مع تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط، تحولت الساحة السياسية والعسكرية إلى ما يشبه رقعة شطرنج، حيث تتصارع القوى الكبرى والإقليمية لتحديد مساراتها المستقبلية. في هذا السياق، تمثل التحركات الأخيرة للولايات المتحدة وإسرائيل ضمن إطار “الحلف الإبراهيمي” نقطة تحول رئيسية في هذه اللعبة، معززة بتدخلات عسكرية مباشرة وتكتلات سياسية تهدف إلى مواجهة إيران وحلفائها في المنطقة.
عندما ننظر إلى الإجراءات العسكرية الأخيرة التي اتخذتها الولايات المتحدة لدعم إسرائيل، نجد أنها تتجاوز مجرد الدفاع عن حليف تقليدي. نقل حاملة الطائرات «يو أس أس أبراهام لينكولن» إلى الشرق الأوسط، إلى جانب إرسال طائرات F-22 وتوسيع الانتشار العسكري في المنطقة، إنّ ذلك كلّه يمكن اعتباره خطوة استباقية تهدف إلى ترسيخ الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة. هذه الخطوات تؤكد على استعداد الولايات المتحدة للقيام بتدخلات عسكرية مباشرة لحماية مصالحها أكثر من مصالح حلفائها العرب الذين يدثرون الآن بغطاء من الحماية الأمريكية لا يحميهم بقدر ما يحمي أو يدافع عن إسرائيل.
تمثل الدعوة إلى تشكيل “الحلف الإبراهيمي” امتدادًا لمفهوم أوسع يحاول إعادة تشكيل التحالفات السياسية والعسكرية في المنطقة. منذ توقيع اتفاقيات أبراهام في 2020، كانت إسرائيل تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع الدول العربية، خصوصًا تلك التي وقعت على الاتفاقيات، مثل الإمارات والبحرين والمغرب، وتلك التي قد تنضم لاحقًا مثل السعودية .
إذا تحقق هذا الحلف، فإنه سيجمع قوى عسكرية واقتصادية هائلة، تتجاوز قدرات إيران بشكل كبير. الإنفاق العسكري لهذه الدول مجتمعة يصل إلى 136 مليار دولار سنويًا، ويحتوي على عدد كبير من الجنود والمعدات العسكرية، مما يجعله قوة رادعة قوية في مواجهة إيران.
على انه من زاوية المصالح العربية الإسلامية، فإن هذا التحالف أصبح يثير مخاوف جدية لدى الشعوب العربية الإسلامية، إن تحول دول عربية رئيسية إلى دعم إسرائيل ضمن هذا التحالف قد يزعزع التوازن الاستراتيجي في المنطقة. كما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات مع إيران وحلفائها، مما يزيد من مخاطر اندلاع صراعات أوسع قد تؤثر على الاستقرار الإقليمي، ويزيد من مخاطر استقرار الأنظمة السياسية خاصة في منطقة الخليج التي تقع في مرمى النيران الإيرانية، خاصة بعدما أكدت محدثات الأوضاع في غزة واليمن ولبنان والعراق، أن جحافل الأسلحة المتطورة، يمكن مواجهتها بمسيرات غير مكلّفة بالمرة، والحرب بين روسيا و اوكرانيا أكدت، أن الأسلحة الجبارة لا يمكن لوحدها أن تحسم المعركة.
إضافة إلى ذلك، فإن الاعتماد المتزايد على الدعم العسكري الأمريكي قد يعزز الهيمنة الغربية في المنطقة، مما يقلل من استقلالية الدول العربية ويزيد من التبعية للسياسات الأمريكية المناحزة دومًا إلى أسرائيل. وهذا يمكن أن يؤدي إلى إضعاف المواقف التفاوضية العربية في القضايا الإقليمية والدولية، لا سيما فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
من الضروري أن يتبنى العرب والمسلمون موقفًا نقديًا من هذه التطورات، بهدف الحفاظ على استقلالية القرار العربي بعيدًا عن التحالفات التي قد تجر المنطقة إلى صراعات لا تصب في مصلحتها. يجب على الدول العربية أن تكون حذرة في انخراطها في تحالفات قد تؤدي إلى تعميق الانقسامات الإقليمية وتعزيز هيمنة قوى خارجية على المنطقة.
بدلاً من ذلك، يمكن للدول العربية أن تعمل على تعزيز تعاونها الداخلي، وتشكيل تحالفات تقوم على المصالح المشتركة والاستقلالية، بعيدًا عن النفوذ الخارجي. في النهاية، يجب أن يكون الهدف هو تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة دون الانزلاق إلى صراعات قد تكون نتائجها كارثية.
يجب أن يعي الجميع أنه بينما يمثل “الحلف الإبراهيمي” تحولًا مهمًا في مصالح اقتصادية لبعض دول الخليج، فإنه يحمل في طياته تحديات كبيرة لاستقرار أنظمتهم. التحركات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة ترفضها كافة شعوب المنطقة، وما يرتبط بها من تشكيلات سياسية يغضب المكونات الشعبية على اختلاف أعراقها وعقائدها، وفي ذلك مكمن الخطر الذي لن يكون فقط على هذه الدول بقدر ما هو على انظمة الحكم فيها، وهو ما يجب أن يتم مواجهته بتحليل نقدي ورؤية واضحة للحفاظ على مصالح الأمة بعيدًا عن التورط في دائرة تراها تلك الأنظمة المتحالفة درع حماية، بينما هي في الأساس مثقل إغراق قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات في المنطقة.