كُنتُ بالأمس في جلسة مع ثلاثة من خبراء الفوسفات بمصر، أحدهم يُشار له بالبنان، ثلاثتهم شغلوا مواقع مهمة للغاية في هذ المجال بالدولة، قبل أن يخرجوا للمعاش، دار في الجلسة أن ” حملة صحفية ممنهجة تتم الآن ضد محمد عبد العظيم رئيس مجلس إدارة شركة فوسفات مصر، وأن الرجل كان الله في عونه، فقد ورث تركة ثقيلة مليئة بالعقارب والثعابين” وأن الواقف في موقعه، مثل السابح في بركة تملؤها التماسيح، بصفتي الصحفي الوحيد في الجلسة، تحملتُ الدفاع عن موقف الصحافة حينما تكشفُ فسادًا في مكان ما، فإن رد أي مسئول عنها ليس بالرد على ما تكتبه الصحافة، بل بالطعن في ذمة الكاتب، أو نعته بأنه مبتز، أو يحاول إجبار المسئول على دفع “الإتاوة” -غير المشروعة بالطبع- للصحيفة أو للموقع أو للصحفي الذي فتح ملف “الفساد”.
انبرى أحد الثلاثة وتربطني به صلة قرابة قائلًا: ” وهل تعتقد أنني ممن يدافعون عن أحد بالباطل وأنت تعرفني جيدًا؟ّ..”، و”انبرى” في اللغة، لمن لا يقف على معناها، فهي مفردة تستخدم في وصف حدة الموقف في الرد أو الدفاع عن وجهة نظر معينة، يٌقال: انبرى القلمُ أي سُوِّي طَرَفُه للكتابة و جُعِلَ طَرفُه حادًّا ليكون دقيقًا في رسم الحرف، وانبرى لمُنافِسٍ: تعرّض له يناقشه ووقف في وَجْهه، وانبرى عدد من قادة الوطن للرّد على أعدائه.. أي للدِّفاع عنه والزود ضد المعتدين.
أردت استخدام تلك المفردة، لشدة ما شاهدته من حدة منهم في مقابلة ردي عليهم، تعقيبًا على وصفهم فتح ملف أي مسئول أو انتقاده، من قبل الصحافة بأنه حملة ممنهجة، أو ابتزاز، أو حملة مدفوعة.
قال كبيرهم- كبير خبراء الفوسفات في الجلسة، وهو محل تقدير العديد من مؤسسات الدولة، قال بهدوء: “عبده بيه، أنا اثق في صدق توجهك، وقدرتك على التمييز بين الغث والسمين في تقديرك للموقف، إن قرأتَ ما كُتِبْ”، لن تقول ما تقول، ثم قام قريبي بتحويل ثلاثة روابط لموضوعات مختلفة تهاجم محمد عبد العظيم رئيس مجلس إدارة شركة فوسفات مصر”.

دخلتُ إلى مكتبي هذا الصباح، وأنا أقوم الآن بفتح تلك الروابط، الأول مقال على موقع المستقبل البترولي يملكه الزميل عثمان علام، بدون توقيع من كاتبه، وهو في هذا الحالة- طبقًا للعُرف الصحفي- يعتبر رأي رئيس تحرير الموقع نفسه الزميل”علام”، وقد جاء فيه: ” إن أربعة عشر شهرَا من مملكة فوسفات أبو طرطور بدون الملك خالد الغزالي- رئيس شركة فوسفات مصر السابق- كانت فارقة جدًا، هذا الفارق جعل الشركة المتخصصة في االتعدين والتي تعمل تحت مظلة هيئة الثروة المعدنية تخسر مناقصة ما كان لها ان تخسرها لو أن هناك سياسة رشيدة في هذا الملف” ثم تساءل: ” لماذا الإبقاء على محمد عبد العظيم في فوسفات مصر؟ “
الرابط الثاني من موقع “باور نيوز” وهو عبارة عن مكتوب قصير جدًا لرئيس مجلس إدارة الموقع ورئيس تحريره الزميل عادل البهنساوي بعنوان : “مصدر : خسارة فوسفات مصر لمزايدة الخامات سيترك أثرا سلبيا على الشركة” وهذا نصّ المكتوب : ” أفاد مصدر لموقع باور نيوز إن خسارة شركة فوسفات مصر لمزايدة الخامات والمعادن المصاحبة سيترك أثرا سلبيا على الشركة مستقبلا”.
وجاء في المتن:” وقال المصدر إن الخسارة أغلقت فى وجه الشركة حصولها على منطقة مميزة من مناطق الفوسفات فى مصر مما قد ينتج عنه عدم قدرتها على الوفاء بتوريد الخام لمشروع حامض الفوسفوريك مستقبلا، وعن خسارة الشركة قال إنها لم تقدم العرض اللائق سواء فى الاستثمارات أو استغلال الخام أو نسب مشاركة الهيئة وكان من اللائق بمكانة الشركة أن يخضع العرض لصياغة محترفة خاصة أن العملية تم طرحها بنظام الاظرف المغلقة وليست الممارسة”.
ثم اختتم بالمكتوب بكلمة : “تابعونا”.. في إشارة إلى ان الموقع سيواصل الكتابة، وهي مفردة غير محمودة، في الكتابة الصحفية، لأنها تشير في الغالب إلى أن الكاتب يُشير إلى نفسه لمن يكتب ضده بأنه سيواصل الكتابة عنه في نفس الإتجاه من الرأي، أن لم يلحق نفسه، وما أظن أن الزميل يقصد ذلك.
هل مجرد خسارة الشركة لمناقصة سيترك أثرًا سلبيًا على الشركة..؟!
الرابط الثالث، لمقال صحفي على موقع “المستقبل البترولي” أيَضا.. وقد جاء تاريخ نشره بعد ساعات قليلة من نشر المقال الأول، وكان الـ” Master Seen ” فيه، والـ “ماستر سين” في لغة السينما معناه المشهد الأهم في الفيلم، كان الـ”Master Seen” في مقال الزميل “علام” في هذه الجملة :” لب القضية هي كيفية اختيار القيادات” وذهب يشرح معالم فشل رئيس مجلس إدارة شركة فوسفات مصر محمد عبد العظيم، وحصرها وقصرها فقط في مجرد أن الشركة خسرت مناقصة، وهو ذات التوجه الذي ذهب اليه الزميل عادل البهنساوي، أن مجرد خسارة الشركة لمناقصة سيترك أثرًا سلبيًا على الشركة..!

إنني وطوال ربع قرن قضيتها في بلاط صاحبة الجلالة متخصصًا في صحافة التحقيقات، والصحافة الإستقصائية، الصحافة التي خبرت فيها التنقيب في الوثائق والمستندات، واستخراج مواضع السقوط او الإنحراف لمسئول ما في ملف ما، توقعتُ حينما سمعت من خبراء الفوسفات الثلاثة الذين جلستُ االيهم بالأمس بأن حملة ممنهجة تتم بحق محمد عبد العظيم رئيس مجلس إدارة فوسفات مصر، أن أجد عند مطالعتي للروابط الإليكترونية التي وصفوها بالحملة الممنهجة ضد “عبدالعظيم”، أن أجد وثائق ومستندات تدين الرجل وتشرح انحرافه المالي أو الإداري، وأن الرجل يستخدم المحسوبية والشللية في إدارته موقعه بالشركة المملوكة للدولة، وأنه يعتدي على المال العام، وأن سرقات في محفظة الدولة المالية بالشركة تتم باسلوب منظم، وأن الرجل “ريحته فاحت قوي” مثلما نقول في وصفنا مسئولًا ما بالفساد، لكن شيئًا من ذلك لم أجد، فقط وجدتُ أن الرجل يجب إقالته وفورًا، لماذا؟ لأن شركته خسرت مجرد مناقصة..!
حجم مبيعات “فوسفات مصر” من الفوسفات شهد نمواً مقارنة بالعام السابق بالرغم من تأثيرات جائحة كورونا على كافة المستويات، حيث وصل إلى نحو 2.4 مليون طن بزيادة 9.2% عن العام الماضي
ذهبت إلى محرك البحث “جوجل” انقّب في ذمة الرجل المالية، أو ظواهر إنحراف إداري، أو محسوبية، أوشللية، فلم أجد، لا في “جوجل” ولا في الروابط الثلاثة، لم أجد من ذلك شيئًا.. غير نشاطات وفعاليات، وصفقات انجزتها الشركة، التي اكتشفتُ أنها (الأكبر في هذا القطاع، وأنها تعد أكبر منتج ومُصدر للفوسفات على مستوى مصر خلال عام 2020، فترة قيادة “عبدالعظيم” للشركة، وأن حجم مبيعاتها من الفوسفات شهد نمواً مقارنة بالعام السابق بالرغم من تأثيرات جائحة كورونا على كافة المستويات، حيث وصل إلى نحو 2.4 مليون طن بزيادة 9.2% عن العام الماضي، ويعكس ذلك أهميتها كأكبر مورد رئيسي لمصانع الأسمدة في مصر بطاقة توريد تصل إلى مليون طن سنوياً من الخام لصناعة الأسمدة الفوسفاتية ) موقع جريدة الوطن.
محرك البحث جوجل، وهو الأقوى إليكترونيًا في كشف حقيقة أي شخص أو موقف، وجدته يعج بالعديد من الروابط التي تتحدث عن نجاحات الشركة تحت قيادة “عبدالعظيم” وأنا هنا لستُ في موضع سردها أو تكرارها، أو الإشادة بالرجل، أو ذكر مناقبه، أنا لا أعرف الرجل، ولم يسبق لي أن التقيته، انا هنا فقط أتناول القضية من منظور مهني بحت، في وقت تواجه فيه مهنتنا الكثير من الإتهامات.
رجعت بالذاكرة إلى ما كان من موقفي بالأمس مع خبراء الفوسفات في مصر فوجدتني ادافع عن زملائي في مواقع الطاقة والبترول المختلفة من دون الغوص في جوهر القضية وجوهر ما كتبوه، لكنني عندما تصفحت الموقف موضوع دفاعي عنهم في جلسة الأمس من خلال روابط مواقع الزملاء.. رأيتني قد سقطت في برائن العصبية المهنية لزملاء في المهنة من دون بحث مني أو تدقيق، لذلك أكتب هذه السطور، مستغفرًا مما حدث مني بالأمس، وجدتني أترحم على صحافة التحقيقات، والصحافة الاستقصائية، وصحافة التقارير، التي ينتهي فيها الرأي عن فشل شخص ما أو نجاحه في أمرٍ ما، أو سلطةٍ ما، أو ملفٍ ما، إلى مجموعة من المواقف والأسانيد والحجج، وليس إلى مجرد أن شكل هذا الشخص لا يعجبني، أو انه قد سقطت حبة أرز من يده، مثل ما سقطت مجرد مناقصة في أن تفوز بها شركة فوسفات مصر، الشركة الأضخم في هذا المجال بحسب عشرات المواقع الإخبارية المعتبرة، الشركة التي حققت زيادة في مبيعاتها 9.2% عن العام الماضي، رغم جائحة كورونا، وهي ما تزال تتربع بأريحية على عرش انتاج وتوريد خام الفوسفات..!
على مهنتنا السلام.
عبده مغربي