سلطنة عمان.. دولة لها منظوراتها الخاصة وثقافتها الفريدة فهي جزء من العالم العربي لكن المجتمع فيها ليس نسخة تقليدية من بقية المجتمعات العربية، هو مجتمع لديه تاريخ عريق ساعده في النمو بمفردات اقتصادية تخصّه، ساهمت في تفرده على مدار التاريخ، لهذا أصبحوا أمة قوية.
وإن كان هذا الجزء من الكتاب يتعرّض إلى النقلات الإقتصادية في العامين الأخيرين منذ تولي السلطان هيثم مقاليد الحكم في البلاد، إلا أنه لا يمكن للقارئ أن يدلف إلى الإقتصاد من دون الولوج إلى السياسات الإقتصادية الجديدة التي رسم معالمها بجرأة واقتدار حاكم البلاد الجديد.
منذ أن أصبح السلطان هيثم بن طارق آل سعيد الحاكم الجديد للسلطنة، شرعت الدولة ببرنامج لتحقيق التوازن المالي من خلال الإصلاحات الهيكلية في اقتصاد البلاد
فبدأت الحكومة العمانية في عهد السلطان الجديد تطبيق مجموعة من الإجراءات، لإصلاح أوضاعها المالية، ومن ضمن ذلك إدخال ضريبة القيمة المضافة، وقرار العمل مع صندوق النقد لتطوير استراتيجية للديون.
كما عملت مسقط على معالجة الاختلال المالي (زيادة النفقات بالنسبة للإيرادات)، شملت تطبيق ضريبة القيمة المضافة بواقع 5%، التي يتوقع أن تحقق عائدات بواقع 1% إلى الناتج المحلي الإجمالي.
وفي هذا الإطار فقد نجحت السياسات الجديدة في السّلطنة التي اعتمدها سلطان البلاد مجموعة من النّتائج في العام الأول لتولي السلطان هيثم مقاليد الحكم في البلاد، منها زيادة مصادر الإيرادات غير النّفطية بنسبة 17%، وتخفيض مصروفات الوحدات الحكوميّة بنسبة 13%، وقد برهنت موازنة 2022 على النتائج الإيجابية للسياسات الاقتصادية الجديدة ففي أحدث المؤشرات على نجاح الإجراءات العمانية الاقتصادية التي شهدت أقل عجز منذ العام 2014.
أعلنت سلطنة عمان، في 12 ديسمبر 2021، مشروع موازنتها للعام 2022، بإجمالي عجز مقدر 1.5 مليار ريال (3.9 مليارات دولار).
وذكر وزير المالية العماني سلطان بن سالم الحبسي، في مؤتمر للإعلان عن الخطوط العريضة لموازنة السلطنة خلال 2022، أن قانون الموازنة العامة، قدّر سعر برميل النفط عند 50 دولاراً للبرميل.
وارتفع إنتاج السلطنة من النفط إلى 960 ألف برميل يومياً خلال الأشهر العشرة الأولى من العام، مقابل 955 مليون برميل يومياً بالفترة المقارنة في 2020.
وقال الحبسي في المؤتمر إن حجم الإنفاق العام المقدر يبلغ 12.1 مليار ريال (31.46 مليار دولار)، بزيادة 2% عما هو متوقع إنفاقه بنهاية العام الجاري.
في حين يقدر إجمالي الإيرادات العامة للدولة بـ 10.58 مليارات ريال (27.5 مليار دولار)، بنسبة زيادة قدرها 6% بنهاية 2021.
وتمثل إيرادات النفط والغاز 68% من جملة الإيرادات، في حين تمثل الإيرادات غير النفطية ما نسبته 32%، بحسب وزير المالية.
وخلال الأيام الأخيرة من عام 2021 أظهرت بيانات حكومية انخفاض عجز ميزانية سلطنة عُمان بنسبة 62.9% خلال الأشهر العشرة الأولى من 2021 إلى 1.006 مليار ريال (2.62 مليار دولار).
ما يُبشر بنقلات اقتصادية جبارة على المؤشر الإيجابي لإقتصاد البلاد، وهو ما يشير إلى أن سلطنة عمان على مشارف عصر إقتصادي جديد مع سنوات الحكم الأولى لسلطان البلاد هيثم بن طارق، ربما كان السر في ذلك الخلفية العلمية والثقافية لحاكم هو الأكثر تميزًا من بين الحكام العرب في المخزون الفكري والثفافي الذي تحصل له من دراساته في أرقى جامعات العالم الأول، ومطالعاته الحاضرة للنظم الإقتصادية في العالم الأول من خلال قراءاته التي يقوم بها بنفسه للسياسات الإقتصادية الدولية بحكم اتقانه عدة لغات على رأسها الفرنسية والإنجيليزية اللتين يتحدثهما بطلاقة السلطان هيثم بن طارق، وبحكم دراساته واحتكاكه المباشر أثناء دراساته في اكسفورد
فالتوقعات تشير إلى أن السلطنة ستنجح في تحقيق سياستها الاقتصادية التي حددتها وفق “الرؤية المستقبلية عُمان 2040” والتي تعد إستراتيجية للتنمية طويلة الأمد، خصوصاً مع تولي رئيسها قيادة البلاد.
وتحمل الرؤية الكثير من الآمال والطموحات التي بتحققها سوف تنتقل عُمان إلى مصاف الدول المتقدمة في العديد من المجالات، وتجعل للاقتصاد العُماني دوراً مأمولاً على خارطة الاقتصاد العالمي خلال العقدين المقبلين وما بعدهما ويتم كل ذلك بالاستفادة القصوى من الموقع الجغرافي الفريد الذي تتميز به السلطنة لكونه في قلب طريق التجارة العالمي.
وتنظر السلطنة إلى عام 2022 على أنه عام حاسم في طريق تقليص العجز المالي والضغط على الديون بشكل أكبر بالتزامن مع تنفيذ برامج التنمية للابتعاد تدريجياً عن المخاطر التي تسببت فيها جائحة كورونا، حسب تصريحات سابقة لمسؤوليها.
وبرغم ما فرضته جائحة كورونا على اقتصاديات العديد من دول العالم إلا أن عُمان كان لها وضع مختلف مع هذه التحديات، إذ أن الأرقام الحاضرة في كثير من مراكز الدراسات الإقتصادية في العالم تشير إلى أن العجز المتوقع في موازنة سلطنة عمان للعام 2022، سيكون أقل بنسبة 30%، والتي كانت تستهدف عجزاً بواقع 2.24 مليار ريال (نحو 5.8 مليارات دولار).
وتوقع خبراء وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني، في تقرير حديث للوكالة، تقلص العجز المالي لمسقط إلى 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام 2021 بعدما كان 15.3% في العام 2020، الأرقام تُبشر بعمان جديدة مع سياسات السلطان الجديد للبلاد.
وكانت الوكالة قد عدلت مؤخراً نظرتها المستقبلية لعُمان إلى إيجابية من مستقرة بسبب ارتفاع أسعار النفط ومواصلتها تنفيذ خطط الإصلاح المالي التي من المتوقع أن تقلص العجز الحكومي وتبطئ ارتفاع مستويات الدين على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
في نوفمبر 2021 أعلن وزير الاقتصاد العُماني سعيد الصقري، أن أداء اقتصاد بلاده ارتفع خلال النصف الأول من ذلك العام بنسبة 10%.
وقال الصقري، في تصريحات صحفية: إن “الاقتصاد متعافٍ، والمؤشرات الأولية للأداء الاقتصادي مطمئنة جداً”، مشيراً إلى أن “الخطة الخمسية العاشرة (2021-2025) ستعمل على إعادة زخم النمو الاقتصادي وتسريع وتيرة الأنشطة الاقتصادية في سلطنة عُمان”.
وبيّن أن الخطة تسعى لتحقيق معدل نمو حقيقي متوسط في الناتج المحلي الإجمالي في حدود 5.3%، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاستثمار لتصل إلى نحو 60%، وزيادة معدل الاستثمار ليصل إلى نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي.
يذكر أن إيرادات موازنة سلطنة عُمان للعام 2021 سجلت زيادة بنسبة 22.6% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي برغم تحديات جائحة كورونا التي ضربت اقتصاديات العالم في القلب، لكن قلب الاقتصاد العماني بفعل السياسات الجديدة، كان جبارًا في التعاطي مع مساوئ الجائحة، وتجاوزها بشكل أثار انتباه خبراء الإقتصاد وراحوا يفتشون في الأسباب.
جميع هذه المؤشرات مع قرار موازنة 2022 تؤكد بما لا يدع للشك أن الاقتصاد في سلطنة عمان يسير حسب ما هو مخطط له، نحو تحقيق نمو متسارع خلال السنوات القليلة المقبلة وصولاً لإنهاء عجز الموازنات.
لقد شهد عجز الموازنة العمانية انخفاضاً بلغ 1.5 مليار ريال عماني (نحو 4 مليارات دولار)، وهذا يؤكد أن خطة السلطنة لخفض عجز الموازنة والوصول إلى حالة توازن بعام 2025 تسير في الاتجاه الصحيح”.
في الإطار أعلاه سيساهم استقرار أسعار النفط وارتفاعها إلى مستويات أكبر خلال العام 2022 مع التعافي من جائحة كورونا، وسيزيد من إيرادات سلطنة عُمان وكافة الدول الخليجية، ما سيؤدي إلى تراجع العجز المالي بشكل كبير، وربما يصل إلى مليار ريال فقط (2.6 مليار دولار) أو أقل من ذلك.
إن من أهم ما كشفت عنه موازنة 2022 أن عائدات النفط والغاز ستشكل 68% من إيرادات الدولة، فيما ستمثل الإيرادات غير النفطية نسبة 32% من الإجمالي، ومن ثم فإن ذلك يشير لعدم تحقيق الإيرادات غير النفطية أي زيادة مقارنة بالعام الجاري، حيث شكلت 37% من موارد الدولة.
قراءة بسيطة لبنود الاستثمار في بيان الموازنة العام 2022 يظهر اعتزام السلطنة زيادة مواردها غير النفطية.
وكان عبد السلام محمد المرشدي، رئيس جهاز الاستثمار العماني، قد قال في تصريحات صحفية سابقة، إنه سيتم تنفيذ وتطوير أكثر من 110 مشاريع استثمارية خلال العامين( 02021-2022) وسيمتد تنفيذها خلال الخطة الخمسية العاشرة.
وأوضح أن حجم الإنفاق الاستثماري الفعلي لعام 2021 بلغ 2.6 مليار ريال (6.7 مليارات دولار) وبموازنة 2022 سيقدر الإنفاق الاستثماري بنحو 2.9 مليار ريال (7.5 مليار دولار) وذلك من خلال توسعة وتعزيز المشاريع الحالية واستكمال تشييد مشاريع قيد التنفيذ واعتماد وبدء تطوير مشاريع جديدة.
وتسعى سلطنة عُمان إلى تأسيس شركات مساهمة مقفلة، بهدف تنمية وتطوير القطاعات الاقتصادية الواعدة في المحافظات.
وفي هذا الإطار نقلت وكالة الأنباء العُمانية، في تصريح سابق عن رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان، رضا بن جمعة آل صالح، قوله إن الغرفة التجارية تسعى إلى تأسيس شركات مساهمة مقفلة في مختلف محافظات السلطنة.
وضح أن الغرفة تعمل حالياً على الدراسات اللازمة لتأسيس مثل هذه الشركات، موضحاً أن بعض المحافظات كـ”البريمي والظاهرة ومسندم” بدأت تأسيس شركات مساهمة، وهي حالياً في مراحل متقدمة.
إلى ذلك يبدو أن عمان تعي جيدًا أن الإصلاحات الإقتصادية لا يجب أبدًا أن تكون على حساب البعد الإجتماعي، الذي وضعه سلطان البلاد هيصم بن طارق على رأس أولوياته إذ أكد جلالة السلطان في أكثر من حديث أن إن الخطة الخمسية العاشرة تضمنت العديد من المشاريع التنموية ذات البعد الاجتماعي في مختلف المحافظات؛ كالمدارس والمستشفيات والطرق الداخلية والمساكن الاجتماعية.
وشدد سلطان عُمان في أكثر من موضع تحدث فيه على أهمية قيام المحافظين في تلك المناطق بالمتابعة والإشراف على تنفيذ المشاريع المخطط لها بالتنسيق مع الجهات المعنية.
وبحسب ما أوردت وكالة الأنباء العُمانية، وجه جلالة السلطان كافة الجهات المعنية ببذل جهود مضاعفة ومتناغمة لتنفيذ الخطط والبرامج حسبما هو مقرر لها في خطة التنمية الخمسية العاشرة التي تعد الخطة التنفيذية الأولى لرؤية “عُمان 2040”.
توجيهات السلطان هيثم بن طارق الإقتصادية تؤكد أنه يقف على كثير من التفاصيل الصغيرة في “رؤية عمان 2040” ومن ذلك دعوته في أحاديثه المتكررة إلى تذليل التحديات التي تواجه تحقيقها، والتركيز على نمو قطاعات التنويع الاقتصادي، والالتزام بتنفيذ ومتابعة ذلك لتحقيق مستهدفات الرؤية، بما يضع الاقتصاد الوطني في المسار الصحيح، ويساهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي، الذي أكدت مراكز الدراسات الإقتصادية المرموقة أنه يشهد نقلات تكتيكية جبارة قد تضع السلطنة في فترة وجيزة في مكان بارز من اقتصاديات دول الخليج.
إن القائد الناجح هو الذي يعرف كيف يوجه جنوده في المعركة إلى المسار الصحيح، وفي معركة الإقتصاد التي تشهدها أربعة أنحاء كوكب الأرض، فإن أكثر ما يهتم به السلطان هيثم في تلك المعركة هو التفاصيل، وعليها وبها يكون المسار الصحيح، وفي هذا الإتجاه فقد أشاد السلطان هيثم بن طارق بالدور الإيجابي الذي قامت به الحكومة لتحسين الوضع المالي وتقليل عجز الموازنة العامة للدولة، وبالإجراءات التي استهدفت تحقيق الاستدامة المالية، والتي انعكست إيجاباً على كافة المؤشرات الاقتصادية والنقدية.
وقال نصًا: “كما انعكست تلك الإجراءات على التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان، وتحسن النظرة المستقبلية لها من قبل الوكالات الدولية إلى نظرة مستقرة وإيجابية، رغم التحديات التي فرضتها الأوضاع الاقتصادية العالمية، وتفشي جائحة كورونا” إلا أن ما تحقق من إنجازات على المستوى الوطني في شتى المجالات إنما جاء بسبب تضافر الجهود المبذولة من كافة المسؤولين ومؤسسات الدولة المختلفة، وبتآزر وتلاحم المواطنين الذين كان لهم دور محوري في تحقيق ما نصبو إليه من إنجازات”.