أنا ممن يظنون بقوة أن رجل الأعمال صلاح دياب حينما أسس “المصري اليوم”لم يكن لأنه صاحب مشروع فكري معين، أو لأنه من انصار حرّية الرأي والتعبير، ذلك أن أهم الخطوط الحمراء في جريدته منذ بدأت قبل نحو 20 عامًا كانت مرتبطة برجال الأعمال، في عدم الإقتراب منهم، أو المساس بهم بأي شكل من الأشكال إلا فيما يرتبط بمصالح صاحبها في قطاعي “الزراعة والبترول”، بل إنه قد استخدم نيرانها الكثيقة في أوقات معينة لتحقيق مصالحه غير المشروعة لنهب ثروة مصر البترولية.
إن بداية نهب ثروة مصر البترولية كانت مع بدايات تأسيس (شركة ميدور) لتكرير البترول بالإسكندرية عام 1995 والتى تكونت بمشاركة إسرائيلية مع هيئة البترول المصرية، حيث كان ضابط الموساد الإسرائيلى (موشيه ميمون) ممثلاً لإسرائيل بينما كان (سامح فهمى) هو ممثل هيئة البترول المصرية ومديراً عاماً لتلك الشركة.
من (ميدور) بدأت رحلة صعود (سامح فهمى) وبدأت فى نفس التوقيت (أزمة مصر البترولية) مع رحلة هبوط ونهب واغتصاب ثروة مصر البترولية.
ومن (ميدور) بدأ التخطيط والتآمر الإسرائيلى على البترول المصري على يد سامح فهمى وصلاح دياب وإسرائيل، لنهب بترول وغاز مصر.
إلى ذلك فإنني أرجع فيما سبق إلى جلسات كثيرة لي مع صديقي الخبير البترولى الراحل الدكتور/ إبراهيم زهران، بعدما قلّبت عدّة أوراق كتبناها سويًا في جلسات مطوّلة بيننا لمشروع كتاب لم يكتمل عن أباطرة البترول، وفساد هذا القطاع، وكان بعنوان: ” حرامية مصر في قطاع البترول”.
لقد مات الدكتور إبراهيم زهران ولم يتم التحقيق فى البلاغ المقدم منه إلى النائب العام ضد بيع حقلى (جيسوم والأمل) لصلاح دياب صاحب المصرى اليوم، رغم قرار النائب العام المستشار عبد المجيد محمود والمستشارعادل السعيد رئيس المكتب الفنى وقتها بالتحقيق فى ذلك البلاغ بجهاز الكسب غير المشروع .
حقل “الأمل” هو من أوائل الحقول البحرية التى تم اكتشافها فى خليج السويس وهو حقل غاز أساساً وقد قامت شركة “جابكو” بإنشاء محطة رقم “102” أمام الحقل خصيصاً لمعالجة الغاز الذى سينتج منه.
بعدها باعت شركة “أمكو” الأمريكية وهى الشريك الأجنبى لشركة “جابكو” في الحقل، باعت حق الإمتياز لاستخراج البترول فقط إلى شركة “توتال الفرنسية” وقد قامت الأخيرة بالعمل لفترة حتى تم الإنتاج فى عام 1981، وقتذاك كان حقل الأمل ينتج “11 ألف برميل زيت يومياً “.
ثم هبط إنتاج الحقل عام 1991 إلى ألف برميل فقط يومياً، ويومياً كان يخرج مع المنتج البترولى-الزيت- حوالي “20 مليون قدم مكعب غاز”، وإمكانيات الحقل أن ينتج يومياً “60 مليون قدم مكعب غاز”.
لا أفهم كثيرًا في مصطلحات الغاز والبترول، كان دوري فقط هو ضبط الصياغة، ومحورة الفكرة، وتسلسل الأفكار، وخلق روح إملائية في السرد، لكي يستوعب القارئ البسيط ذلك المحتوى، لذلك فقد كانت مهمة تدقيق الأرقام خالصة للمؤلف الدكتور إبراهيم زهران.. المؤلف الحقيقي للكتاب، بينما انحصر دوري فقط في ضبط المحتوى صحفيًا بحيث يكون صالح للقراءة ومن ثم.. الإستيعاب والفهم.
وتتأكد الجريمة حين نعلم أن صلاح دياب صاحب جريدة “المصرى اليوم” حصل على كامل إنتاج حقل الأمل بـ”دولار واحد” للألف قدم مكعب غاز !!.
هذا الغاز الموجود فى حقل الأمل طبقاً للتعاقد والإتفاقية ولتأكيدات الدكتور إبراهيم زهران هو ملك كامل لهيئة البترول المصرية ، ذلك أن أى شريك اجنبي كان لا يقوم بعمل أى تنمية فى الغاز لأنه لم يكن يكسب منه وقتها، لذلك لم تتضمن العقود التعامل على غاز الحقول واقتصرت فقط على الزيت.
ثم قامت شركة “توتال الفرنسية” ببيع حصتها فى حقل الأمل والبالغة (50%) إلى شركة “كوفيك الكويتية” ولم تقم “كوفيك” بأى مصروفات لتنمية الحقل أو صيانته منذ دخولها شريكاً عام 1992 إلى 1996.
يعود الدكتور إبراهيم زهران مجددًا إلى الوراء فيطرح العديد من علامات الإستفهام الكثيرة والمشكوكة والمرعبة حول علاقات صلاح دياب وقصة دخوله مجال البترول.
يقول الدكتور “زهران”: ” لقد ظهرت بعض المشاكل مع شركة “كوفيك الكويتية” التي أرادت الحصول على “غاز حقل الأمل”، لكن ذلك لم يكن من حقهم طبقاً للاتفاقية الخاصة بالحقل مع الشركاء، حقهم فقط كان هو البترول.
ثم فجأة .. وفى عام 1996 ظهر “يحيى الكومى وصلاح دياب” فى وقت واحد معاً !! لشراء حصة شركة كوفيك الكويتية والتى تمثل 50% من الحقل.
ووصل العرض المقدّم منهما “دياب والكومي” إلى 6.5 مليون دولار، والغريب أن “الكومى” عرض دفع هذا المبلغ البسيط بالتقسيط !! وعرض “دياب” دفع المبلغ كاش، فكسب صلاح دياب الصفقة.
من ذلك اليوم دخل دياب شريكاً مع الهيئة المصرية العامة للبترول، وكانت المفارقة الغريبة أن صلاح دياب الذي اشترى حصة الشريك الكويتي بـ 6.5 مليون دولار، قد حصل على تمويل للصفقة بقروض قيمتها 150 مليون دولار من بنك القاهرة.. مستعينًا بتقديرات مالية للغاز من حقل الأمل قيمتها40 مليار دولار..!
فور أن دفع “دياب” مبلغ الـ 6.5 مليون دولار قام بعمل ما أسماه وقتها دراسة، وتقدم بها لهيئة البترول وقال أنه سيجعل حقل الأمل أحسن حقل فى الدنيا، وكانت الدراسة كلها كلام خيالى، وغير علمى، ولا يوجد بها أى حقيقة ولا أى دليل يثبت كلامه .
لقد سلّم صلاح دياب دراسته الخيالية للهيئة ثم حصل منها على موافقة عليها !! وهنا توجد العديد من علامات الاستفهام ؟! يوجد بالهيئة خبراء على أعلى مستوى، لكن يبدو أنه كانت لدى صلاح دياب خطة ممنهجة.
لقد أخذ “صلاح دياب” هذه الدراسة الوهمية بعد إقرارها من الهيئة وذهب بها إلى بنك القاهرة فأخذ منه قرضًا بـ140 مليون دولار!! ثم صرف هذا المبلغ على شركاته الأخرى، وظل حقل الأمل كما هو حيث كان إنتاجه ألف برميل يومياً.
وفي تلك المناسبة حكى الدكتور إبراهيم زهران عن “خناقة” حدثت في شرم الشيخ بين صلاح دياب وأحمد البرعى رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة وقتها.
يقول الدكتور إبراهيم زهران: ” لقد عرف المصرفى أحمد البرعى أن الدراسة التى قدمها صلاح دياب لبنك القاهرة ووافقت عليها هيئة البترول وهمية، وتأكد أن دياب أخذ أموالاً لا يستحقها من البنك، فلما التقى الطرفان فى شرم الشيخ، قال “البرعي” لـ”دياب”: “انت اخدت فلوس من عندنا بدون وجه حق؟! ففوجىء البرعى بصلاح دياب يدفعه من أمامه، ما أغضب “البرعي” فجذبه، قبل أن يتحول الأمر إلى “خناقة”.
لقد أكّد لي الدكتور إبراهيم زهران وقتها أن ما حدث في حقل الأمل لا يمكن السكوت عليه، لكن لا حياة لمن تنادي.
فالغاز الموجود فى حقل الأمل يبلغ 1.5 تريليون قدم مكعب ، وثمن هذا الغاز الموجود فى حقل الأمل لا يقل عن”40 مليار دولار” وقد تقدم “صلاح دياب” بعدة طلبات فى خطابات رسمية للحصول على الغاز من ذلك الحقل لكن الهيئة في جميعها قد رفضت طلبه.
و يقول الدكتور إبراهيم زهران الذي كان وقتها عضوًا بمجلس إدارة الهيئة العامة للبترول أن كل عروض وطلبات الشركة الكويتية من قبله قد تم رفضها أيضَا، لأنه ببساطة يتعارض ذلك الطلب مع القانون، فلو وافقنا له على استخراج الغاز فهذا يعني أنه يجب تعديل الاتفاقية الخاصة بحقل الأمل، والتي كانت قاصرة فقط على استخراج البترول.
لكنه بعد أن أتى سامح فهمي وزيرًا للبترول، وأصبح لصلاح دياب ذراع إعلامية قوية، يسلطها من أجل مصالحه، قدم صاحب “المصرى اليوم” عرضًا لهيئة البترول المصرية للحصول على غاز حقل الأمل مقابل دولار واحد لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، فحصل على موافقة فورية تحت حماية النيران الكثيفة لصحيفة المصرى اليوم.
فى نفس اليوم الذى علمتُ فيه أن سامح فهمي قد أعطي لصلاح دياب غاز حقل الأمل- يقول الدكتور زهران- نشرت مقالاً بالصحف وكان في شكل استغاثة وصرخة تحدثتُ فيها تفصيلًا عن تلك الجريمة.. وقلت توجد جريمة إلحقونا، وقتها على الفور اتصل بى محامى صلاح دياب وأنكر! وقال:” لم يحدث شىء، لم نحصل على غاز الحقل”، وقد كان كلامه هذا غير حقيقى بالمرة، فالمعلومات التي وصلتني من مصادري بالهيئة، وقد كان ما يزال لي فيها أصدقاء أعزاء قد أكدوا لي أن الإتفاقية تم توقيعها بالفعل، لكن النظام السابق الذى نهب مصر لم يحرك ساكنا.
يضيف الدكتور إبراهيم زهران: ” عندما خلصنا الله من نظام مبارك، تقدمت ببلاغ للنائب العام الذى قرر إحالة صلاح دياب للكسب غير المشروع.. لكنه.. وحتى الآن لم يتم فيه أى شىء !!، مات إبراهيم زهران والسرقة مستمرة.
في الحلقة القادمة.. قصة استيلاء صاحب المصري اليوم على حقل جيسوم.