هناك.. في أقصى صعيد مصر، تحديدًا في قرية دندرة بمحافظة قنا، وبينما كانت شمس الأربعاء الماضي تتكشف على استحياء لبسط ضيائها في الأفق استعدادًا لإستقبال نخبة من أصحاب الفكر والرأي، عبد اللطيف المناوي- عمرو الشوبكي – ابراهيم داوود – ابراهيم منصور – إيمان يحيي- علاء أبو زيد – سعيد الشحات.. كان كاتب هذه السطور على موعد انطلاقة جديدة في حياتة بدأت من هناك.
جئنا من القاهرة بدعوة من الدكتور هاني رسلان رئيس مركز الأهرام للدراسات الإجتماعية لحضور فعاليات منتدى دندرة الثقافي، جئنا وفي أدمغة الكثير من الجمع ممن لم يسبق لهم زيارة المنتدى من قبل أن الأمر كله لا يعدو أن يكون ندوة يصب فيها البعض محتوياته من كلمات وشعر وخلافه على جمع يحب أن يقضي بعضًا من وقته في هذا الإطار، لكنه يبدو أننا قد وصلنا إلى رحاب مختلف، مختلف كثيرًا عما كنا نعتقد، رحاب امتزجت فيه فيوضات إلهة السماء والحب والجمال والأمومة والسعادة والموسيقى والخصوبة.. حتحور، مع فيوضات الحب والرحمات من الصفيّ النقيّ التقي الوجيه العالم الجليل.. سيدي عبد الرحيم القنائي، وفي هذا الرحاب المتلاطم بالتصوف والحب والجمال.. غرق الجمع.
وصلنا محطة القطار في المدينة قنا، وكان ركب المحبة الذي يحدوه شباب الأسرة الدندراوية في انتظارنا حيث أقلنا إلى فندق “حتحور” الذي تفترش باحته شاطئ النهر الخالد.
إلى هنا والجمع طبيعيًا، لم يكن يعلم أن نطفة القنائي التي ألقاها في رحم حتحور ستنجب لهم خصيصًا لحظات من الروعة تحملهم من طور إلى طور حتى تلقي بهم وبلا رحمة في بئر الإنبهار عند شعبة النور في ضيافة صاحبها الشاب كبير الأسرة الدندرواية الأمير هاشم الفضل بن العباس.
سمعت عنه كثيرًا بحكم أنني بن المحيط الجغرافي الذي تتربع فيه الأسرة الدندراوية في قلوب الكثير من محبيها، لكن سمعي لم يكن يتجاوز أنه بن وخليفة شيخ طريقة صوفية مثل عشرات الطرق الصوفية في مصر، لم اكن أتخيل أن الأمر بخلاف ذلك تمامًا، وأن الطريقة الصوفية ليست طريقة صوفية، وأن الجماعة الدينية ليست بالجماعة الدينية بمفهومها التقليدي، الأمر أكبر وأعمق من ذلك بكثير.
الجمع جمع يخطف الألباب، عشرات الألاف في خيمة واحدة.. الكراسي البيضاء، والجلاليب البيضاء، والعمامات البيضاء.. والقلوب البيضاء، المكان كله تلوّن بلون الصفاء، إن كان للصفاء لون، وإن لم يكن فاليوم قد أصبح له لون، لون الصفاء لن تجده بهذا المستوى من الوضوح إلا عندهم هناك.. في الأسرة الدندراوية.
في شعبة النور – بيت الأسرة – اجتمعنا مع “شيخ الطريقة” وقد كنتُ أظنها طريقه، وأظنه شيخها، لكنها لم تكن طريقة ولم يكن شيخ، إنه هاشم الدندراوي، أمير الأسرة الدندراوية، وكبيرها، الذي يلتف حوله أكثر من ثلاثة ملايين مبايع، يأتمرون بأمره، وينتهجون منهج الأسرة الذي وضع لبناته الأولى آبائه الأوائل، ويحرص هو بحكم أنه خريج الجامعة الأمريكية إلى إجراء أساليب ونظم ومقتضيات الحداثة على هذا المنهج ليربط الماضي بالحاضر، والدين بالعلم، والتدين بالحداثة، لبناء مجتمع صحي يقول هو عنه بكل ثقة، أننا لسنا طريقة صوفية، لكننا منهج لبناء الإنسان المسلم بطريقة تتفق وعقيدتنا الإسلايمة الصحيحة، وتتوافق مع مقتضيات الحداثة.
هناك تجد ورش عمل في الإدارة، في الصناعة وتعلم الحرف، في استدعاء التراث والفلكولور وتنميته وتنقيته وإنقاذه من الإندثار، وهناك أيضًا تجد المدائح النبوية، والأناشيد الصوفية.. قبول الآخر والتفاعل معه مبدأ تجده حاضرًا بقوة في الأسرة الدندراوية لذلك قد لا يبدو غريبًا أن تجد قساوسة ورهبان يبايعون الأمير هاشم.. الأمير هاشم والأسرة الدندراوية حالة، حالة يستحيل أن يحدها أو يحتويها مقال، لذلك سأخرجها إن شاء الله قريبًا في كتاب.
عبده مغربي