كتبت/ دينا أسعد
كشف تقرير رقابي حصلت عليه “البلاغ” عن أوجه قصور خطيرة في سياسات الهيئة القومية للبريد، تحت قيادة رئيس مجلس الإدارة عبده علوان. التقرير استند إلى القوائم المالية للسنة المالية المنتهية في 30 يونيو 2022، وأشار إلى تزايد حالات الاختلاس وسوء الإدارة المالية، في وقت نشرت فيه الجريدة الرسمية موازنة الهيئة للسنة المالية 2024-2025، والتي تُظهر تراجعًا كبيرًا في صافي الأرباح، ما يعكس التأثير السلبي لهذه السياسات.
الأداء المالي للسنة المالية 2022: مكاسب ظاهرية وأزمات متخفية
حققت الهيئة القومية للبريد صافي ربح قدره 3.826 مليار جنيه للسنة المالية المنتهية في 30 يونيو 2022، بزيادة 643 مليون جنيه مقارنة بالعام السابق، ووصل رصيد الأرباح المرحلة إلى 10.831 مليار جنيه. ورغم هذه الأرقام الإيجابية، إلا أن التقرير الرقابي كشف عن العديد من أوجه القصور التي تحتاج إلى معالجة عاجلة.
- استثمارات وأرباح غير مستدامة:
– ارتفع العائد من الاستثمار في سندات وأذون الخزانة الحكومية إلى 9.772 مليار جنيه في 2022، بزيادة 2.124 مليار جنيه عن العام الذي سبقه، ما أثار الشكوك وقتها حول استدامة هذه الأرباح وتأثيرها على الاستقرار المالي للهيئة، الأمر الذي ظهر جليًّا بعد ذلك من أن هذه الشكوك أتت في محلّها آنذاك في ميزانية 2022.
– كما زادت العوائد المحققة من المبالغ المودعة لدى بنك الاستثمار القومي بمقدار 403 مليون جنيه لتصل إلى 15.264 مليار جنيه، بينما استمر تحويل هذه العوائد إلى رسملة دون سداد، مما يعزز المخاوف حول السيولة النقدية المستقبلية.
- التغيرات في السياسات المالية:
– وفقًا للتقرير الرقابي الصادر في 2022 فقد قامت الهيئة بإعادة تسعير الخدمات البريدية والمالية ورفعت المصاريف الإدارية، مما أدى إلى زيادة إيرادات الرسوم إلى 1.365 مليار جنيه، بزيادة بنسبة 130% عن العام الذي سبقه. ومع أن هذه القرارات حسّنت الإيرادات، إلا أنها أثقلت كاهل العملاء وزادت الشكاوى، وهي آثار ظهرت جليًا على اداء الهيئة فيما بعد.
- التحديات الضريبية والتحصيل:
– أشار تقرير 2022 إلى أن الهيئة لم تلتزم بتحصيل ضريبة القيمة المضافة على الخدمات المالية منذ 2016، مما يهددها بتحمل أعباء ضريبية ضخمة في المستقبل. التقرير شدد على ضرورة التحرك العاجل لتطبيق القوانين وتجنب المزيد من التبعات المالية.
- زيادة المصروفات والأجور:
– سجلت المصروفات والأجور ارتفاعًا كبيرًا بنحو 1.4 مليار جنيه لتصل إلى 7.541 مليار جنيه، كما تم صرف مبالغ إضافية من الأرباح المرحلة لتغطية فروق مالية للحوافز والمكافآت للفترات السابقة، مما أدى إلى تراجع الأرباح المرحلة بمقدار 747 مليون جنيه، هذا بالطبع طبقًا لتقرير 2022.
- قصور في الرقابة الداخلية ونظم التشغيل:
– أظهر تقرير 2022 استمرار القصور في الرقابة الداخلية، بما في ذلك عدم مطابقة سجلات الأصول الثابتة مع الجرد الفعلي، وظهور اختلافات في أرصدة الأصول في بعض المناطق. إضافة إلى ذلك، تعاني الهيئة من تقادم النظم المالية وعدم وجود ترابط بينها، مما أدى إلى زيادة حالات الاختلاس التي بلغت 139 مليون جنيه في 30 سبتمبر 2022.
- التعاملات المالية والتحول الرقمي المتعثر:
– لم تلتزم الهيئة بقرارات التحول إلى نظم الدفع الإلكتروني وإدارة المعلومات المالية الحكومية، واستمرت في استخدام النظم المالية التقليدية التي تعيق الشفافية والتحكم المالي. كما تم صرف مكافآت ورواتب تتجاوز الحدود القانونية، مما يتطلب مراجعة فورية وتعديل السياسات الإدارية.
الموازنة الجديدة 2024-2025: تراجع حاد في الأرباح وتكاليف مرتفعة
وفقًا للجريدة الرسمية، قُدرت موازنة الهيئة القومية للبريد للسنة المالية 2024-2025 بمبلغ 76.64 مليار جنيه، مع تقدير صافي ربح العام بنحو 1.653 مليار جنيه، مما يُظهر تراجعًا كبيرًا مقارنة بأرباح 2022. وبلغت التكاليف والمصروفات نحو 38.19 مليار جنيه، في حين قُدرت الإيرادات بنحو 39.84 مليار جنيه، مما يشير إلى انخفاض ملموس في هوامش الربح.
التأثير على الأداء العام للهيئة:
هذا التراجع الكبير في الأرباح المتوقعة يعكس التأثير السلبي للسياسات المالية والإدارية الحالية للهيئة تحت قيادة عبده علوان. فبدلاً من البناء على النجاحات المالية السابقة، أدى سوء الإدارة والقصور الرقابي إلى تدهور الأداء المالي بشكل ملحوظ، مما يستدعي ضرورة مراجعة شاملة للسياسات وإصلاح أوجه الخلل في أسرع وقت ممكن.
تقرير الأداء المالي للهيئة القومية للبريد للسنة المالية 2022 وما تلاه من موازنة 2024-2025 يكشفان عن أزمات مالية وإدارية عميقة تحتاج إلى تدخل عاجل. الهيئة مطالبة بإصلاح سياساتها وتحديث نظمها التشغيلية لتحقيق الشفافية والكفاءة المالية وضمان استدامة الأرباح، بعيدًا عن الحلول المؤقتة التي قد تؤدي إلى مزيد من الأزمات المالية في المستقبل في ظل تلك الملاحظات الجوهرية عن الأداء المالي وأوجه القصور في النظام الرقابي والإداري بالهيئة في ظل قيادة عبده علوان، وهو ما يترعي انتباه الرجل بأن يعّدل من سياساته في الإدارة، أو أن يتعاطى مع أوجه القصور على نحو ينهض بمهامه، يظل الرجل وفق التقرير مسئولًا بحكم موقعه، عن كثير من الانحرافات التي تمت في الهيئة ولم يتخذ بشأنها الإصلاحات اللازمة.