انتخب رجب طيب أردوغان لأول مرة رئيسًا لجمهورية تركيا في عام 2014، ثم أعيد انتخابه مرة أخرى في عام 2018 لولاية ثانية، وبعيدًا عن الحالات الاستثنائية، فإن الدستور التركي واضح في حكمه بشأن عدم جواز تولي رئيس الجمهورية المنصب لأكثر من ولايتين متتاليتين، إذن هل هذه آخر ولاية للرئيس أردوغان؟
الجواب القصير للسؤال هو “ربما”، لكن هناك تفسيرات إبداعية خلاقة للدستور التركي لمن يرغبون في منح أردوغان بقاءً أطول في القصر الرئاسي ربما حتى عام 2033.
بحسب مقال للكاتب والمحلل التركي جيم تجيمير نشرته جريدة الزمان التركية فإن أردوغان من القادة الذين استولوا على المؤسسات الديمقراطية بالآليات القانونية وغير القانونية، من أمثال فيكتور أوربان في المجر، وفلاديمير بوتين في روسيا، وهناك تشاؤم يسود التوقعات الخاصة بالمستقبل السياسي في تركيا والعالم، نابع من افتراض أن هؤلاء الرجال سيستمرون في الهيمنة على المشهد السياسي في بلدانهم.
يعتبر الرئيس أردوغان أهم شخصية في السياسة التركية منذ عام 2002، بالتزامن مع فوز حزبه العدالة والتنمية في الانتخابات العامة بانتصار ساحق، منع العديد من أحزاب الأقليات من الفوز بمقاعد في المجلس التشريعي آنذاك.
تولى أردوغان منصب رئيس الوزراء رسميًا في عام 2003، واستمر في شغل منصب رئيس الوزراء حتى عام 2014، حيث انتخب رئيسًا للبلاد، وفي عام 2018 أعيد انتخابه لولاية ثانية، وهذه المرة بسلطات أكثر اتساعًا، وذلك بفضل مجموعة من التعديلات الدستورية في عام 2017.
ألغت تعديلات عام 2017 منصب رئيس الوزراء، واستبدلت بما يسميه البعض “رئاسة تربو”. التعديلات وسعت سلطات الرئيس بإضافة سلطات ومسؤليات جديدة، مقابل النقص الملحوظ في الضوابط الدستورية الفعالة ضد السلطة الرئاسية. وهكذا يبرز السؤال حول كيفية تأثير تلك التعديلات الدستورية، في ظل المناخ السياسي الحالي في تركيا، على صلاحيات الرئاسة مقارنة بفروع الحكومة الأخرى.
تظل العديد من الضوابط البرلمانية على السلطة الرئاسية مجرد زخرفة للنص الدستوري، بالنظر إلى أن البرلمان الحالي يتكون بشكل كبير من أعضاء حزب الرئيس أردوغان. وبالتالي فإن التوقع بقيام السلطات البرلمانية بالحد من تجاوزات السلطة التنفيذية ليس إلا حلم طوباوي. وتمثل إمكانية التهرب من حدود مدة الرئاسة الحالية مثالا جيدا على ذلك.
بموجب الدستور التركي الحالي، بصيغته المعدلة في عام 2017، هناك ثلاثة أحكام تتعلق بفترة ولاية الرئيس: المادة 101 (2)، والمادة 116 (1)، و المادة 116 (3).
المادة 101 (2): “مدة ولاية رئيس الجمهورية خمس سنوات. يجوز انتخاب أي شخص كرئيس للجمهورية لفترتين على الأكثر”.
المادة 116 (1): “يجوز للبرلمان أن يقرر تجديد الانتخابات بأغلبية ثلاثة أخماس العدد الإجمالي لأعضائها. في هذه الحالة، ستجرى الانتخابات البرلمانية والرئاسية معًا”.
المادة 116 (3): “إذا قرر البرلمان تجديد الانتخابات خلال الولاية الثانية لرئيس الجمهورية، فيجوز له الترشح مرة أخرى”.
الشرط الأول واضح في صياغته: يجوز انتخاب الشخص مرتين فقط لمنصب الرئيس، والتعديل لا يحظر أكثر من فترتين متتاليتين فحسب، بل يمنع أي رئيس من البقاء في منصبه لأكثر من فترتين.
في حين يتعلق البند الثاني بإمكانية حل البرلمان نفسه (يشار إليه باسم “تجديد الانتخابات”)، وفي هذه الحالة سيحل أيضًا الرئاسة، وتُجرى انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة، ويبني الحكم الثالث على الثاني، ويبدو أنه يوفر استثناء للحكم الأول الذي يحدد حدًا أقصى لفترتين إذا قرر البرلمان تجديد الانتخابات خلال الولاية الثانية للرئيس، وهو ما يجوز القيام به بدون سبب، وبأغلبية 3/5 من جميع أعضائها، فيبدو أن الرئيس الحالي قد يترشح لفترة رئاسية ثانية.
هذا الاستثناء يمنح الرئيس الذي لم يكن لديه فرصة كافية لتنفيذ سياساته أثناء وجوده في منصبه فرصة ثالثة لتفعيل سياساته، عندما يقرر البرلمان حل نفسه، مما يتسبب تلقائيًا في تجديد كل من الانتخابات البرلمانية والرئاسية، والمفارقة هي أنه بالنظر إلى الحقائق السياسية التركية، يمكن للرئيس أردوغان الذي يتمتع بشخصية كاريزمية أن يستغل هذا الاستثناء ويدفع البرلمان إلى حل نفسه واتخاذ قرار بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية معا للتهرب من شرط فترة ولايتين لمنصب الرئاسة.
التفسيرات “الإبداعية“
هذا هو تفسيري للقواعد الأساسية التي ستتحكم في أي نزاع قانوني يتعلق بفترة ولاية الرئيس في منصبه، ولكن هناك تفسيرات أخرى أكثر “إبداعًا” أيضًا، إن لم تكن انتخابات مبكرة، فإن تركيا ستناقش مسألة حتمية مع اقتراب فترة ولاية أردوغان الثانية في المنصب من نهايتها في عام 2023 حيث الذكرى المئوية للجمهورية التركية.
وفيما يلي السيناريوهات المحتملة:
السيناريو الأول: انتهاء رئاسة أردوغان في عام 2023: فقد أكمل أردوغان فترته الرئاسية الأولى في عام 2018، وانتخب للمرة الثانية في العام نفسه، لتبدأ معه فترته الرئاسية الثانية والتي ستنتهي في عام 2023. هذا هو التفسير الأكثر وضوحًا.
السيناريو الثاني: تمديد فترة رئاسة أردوغان حتى عام 2028: إذا قرر البرلمان تجديد الانتخابات خلال الولاية الثانية للرئيس أردوغان، فستتاح له فرصة ثالثة وأخيرة للترشح لمنصب الرئاسة، بموجب المادة 116 (3) من الدستور.. وفي هذه الحالة يمكن أن يبقى في منصبه حتى عام 2028.
السيناريو الثالث: أن يظل أردوغان رئيسًا حتى عام 2028 لكن لأسباب مختلفة: بحسب إحدى التفسيرات، فإن أردوغان بدأ فترة رئاسته الأولى في عام 2018 تحت “نظام الحكم الرئاسي الجديد” بعد تعديلات عام 2017.
ومن هذا المنطلق، ينبغي اعتبار 2018 بداية ولايته الأولى وليس الثانية، وإيضاح ذلك على النحو التالي: لقد غيرت تعديلات عام 2017 هيكل الحكومة في تركيا من خلال إلغاء منصب رئيس الوزراء وتوسيع صلاحيات الرئيس بشكل كبير، بعدما كانت رئاسة الجمهورية منصبًا رمزيًّا وشرفيًّا في ظل النظام البرلماني القديم، لذلك لا يمكن احتساب الولاية الأولى للرئيس أردوغان بين عامي 2014 و2018، بل ينبغي اعتبار انتخابات 2018 بمثابة الولاية الأولى في ظل نظام الحكم الرئاسي الجديد، وبالتالي اعتبار 2023-2028 فترة ولايته الثانية والأخيرة في المنصب، وفقًا لهذا الرأي، فإن أردوغان سيبقى رئيسًا دستوريًا حتى عام 2028، وعلى الرغم من أنه تفسير مشوه للدستور، إلا أنه من المرجح أن يحاول بعض مؤيدي الحكومة تعميم هذا التفسير.
السيناريو الرابع: أردوغان سيظل رئيسًا حتى عام 2033 وفقا لوجهة النظر التي أشرت إليها في الفقرة (3).
إذا اعتبرنا أن الرئيس أردوغان بدأ ولايته الأولى في عام 2018، وفقا للتفسير المذكور، فإن عام 2028 سيكون نهاية فترته الثانية وليس الثالثة. وفي حال اتخاذ البرلمان قرارا بتجديد الانتخابات وفقًا للمادة 116 (1) من الدستور قبل أن ينهي أردوغان فترته الثانية (وفقًا للسيناريو 3) في عام 2028، ستتاح له الفرصة للترشح مرة أخرى، وإذا فاز فسوف يتولى منصب الرئيس في عام 2028 لفترة ثالثة، وليست رابعة، ويمكن أن يصبح رئيسًا لمدة خمس سنوات أخرى، وعندها سيكون 2033 العام الأخير لأردوغان في منصب الرئاسة (2028 + 5 = 2033).
وإذا أخذنا في الاعتبار تراجع الدعم الشعبي لأردوغان وحزب العدالة والتنمية، فإنه من المستبعد إجراء انتخابات مبكرة في مثل هذا المناخ السياسي، ولكن حتى إذا لم يتغير المناخ السياسي، فيجب أن يقدم البرلمان على مناورات استراتيجية كبيرة من أجل تجديد الانتخابات قبل نهاية ولاية أردوغان الثانية في المنصب، سواء كان ذلك في عام 2023 كما هو الحال في السيناريو (2) أو في عام 2028 كما هو الحال في السيناريو (4).
لكن قد يتجه البرلمان “الموالي لأردوغان” إلى رفض حل نفسه ومنح ولاية ثالثة لأي رئيس، في مسعى للحفاظ على سمعته ووقاره، لكن بحسب رأيي، هذا يبدو احتمالًا ضعيفًا.
الوقت وحده هو الكفيل بتحديد ما إذا كان التفسير المشوه للدستور الموضح أعلاه في إطار السيناريو 3 سيتحقق أم ستتغير المعادلات السياسية في تركيا لتسفر عن نتائج أخرى لا تخطر على البال.
* المقال نشر في موقع (verfassungsblog.de) عام 2019 ونقل نصوصه إلى العربية الأستاذ الدكتور صلاح سليمان مصر / الإسكندرية