منذ إعلان الحرب بين إسرائيل وحركات المقاومة الفلسطينية بغزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشير أوساط عديدة إلى أنه من شأن هذه الأزمة أن تُبطئ عملية تطبيع العلاقات بين الاحتلال وعدد من الدول العربية خاصة الخليجية منها.
“معهد الدراسات السياسية الدولية” الإيطالي يرى أن تصريح وزير التجارة الإماراتي ثاني الزويدي الأخير الذي كان مفاده أن “الإمارات لا تخلط بين التجارة والسياسة”، هو “علامة على البراغماتية الإماراتية المعروفة”، لكن المعهد في فقرات اخرى من تقريره يشير إلى صعوبة التكهن بما يمكن أن تصل إليه الأحداث في صراع باتت حدود غير واضحة
وقال إن “الصراع، الذي من المتوقع أن يكون طويلاً، سيفرض على اتفاقيات تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات والبحرين وإسرائيل المبرمة في عام 2020 اختبارا صعبا وسيبطئ في أحسن الأحوال، عملية التطبيع مع السعودية”.
واستعرض المعهد في تقريره النتائج الاقتصادية المتوصل إليها بعد ثلاث سنوات من هذه العملية وأبرز الفرص التجارية الإستراتيجية التي تخاطر السعودية بخسارتها في حال إذا اختارت تجميد المفاوضات مع الكيان المحتل، على حد زعمه.
مشروعات دولة الإمارات العربية مع إسرائيل واثرها على قناة السويس
أوضح المعهد في تقريره أن “الإمكانات الاقتصادية للتعاون بين الإمارات وإسرائيل تستفيد من موقعهما الجغرافي القريب جدًا من نقاط الاختناق في مضيق هرمز وقناة السويس، وبالتالي تولي كلتاهما أهمية كبيرة للأمن البحري الذي يشمل البحر الأحمر”.
فبدءا من عام 2022، تشارك الإمارات وإسرائيل في مجموعة التعاون الاقتصادي “آي 2 يو 2” ، أي الرباعي الذي يضم الهند والولايات المتحدة أيضا.
وأكد المعهد في تقريره أن “التعاون مع الإمارات سمح لإسرائيل بمعاودة النظر إلى الأسواق الإفريقية خارج السودان والمغرب.
وكذلك تصميم مشاريع مشتركة محتملة في إفريقيا في القطاع الزراعي والرقمي مع التركيز على شرق إفريقيا أي أوغندا وكينيا، وأيضا على غرب إفريقيا، السنغال وساحل العاج وغانا.”
ويذكر أن حجم التجارة غير النفطية بين الإمارات وإسرائيل كان قد وصل في عام 2022 إلى 2.5 مليار دولار.
ويشمل الاهتمام المشترك قطاعات مثل الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا (الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والتحول الرقمي) والابتكار، إلى جانب الزراعة والدفاع.
منذ عام 2020، اتخذت الحكومات إجراءات فورية لتسهيل التجارة والتعاون بين الشركات بتوقيع اتفاقية للإعفاء من التأشيرة، في حين أسهم توقيع اتفاقية التجارة الحرة في إلغاء ما يقرب من 96 بالمئة من الرسوم الجمركية على السلع المتداولة.
إلى ذلك، استحوذ صندوق مبادلة السيادي الإماراتي في عام 2021 على 22 بالمئة من حقل غاز تمار البحري الإسرائيلي مقابل استثمار مليار دولار.
بالإضافة إلى مشروع 2020 بين شركة “مي دريد لاند بريدج”، وهو مشروع مشترك إسرائيلي إماراتي وشركة خط أنابيب أوروبا آسيا، شركة حكومية إسرائيلية، لتصدير النفط الإماراتي من ميناء إيلات الإسرائيلي عبر خط أنابيب إلى عسقلان ومن هناك إلى أوروبا.خطورة هذا الخط النفطي أنه ياتي خصمًا من عمل خط سوميد في الأراضي المصرية المملوك لمصر ودول عربية أخرى من بينها قطر.
المشروع تباطأ وربما تم إيقافه بسبب الاحتجاجات والطعون القانونية التي قدمها نشطاء البيئة في إسرائيل الذين يشعرون بالقلق من الضرر المحتمل للشعاب المرجانية.
كما تقوم الإمارات بالاستثمار في الموانئ الإسرائيلية، بدءاً من إيلات الواقع على البحر الأحمر وحيفا على البحر الأبيض المتوسط لتحويلها إلى مراكز بين أوروبا والخليج.
تنامي الحضور الإسرائيلي في الاقتصاد الإماراتي
إسرائيل من جانبها تستغل التعاون مع أبوظبي للوصول إلى الأسواق الآسيوية ذاكرا في هذا الصدد وجود 97 شركة إسرائيلية تنشط في منطقة التجارة الحرة بدبي، بزيادة قدرها 25 بالمئة في الفترة من يناير إلى مايو 2023.
حقق كذلك التعاون بين الصناعات الدفاعية نموا ويتجلى ذلك من خلال الحضور الملحوظ للشركات الإسرائيلية في العديد من معارض الدفاع التي تم تنظيمها في الإمارات وفي البحرين.
لفت معهد الدراسات الإيطالي إلى أن المبادلات التجارية بين الاحتلال والبحرين، تسير بشكل أبطأ لاسيما وأن حجم التجارة بلغ في فترة السنتين 2021-2022 بينهما 20 مليون دولار فقط، فيما توجه بضعة آلاف من السياح الإسرائيليين إلى المنامة.
هذه البيانات، بحسب المصدر الإيطالي، تعطي فكرة عن النتائج الاقتصادية المحدودة التي تم تحقيقها حتى الآن في إطار التعاون الثنائي.
وبهدف تحفيز المبادلات التجارية والسياحة على وجه التحديد، قاد السفير الإسرائيلي في البحرين وفداً من شركات التكنولوجيا المتقدمة والخدمات اللوجستية والعقارات الإسرائيلية لزيارة البلاد في سبتمبر 2023.
يذكر كذلك توقيع البحرين اتفاقية أمنية مع إسرائيل في عام 2022، وهي اتفاقية الدفاع الوحيدة بين دولة خليجية والإسرائيليين.
ويتضمن الاتفاق التعاون في مجالات الاستخبارات وصناعة الدفاع والقوات المسلحة، بما في ذلك التدريبات العسكرية المشتركة.
علاوة على ذلك، تجري المنامة مفاوضات مع دولة الاحتلال لشراء نظام متطور لاعتراض الطائرات بدون طيار.
مشاريع مهددة.. الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا
كل هذه المشاريع والإتفاقيات باتت مهددة في ظل تطورات الوضع على الأراضي الفلسطينية المحتلة وخاصة في قطاع غزة الذي يتعرض سكانه إلى تهجير وعمليات انتقام جماعي يشنها الاحتلال الغاصب منذ أسبوع.
وأشار المعهد الإيطالي إلى أن هناك مشروعا سيتأثر بشدة أكثر من المشاريع الأخرى في حال دخلت اتفاقيات تطبيع العلاقات في أزمة واختارت السعودية تجميد المفاوضات مع إسرائيل.
ويقصد بذلك الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الذي تم إطلاقه في سبتمبر/أيلول 2023 في قمة مجموعة العشرين في نيودلهي.
يتمثل الممر، وهو في الواقع رد الولايات المتحدة على مشروع طريق الحرير الصيني، في إنجاز خط سكة حديد وميناء وبنى تحتية للطاقة وشبكة كابلات.
وكان قادة الولايات المتحدة والسعودية والهند والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي قد أعلنوا في سبتمبر الماضي توقيع مذكرة تفاهم للعمل معاً على تطوير ممر اقتصادي جديد يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وذلك على هامش اجتماعهم في قمة العشرين.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن آنذاك إنها “صفقة كبيرة حقيقية” من شأنها أن تربط الموانئ عبر قارتين وتؤدي إلى “شرق أوسط أكثر استقراراً وازدهاراً وتكاملاً”.
يفترض المعهد أن هذا المشروع “الذي بات تجسيده على الميدان ممكنا بفضل التطبيع بين الإمارات وإسرائيل سيفشل أو سيتقلص مداه الإستراتيجي بشكل كبير إذا جمد السعوديون المفاوضات مع الإسرائيليين”.
وباندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل منذ السابع من أكتوبر على إثر عملية طوفان الأقصى، بات مصير هذا الممر غير مؤكد، وفق وصف المعهد.
وخلص المعهد الإيطالي إلى القول إنه “في ظل صراع لا يمكن التنبؤ به ولا توجد له حدود جغرافية محددة، أي فرضية باتت الآن سابقة لأوانها”.