تعد مخيمات تندوف الخاضعة لسيطرة جبهة البوليساريو في الصحراء المغربية واحدة من أكبر مخيمات اللاجئين اللإنسانية في العالم، يعيش فيها حوالي 173,000 شخص من المواطنين المغاربة الذين سقط الجيل الأول منهم ضحية الأوهام التي روّجتها بينهم جبهة البوليساريو منذ عام 1975. ومع مرور السنوات، أصبحوا مع أجيالهم التالية رهائن المحبسين، الأوهام الكاذبة من جهة، وسيطرة الجبهة على تحركاتهم خارج هذه المخيمات التي أصبحت مكانًا للتعذيب والانتهاكات الحقوقية الخطيرة التي يتعرض لها لاجئي تندوف.
يواجه سكان مخيمات تندوف تحديات عديدة، بدءًا من نقص الغذاء والمياه والملابس، وانعدام الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، إلى التضييق الشديد الذي يمارسه النظام السائد في المخيمات عليهم. بينما أقرانهم في بقية أقاليم الصحراء المغربية ينعمون بحياة تواكب العصر، من خدمات صحية وطرق ومواصلات وشبكات انترنت واتصالات تزيد في جودتها يومًا بعد يوم بفضل ما توليه الحكومة المغربية من تمييز إيجابي لصالح سكان الصحراء المغربية تقديرًا لمواقفهم الوطنية التي واجهت المحاولات الخارجية للنيل من استقرار ووحدة التراب المغربي.
من بين التضييقات التي يتعرض لها سكان المخيمات في تندوف هو منع هؤلاء اللاجئين من الخروج إلى العالم، ومنعهم من العودة إلى الوطن الأم، وتقييد حركتهم داخل المخيمات والسيطرة الكاملة على حياتهم اليومية.
منع اللاجئين من الخروج إلى العالم يعني أنهم يعيشون في عزلة تامة، مع انعدام الاتصال الحقيقي بالعالم الخارجي، ومنع الزيارات من الأصدقاء والعائلة، وحتى من الجهات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان.
ويتم تبرير هذا الحصار بأنه يحمي سكان المخيمات من “التجسس الذي ينفذه المغرب عليهم”، وهو ما لا يمكن يبرر بحال من الأحوال انتهاك حقوق الإنسان الأساسية لهم، خاصة بعدما اعتبرت الجبهة أن مجرد تواصلهم مع ذويهم في الوطن الأم نوعًا من أنواع التجسس، وهو حال لا يجب على العالم الحر أن يظل صامتًا تجاهه، لما في ذلك من خروج وانتهاك صارخ للعهد الدولي لحقوق الإنسان.
بالإضافة إلى ذلك، فإن منع اللاجئين من العودة إلى المغرب يعني أنهم يفتقدون حقهم الأساسي في حرية التنقل الذي هو أحد أهم الحقوق التي أقرها العهد الدولي لحقوق الانسان وكافة المنظمات الحقوقية الأخرى في العالم.
إلى ذلك ومع هذه الحالة التي تمنعهم الانتقال إلى أي مكان آخر، فإنهم كذلك يعانون من عدم وجود أي حرية في اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتهم اليومية والمعيشية، إنّه أكبر سجن سياسي يضم آلاف النساء والشيوخ والأطفال.
فضلًا عمّا يتم من فرض السيطرة الصارمة عليهم، بشكل جعلهم غير قادرين على التعبير عن آرائهم أو تحقيق أهدافهم السياسية الشخصية.
التنمية ووحدة التراب الوطني المغربي.. مقال لـ فاطمة الزهراء النوري
إن العالم الحر وهو يتغنّى بالحريات لا يمكن أن نغفر له صمته عن تصرّفات تلك الجبهة التي تدير هذه المخيمات من تقييد لحركة اللاجئين داخلها إضافة إلى فرضها حظرّا إبديًا لأية نشاطات أو تنظيمات تطالب بالعودة إلى الوطن الأم وهي النشاطات التي تصل عقوبتها إلى التصفية أو الحبس الطويل.
الغريب أنه يتم تبرير هذا الانتهاك للحقوق الأساسية بأنه يحميهم من “الخطر الذي يشكله المغرب على سلامتهم” مع في ذلك من مغالطات مكشوفة تفضحها الحياة اليومية لذويهم في بقية الأقاليم الصحراوية في المغرب الوطن. ومع ذلك، فإن هذا الحجة على ضلالتها لا يمكن أن تبرر ذلك الحرمان المستمر من ممارسة سكان تلك المخيمات الحقوق الأساسية لهم في حرّية السفر أو التعبير عن الرأي أمام الجهات الدولية التي تزور تلك المخيمات.
يجدر الإشارة إلى أن الحق في التنقل و حرية عن الرأي تأتي في صدراة الحقوق السياسية الأساسية للإنسان، وهي محفوظة بالفعل في العديد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان. ولكن، أن يتم تجاهل هذه الاتفاقيات في حالة سكان مخيمات تندوف، وهم يواجهون العديد من القيود القاسية على حريتهم وحقوقهم الأساسية لا يشكل جريمة لجبهة البوليساريو فحسب بل يُشكل جريمة كذلك في حق المجتمع الدولي الذي ما زال صامتًا عن كل تلك الإنتهاكات.
يأتي ذلك في ظل وجود أفراد في قيادة البوليساريو يعيشون في ظروف معيشية جيدة رغدة ويمارسون نشاطاتهم المالية التي تصب في جيوبهم كل صباح على حساب هؤلاء المساكين.
ومن المعروف أن البعض من قيادات البوليساريو يعيشون في فرنسا، وإسبانيا وبلدان أخرى في أوروبا حياة الأمراء ويتعلم أولادهم في أغلى الجامعات الغربية، حتى أن كثير من هؤلاء الأنجال لا يتحدثون العربية ولا يرتبطون بالأساس مع مزاعم جبهة البوليساريو، أصبحوا مواطنين اوروبيين تمامًا يتنزهون في بقاع اوروبا ويتلقون أفضل تعليم وأفضل خدمات وذلك كله من أموال جماعة جعلت من مزاعمها وسيلة لحياة الرفاهية التي يعيشها هؤلاء الأنجال.
ومع ذلك، فإن هناك تقارير ومزاعم بوجود فساد مالي وسياسي يشمل بعض قادة البوليساريو في أوروبا. وهذا يعيدنا إلى العام 2020، عندما صدر حكم قضائي في إسبانيا بإدانة زعيم البوليساريو إبراهيم غالي بالفساد وغسيل الأموال.
كما تم الكشف عن تورط بعض قادة البوليساريو في عمليات تهريب المخدرات وغسل الأموال، وهي الأمور التي أصبحت تنال من مصداقية القيادة السياسية للبوليساريو ونزاهتها أمام الكثير من سكان المخيمات.
إن العالم مطالب قبل أن يبحث في كيفية علاج لهذه الأزمة التي خلفها الصراع بين جبهة البوليساريو والدولة المغربية، أن يبحث أولًا في تحرير هؤلاء الرهائن وهو الأساس في حق تقرير المصير، اتركوهم وشاهدوا كيف سيحل ذلك جذور الأزمة سريعًا عندما يتمكن هؤلاء من العودة إلى البلاد، وهم يؤمنون أشد الإيمان بأنه لا ملاذ آمن إلا بالعودة لأحضان المغرب الوطن، وقتها فقط سيصل العالم إلى حل جذري لتلك الأزمة التي خلفها ذلك الصراع المصنوع.
كاتبة مغربية