شريف الوكيل يغوص بكم في روائع الزمن الجميل ويكتب لكم رؤيته النقدية من زوايا جديدة
تمثل رواية {قنديل أم هاشم} بداية المطاف لرحلة جديدة بالنسبة للرواية الواقعية،نحو آفاق أرحب عند جيل روائى من طراز جديد .
ويحيى حقى كاتب من كتاب الرواية الواقعية التى تجسد مشاكل الحياة بمصر بصفة عامة، وتجسيد مشاكل الإنسان بصفة خاصة، ومن هذا المنطلق قدم لنا المخرج(كمال عطية) هذا الفيلم كنوع من المقارنة بين ثقافتين أو حضارتين الشرقية والغربية .
فشخصية اسماعيل”شكرى سرحان” طبيب العيون يعيش فى صراعات بين العلم الذي يمثله وبين الخرافة ويمثلها قنديل أم هاشم ،ذلك المصباح الزيتى القابع منذ القدم بمسجد{السيدة زينب} المحاط بهالة من القداسة والحكايات الخرافية المنتشرة فى ربوع حى السيدة ‘بل وفى كل أنحاء مصر’، وهو الحى الشعبى المكتظ بسكانه البسطاء الذين يعتقدون بكرامات السيّدة التي استقر تبجيلها وتقديسها في الوجدان العام وبطبيعة الحال يعج بمريدى وزوار مسجد الست الطاهرة “أم هاشم” ، وساعد هذا البعض فى إستغلال هذه القداسة فبات يوزّع أو يبيع زيت قنديل الإنارة على أنه دواء شاف من أمراض العين، وكان من الطبيعى أن يصدق كل من يسمع ويعرف هذه الحكايات، ولكنهم في حقيقة الأمر كانوا لايعرفون أن هذه الخرافات تفتك بصحتهم. ومع ذلك لم يكن بإمكان أحد أن يقف بوجه هذه الكارثة المقترنة بفكر دينى مشعوذ خاصة أنه من قبل “آل البيت” إلى أن عاد اسماعيل ابن حيّ السيدة نفسه والذى عاش هذا الواقع المرير منذ صغره، حاملاً شهادة تخصصية في طبّ العيون، بعد سفره سنوات لأوربا للتعلم والتسلح بما يعينه على مقاومة هذا الموروث الدينى وتوعية البشر وأهل الحى الذى ينتمى له .
يمكن اعتبار هذه الرواية رواية رمزية؛ لأن” السمة المميزة لقصة الحدث الرمزي أنها قصة تكتب أساسًا من أجل تقديم موضوع ما تقديمًا دراميًا، ومن هنا حكم الكاتب موضوعه وفكرته قى إطار درامي قصصي رمزي من خلال الشخصيات التي تعبر كل منها عن جانب يرمز إلى جانب محدد من جوانب الفكرة الدلالية.
ومن هنا تبدأ الأحداث بالتوتر والتصاعد عبر صراع أعلنه الطبيب الشاب فما لقي سوى الاستنكار والاستهزاء، وعندما تجرّأ وحطّم القنديل ثار المريدون في شكل من أشكال الهستيريا الجمعية غير المفكّرة والذاهبة باعتقادها حدّ التقديس الكلّي، أوليس هم بشر يؤمنون بحب السيدة أم هاشم والذى أصبح يتحكم فى كل تصرفاتهم وأفكارهم حتى القداسة ، فأخذوا يعنفونه ويحاربونه بأقسى ما يمكن، وليس غريباً، بطبيعة الحال، هذا الموقف من بشر تغلغل الجهل بينهم ،وأصبح عبأ يتحمله اسماعيل فى محاولة إخراجهم من هذه الظلمات .
وعندما تتحول المواجهة لداخل بيت الطبيب، بينه وبين أمّه المصرّة على معالجة ابنة عمّه وخطيبته فاطمة بزيت القنديل رافضة كلّ الرفض علوم وخبرات ابنها الطبيّة، مؤيدا لها موقف والده الذي ناضل لأجل أن يكون ابنه طبيباً، ومع ذلك وقف إلى جانب الأمّ في لحظة مشحونة بالعنف لأجل المعتقد والموروث..وهو ينهره” ايه الكلام اللى بتقوله ده…هو ده اللى اتعلمته من بلاد بره…كل اللى كسبناه منك انك ترجع لنا كافر” .
وانطفأت فرحة البيت بعودة الإبن المنتظرة وحل محلها ظلام وحزن مرافقا لهذه الروح الشيطانية الغريبة التي جاءت لهم من وراء البحار…” إحنا عايشين فى ركاب «الستّ» وفي حماها… أعياد «الستّ» أعيادنا، ومواسمها مواسمنا، ومؤذن المسجد ساعتنا ، ومن خلال هذا الكشف عن الجانب الموروث فى ثقافات الناس، يغزو الروائيّ الوجدان الشعبي والذاكرة الثقافية لهذا الحيّ فباتت في مكانة القداسة المطلقة، ومأمل رجائهم يتوجّهون إليها طوال اليوم بالدعاء وأداء الصلوات وإقامة ليالى الذكر والإبتهال تبركا بالست .
في ركن جلّي بالمسجد يتدلى قنديل أم هاشم مشعاً بزيته المأمول ،حيث يقوم بحراسته الشيخ الدرديري”صلاح منصور” ومجموعته من المشعوذين والمتمسحين بالدين الذين يوهمون الناس بالكرامات والمعجزات التي تقوم السيّدة بها، ومن هذا الوهم يضاء معتقدهم: «تعرف يا سي إسماعيل ليلة الحضرة يجي سيدنا الحسين والإمام الشافعي والإمام الليثى. يحفون بالسيدة فاطمة النبوية والسيدة عائشة والسيدة سكينة.
وأعلامهم الخضر ترفرف عليهم ويفوح منهم ريحة المسك والورد تملى المكان…ويستطرد الشيخ الدرديرى “فى الليلة دى تلاقى القنديل يشع بضوئه وزيته، واللى فيه سر الشفا ومينلهوش الا اللى يستحقه” .
فى لوحة حيّة كاملة التفاصيل إستطاع يحيى حقى إبن حى السيدة زينب مسرح أحداث روايته، والمحمل بمشاعره الروحانية التى صاغها بكثافة المجرب والعائش هذه المعتقدات على نحو ما ينبغي أن يكون سواء بالتحرر من هذا العالم الاستثنائي الذي لا يرمز إلى شيء سوى الجهل والتخلّف والابتعاد عن الدين نفسه، أو تحطيم آليات هذا التخلف الفكرى، بمنجزات العلم الحديث وبخاصة الطبّ باعتباره على تماس مباشر بحياة الناس.
قدم الروائى يحيى حقى الكثير من الأعمال الأدبية، منها ماتحول إلى أفلام سينمائية ودراما تليفزيونية، وتعد قندبل أم هاشم وكذلك البوسطجى من أشهر أعماله للسينما .
أما المخرج كمال عطية فقد إستطاع توظيف فريق التمثيل توظيفا جيدا، وكما عودنا شكرى سرحان التفوق على نفسه فى معظم أدواره ، فقدم لنا شخصية الدكتور اسماعيل الحائر ماببن القديم والجديد ، العقيدة والمعتقد ،الخرافة والعلم، وكالعادة كان بسيطا ومقنعا فى أدائه .
وكانت سميرة احمد تلك الفتاة ذات الملامح الهادئة إبنة محافظة أسيوط ، وقد تميزت فى أداء الأدوار الصعبة المركبة مثل دور الخرساء وأيضا دور العمياء ، فإستطاعت أن تنال تعاطف الجمهور، بدأت كومبارس فى عدة أفلام مقابل ٥٠ قرشا فى اليوم، ظلت على هذا الحال حتى حصلت على دور فى فيلم شم النسيم للمنتج بطرس زريبات الذى تزوجته بعد إ شهار إ سلامه
قدمت للسينما الكثير من الافلام المتميزة منهافيلم ريا وسكينة وفيلم هل انا مجنونة وفيلم طريد الفردوس، كما مثلت فى الفيلم الإيطالى الأمريكى إبن كليوباترا عام ١٩٦٤، كان لها شركة إنتاج قدمت من خلالها حوالى ٨٠ فيلم فى أدوار متنوعة متميزة .
وفى دور جديد من أدواره المبهرة قدم لنا (صلاح منصور) دور الشيخ درديرى بإتقان وحرفية،فهو من الممثلين الذين إذدادو موهبه مع الزمن ويعتبر واحد من أشهر نجوم السينما في عصرها الذهبي، لإنفراده بأداء ميزه عن غيره من نجوم جيله.
، وفي الستينات جسد أدوارا معقدة بالغه الأهميه، مثل ” لن أعترف، الشيطان الصغير ، أرمله وثلاث بنات، الزوجة الثانية وهذا الفيلم علامة من علاماته التى لم ولن تنسى وسيظل مجال للحديث بين الناس، حصل إبن مدينة شبين القناطر بمحافظة القليوبية على العديد من الجوائز التقديرية ، وكان من دفعته شكرى سرحان وفريد شوقى وحمدى غيث حيث تخرجوا جميعا من معهد الفنون المسرحية .
كما قدم كمال عطية فى فيلمه (عبد الوارث عسر) ذلك الفنان المتعدد المواهب ، وكان أحد أعضاء فرقة “جورج أبيض” البارزين ، عمل على النهوض بالفن عموما بمساعدة صديقيه سليمان نجيب ومحمدكريم، فكانت مهمته التدريب على الإلقاء ،وكتب كتابا بعنوان “فن الإلقاء” لا يزال حتى اليوم من أهم كتب تعليم التمثيل. كما أنه لم يكتف بالتمثيل بل كتب أفلاما وسيناريوهات وترجم موضوعات عديدة. ومن أهم الأعمال التي شارك في كتابتها “جنون الحب”، “يوم سعيد”، “لست ملاكا”، “زينب”…ولا ننسى دوره فى فيلم شباب أمرأة أمام تحية كاريوكا وفيلم صراع فى الوادى أمام عمر الشريف ، والحديث عنه يطول بطول عمره الفنى ولن يكفى وسنعرض له بإسهاب فى أفلام مقبلة بإذن الله.
قدم لنا الفيلم أيضا من ضمن نجومه (أمينة رزق) فى دور أم إسماعيل وهى ابنة فرقة رمسيس المتميزة الآداء ولها معنا وقفات طويلة فى أعمال قوية قدمتها للسينما، وإشترك فى الفيلم النجمة (ماجدة الخطيب) والتى قدمت أول بطولة مطلقة لها مع المخرج حسن الإمام في فيلم «دلال المصرية» الذي لفت إليها الأنظار ووضعها في مصاف النجوم، وأهلها لأداء ادوار البطولة في معظم أفلامها .
فيلم {قندبل أم هاشم} قدم لنا أيضا (عزت العلايلى وسعد أردش ومحمد وفيق والممثلة الألمانية كوليكو فسكى فى دور “مارى” الفتاة التى تعرف عليها وكانت تعلمه فنون الحياة العصرية .
يذكر أن المنتج المنفذ للفيلم هو “محسن سرحان” وكتب السيناريو والحوار له الكاتب الصحفى “صبرى موسى” ووضع الموسيقى التصويرية للفيلم “فؤاد الظاهرى” وقد تخطى إنتاجه الموسيقى لأكثر من مائتي عمل لكل من السينما والتليفزيون .
(شريف الوكيل)