رصدت وحدة الأنثروبولوجيا بمنصة الشارع القنائي -الوحدة التي تختص بدراسة علم الإنسان اجتماعيًا وثقافيًا – التحولات الاجتماعية والثقافية التي طرأت على المجتمع القنائي خلال السنوات العشر الأخيرة، وكانت نتائجها مفاجأة حتى للفريق الذي أجراها.
اختار الفريق الذي قام بالرصد عينة جغرافية محيطها بندر ومركز قنا وضمت ثلاثة تجمعات سكانية لطالما شهدت هذه التجمعات في السابق منافسة وصلت حد العنف طوال العقود الماضية وهي تجمع عائلات “الجبلاو” وتجمع عائلات “الأشراف” وتجمع عائلات “الحميدات”.
تبين لفريق البحث أن تحولًا مثيرًا طرأ على المجتمع القنائي أسقط فيه المنافسة التقليدية التي ظلت لعقود حول من يتصدر من هذه التجمعات الثلاثة زعامة قنا “بندر ومركز” سياسيًا تحت قبة البرلمان في القاهرة، فكانت “الجبلاو” و”الأشراف” و”الحميدات” يتنافسون فيما بينهم على من يحصد منهم شرف تمثيل قنا تحت قبة البرلمان في منافسة كانت فيها الأجهزة الأمنية تقف على أطراف أصابعها مع كل موسم انتخابي في البلاد.
وكانت المنافسة أو الصراع على المجد الذي تتقلده أيًا منهم في خدمة الناس، فكان يُقال حصدت الجبلاو المقعد من الأِشراف أو العكس أو تحاول الحميدات إقتناصة من أي منهما.
التحول الذي رصدته وحدة الانثروبولجيا في منصة الشارع القنائي اثبت أن هذه المنافسة بصورتها الدامية لم تعد موجودة إلى حد كبير، فقد تحولت من منافسة بين هذه التجمعات، إلى منافسة من داخلها حول من يقتنص من رموزها من الداخل شرف التمثيل فيها بعدما بات مؤكدًا أن أي من هذه التجمعات الثلاثة يستحيل أن يقتنص الفرصة بمفرده من دون التعاون مع التجمعين الأخريين وما حولهما من تجمعات إضافية، فبات الصراع بين الرموز داخل كل تجمع على حده حول من له رصيد منهم خارج بلدته أكثر من غيره.
بالمثال يتضح المقال.
في تجمع عائلات الأشراف على سبيل المثال أصبح الصراع بين زعاماتها حول من له رصيد خارج الأشراف أكثر من غيره، فوجدنا عبد السلام الشيخ عضو مجلس النواب وأحد أهم رموز هذ التجمع يتمدد بعلاقاته خارج الأشراف في أبنود وكرم عمران، ووجدنا مثًلاً السياسي الشاب أشرف رشاد أمين عام حزب مستقبل وطن يتمدد أكثر في دوائر جغرافية وسياسية بعرض مصر وطولها لكن في محيط قنا اصبحت له مناطق إرتكاز في الحميدات والجبلاو ودندرة والمحروسة وغيرها، أما اللواء جمال النجار فإنه سعى يتمدد أكثر في بلدات الكلاحين وغرب النيل أكثر من غيره، بينما باقي الرموز في الأشراف قد انكفأت على نفسها داخل التجمع فغاب بريقها وأفل نجمها، لم يعد تجمع عائلات الأشراف قادر على الفوز بشرف تمثيل قنا تحت القبة بمفرده، لذلك انفتح زعاماته أكثر على الجيران.
نفس الأمر في الجبلاو بين السياسي الشاب حمادة الجبلاوي الذي يتمدد بعلاقاته في عمق تجمع عائلات الأشراف والحميدات، كسر تابوهات تاريخية كانت تُحرم على رموز الجبلاو التواجد السياسي في الأشراف والعكس، وهو موقف رصدته وحدة الأنثروبولوجيا وسجلته باسمه في كتاب التحولات الاجتماعية والثقافية بقنا، أيَضًا محمود عبد السلام الضبع راح ينتشر في كرم عمران و أبنود ودندرة، فيما يطوف العمدة مبارك في ارتكازات غير تقليدية في الشويخات وكرم عمران ودندرة والطويرات.

على المجال ذاته في الحميدات عبد الباقي أبو زيد ينافس سعد إبراهيم فيمن له منهما علاقات أعمق وأكبر خارج تجمع عائلات الحميدات، ليستغل السياسي الشاب علاء عزوز صراع القوتين التقليديتين في الحميدات ” عبد الباقي وسعد” فيستخدم ورقة جديدة في الانتشار يعتمد فيها على علاقات شبابية تربطه بأقرانه في التجمعات التقليدية الثلاثة وخارجها.
إلى ما سبق وفي إطاره لم تعد العصبية القبلية ورقة قوية في اقتناص المقعد بالبرلماني بقنا كما كان في السابق، وبالتالي لم تعد الانتخابات موسم للاقتتال والدماء كما كانت عليه في الماضي القريب وبالتبعية لم تعد مصدر قلق الدوائر الأمنية، بات الوعي بالمصلحة العامة لقنا عمومًا هو ما يتنافس عليه الجميع، وبات الصراع التقليدي بين التجمعات القبائلية وبعضها البعض من حكايات الماضي القريب.
