فور نشر مقالي السابق عن “إبراهيم عيسي” اتصلت بي زميلة صحفية كانت تعمل في “صوت الأمة”، وكانت تقيم في “شارع فيصل” في ذات المنطقة الشعبية التي كان يقيم فيها “إبراهيم عيسي” قبل أن ينتقل للعيش في فيلته بأحد منتجعات “الشيخ زايد” بمدينة السادس من أكتوبر والتي تركها مؤخراً وانتقل للإقامة في قصره الجديد الذي اشتراه بـ “35 مليون جنيه” بعد أن أصبح واحداً من أباطرة المال في مصر.
ونظراً لقرب زميلتنا من بيت “المناضل إبراهيم عيسي” فقد كان الراحل “عصام فهمي” رئيس مجلس إدارة جريدة “صوت الأمة” يكلفها حينها بحمل مبلغ الإعانة الشهرية لتسليمه إلي”المناضل” الذي كان ينتظرها علي أحر من الجمر بمقهى”الحرافيش” الشعبي عند “كوبري فيصل”، مستعجلاً إياها ومؤنباً لها إذا ما تأخرت عليه بسبب زحمة المرور بالشارع الأكثر ازدحاما في مصر.
https://shmlol.com/albalagh2/%D8%A7%D9%86%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D8%B9%D9%8A%D8%B3%D9%89-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3/
وكان “المناضل” كما سبق وأشرتُ في مقالي السابق يعتمد علي هذا المبلغ، إضافة إلي منحة شهرية كانت تصله من “نجيب ساويرس”، وفور نشر مقالي السابق اتصلت بي الزميلة لتخبرني كيف طعنها “المناضل” في لقمة عيشها منذ سنوات، وعض اليد التي كانت تمتد إليه حاملة مبلغ الإعانة الشهري الذي خصصه الراحل “عصام فهمي” لـ”المناضل الكبير” أول كل شهر.
كانت الزميلة محل ثقة الراحل “عصام فهمي” ومحل ثقة “المناضل” أيضاً، فلم يسمع أحد بقصة “الإعانة الشهرية” هذه إلا “هي” والراحل “عصام فهمي ” و “إبراهيم عيسي”وظلت هكذا لسنوات تحمل “المظروف” له دون أن تفتحه، حتى عاد “عيسي” للعمل مجدداً رئيساً لتحرير “جريدة الدستور” في إصدارها الثاني الذي سبق وأشرتُ أن الفضل في عودتها لم يكن لأحد إلا لزميلي “شقيق الطاهر” والعبد لله كاتب هذه السطور، ومن قبل ذلك للكاتب الصحفي الكبير “عادل حمودة” الذي تدخل لدي “صفوت الشريف” لكي يفك الحظر عن جريدة “الدستور” حتى يعود “إبراهيم عيسي” للعمل من جديد.
وكما سبق وقلتُ بمقالي السابق أنه عندما عادت “جريدة الدستور” للحياه، فلم يعد من دور للزميلة في عملية توصيل مبلغ الإعانة الذي كان يصل لـ”المناضل” مطلع كل شهر، لقد منحه الراحل “عصام فهمي” 20% من أسهم الجريدة، فضلاً عن راتبه الشهري، وكان أن نجح “المناضل” في إبرام صفقة مع “مهدي عاكف” مرشد جماعة “الإخوان المسلمين”، تشتري بموجبها “الجماعة” 60 ألف نسخة يومياً من الجريدة، مقابل نشر أخبارها، وهي الصفقة التي تمت بموافقة “صفوت الشريف” رئيس المجلس الأعلى للصحافة لـ “عصام فهمي” ضمن سياسة عامة لنظام مبارك بهامش حرية لـ”الإخوان” يسمح لهم بتغطية نشاطاتهم، وفي إطار اتفاق أكبر تم في “سويسرا” بين “حسين سالم” و “حسن مالك” يقضي بموافقة “الإخوان” علي ترشيح “جمال مبارك” مقابل السماح بتواجد أكبر لهم علي الساحة، وهي التفاصيل التي تحدث عنها “حسين سالم” لزميلنا الكاتب الصحفي”السيد الدمرداش” ولم تأخذ طريقها للنشر بعد، وهي قصة مثيرة للغاية ليس مجالها هذه الزاوية من النشر.
بعد عام من الإتفاق بين “إبراهيم عيسي” و “الإخوان” علي شرائهم هذه الكمية من الجريدة، قبض “إبراهيم عيسي” أول مليون جنيه في حياته، وكانت الزميلة قد تركت العمل في “جريدة صوت الأمة” واتجهت للعمل الحر في مجال المنتجات السياحية، في خطوة تمرد علي العمل الصحفي الذي لم يكن يضمن لها تغطية حاجاتها الأساسية، ولأنها كانت خطوة غير محسوبة، قررت أن تلملم تجارتها، وتعود من جديد للعمل في الصحافة، خاصة وأن من كانت تربطها به علاقة إنسانية، قد أصبح الآن رئيساً لتحرير مطبوعتين في آنٍ واحد، الأولي “جريدة الدستور” والثانية “صوت الأمة” بعد أن تركها “عادل حمودة” وراح يؤسس لنفسه “جريدة الفجر”، وأوكل “عصام فهمي” رئاسة التحرير في الجريدتين “صوت الأمة ” و” الدستور” إلي “المناضل”.
لقد شجع تولي “المناضل” رئاسة تحرير جريدتين في وقت واحد زميلتنا علي ترك تجارتها التي ساءت والعودة إلي بلاط صاحبة الجلالة، فقد أصبح “إبراهيم عيسي” رئيساً للتحرير في الجريدتين، لقد آن لها أن تعود للعمل صحفية مع الزميل الذي لطالما كانت له موطن السر، وحمامة الخير مطلع كل شهر، تركت مدينة “الغردقة” التي كانت تعمل بها، وعادت إلي “القاهرة” وببشاشة الصغار، ذهبت الزميلة إلي “عصام فهمي” تخبره بنيتها العودة للعمل صحفية في أي من الجريدتين”صوت الأمة” أو “الدستور” ففي الحالتين فإنها ستعمل مع “عيسى”، وكانت الفاجعة، اتصل “عصام فهمي” بـ”المناضل” يخبره بالنبأ السار، بأن الزميلة التي يعرفها، قررت أن تعود للعمل من جديد للصحافة، و :”إيدك بقي يا بطل معاها” و أردف : ” جه بقي دورك ترد لها الجميل، دي طلع عينها معاك”، لم تسمع الزميلة صوت “المناضل” علي الناحية الأخري من المكالمة، لكنها لمحت تغيراً في ملامح الراحل “عصام فهمي” وهو يقول : “خلاص خليها في “الدستور” يصمت الراحل برهةً من الوقت ثم يردف ” خلاص ..اللي تشوفه” ويلتفت إلي الزميلة :” إبراهيم رافض إنك تشتغلي معاه”، وقعت الجملة كوقع الصخرة من فوق الجبل علي متعبة تجلس تحت ظل شجرة تستريح من عناء السفر، لقد تركت تجارتها، وحالها، وهربت من أزمتها التي ضاقت عليها في “الغردقة” إلي براح “المُخلص” و “المُخلّص” الذي هرولت ترتمي في ظله وتحت لوائه في “القاهرة”، فطعنها بسهمٍ غادرٍ أتي علي كامل جنبها من شدة إقبالها عليه، لم تصدق ما سمعته، تقاطرت الدموع من عينيها في حالة من الوعي المشوّش، مذهولة مما تسمع، غير مصدقة لما يقوله الراحل”عصام فهمي” عن رفض “إبراهيم عيسي” أن تعمل معه، تساءلت بينها وبين نفسها : “لماذا؟ ” وراحت بجرأة الفضول تتصل عليه، رن جرس التليفون مرة، فلم يرد، عاودت الاتصال فلم يرد، وفي الثالثة فوجئت بـ”البلوك”.
مرت15 عامًا أو يزيد علي هذه الواقعة، وبالأمس وهي تحكي لي تفاصيل الواقعة قالت :” كأنها حدثت بالأمس” وأضافت : “قرأت مقالك (التاريخ الأسود لإبراهيم عيسي الذي لم يقله مكرم) وأيقظت بداخلي جرح قديم من الـ… اللي غدر بيا” وأردفت بعاميتها البريئة : ” الغريبة كنت قايلاله إني جاية أشتغل معاه وكان موافق، أتاريه مكنش مصدق إني راجعة فعلا، كان فاكرني بتكلم وخلاص، كان بيقولي : تنوري الدنيا، اتاريه كان كلام وخلاص، كإنه كان فاكر إني مش بتكلم بجد …….” .
عن نفسي فلم اكن أنتوي الكتابة مجدداً عن “المناضل” خاصة بعدما فسر بعضهم مقالي السابق بأنه “غيرة مهنية” أو تلبيةً لتعليماتٍ أمنية بالهجوم علي “الزعيم” بعدما صدح بـ”كلمة حق” في “وجه “السلطان”، هكذا يراه المعجبون، وهكذا نجح “إبراهيم” وينجح دائماً في خداع الطيبين، لقد قيل لي من بين ما قيل بعد مقالي السابق الكثير عن “شجاعة إبراهيم عيسي”، فقلت : “وكيف لا يكون شجاعاً وقد تبدل بالشجاعةِ بين موقفٍ وضده، وفي كل موقفٍ يحصد المليون تلو الآخر،غير عابئٍ بما كان عليه بالأمسِ وما أصبح اليوم عليه بضده، أو كما قال قائل في توصيفه علي مقطع بالـ “يوتيوب” : ” إبراهيم عيسي ميكس كل حاجة والعكس” وهو المقطع الذي يمتدح فيه “قناة الجزيرة” ثم يعود فيتهمها بـ”القناة الصهيونية” وفي الحالتين كان ولا أبرع في التدليل .
هو نفسه “إبراهيم عيسي” الذي ما إن قامت “ثورة 25 يناير” وفي الوقت الذي انشغل فيه الشارع المصري كله بحركة الجماهير حتى انشغل هو بحجز فضائية وجريدة باسم “التحرير”، نعم ..هو نفسه “إبراهيم عيسي” الذي يعرف كيف يحوّل “النضال” إلي “بنكنوت” و “الصوت العالي” إلي “صفقة” و “الدفاع عن المساكين” إلي ملايين.
في قناة “التحرير” الفضائية اتفق علي تأسيسها مع “محمد مراد غالب” و “محمد أبو هميلة” وطلب لنفسه 20% من أسهمها دون أن يدفع مليماً واحداً، ” ليه يا إبراهيم؟ انت مدفعتش حاجة .” قالها “محمد مراد” فأجاب :” أنا إبراهيم عيسي اللي كل مصر بتتكلم عليه” وكان صادقاً ..فوافق “محمد مراد ” وأيده “أبو هميلة” وبسرعة نجح “المناضل” في إقناع الإعلامي “محمود سعد” بأن ينضم للعمل بأجر كبير، فوافق، وكذلك “بلال فضل” ثم أتي بـ” نوارة نجم” مع مجموعة من شباب”6 ابريل” وكانوا في قمة لمعانهم، فضمهم للقناة.
ولأن “القناة” لم تتأسس علي حسابات مهنية، أو اقتصادية، بل قامت في الأساس علي حسابات سياسية بحتة فقد خسرت القناة، فطلب مجلس الإدارة من”محمود سعد” تخفيض أجره فرفض، لأن “إبراهيم” يملك بالإضافة إلي أجره 20% من أسهم القناة فكيف هو يقبل بتخفيض أجره مع أنه لا يملك حصة فيها مثل “إبراهيم”، فقرر “سعد” أن يترك القناة، ولحقه “بلال فضل” الذي فوجئ هو الآخر بحصة الـ “20%” التي يملكها إبراهيم وكان لم يخبرهم بها، فتوالت الاستقالات حتى وصلت إلي “حمدي قنديل”، لكن “عيسي” الذي يعرف من أين تؤكل الكتف لم يعباً برحيلهم، بل علي العكس استمر وارتفع بلغة “الصراخ” في القناة مهاجماً “المجلس العسكري” فهو يؤمن بنظرية أنه كلما ارتفع بسقف الهجوم علي السلطة، كلما زادت نسبة المشاهدة، فإما أن يأتي له من يدفع ليزيد الهجوم، وإما سيأتي له من يريه أن يتوقف، ويدخل عليه بالعرض.
وبالفعل، دخل علي الخط سريعاً، رجل الأعمال “سليمان عامر” المتهم بالفساد والاستيلاء علي أراضي الدولة في الطريق الصحراوي، الرجل فتح قناة إتصال سريعة مع الإخوان، والتي كانت علاقتها بالمجلس العسكري “سمن علي عسل”، طلب من “الجماعة” وقف الملاحقات القانونية ضده، فطلبت منه “الجماعة” أن يشتري قناة “التحرير”، وصل لإبراهيم رغبة “عامر” بالشراء فزاد “عيسي” من الهجوم علي “المجلس العسكري” و “الإخوان” لكي يزيد من السعر، ورغم زيادة السعر أصرّ “عامر” علي إتمام الصفقة.
أصر عيسي علي خمسة ملايين جنيه مقابل الـ “20%” حصته في “القناة”، حصل عليها بالفعل بينما حصل أصحاب الـ”80%” جميعهم علي 10 ملايين، إنها انتهازية يتقنها “إبراهيم عيسي” جيداً.
باع “التحرير” الفضائية، وتفرغ لـ”التحرير” الجريدة، التي كان قد أسسها مع “إبراهيم المعلم” صاحب “دار الشروق للنشر”، ولأنه تعود تحويل المعارضة إلي بنكنوت، سعي لتكرار تجربة “التحرير القناة” مع “التحرير الجريدة”، لكنها فشلت هذه المرة، كانت علاقة “الإخوان” بالمجلس العسكري في أرقي وأرق حالاتها، وقت أن خرجوا في مظاهرات يهتفون :”يا مشير يا مشير ..يا مشير أنت الأمير” خرج “إبراهيم عيسي” بـ”مانشيت” (عسكر كاذبون) طعن فيه “المجلس العسكري” وقت تحالفه مع “الإخوان”، وبعد وصول “الجماعة” للحكم، تحول للهجوم عليها، فاعترض “إبراهيم المعلم” علي هجوم “عيسي” الدائم علي “الإخوان” فقرر وقف التمويل حفاظاً علي علاقته بـ”الجماعة”.
يؤمن”عيسي” بأن بضاعته تروج أكثر كلما هاجم “السلطة”، فحينما كانت بيد “الإخوان” هاجمهم وأيّد “الجيش” ومع أول عرض من رجل الأعمال “أكمل قرطام” بعد “30 يونيو” باع الجريدة، وقبض بضعة ملاييين، أسس بها جريدة “المقال” التي ارتفع بوتيرة صراخها ضد السلطة آنذاك أملاً في أن يذهب له رجل الأعمال “أبوهشيمة” المتخصص في شراء صحف المعارضة وقتها فيشتريها، ويقبض “عيسي” من جديد، لكنه لم يهتم، فماتت “المقال” بالسكتة القلبية.
عبده مغربي ..