التعريفية، تتكون اللجنة من شخصيات مستقلة مشهود لها بالكفاءة والنزاهة، ويتم تعيينها بمرسوم رئاسي. وستكون مرجعية اللجنة هي الحكومة الفلسطينية، على أن تعمل بالتنسيق مع الجهات المحلية والدولية لضمان توفير الخدمات الأساسية لسكان القطاع وإعادة بناء ما دمرته الحرب.
وحددت الوثيقة عدة بنود رئيسية، منها:
- الحفاظ على وحدة أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة ضمن حدود 1967.
- تمكين السلطة الفلسطينية من ممارسة مسؤولياتها في القطاع عبر تواصل مباشر مع اللجنة.
- إدارة الجهات المحلية الموجودة في القطاع دون أي تداخل يؤدي إلى تعميق الانقسام.
اللجنة ستظل قائمة حتى زوال الأسباب التي أدت إلى تشكيلها، أو إجراء الانتخابات الفلسطينية العامة، ما يجعلها حلًا مؤقتًا بانتظار صيغة وطنية شاملة.
مواقف الأطراف الفلسطينية
-
موقف حماس
أعلنت حركة حماس عن موافقتها المبدئية على المقترح المصري، مؤكدة أنها مستعدة للعمل ضمن آليات وطنية جامعة تخدم المصلحة الفلسطينية العليا. وفي بيان أصدرته في 5 ديسمبر، أشار وفد الحركة المشارك في مباحثات القاهرة إلى إجراء مشاورات مع حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وشخصيات وطنية فلسطينية. أوضحت حماس أن قبولها بالمقترح يأتي في إطار مساعيها لإنهاء العدوان الإسرائيلي وتحقيق الوحدة الوطنية. -
موقف فتح
على النقيض، لم تصدر حركة فتح أي بيان رسمي يؤكد قبولها بالمقترح. بدلاً من ذلك، صدرت تصريحات سلبية من قيادات بارزة بالحركة. أمين سر اللجنة المركزية جبريل الرجوب وصف فكرة اللجنة بأنها “تكريس للانقسام”، معتبرًا أن الحل يكمن في تولي السلطة الفلسطينية إدارة القطاع بشكل مباشر دون الحاجة إلى تشكيل لجان وسيطة. كما هاجم المستشار الديني للرئيس محمود عباس، محمود الهباش، الفكرة، معتبرًا أنها “لا تخدم المصلحة الوطنية”.
محاولات مصالحة سابقة
الاقتراح المصري يأتي في سياق جهود مستمرة لإنهاء الانقسام الفلسطيني الممتد منذ 2007 عندما سيطرت حماس على قطاع غزة. ورغم جولات عديدة من الحوار برعاية مصر ودول أخرى، لم يتم تحقيق اختراق فعلي. كان أبرز هذه المحاولات توقيع إعلان بكين في يوليو 2024، الذي تضمن تشكيل حكومة مصالحة وطنية مؤقتة، إلا أن الإعلان بقي حبراً على ورق.
تحليل الموقف السياسي
يعتقد محللون أن التحفظات الفتحاوية على المقترح المصري تعكس مخاوف من تكريس واقع جديد يفصل غزة عن الضفة الغربية، وهو ما قد يتماشى مع الأهداف الإسرائيلية الساعية لتفريغ القضية الفلسطينية من بعدها الوطني الشامل. كما أن هذه التحفظات تشير إلى تنافس داخلي بين الفصائل الفلسطينية حول تمثيل الشعب الفلسطيني ومستقبل الحكم في غزة. في المقابل، ترى حماس أن قبولها بالمقترح يعكس مرونة سياسية تهدف لإنهاء العدوان على غزة وفتح الباب أمام حلول وطنية شاملة.
السيناريوهات المحتملة
مع رفض فتح وعدم صدور قرار رئاسي بشأن اللجنة، يبدو أن الفكرة قد تواجه مصير الفشل. ومع ذلك، يشير محللون إلى أن البديل الأمثل هو تشكيل حكومة تكنوقراط وطنية بتوافق فلسطيني سريع لمواجهة التحديات الكبيرة، بما في ذلك إعادة إعمار غزة وإدارة المساعدات الدولية.
بدوره، ألمح الكاتب مصطفى إبراهيم إلى ضرورة تعزيز المؤسسات الوطنية التمثيلية بدل خلق أجسام إدارية مؤقتة. كما دعا إلى استغلال الفرصة لاستعادة الوحدة الفلسطينية وتحدي الموقف الإسرائيلي. إلى ذلك فإنه بين قبول حماس ورفض فتح، يظل مستقبل غزة معلقًا بيد القيادات الفلسطينية، التي تواجه مسؤولية تاريخية لتجاوز الخلافات وتقديم حلول عملية. ومع استمرار العدوان الإسرائيلي، باتت الحاجة ماسة إلى موقف فلسطيني موحد يعيد القضية إلى مسارها الوطني الشامل.