تزايدت المخاوف من تداعيات اتفاقيات الاتحاد الأوروبي مع مصر في مارس2024، حيث بلغت قيمتها 7.4 مليارات يورو على مدى أربع سنوات، وتركزت على التعاون في مجالات مثل “مكافحة الإرهاب” والهجرة إلى أوروبا.
وتعبر هذه الاتفاقيات عن اهتمام متزايد بتحديات إدارة تدفقات الهجرة، مما دفع بعض المراقبين للتعبير عن مخاوفهم من النتائج السلبية المحتملة. وفي ذلك يذكر معهد بحثي إيطالي أن الاتحاد الأوروبي وجد نفسه في حالة من الفوضى قبل توقيع اتفاقيات مماثلة في الماضي، حيث لم يكن مستعدًا لمواجهة أزمة إنسانية بحجم كبير. ويعكس هذا النهج استراتيجية سابقة تم تأكيدها في عام 2024 مع القاهرة، بعد توقيع اتفاق مماثل مع أنقرة في عام 2016.
ويشير المعهد إلى أن الاتفاقيات قد تفتح الباب أمام فرص جديدة للتعاون الثنائي، مما يمكن أن يسهم في تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة، بالإضافة إلى دعم النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة. ويرى المعهد أن هذه الاتفاقيات تعكس أهداف أوروبا في احتواء التدفقات الهجرية، وفي الوقت نفسه تحقق مصالح مصر في الحصول على دعم أوروبي.
وعن انعكاسات سلبية محتملة قد يؤدي إليها التعاون في وقف تدفقات الهجرة، قال معهد بحثي إيطالي إن “أوروبا واجهت سلسلة من التحديات المتعلقة بإدارة هذه الظاهرة، ودفعها ذلك إلى تبني عدة إستراتيجيات، منها إضفاء الطابع الخارجي على الحدود الأوروبية في دول عبور مهاجرين غير نظاميين إليها” وأوضح “معهد تحليل العلاقات الدولية” أن هذا النهج، الذي انطلق مع اتفاق الهجرة بين بروكسل وأنقرة عام 2016، تم تأكيده في عام 2024 بتوقيع اتفاق جديد مع القاهرة.
وقال المعهد الإيطالي إن “الاتحاد الأوروبي عانى قبل توقيع اتفاقية الهجرة مع تركيا في مارس 2016 من حالة من الفوضى لأنه لم يكن مستعدا على الإطلاق للتعامل مع أزمة إنسانية بحجم كبير”. في إشارة إلى أزمة اللاجئين السوريين عام 2015 عقب ثورة 2011 ضد نظام بشار الأسد وما تسببت فيه من تدفقات هجرة غير مسبوقة نحو القارة العجوز.
ونص الاتفاق على تعهد أنقرة بإدارة ومنع تدفقات الهجرة من أراضيها نحو الأراضي الأوروبية، مقابل تمويلات كبيرة وإلغاء تأشيرات دخول المواطنين الأتراك إلى أوروبا، وكذلك إعادة إطلاق المفاوضات بشأن إمكانية انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي.
ورغم إغلاق طريق الهجرة من البلقان وتكثيف عمليات الرقابة على الحدود التركية، لم تتوقف تدفقات الهجرة، بل على العكس من ذلك، انتقد المعهد الإيطالي تسبب هذه الإجراءات في زيادة كبيرة في الاتجار بالبشر وظهور “طرق بلقان صغيرة” جديدة.
لذلك رجح استمرار الاتحاد الأوروبي في دعم أنقرة بغاية تخفيف ضغوط الهجرة على الحدود الشرقية بشكل أكبر قصد تركيز جهوده على إدارة طريق الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط. وبعد الشرق، قرر الاتحاد الأوروبي تحويل اهتمامه نحو الحدود الجنوبية وإشراك مصر في إستراتيجية لمنع تدفقات الهجرة إليه بعد تونس عام 2023.
ولفت المعهد الإيطالي إلى أن “دور مصر الإستراتيجي في إدارة الهجرة نما بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة ويزداد أهمية بالنظر إلى الصراع في السودان المجاور، حيث تسبب في واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم والتي قد تصبح تهديدا خطيرا لاستقرار نظام الاستقبال الأوروبي الهش بالفعل”.
وكان الاتحاد الأوروبي ومصر قد وقعا في 17 مارس 2024 اتفاقية تهدف من خلال حزمة تمويلية بقيمة 7.4 مليارات يورو إلى تعزيز التعاون في مجالات مختلفة وتشمل العلاقات السياسية، واستقرار الاقتصاد الكلي، والاستثمار المستدام والتجارة، بما في ذلك الطاقة والمياه والأمن الغذائي وتغير المناخ، والهجرة، والأمن وتنمية رأس المال البشري.
ويمثل الاتفاق، بحسب المعهد، خطوة مهمة في العلاقات بين الجانبين، لافتا إلى أنه يثير أيضا عدة تساؤلات ومخاوف بشأن تداعياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وجزم “معهد تحليل العلاقات الدولية” بأن “المسائل المتعلقة بالديمقراطية وحماية حقوق الإنسان في البلاد تمثل أحد أكبر التحديات التي يمكن أن تشكل عقبة أمام نجاحه على المدى الطويل”.
كما شدد على “ضرورة ألا يطغى التعاون بين الاتحاد الأوروبي والقاهرة وما قد يؤدي إليه من أمن واستقرار لكليهما، على ضمان الاحترام الكامل لحقوق وكرامة المهاجرين واللاجئين”. و يرى المعهد أن الاتفاق قد “يمهد الطريق لمزيد من التعاون الثنائي في عدد من المجالات الرئيسة، ما قد يسهم في زيادة الاستثمارات الأوروبية وتحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة للشعب المصري”.
وزاد بأنه “قد يسهم في مزيد من الحوار والتكامل بين الاتحاد الأوروبي ومصر، وكذلك تعزيز الاستقرار والأمن في منطقة البحر الأبيض المتوسط”. وخلص المعهد إلى أن “الاتفاقية تلبي هدف أوروبا في احتواء الهجرة وتحقق كذلك غاية النظام المصري في الحصول على المساعدات الأوروبية، إلا أنها تثير في نفس الوقت مجموعة من التساؤلات والمخاوف بشأن تطوراتها المستقبلية وانعكاساتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية”.