إميل أمين
ما الذي يحدث حول العالم في العقدين الأخيرين أي منذ بدايات القرن الحادي والعشرين؟ الواضح للعيان أننا أمام حالة من حالات فائض الكراهية، التي باتت تهدد حياة البشر في شرق الأرض وغربها، شمالها وجنوبها، والمتابع لحوادث الأعوام الأخيرة يدرك أن دافع الكراهية تجاه الآخر هو السبب الرئيس، الأمر الذي يستدعي منا إسترجاع تعبير الفيلسوف الفرنسي الوجودي “جان بول سارتر”، والذي يذهب فيه إلى أن الآخرين هم الجحيم.
على أن مراقبة المشهد فقط، من دون جهود حقيقية لمقاومة سر الأثم هذا الذي يعمل حول العالم أمر لا جدوى له، فيما يتطلب تغيير وجه العالم جهوداً مضافة، فاعلة ناجزة من أجل استنقاذ الكوكب الأزرق من وهدة الجحيم التي يرى البعض أنها سادرة في غيها هذه الأيام.
في هذا السياق يأتي الحديث عن الدور التنويري والإنساني الخلاق الذي يقوم به مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات “كايسيد” في فيينا، والذي يتهيأ خلال الأيام القادمة لعقد مؤتمر حول إشكالية خطاب الكراهية والتحريض على العنف باسم الدين، والذي فيه يناقش المجتمعون دور الأفراد والقيادات والمؤسسات الدينية في العمل معاً من أجل مواجهة خطاب الكراهية، وتعزيز التعايش السلمي.
عبر أكثر من خمسة أعوام هي عمر مركز الملك عبدالله للحوار، والجهود التي يبذلها رجالات المركز وقادته من أجل تعظيم حالة الحوار حول العالم، مشهود لها من القاصي والداني، سيما وأن المركز يسعى إلى إدارة التنوع الديني والثقافي في العالم، وينهض بدور موضوعي واضح ومحايد في هذا الشأن، من أجل خلق إنسجام أخلاقي بين مكونات المجتمعات الإنساني، يقوم على الإحترام المتبادل وقبول الآخر ويؤسس لترسيخ التنوع، وقبول التعددية والعيش في ظل المواطنة المشتركة، ويعزز من أواصر التعاون والتفاهم، ومد جسور التواصل بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات العالمية، والتوكيد على قيم الأمن والسلام في العالم.
يذهب القائمون على كايسيد إلى أن هناك علاقة ما بين خطاب الكراهية، وبين حالة الحوار، ذلك أن الناس أعداء ما يجهلون، والكراهية تقطع جسور التواصل، في حين أن الحوار يعزز من بناء وتلاحم، ومن ثم تماسك تلك الجسور.
يشكل خطاب الكراهية، الذي حظره القانون الدولي، ذلك الخطاب المفضي إلى ثلاثة نتائج ضمنية: الأولى، استشراء التمييز العنصري، والثانية العنف، والثالثة العداوة الشديدة، كالعداوات التي تنشأ بين المجموعات العرقية، ما يشكل عقبة حقيقية في طريق إقامة حوار بناء وخلاق بين شعوب وأمم العالم، وعليه فلا حوار طالما هناك كراهية.
كثيراً جداً تعاون كايسيد مع مكتب الأمم المتحدة المعني بمنع الإبادة الجماعية ومسؤولية الحماية بقيادة المستشار الخاص للأمن العام للأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية، أداما دينيغ، وأطلق خطة العمل العالمية للقيادات الدينية والجهات الفاعلة لمنع أعمال التحريض على العنف، و التي يمكن أن تؤدي إلى ارتكاب الجرائم الفظيعة التي وضعت على أساس التوصيات والمراجعات بالتشاور مع (232) فرداً وقيادة مؤسسة دينية فاعلة.
ينبه “كايسيد” إلى أنه غالباً ما استغلت الهوية الدينية والطائفية في المنطقة العربية في أحيان عدة، لتبرير خطاب الكراهية، ضد بعض الجماعات والأفراد، وبالتالي تقويض قيم التنوع الثقافي والديني والتعددية، وعلى إثر ذلك تورطت بعض النظم والمؤسسات والأفراد في مستنقع التحريض وبث الكراهية، وبغض الآخر، بناء على رأيه أو إنتمائه الديني أو السياسي أو العرقي، ولم تنج بعض وسائل الإعلام الرسمية من هذا المرض العضال، بل إن بعضها كان رأس حربة في هذا العمل المشين، فضلاً عن توظيف بعض الساسة ذلك الخطاب التحريضي في بعض الحملات الإنتخابية أو يقينهم بأن نشر خطاب الكراهية يؤدي حتماً، إلى التحريض على أعمال العنف، ما يسهم في سلب حق الإنسان الأساسي في الحرية الدينية والمعتقد.
هل من أهداف يسعى إليها “كايسيد” من خلال المؤتمر القادم؟ يمكن إجمال الأهداف في أربعة ركئز كالتالي:
1- إذكاء الوعي العام بضرورة مكافحة خطاب الكراهية ضد أي رمز من الرموز الدينية في المجتمع العربي ونزع شرعيته.
2- إيجاد حلول فاعلة لخطاب الكراهية، والتعامل مع مواقع التواصل بطريقة أكثر حذراً، ومعرفة الطرائق الصحيحة في استخدامها، بدلاً من الحلول والمسكنات المؤقتة التي تحل المسألة جذرياً.
3- تبادل الدروس المستفادة من بعض المنظمات المحلية والوطنية والدولية والوكالات الحكومية الناشطة في مجال مكافحة خطاب الكراهية.
4- دعوة صانعي السياسات إلى إتخاذ إجراءات ملموسة ضد مرتكبي جرائم نشر الكراهية.
من جانب آخر يمكن للقارئ أن يتساءل ما هي النتائج أو المخرجات المنتظرة من مؤتمر كايسيد القادم؟
يبدو من الواضح أن هناك اهتماماً بإعادة توكيد أهمية دمج صوت القيادات الدينية العربية النشطين في المنصة في مواجهة خطاب الكراهية والتحريض على العنف.
عطفاً على ذلك فإنه من المنتظر تحديد مجالات التعاون والتنسيق الممكنة بين المؤسسات الدينية العربية في إطار الجهود المشتركة لمواجهة خطاب الكراهية.
بالإضافة إلى ذلك يتطلع “كايسيد”، لوضع وثيقة تحدد الجهود الحالية لمواجهة خطاب الكراهية في السياق الديني العربي، وإطلاق استراتيجية إقليمية لسياسة إعلامية، تعزز من آفاق التعايش السلمي والمواطنة المشتركة والحد من خطاب الكراهية في المنطقة.
ومن بين ما يتطلع إليه القائمين على كايسيد إعتماد خطة عمل مشتركة لمواجهة خطاب الكراهية في المنطقة العربية تشمل قطاعات السياسة والتعليم والإعلام والمؤسسات الدينية، وصولاً إلى إطلاق برامج تكريم سنوي في صورة جائزة أو مكافأة للجهود المتميزة في مواجهة خطاب الكراهية.
أما عن أهم القضايا المطروحة والأسئلة الرئيسية المتوقع تناولها في مؤتمر كايسيد القادم فيمكن حصرها في عدد من النقاط المهمة مثل:
– ما الجهود الحالية المبذولة في المنطقة العربية لمنع خطاب الكراهية والتصدي له؟
– ما مدى خبرة الحكومات وواضعي السياسات الذين أيدوا مسألة تجريم خطاب الكراهية في مؤسساتهم التشريعية؟
– ما العقبات التي تحول دون تطبيق الإجراءات التشريعة لمواجهة خطاب الكراهية في المنطقة العربية؟
– ما الدروس الرئيسية المستفادة من الحملات والمبادرات الوطنية والمحلية لمكافحة خطاب الكراهية؟
– ما الدور السابق والحالي للهيئات الدينية في مواجهة خطاب الكراهية؟
– ما المبادرات المشتركة المحتملة بين القيادات الدينية العربية لمكافحة خطاب الكراهية ومواجهته في المنطقة العربية؟
– كيف يمكن لوسائل الإعلام أن تسهم في دعم القيادات والمؤسسات الدينية في جهودها لمكافحة خطاب الكراهية ومواجهته؟
الخلاصة: يسعى “كايسيد” إلى تغيير وجه العالم والمنطقة العربية من سياقات الكراهية وضيق الايديولوجيا، إلى مساقات المودات، واتساع الابستمولوجيا.