في الوقت الذي أعلنت فيه حكومة جنوب السودان انهيار احتياطي النقد الأجنبي لديها، سجل سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار في السوق السوداء انهياراً قياسياً جديداً، حيث بلغ سعر صرف الدولار مقابل الجنيه السوداني نحو 202 جنيه سوداني. بينما بلغ سعر صرف الدولار مقابل الجنيه السوداني في البنك المركزي نحو 55 جنيهاً للشراء و55.27 جنيه للبيع.
ويتوقع محللون، أن يتراجع سعر الدولار في السوق السودانية الموازية، بعد إعلان وزارة الخزانة الأمريكية رفع القيود عن تعاملات الأمريكيين المالية مع السودان. لكن عودة الحياة والرحلات الجوية بعد أزمة كورونا أدت إلى نمو الطلب على الدولار مقابل نقص المعروض.
ويواجه اقتصاد السودان خطر الانهيار، تحت وطأة معدل تضخم يتجاوز المئة في المئة ونقص في الكهرباء والخبز والوقود والدواء. وعصفت الجائحة بالاقتصاد السوداني، إذ تسببت في تراجع الإيرادات العامة بنسبة 40 في المئة، حسبما ذكرت وزيرة المالية المكلفة هبة محمد علي.
وأخيراً، قال مسؤول كبير في بنك جنوب السودان المركزي، إن “احتياطيات النقد الأجنبي بالبلد المتضرر من سنوات من الصراع والفساد نفدت، ولم يعد بمقدوره وقف الانخفاض في قيمة الجنيه”.
ومن الجدير ذكره، أن جنوب السودان يحصل على كل إيراداته تقريباً من النفط الخام، لكن الإنتاج الحالي، والبالغ 180 ألف برميل يومياً تقريباً، يقل كثيراً عن ذروته عند 250 ألف برميل يومياً قبل اندلاع الصراع بالبلاد في 2013، بحسب أرقام رسمية.
ومن جهته، قال دانييل كيش بوش النائب الثاني لمحافظ البنك المركزي خلال مؤتمر صحفي، إنه “من الصعب علينا في الوقت الحالي وقف الزيادة الفائقة السرعة في سعر الصرف لأنه ليست لدينا مصادر، ليست لدينا احتياطيات”.
وخلال هذه الأزمة، ظهرت ثلاثة أسعار صرف مختلفة في جنوب السودان، سعر من البنك المركزي، وسعر من البنوك التجارية، وثالث مما تسمى “السوق الموازية غير الرسمية”. وقال بوش إن “سعر صرف الجنيه لدى البنك المركزي هو 165 للدولار، في حين أنه لدى البنوك المركزية عند نحو 190، وبالسوق الموازية نحو 400 جنيه لكل دولار”.
وبحسب وكالة رويترز، قال براين أديبا نائب مدير السياسات لدى جماعة “ذا سنتري” التي مقرها الولايات المتحدة، والتي أصدرت عدة تقارير توثق مستوى مرتفعاً من الفساد، إن الفساد يفاقم الأزمة أيضاً وليس مجرد انخفاض إنتاج النفط فحسب. وتنكر الحكومة ما خلصت إليه تقارير الجماعة.
وأضاف “نجم عن الفساد الفاحش والتدمير المتعمد للآليات المؤسسية لرقابة والضبط منذ فترة طويلة استخدام المسؤولين البنك المركزي باعتباره ماكينة الصراف الآلي الخاصة بهم، لذا فإن هذا (في إشارة إلى نفاد احتياطيات النقد الأجنبي) ليس مفاجئاً”.
وأنهى جنوب السودان في 2018 حرباً أهلية استمرت خمس سنوات، لكن خلافات بين الرئيس سلفا كير ونائب الرئيس ريك مشار الذي كان يقود أكبر مجموعة متمردين، حالت دون إتمام عملية السلام. وشردت الحرب، والتي كانت من صورها التطهير العرقي والعنف الجنسي الشديد وخطف الأطفال، نحو ثلث سكان البلاد من منازلهم. وقتل الصراع ما يقدر بنحو 400 ألف شخص وأفرز أكبر أزمة لاجئين في أفريقيا منذ الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.
وقال جيمس أوكوك الباحث لدى مركز الدراسات الإستراتيجية والسياسية ومقره جوبا، إن “بنك جنوب السودان المركزي ووزارة المالية ارتكبا خطأ فادحاً بسحب احتياطيات من الخزانة وإعطائها لرجال أعمال، إذ يشكل هذا خطراً على اتفاق السلام لأنه سيخلق خوفاً”.
من ناحيتها نفت وزارة المالية السودانية، أنباء راجت على نطاق واسع حول شراء الحكومة كميات كبيرة من النقد الأجنبي من السوق السوداء لتغطية استيراد السلع الأساسية إثر خلو خزينة البنك المركزي من العملات. واتهمت الوزارة في بيان، عناصر في نظام الرئيس المعزول عمر البشير، بضخ كميات كبيرة من العملة بعضها مُزور، لشراء الدولار والذهب بأسعار أعلى، بغرض تخريب الاقتصاد.
وتدنت قيمة الجنيه السوداني إلى أدنى مستوى لها، الخميس، حيث وصلت قيمته إلى 170 مقابل الدولار الواحد في السوق الموازية (السوداء)، وسط مخاوف من استمرار ارتفاع سعر صرف العملات خلال الأيام المقبلة.
وفي نفس الصدد، أكدت الوزارة أنه “لا صحة لما يُشاع حول شراء الدولة للدولار من السوق الموازية لتغطية حاجة الدولة من السلع الإستراتيجية”. وأفادت بأن استيراد السلع بواسطة محفظة السلع الإستراتيجية يكون عن طريق توفير الدولار من الصادرات التي تُنفّذها المحفظة أو بالتمويل الذي تُوفره المصارف الأجنبية للمحفظة.
وأضافت “نؤكد عدم وجود سبب اقتصادي أساسي، ولم يطرأ أي تغيير جوهري على المؤثرات الحقيقية على سعر الصرف في السوق الموازية في اليوميين الماضيين، يجعل قيمة الدولار تزداد بهذه الطريقة غير المبررة”.
وأشارت الوزارة في بيانها إلى أن تدني قيمة الجنيه مقابل العملات الأخرى عمل “تخريبي منظم ضد الاقتصاد” ويأتي كامتداد لشراء كميات من الذهب بأسعار تفوق أسعار البورصة العالمية في الأسبوع الماضي.
وأضافت “في الحالتين – شراء الدولار والذهب بأسعار مرتفعة – ضُخت كميات كبيرة من العملة السودانية وأحياناً المزورة منها لشراء هذه الكميات، مما يشير لمخطط متعدد المسارات وممنهج من بعض أفراد نظام البشير لاستهداف الاستقرار الاقتصادي”. وأفاد البيان بأن وزارة المالية والجهات الأمنية أجرت تحقيقات في شراء الدولار والذهب بأسعار مرتفعة، توصلت فيها إلى أسماء المتورطين، مؤكداً تسليمهم إلى الجهات العدلية.
وفي سياق آخر، رفضت الحكومة الانتقالية اقتراحاً من الائتلاف الحاكم بتغيير العملة الوطنية، بسبب أن معظم الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي، مما يسهل تخزينها وتصريفها في أعمال تخريب في وقت لاحق.
وسادت مخاوف في البلاد من ارتفاع سعر الدولار مقابل العملة الوطنية فور تعديل الموازنة العامة، حيث أقرت التعديلات تخفيض قيمة العملة الوطنية. لكن وزارة المالية أوضحت في البيان أن سعر الصرف “الذي أُعلن في الموازنة المعدلة والمعادل 120 جنيهاً، هو سعر محاسبي لحساب بنود الموازنة مثل المنح والقروض المقدمة من الدول والمؤسسات المالية الدولية والإقليمية للحكومة”. وأكد البيان عدم وجود خطة حكومية لتعويم الجنيه السوداني أو الدولار الجمركي في الفترة المقبلة.