حذرت مجلة “فورين أفيرز” الأميركية واشنطن من تطور سلاح البحرية الإيرانية، مشيرة إلى أن “البحرية أصبحت محور القوة العسكرية الإيرانية في الوقت الراهن”.
البحر الأحمر ساحة معركة
وأشارت المجلة إلى أنه منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تحول البحر الأحمر إلى ساحة معركة حقيقية. إذ أطلقت جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران صواريخ وطائرات مسيرة مسلحة لضرب السفن التجارية المارة عبر البحر الأحمر إلى إسرائيل، ما أدى إلى غرق سفينتين وتضرر العشرات.
وذكرت المجلة أن “الهجمات الحوثية تسببت في ارتفاع تكاليف الشحن بشكل كبير، وقلبت النظام التجاري رأسا على عقب”. وتعهدت جماعة الحوثي بمواصلة استهداف السفن التجارية الإسرائيلية حتى تنهي تل أبيب عدوانها على غزة.
وأوضحت “فورين أفيرز” أن الحوثيين يقودون هذه الهجمات بدعم من طهران التي قدمت الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية، مما يعكس تحولًا استراتيجيًا أوسع لإيران يعتمد بشكل متزايد على القدرات البحرية لإبقاء أعدائها في موقف دفاعي.
تطور قدرات البحرية الإيرانية
وأشارت المجلة إلى أن إيران قامت بتطوير قواتها البحرية بشكل ملحوظ. فبينما كانت أنشطتها البحرية تقتصر قبل سنوات قليلة على الزوارق السريعة التابعة للحرس الثوري الإيراني في الخليج ومضيق هرمز، إلا أنها حاليًا تمتلك سفنًا أكثر تقدمًا، بما في ذلك غواصات جديدة وسفن حربية مسلحة بالصواريخ.
وأكدت المجلة أن القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني حصلت في يناير/كانون الثاني 2024 على سفينتين حربيتين متطورتين، مما يسمح لها بتنفيذ عمليات خارج الخليج.
إستراتيجية “اليد الطويلة”
وفي عام 2020، كلف المرشد الأعلى آيه الله علي خامنئي الحرس الثوري الإيراني بتوسيع قدرة إيران البحرية للوصول إلى الخصوم في المياه البعيدة، بما يتماشى مع إستراتيجية تُعرف باسم “اليد الطويلة”. وتعمل إيران على تسليح أسطولها البحري بأحدث التقنيات، حيث تم تجهيز السفن الحربية التابعة للحرس الثوري بأنظمة صاروخية يصل مداها إلى 430 ميلاً.
وأشارت المجلة إلى أن البحرية الإيرانية قامت مؤخرًا بمهام بحرية لدعم مجموعات محور المقاومة بوتيرة متزايدة، حيث أرسلت أسلحة إلى “حزب الله” اللبناني عن طريق السفن الشحن التي تغادر ميناء بندر عباس الإيراني، وتتوقف في ميناء اللاذقية السوري لتفريغ الأسلحة قبل مواصلة رحلتها.
تعزيز السيطرة على الممرات المائية
وأوضحت المجلة أن إيران تشدد سيطرتها على الممرات المائية الإستراتيجية. فالجغرافيا الإيرانية تتيح لها الوصول إلى الخليج العربي ومضيق هرمز، الذي يُشحَن من خلاله أكثر من 20 بالمئة من النفط المستهلك عالميًا، فضلاً عن شراكتها مع الحوثيين في مضيق باب المندب عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
وفي ختام التقرير، ذكرت “فورين أفيرز” أن طهران أرسلت صواريخ باليستية إيرانية الصنع مضادة للسفن إلى الحوثيين، وأن التكنولوجيا الإيرانية ساعدتهم في ضرب السفن في البحر الأحمر، مما يعزز مخاوف واشنطن وحلفائها من تنامي القدرات البحرية الإيرانية.
وتشدد المجلة الأميركية على أن “من خلال الجمع بين المواقع الساحلية والقدرات البحرية لأعضاء محور المقاومة مع قدراتها الخاصة، تستطيع إيران إبراز قوتها خارج الخليج إلى البحر الأحمر وشرق البحر الأبيض المتوسط”.
وتتماشى هذه التغييرات مع عقيدة “الدفاع الأمامي”، التي تبنتها إيران بعد حربها مع العراق عام 1988، وعززتها في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والتي تهدف إلى التصدي للخصوم بعيدا عن الحدود الإيرانية، قبل أن يتمكنوا من تشكيل تهديد للوطن.
وأضافت أن “البحرية الإيرانية المطوَّرة أصبحت الآن في قلب إستراتيجيتها العسكرية”.
وتابعت أن “الأدوات التي طالما كانت أساسية للدفاع الأمامي لإيران على الأرض، والتي تمثلت في الصواريخ والطائرات بدون طيار والميليشيات العميلة- تُنشَر اليوم في البحار”.
وفي هذا السياق لفتت المجلة إلى أن “من أجل تعزيز قوتها بشكل أكبر، أقامت طهران شراكات بحرية مع الصين وروسيا”.
فمنذ عام 2019، أجرت الدول الثلاث أربع مناورات بحرية مشتركة، كان آخرها في خليج عمان في مارس/آذار 2024.
وأوضحت أن “هذه المناورات أرسلت إشارة إلى قدرة هذه الدول وعزمها على تحدي الهيمنة البحرية الغربية في المنطقة”.
وكجزء من التعاون العسكري المتنامي بين إيران وروسيا منذ بداية الحرب في أوكرانيا، طلبت إيران أيضا المساعدة الروسية في تطوير صواريخ بحرية دقيقة أكثر تقدما طويلة ومتوسطة المدى.
ورأت المجلة أنه “من خلال تعزيز وجودها البحري، لا تهدف إيران فقط إلى ردع الهجمات التي تشنها الجهات الأجنبية التي قد ترغب في إلحاق الضرر بها، بل تهدف إلى تهديد هؤلاء الخصوم بشكل مباشر، وفي المقام الأول الولايات المتحدة”.
وشددت المجلة على أن “التهديد البحري الإيراني يتطلب الرد”، فقالت: “يجب على واشنطن أن تعالج ضعف نظام الشحن الدولي من خلال تطوير طرق تجارية بديلة”.
كما يمكن لواشنطن أن تقلل من رغبة طهران في تعطيل العبور البحري في المقام الأول، وذلك من خلال السماح لإيران بالاندماج في نظام التجارة العالمي بطرق محدودة.
وأضافت المجلة توصية أخرى وهي أنه “في الوقت الذي يعمل فيه شركاء الولايات المتحدة في الخليج على تحسين علاقاتهم مع إيران، يجب على واشنطن تشجيعهم على ممارسة نفوذهم لكبح جماح استفزازات طهران”.
وأردفت بالقول: “على الجبهة العسكرية، يجب على الولايات المتحدة أن تعمل بشكل وثيق مع حلفائها لمواجهة القوة البحرية الإيرانية واحتوائها”.