شارك الامين العام لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين اتباع الاديان والثقافات ” كايسيد ” ،في مؤتمر العيش بسلامبين اتباع الاديان والثقافات المتنوعة الذي شهدته القاهرة الساعات القليلة الماضية من أجل إطلاقحوار هادف وبناء بين المشاركين انطلاقا من فهم عميق للفرص والتحديات التي توفرها خبرات العيش المشترك منذ مئات السنين وما تحققخلالها من إنجازات في مجالات التعايش واحترام التنوع وقبول التعددية تحت مظلة المواطنة المشتركة وكذلك ما تم تحقيقه في مجالات مكافحة خطاب الكراهيةوالتعصب والتطرفالتي لا يمكن حصرها على دين أو معتقد أو مجتمع واحد؛ سواء كان مجتمعًا متقدمًا أم ناميًا ؛ خصوصاً بعدما تبارى بعض الساسة وبعض من يدعون التدين من المتطرفين في استخدام الدين او السياسة لإطلاق خطابات عنصرية ومتطرفة تحض على المزيد من الكراهية.
وقد قال معاليه في كلمته :
لقد طُلب إليَّ الإجابة عن السؤال التالي في إطار هذا المؤتمر: كيف يمكن للناس من مختلف اتباع الأديان، العيش معًا بسلام؟
وفي جوابه اشار السيد فيصل بن معمر الى ان هناك كلمة تمثل جزءًا من اسم هذا المؤتمر والمنظمة التي أمثلها في هذا اللقاء الدولي، وهي: الحوار كاستعداد فطري للتواصل والاستماع إلى بعضنا البعض بالرغم من الاختلافات بيننا في الدين والمعتقد واللون والثقافة واللغة …. الخ ….. إذ لولا هذا الحوار وهذا الاختلاف؛ لاختل توازن العالم ونظامه؛ إيمانًا منَّا بقدرتهما على فتح مسارات ملموسة نحو تعزيز العيش المشترك واحترام التنوع وقبول التعددية في ظل المواطنة المشتركة، وتجسير سبل السلام وتأسيس المشاريع المشتركة لمعالجة أشد التحديات استعصاءً على العالم.
وبالتالي، فلا سبيل لإجراء أي حوارإلا إذا استمعنا إلى الطرف الآخر المختلف واحترمناه واحترمنا حقوقه وكرامته؛ بهدف ترشيد الحوار؛ وتصحيح النظرة نحو الاختلافات الدينية والثقافية ، بوصفها جزءًا لا يتجزَّأ من حياتنا على هذه الأرض، ومن ثم التفكير في كيفية التعايش معها، والتكيُّف مع مقتضياتها ومتطلباتها بما يحقق التعارف الذي أمرنا به خالقنا؛ لفهم الآخر المختلف دينيًا وثقافيًا، والتعرف عليه، والتواصل والعيش معه بسلام وطمأنينة؛ حتى لا يتحوّل هذا الحوار وتلك الاختلافات إلى وبال على حياة البشر واستقرارهم، بل واستمرارهم، سيما أن الخلافات المتلبسة بلباس الدين أو السياسة قد أسفرت عن حروب شرسة لا حصر لها، امتد بعضها لقرون من الزمن، وذهب ضحيتها ألوف مؤلَّفة من أتباع مختلف الأديان.
وفي مداخلته اكد السيد فيصل بن معمر انع من حيث ان الدين يشكل أحد أبرز مكونات الهوية الإنسانية، وأحد المحركات الأساسية للجنس البشري؛ فإنَّ فهمه يعني استبصارًا بالثقافات وبالحضارات المعاصرة، واستيعابًا لقيمها ومبادئها ومواقفها؛ ولا يمكن أن يتم ذلك كله إلا من خلال الدراسة الموضوعية لمختلف الأديان والثقافات والتعرُّف على كنوزها العظيمة وخصوصًا مشتركاتها الإنسانية.
واضاف السيد بن معمر بالقول نحن أيها السيدات والسادة في مركز الحوار العالمي” كايسيد “، مختصون ومهتمون ببناء جسور الحوار وتعزيزها في جميع أنحاء المعمورة لتقريب المسافات وإزالة جدران الخوف والحواجز النفسية؛ لأننا نؤمن أن الدين جزءٌ من الحلِّ وليس أساسَ المشكلة، خاصةً وأن (%84) من البشر لديهم انتماء ديني، جنبًا إلى جنب معتفعيل دور القيادات الدينية لمساعدة صانعي السياسات في بناء السلام والتعايش تحت مظلة المواطنة المشتركة؛ سدّا للفجوة بينهم خاصة في المنظمات الدولية؛ وإيجادًا لحلول ناجعة، ومستدامة؛ وتحقيق نتائج إيجابية.
وعن مايقوم به مركز الملك عبد الله العالمي للحوار قال: يطبِّق المركز أنشطة، تعزز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات من أجل السَّلام وترسيخ الحوار والتعايش في خمس مناطق عالمية مختلفة: أوروبا والمنطقة العربية؛ وجمهورية أفريقيا الوسطى؛ ونيجيريا؛ وميانمار، دون الانحياز لأي طرف من أطراف أي نزاع؛ كونه منبر حوار منفتحًا على الجميع، ومن أجل الجميع؛ لإبراز القيمة الحضارية للتنوع البشري والعمل على إرساء القواعد والأسس التي تقوم عليها صروح التعايش والحوار التفاهم والتعاون بين البشر على اختلاف أديانهم وثقافاتهم، ومشاربهم.
وقال بن معمر في كلمته ….السيدات والسادة،
تحتضن كلٌّ من المنطقة العربية وأوروبا، محورَي تركيزنا في هذا المؤتمر، مجموعات دينية مختلفة عاشت معًا في المنطقة الجغرافية نفسها لقرون عدة. ولتسليط الضوء على هذا التعايش السلمي؛ فإننا نؤكد في مركز الحوار العالمي، على مشروع المواطنة المشتركة، وبمجرد استخدام هذا المصطلح؛ نضع على الفور جميع هذه الجماعات في الكفة نفسها من خلال منحهم حقوقًا ومسؤولياتٍ وأدوارًا متساوية داخل مجتمعاتهم، تساعد في بناء مجتمع مسالم؛ وفي الوقت نفسه، أيضًا نؤمن بأن للتنوع قيمةً، ونقر بأن لكل جماعة من هذه الجماعات دورًا في إثراء مجتمعاتها.
وأورد السيد بن معمر في هذا الخصوص نقطتين، قال أتصور أنهما يمكن أن تسهما في تعزيز التعايش السلمي في المجتمعات المتنوع:.
•أولاً: التنظيم والترابط الداخلي بين المجتمعات عاملان مهمان.
•ثانيًا: يجب أن يأتي التغيير من داخل المجتمع؛ لأنه لا يمكن فرضه فرضًا على أحد.
واضاف …اسمحوا لي أن أذكر بعض الأمثلة عن أعمالنا في مجال الحوار بين أتباع الأديان حول العالم لتوضيح ذلك، حيث نشب صراع في جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث يمثل المسيحيون أكثر من 80٪ من السكان، والمسلمون نحو 15٪ عام 2013. وأصبح هذا الصراع أحد أسوأ الكوارث الإنسانية؛ نتيجةً لتوظيف الدين لأغراض سياسية واقتصادية.
وعندما بدأ مركزنا العمل فيها؛ أدركنا أنه لا نستطيع النجاح في مسعانا الدعوة في إطلاق حوار بين الفئات الدينية المتنوعة عندما تكون فئة من فئات المجتمع في حالة انقسام وضعف في مهارات الحوار والاتصال ومعرفة الحقوق والواجبات الوطنية فضلًا عن العجز محاورة الآخر المتميز بالمهارة والمعرفة وشبكة العلاقات. ولهذا السبب شرعنا في تنظيم حوار بين أتباع الدين الواحد، وعقدنا اجتماعًا في فيينا عام 2015م بين مسلمي أفريقيا الوسطى، نتج عنه اتفاق الأئمة الذين يمثلون جماعتين رئيستين على الاتحاد والعمل جنبًا إلى جنب مع الجماعات المسيحية.
وجار العمل حاليًا، بعد أربع سنوات من الحوارات والمبادرات وبرامج التدريب المتنوعة على تنظيم العلاقات الداخلية بين هذه الجماعات وتعزيز الحوار بينها ورفع قدرات مؤسساتها المشرفة على منصات الحوار المحلية والعمل مستمر مع الفئات الدينية الاخرى
ومن أفريقيا إلى أوروبا، ففي ظل تزايد ظاهرة كراهية الإسلام ومعاداة السامية، حيث تواجه المجتمعات المسلمة واليهودية تحديات مشتركة بشأن مواضيع، مثل: الختان والملابس الدينية؛ فقد تأسس، قبل عامين، المجلس الإسلامي اليهودي بدعم من مركز الحوار العالمي. وتعمل القيادات الدينية من كلا الطرفين، ينتمون لــ(18) دولة يدًا بيد من أجل حل القضايا المشتركة، وتعزيز المواطنة المشتركة.
وقد استبق المركز هذا المجلس بإطلاق برنامج مساعدة اللاجئين في أوروبا للاندماج في نسيج المجتمعات المستضيفة من أجل حماية التنوع الديني وتعزيز التماسك الاجتماعي وتعزيز جهود السلام والتعايش المشترك، وترتكز أعمال هذا البرنامج على ركيزتين أساسيتين، هما: التكامل من خلال الحوار؛ وتنسيق العمل لمكافحة خطاب الكراهية والاستقطاب.
وعندما أقول أيها السيدات والسادة: إن التغيير يجب أن يأتي من داخل المجتمع؛ فإنه لابد من الإشارة إلى مبادرتنا الرائدة: (مـتـحـدون لمـناهـضة الـعنف باسـم الـدين)، التي أُطلقها مركز الحوار العالمي في فيينا عام 2014م، بعد عقد اجتماع تاريخي جمع القيادات الدينية من جميع أنحاء العالم العربي؛ الذين شجبوا جميعًا وبصوت واحد العنف المرتكب باسم الدين، وعزموا على العمل يدًا بيد في سبيل مواجهته.
كما قدَّمنا برنامجًا عمليًا وتطبيقيًا للحوار منذ عام 2015م: (الزمالة) حيث سيصل عدد المتدربين الى ٢٧٦ زميل وزميله من ٥٩ دوله و ٩ ديانات الهادفإلى نقلصورة ذهنية متجددة وحديثة عن فاعلية ثقافة الحوار والتعايش وبناء السلام بشكل علمي ومعرفي رصين، من خلال مسارات مختلفة؛ لبناء وتعزيز شخصية المشارك وفق أحدث المعايير المتبعة والتقنيات الحديثة من دورات تأهيلية ومحاضرات نظرية وتطبيقات عملية؛ لتنمية قدراتهم في مجالات الحوار والتواصل، والتفكير البنّاء، وتكوين المبادرات، وزيادة فاعلية المجتمعات والأفراد لمكافحة التطرف والإرهاب، وإشاعة السلام.
وخلال شهر فبراير من العام الماضي، ومرة أخرى في اجتماع فيينا؛ أطلق ثلاثة وعشرون قيادة من أبرز القيادات والمؤسسات الإسلامية والمسيحية في جميع أنحاء المنطقة العربية، منصةَ الحوار والتعاون بين أتباع الأديان في المنطقة بين المسلمين والمسيحيين؛ لتشكّل نموذجًا مثاليًا للتعاون بين أتباع الأديان من أجل تحقيق التعايش السلمي وتعزيز التماسك الاجتماعي.
كما أطلق المركز أيضًا (برنامج الشباب العربي) المنوط به تدريب الشباب على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمكافحة خطاب الكراهية في ظل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي؛ ويعمل المركز من خلال تدريب الناشطين الشباب وممارسي الحوار على كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي؛ لنشر الخطابات المضادة والاستفادة من الفضاء الإلكتروني لنشر الرسائل والقيم الداعية إلى السلام.
وأنتهز هذه الفرصة للإشارة إلى مسارين تطبيقين، قد نجحنا في تنفيذهما:
•المسار الأول: العمل من خلال المنصات الحوارية العالمية؛ فعندما يتم العمل على إيجاد مساحات لصانعي السياسات والقيادات الدينية المختلفة وممثلي المجتمع المدني لمناقشة التحديات المشتركة والعمل معًا على مواجهتها؛ تتعزّز سبل الحوار التحولي.
•المسار الثاني: التعليم والتدريب، مصحوبًا ببرامج الوقاية؛ إذ يؤدي المركز دورًا رئيسًا في مجال الوقاية من خلال برامج التدريب وبناء القدرات.
وقد تمكّنا، من خلال تعاوننا مع الحركة الكشفية العالمية وبرنامج الحوار من أجل السلام التابع لها، من زرع بذور الحوار في عقول الآلاف من الشباب. ودربنا المئات من الزملاء والزميلات من جميع أنحاء العالم على أساليب الحوار بين أتباع الأديان. وبالتالي، نقل الدروس المستفادة من هذه البرامج التدريبية إلى جميع أنحاء العالم، وتحويلها إلى عدد كبير من المبادرات، الهادفة إلى تحقيق التوافق في الآراء على المستوى الشعبي.
كما قدَّمنا أدوات وبرامج مفتوحة المصدر في مجال الحوار بين أتباع الأديان لاستخدامها من جانب المنظمات غير الحكومية وغيرها من المنظمات.وننشر أيضًا كتبًا وكتيبات وننتج مواد إلكترونية حصيلة سنوات من الخبرة في مجال الحوار؛ لتقديمها لأي شخص مهتم ببناء جسور السلام من خلال الحوار للاستفادة منها.
واختتم السيد فيصل بن معمر كلمته بالقول :
السيدات والساده،
إن عالمنا اليوم بحاجة، ماسّة ومُلِّحَة إلى أن يسود فيه التعايش السِّلمي والمواطنة المشتركة ويعيش الجميع في سلام بعيدًا عن النزاعات والحروب، والكراهية والتطرف.
وكما تعلمون جميعكم، وخاصة القادمين من الأماكن التي شهدت تقسيمات على أسس دينية، بأنه لا يمكن تحقيق السلام بمعزل عن مساندة الأفراد والقيادات والمؤسسات الدينية لصانعي السياسات.
دعونا، انطلاقًا من روح الأخوة، نكتشف القيمة الفعلية للتنوع، والعمل معًا، من مختلف المجتمعات الدينية، لمساندة صانعي السياسات، في سبيل تحقيق العيش المشترك واحترام التنوع وقبول التعددية تحت مظلة المواطنة المشتركة.