رغم أنني إلى حد كبير أؤيد رأي نجيب ساويرس في ضرورة العودة إلى العمل، وهو الرأي الذي كان من آثاره استقالة الزميل محمد الباز من قناة المحور، إلا أن هناك زاوية أخرى في الموضوع أكثر أهمية من قرار الاستقالة أو الإقالة.
هذه الزاوية المهمة من وجهة نظري ظهرت بوضوح أثناء مداخلة حسن راتب مع محمد الباز في برنامج 90 دقيقة والتي أبدى فيها “راتب” امتعاضه الشديد من الطريقة التي تحدث بها “الباز” عن نجيب ساويرس تعليقًا على تغريدة للأخير يطالب فيها الدولة بضرورة إعادة الناس إلى العمل، وعلّق عليها الباز بقوله (.. يغور ساويرس وتغور فلوسه..).

في المداخلة سيبدو لك أن حسن راتب فهم من كلام الباز أنه رسالة من الدولة لرجال الأعمال بدأت بساويرس، وستستكمل طريقها إليه ثم إلى البقية الباقية من مجتمع رجال الأعمال، يعرف حسن راتب أن الزميل محمد الباز مقرب من دوائر القرار في مصر، لذلك ظن أن موقف الباز من نجيب ساويرس لم يكن من عندياته، وأنه ناقل للرسالة، والرسالة أن الدولة لم يعجبها موقف رجال الأعمال من أزمة كورونا، وأنها تُجهّز الشارع لاتخاذ موقف حازم معهم عبر بعض الأصوات الإعلامية ومنها محمد الباز، لذلك بدا راتب متوترًا في المداخلة التي كشّر فيها عن أنيابه بوضوح وهو يتحدث نيابة عن رجال الأعمال و باسمهم في عبارات بدت وكأنها أو أنها رسالة تحذير منهم إلى النظام.
رسالة التحذير أو التحدي التي عبر فيها حسن راتب عن رجال الأعمال ظهرت من تكراره لمصطلح “بيزنس كميونتي” أو مجتمع الأعمال أكثر من مرة خلال المداخلة، حدده بوضوح في وصف دقيق بعدها حينما قال (.. احنا بقالنا 50 سنة في السوق وهذه خبرات الأسر الكبيرة زي أسرة ساويرس..) ووجه كلامه مباشرة إلى النظام فقال (..لابد من الاستماع لنا في القرارات المصيرية..).
راتب في كلامه مع الزميل محمد الباز كان دقيق جدًا وهو يوجه رسالة التحذير الواضحة منه ومن “البيزنس كميونتي” إلى متخذ القرار عندما قال وبالحرف إن (..البيزنس كميونتي لو وقع منه اَي أعمدة حتنهار الدولة كلها..).
طريقة حسن راتب في الكلام عن مجتمع رجال الأعمال دفعتني دفعًا لأن افتش في الذاكرة عن طريقتهم في التحدث إلى نظام الحكم طوال العقود الماضية، ورغم استغراقي في البحث إلا أنني لم ألحظ في عمري الصحفي الذي زاد عن ربع قرن رسالة واحدة من رجل أعمال بهذا القدر من التحدي لنظام الحكم في مصر مثلما رأيتها في كلام حسن راتب مع الزميل محمد الباز وهو يصف نفسه وعائلة ساويرس على سبيل المثال بأنهم أعمدة إقتصادية لو انهارت ستنهار معهم الدولة.
أعرف أن الزميل محمد الباز أثناء المداخلة كان بين خيارين أحلاهما مُر، بين أن يحافظ على استمراره في نافذه صنع منها نجاحه كإعلامي بعد نجاحه ككاتب وصحفي، وبين أن يظهر كعامل عند صاحب الدكان، خاصة بعدما قال له حسن راتب بكل وضوح ( دي رسالة ليك ولكل المذيعين عندي في القناة.. )، لذلك لم ينتبه أو تغاضى عن رسالة التحذير الواضحة من حسن راتب إلى النظام، إذ أنه ضيع فرصة ما كان لأي إعلامي أن يضيعها وهو يلحظ هذا التحول في الاسلوب الذي يتكلم فيه رجال الأعمال إلى النظام الحاكم في مصر، خاصة مع نظام قال رئيسه بكل وضوح “أنا معنديش فواتير لحد”.
عبارة أخرى جاءت على لسان حسن راتب كشف فيها بكل وضوح رسالة التحذير والتحدي للدولة والنظام والرئيس عندما قال أن (.. القرارات الاقتصادية لينا عليها ملاحظات.. حتى قرارات البنك المركزي لينا عليها ملاحظات فلا يصح رفع الفوايد عن كل المدينين.) كان يجب أن نسأله: مالك أنت ومال المدينين يا حاج حسن، وإيه الضرر الواقع عليكم انتم كرجال الأعمال من رفع الفوائد عن المدينين في هذا الظرف الاستثنائي من عمر الكوكب.
انتقل “راتب” خلال المداخلة إلى زاوية أخرى تخطى فيها مجرد التحذير إلى التهكم على السياسات المالية للدولة في وصفه القرارات الاقتصادية في مصر بأنها لا تتسم بالخبرة إذ قال بالنص (..لابد أن يدخل فيها خبراء..) مضيفًا (..لا تستأثروا بالقرارات لوحدكم ..) موجهًا حديثه ضمنيًا إلى الرئيس السيسي من دون أن يذكر اسمه في تعليقه على خطة الرئيس في معالجة أزمة كورونا عندما قال (.. لابد ان يدخل الخبراء في النص- المنتصف- امتى نخفف وامتى نخمد..).

رسالة حسن راتب التي يتحدث فيها إلى النظام رأسًا برأس تريد أن تؤسس لمرحلة جديدة من علاقة رجال الأعمال بنظام الحكم في مصر، مرحلة يريدون فيها المشاركة في الحكم وفي اتخاذ القرار، والتعاطي معهم بحذر حتى “..لا تنهار الدولة..” كما يقولون.