الخال، لقبه الأثير، فالخال والد كما نقول، شاعر البسطاء الذي اقتحم القلوب ببساطة كلماته وقوتها ومعانيها باذخة الثراء، عبد الرحمن الأبنودي أيقونة مصرية خالصة، معجون من طين الأرض السمراء العفية، مس شغاف القلوب بشعره العامي البسيط ولهجته الصعيدية الأصيلة، ولد في مثل هذا اليوم 11 أبريل عام 1938 وعاش 77 عاما، ملأ خلالها السمع والبصر بروحه الطيبة التي نبتت في الحقول والغيطان.
ولد الخال في قرية أبنود بمحافظة قنا بصعيد مصر، لأب كان يعمل مأذوناً شرعياً وهو الشيخ محمود الأبنودي، وانتقل إلى مدينة قنا وتحديداً في شارع بني علي، واستمع إلى أغاني السيرة الهلالية التي تأثر بها، ومن أشهر أعماله السيرة الهلالية التي جمعها من شعراء الصعيد.
ومن أشهر كتبه كتاب (أيامي الحلوة) والذي نشره في حلقات منفصلة في ملحق أيامنا الحلوة بجريدة الأهرام، وتم جمعها في كتاب بأجزائه الثلاثة، وفيه يحكي الأبنودي قصصاً وأحداثاً مختلفة من حياته في صعيد مصر.
وصدر عن دار “المصري” للنشر والتوزيع، كتاب “الخال” للكاتب الصحفي محمد توفيق، يتناول فيه سيرة الشاعر عبد الرحمن الأبنودي الذاتية، ويرصد الكتاب قصص الأبنودي الآسرة، وتجاربه المليئة بالمفارقات والعداءات والنجاحات والمواقف.
في مقدمة كتابه، يقول توفيق: “هذا هو الخال كما عرفته.. مزيج بين الصراحة الشديدة والغموض الجميل، بين الفن والفلسفة، بين غاية التعقيد وقمة البساطة، بين مكر الفلاح وشهامة الصعيدي، بين ثقافة المفكرين وطيبة البسطاء.. هو السهل الممتنع، الذي ظن البعض – وبعض الظن إثم – أن تقليده سهل وتكراره ممكن”.
عاش عبد الرحمن الأبنودي مغرما بمصر، وناله ما ناله من انكسارها عام 1967 وكتب:
عدى النهار والمغربية جاية
تتخفى ورا ضهر الشجر
وعشان نتوه في السكة
شالت من ليالينا القمر
صورة حزينة وموجعة، تدمي القلوب قبل العيون لحال مصر آنذاك، لكنه يسترسل في بكائيته:
وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها
جانا نهار مقدرش يدفع مهرها
يا هل ترى الليل الحزين
أبو النجوم الدبلانين
أبو الغناوي المجروحين
يقدر ينسّيها
الصباح
أبو شمس بترش الحنين؟
ثم يستنهض الهمم ويحلم بيوم جديد لمصر تقهر فيه الشدائد والمحن:
أبداً ..
بلدنا ليل نهار
بتحب موّال النهار
لما يعدّي في الدروب
ويغنّي قدّام كل دار
والليل يلف ورا السواقي
زي ما يلف الزمان
وعلى النغم
تحلم بلدنا
بالسنابل والكيزان
تحلم ببكره
واللي حيجيبه معاه
تنده عليه في الضلمة
وبتسمع نداه
تصحى له من قبل الأدان
تروح تقابله في الغيطان
في المصانع .. والمعامل
والمدارس .. والساحات
طالعة له صحبة
ثم يؤكد الأبنودي على قدرة جنود مصر، خير الأجناد، على تجاوز المحنة، بنصر قادم:
جنود
طالعة له رجال ..
أطفال .. بنات
كل الدروب واخدة بلدنا للنهار
واحنا بلدنا ليل نهار
بتحب موال النهار
لما يعدي في الدروب
ويغني قدّام كل دار
ثم تبدأ حرب الاستنزاف، وتكبد قواتنا المسلحة بصمودها الصهاينة أفدح الخسائر، ليكتب الأبنودي (جوابات حراجي القط)، وهي رسائل من جندي مصري مقاتل لذويه، يكتبها الأبنودي بروح شاعرية واقعية تنبض بالحيوية وتفيض بالصدق.ثم يكتب الأبنودي أشعاره الوطنية لاستنهاض الهمم:عدى النهار، المسيح، أحلف بسماها وبترابها، إبنك يقول لك يا بطل، اضرب اضرب، إنذار، بالدم، بركان الغضب، راية العرب، الفنارة، يا بلدنا لا تنامي، صباح الخير يا سينا.
ومن أشهر دواوينه الشعرية: الأرض والعيال، الزحمة، عماليات، جوابات حراجى القط، الفصول، أحمد سماعين، أنا والناس، بعد التحية والسلام، وجوه على الشط، صمت الجرس، المشروع والممنوع، المد والجزر، الأحزان العادية، السيرة الهلالية، الموت على الأسفلت، الاستعمار العربي.
ومن كلماته غنى عبد الحليم حافظ ومحمد رشدي، فايزة أحمد، نجاة الصغيرة، شادية، صباح، وردة الجزائرية، محمد قنديل، ماجدة الرومي، محمد منير، نجاح سلام.
كما كتب أغاني العديد من المسلسلات مثل “النديم”، و(ذئاب الجبل)، وكتب حوار وأغاني فيلم شيء من الخوف، وحوار فيلم الطوق والإسورة وكتب أغاني فيلم البريء.
وكان الأبنودي عاشقا لولدته، وأفرد لها كتابات مطولة، تفيض حبا وبؤسا في ذات الوقت، إنها (فاطنة)، كما كان يناديها.
وحصل الأبنودي على جائزة الدولة التقديرية عام 2001، ليكون بذلك أول شاعر عامية مصري يفوز بجائزة الدولة التقديرية.
كما فاز بجائزة محمود درويش للإبداع العربي للعام 2014.
وبعد رحلة حافلة بالعطاء، توفى الأبنودي عصر يوم الثلاثاء 21 أبريل 2015.
رحم الله الخال، فقد كان شاعرا بحجم الوطن.