كتب / عبده مغربي
لا يجب عندما يحدّثني عمرو أديب عن خوفه على الإقتصاد المصري، أو خوفه على مصر إجمالًا، أن أصدّقه، فالرجل ورد اسمه كأحد المساهمين في شركة كوينزجيت Queensgate Overseas Ltd والتي لا يعرف مجال نشاطها بالتحديد، غير أنه وفق وثائق بنما، هو شريك في واحدة من 38 شركة “أوفشور” مرتبطة بنحو 300 شخصية مصرية منهم رجال الأعمال نجيب ساويرس وصلاح دياب وحسن هيكل وحازم بركات وبدر صيدناوي، وممدوح عباس وعدد من أفراد عائلته، فضلا عن أفراد عائلات “منصور” و”غبور” و”نصير”.
تنطوي تلك الممارسة.. أن يودع أحدهم أمواله في شركة من شركات الـ”أوف شور” على جريمة تهرب ضريبي واضحة، وفي أحيان أخرى يتم ذلك بشكل لا يخالف القانون وهو ما يسمى بالتجنب الضريبي، لكن الضرر واحد في الحالتين: حرمان خزينة الدولة من إيرادات ضريبية مستحقة من شخصيات طبيعية (أفراد) أو اعتبارية (شركات) حققت أرباحها في مصر بشكل فعلي، لكن هذه الأرباح تظهر على الورق وكأنها تحققت في تلك الملاذات الضريبية الآمنة-الدول التي أسسوا فيها تلك الشركات وغالبًا ما تكون على الورق فقط بلا مقرات أو نشاط حقيقي على الأرض- ويتسبب ذلك بالتالي في حرمان المجتمع المصري من خدمات عامة يتم تموويلها من الضرائب مثل المدارس والمستشفيات والطرق.
عمرو أديب مثله مثل ابراهيم عيسى، حققا ثروات طائلة من العمل مع جهات عربية وأجنبية، الأول عمل لصالح رجال أعمال وشخصيات عربية سعودية، والثاني عمل لصالح رجال أعمال صهاينة، ومؤسسات أمريكية، فالعمل الإعلامى المجرد لا يمكن أن يكون سببا فى تكوين ثروة تقترب من المليار جنيه، أو تزيد، وعليه فإن المصريين لا يجب كذلك أن يصدّقوا ابراهيم عيسى، وهو يحدثنا عن الشيخ الشعراوي أو تجديد الخطاب الديني، فالرجل يعمل صراحة مع الصهاينة، وهو لا ينكر ذلك.
الفقرة أعلاه ليست معلومات سريّة، بل هي معلنة، لكن لا أحد يتكلم عنهم في مصر، ذلك أن عمرو أديب مقرّب من نظام الحكم في المملكة العربية السعودية الشقيقة، وابراهيم عيسى مقرب من نظام الحكم في مصر، علاقته رأسًا مع الرئيس السيسي، وقد كشف ابراهيم عيسى بنفسه عن جلسات جمعته مع الرئيس السيسي، ربّما ليمرر لنفسه حصانة أمام الجهات المختلفة.
محمد الباز يكتب: نجيب ساويرس اشترى إبراهيم عيسى بـ 50 ألف جنيه
إلى ذلك.. لا يجب أيضًا أن أصدق كثير من الإعلاميين الذين كوّنوا ثروات ضخمة من تقلبات أنظمة الحكم في مصر، بدايةً من نظام “مبارك” إلى نظام “السيسي” مرورًا بـ”المجلس العسكري” “والإخوان”، منهم على سبيل المثال لا الحصر، أسامة هيكل الذي قفز فجأة من مجرد رئيس تحرير جريدة الوفد إلى وزير للإعلام دفعة واحدة، حصل على المنصب مرتين، فصلت بينهما استراحة زمنية مدتها 4 سنوات تولى خلالها رئاسة مدينة الإنتاج الإعلامي إلى جانب توليه رئاسة لجنة الثقافة والإعلام بمجسل النواب في برلمان 2015-،2020 لا لشيء إلا لقربه من دوائر القرار في لحظات معينة.
الآن.. اسامة هيكل يمتلك ثروة هائلة، منها حصّته في جامعة النيل التي باعها قبل أيام بما يقرب من 100 مليون جنيه، لذلك لا يمكنني أن أصدّق تخوفه على قناة السويس عندما كتب قبل أيّام محذّرًا من الاقتراب منها، وهو الذي تاجر وباع تأشيرة الرئيس السيسي نفسها بتأسيس جامعة وادي النيل في الفيوم رغم أنها جامعة غير هادفة إلى الربح وفق قرار الرئيس.
كذلك حفنة من االصحفيين والاعلاميين الذين أصبحت لهم عقارات في اليونان وباريس ودبي ولندن وغيرها، وهم في أغلبهم يتصدّرون الشاشات الآن.
ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، عبدالرحيم على، الذي كان حتى العام 2011 لا يمتلك فوق قوت يومه إلا محل “سايبر” في شارع جواد حسني، يأتي اليه نهاية كل يوم ليجمع منه الإيراد، ويقتسمه مع شريكه في المحل، الآن عبدالرحيم علي، يمتلك 5 فيلات في كومباوند واحد بمدينة 6 اكتوبر، إضافة إلى عقارات وأنشطة أخرى، ومن معالم ثروته أنه يقيم بمنزل خاص به في عاصمة النور باريس اقامة دائمة، ويسهر ليلًا في شارع الشانزليزية، لا يمكن للغالبية من المصريين أن يصدذقوا عبدالرحيم علي وهو يكتب كل يوم متباكيًا على أرواح شهدائنا في معركتنا ضد الإرهاب.
من تلك النماذج السابقة.. الكثير والكثير من الشخصيًات الإعلامية التي كوّنت ثروات طائلة من تقلبات أنظمة الحكم في البلاد، ومن ذلك بالطبع الذين ولّوا وجوهم قبل الغرب وتركيا.
القاعدة أعلاه، ليست مجملة الحكم.. فيها استثناءات بالطبع، من أولئك.. صحفيون جمعوا ما يكفيهم من أموال غيّروا بها أنماط حيواتهم إلى الأفضل، فقط من كدّ أقلامهم، أو إطلالاتهم على الشاشة.
الشاهد مما سبق، أن الدولة، أي دولة، حينما تريد أن تخاطب شعبها، لا يجب أن تمرر رسائلها عبر أفواه أو أقلام، يعرف الوجدان الشعبي المصري جيدًا حجم نفاقها، وكذبها، وزيف مواقفها.
كيف تريدني أن أصدّق كاذب ومنافق ومزيّف ما تزال ذاكرة “جوجل” و “يوتويب” و “تويتر” و “فيسبوك” تحفظ له أطنانًا من الفجور في تبديل المواقف، حتى لو كان ما يقوله حقّ؟
نظام الحكم الحالي في مصر.. نظام الرئيس السيسي، أنجز في ملفات ضخمة وكثيرة، وأخفق في أخرى، والشعب المصري يقف منها جميعًا موقف المتفرّج، فلا يطمئن إلى رسائل الإعلام المعادي كما لا يصدٌق صراخات الإعلام الموالي، أغلبهم يتكلمون ويكتبون من حيث يقبضون.
وربّما لذلك، تجد الرئيس عبدالفتاح السيسي يمارس بنفسه دور الإعلامي الذي يشرح منجزات و اخفاقات نظامه بنفسه، وهو دور يكشف إلى حدٍ كبير، أزمة الإعلام في مصر، فالرئيس يعلم جيدّا أن المصريين لا يثقون كثيرًا في الشخصيًات الإعلامية التي تتصدّر الشاشات الآن، وهو بالطبع، لم يكن يريد ولا يحب أن يمارس دور الإعلامي، أن يتحدّث عن نظامه بنفسه.. ولكن يبدو أنّ.. للضرورة أحكام.
على أن هذا الدور لا يجب أبدًا ان يقوم به الرئيس، يجب فتح المجال أمام أصوات مختلفة، تنتقد بإخلاص، وتسرد بأمانة، أصوات لاتقلق من أن توجّه نقدًا لاذعًا لهذا المسئول أو ذاك، ولا يعيبها الإشادة بغيره، طالما اتيح لها سرد التدليل على ذلك النقد أو تلك الإشادة بحريّة تامّة.
الخلاصة.. لا يجب أن يختفي الصوت المعارض من الساحة، ولا يجب أن يحتكره في مصر منصات ممولة أمريكيًا وصهيونيًا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر”مدى مصر” الموقع الممول من الخارج، حتى بات من المنصات التي يفضّل بعض المصريين الذهاب إليها للحصول على المعلومات، وهنا مكمن الخطورة، فإيٍ من العلومات تحب تلك المنصّات أن تصدّرها للمصريين..؟!
عبده مغربي