حين تُصبح أسماء بعينها في قبضة الغموض، ونشرات الأخبار رسائل مشفرة بين دوائر نفوذ لا يعلم عنها الشعب شيئا، وحين تغرق الروايات الرسمية – بفعل فاعل- في مستنقع التفسيرات المفتوحة، عليك أن تيقن – بلا أدنى شك- أن الجريمة التي وصل مرتكبوها – بحمد الله- أخيرا إلى قاعات المحاكم ليست إلا عملية مبدرة سلفا لتغطية جرائم ومجرمين أكبر جدا.
ساعات شديدة السخونة عاشتها مصر مؤخرا، في مطادرة الإرهاب والفساد والأقنعة الكالحة، ونهضت الأجهزة تمد يد العون للدولة والرئيس والحكومة بضخ دماء جديدة في قلب مصر المرتعش تجنبًا لهزات المستقبل بفعل أفراد من داخل النظام ونم خارجه تغرز أيديها طعنا في الظهر: ظهر الشعب وظهر الريس معا.
عن ألغاز قضية تمويل الإرهاب الأخيرة التي كشفها بيان وزارة الداخلية، وتوابع زلزال المقبوض عليهم علنا وسرا سأتكلم..
فجميل أن يرصد قطاع الأمن الوطنى مخططاً إرهابيا لتنفيذ سلسلة من العمليات العدائية تجاه المنشآت والمرافق الحيوية والقوات المسلحة والشرطة والقضاء، لإشاعة حالة من الفوضى بالبلاد تمكن جماعة الإخوان الإرهابية من العودة لتصدر المشهد السياسى، بالتزامن مع ذكرى 25 يناير.
وجميل أن تكشف المعلومات إنشاء ثلاث شبكات سرية تستهدف ( تهريب النقد الأجنبى خارج البلاد – تهريب العناصر الإخوانية المطلوبة أمنياً إلى بعض الدول الأوروبية مروراً بدولة تركيا – توفير الدعم المادى لعناصر التنظيم بالداخل لتنفيذ سلسلة من العمليات العدائية التى تستهدف الإضرار بالجبهة الداخلية ) وذلك بالتعاون مع عدد من العناصر الإخوانية القائمة على إدارة بعض الشركات بالبلاد والتى يتخذونها ستاراً لتمويل نشاطهم لصالح التنظيم.
والأجمل أن تنجح الجهود فى تحديد تلك العناصر الهاربة والمتورطة فى إعداد المخطط وهم ( ياسر محمد حلمى زناتى – محمود حسين أحمد حسين – أيمن أحمد عبد الغنى حسنين – مدحت أحمد محمود الحداد ) ، حيث تم التعامل مع تلك المعلومات وتوجيه ضربة أمنية للعناصر القائمة على هذا التحرك بالبلاد عقب تقنين الإجراءات مع نيابة أمن الدولة العليا، أسفرت عن تحديد وضبط 16 منهم، إضافة إلى بعض المبالغ المالية بالعملات المحلية والأجنبية ، فضلاً عن عدد من جوازات السفر ومجموعة من الأوراق التنظيمية التى تحوى خطة تحركهم.
ومن بين تلك العناصر المقبوض عليها الإخواني محمد أبو الفتوح والذى قال في اعترافه المصور والذى جرى عرضه على شاشات التليفزيون الرسمي: أعمل في تجارة العملة، وتعرفت على الإخوانية فاتن إسماعيل الهاربة في تركيا.. وحصلت على مبالغ ضخمة من فاتن، وطلبت مني تأسيس شركة، والعمل على جمع العملة، وحققت أرباح كبيرة، طلبت مني تسليمها لمجموعة من الأشخاص كنت التقيهم في عدة أماكن مختلفة، بأسماء حركية ورقم سري، لأعطيهم الأموال، لتنفيذ التكليفات الصادرة لهم من تركيا.
إلى هنا والأمور تنبئ بنجاح باهر، ويقظة مفرطة، وتنبه لقطع الطريق على المخربين الذين يريدون أن يحكموا مصر قسرا أو يخربوها ويقتلوا شعبها قهرا..
لكن أنصاف الحقائق دائما تقود إلى كارثة، وإخفاء نصف الصورة يحول النجاح إلى فشل أو تستر على فشل ذريع يسمح بتكرار تلك الاختراقات لأمن البلاد والعباد، والأهم من ذلك أنه يشير بأصابع اتهام إلى عملية تضليل واسعة تقف ورائها أسماء بعينها تريد حجب الجزء الأكبر من الصورة عن أعين الشعب الذى وجهت له الداخلية بيانها الأخير على سبيل البشرى..
فما لم يكشفه البيان هو القصة الكاملة للمتهم الرئيسي محمد أبو الفتوح الذى أدلى بتلك الاعترافات أمام الشاشات، والتي أتجرأ هنا وحدى – أنا محمد سعد خطاب- على كشفها وكشف ما بعدها وما يربطها من أسماء كبيرة جدا..وهذا هو دور الصحافة المغيبة بفعل فاعل في البلاد
إن المتهم الذى استمع الجميع إلى اعترافاته هو نفسه محمد أبو الفتوح ليلة الذى كان يعمل موظفا في البنك الوطني للتنمية الذى تحول إلى البنك الوطنى الكويتي في فرع العباسية بجوار المستشفي الجوى، موظف صغير الشأن جدا، ومغمور يضلل جهات الأمن لسنوات قبل أن يقع في قبضة رجال الأمن الوطني قبل 25 يناير بأيام قليلة..
هل هذا معقول..!
إن المفاجأة ياسادة.. أن محمد ليلة كان يعمل في تجارة العملة منذ سنوات لدى شركات رجل الأعمال الإخواني المعروف حسن مالك، كصبي لترويج وتسليم العملة الأجنبية المحظور التعامل عليها خاصة بعد خروج مبارك من الحكم في فبراير 2011، ونشط جدا في هذه المهمة، وفجأة قرر أن يترك عمله كموظف في البنك، قبل أن يظهر على شاشات التلفزيون ليدلى باعترافاته المقتضبة قبل أيام.
فهل اختفى محمد ليلة طوال تلك السنوات ليصبح بعيدا جدا عن أعين الأمن رغم تجريف جماعة الإخوان وملاحقة كل نشطائها وعناصرها كبارهم وصغارهم، بما فيهم حسن مالك نفسه، الذى فرضت الحراسة على أمواله وقدم للمحاكمة بتهمة تمويل الإرهاب؟
الجواب المفاجئ..لا، بل على العكس تماما أصبح محمد ليلة بين يوم وليلة رجل أعمال كبير جدا يضارع حسن مالك في ثرائه حيث أنشأ مجموعة ليلة العقارية التي استحوذت على 30 فدانا في واحدة من أهم مناطق التجمع الخامس، بالمنطقة 33 المستثمرين الشمالية على شارع التسعين الشمالي الرئيسي المعروف والمؤدي إلى مدينة الرحاب، لينشئ كمبوند فاخر يباع المتر فيه حاليا بـ 30 ألف جنيه، ثم أنشأ داخله مولا ضخما تتجاوز قيمته السوقية حاليا المليار جنيه، ويتسبب المول المواجه للشارع مباشرة في أزمة مرورية كبيرة ودائمة، وبلغ من نفوذ ليلة أنه خالف اشتراطات البناء التي حصلت عليها شركته في هذا المنتجع ببناء دور سادس مخالف، وكادت تحدث مشكلة بينه وبين جهاز القاهرة الجديدة، حيث هدد رئيس الجهاز بإزالة المخالفات بالقوة، لكن يدا خفية تدخلت وحلت تلك المشكلة ليتمكن الرجل من استكمال البناء وتعظيم أرباحه على مرأى من الجميع، خاص بعد أن أصبح كثير من حاجزى الفيلات والشقق لديه من علية القوم والعاملين بأجهزة سيادية.
أين كانت أعين الأمن حين كان هذا “الصبي الإخواني” المشبوه بتجارة العملة منذ كان يعمل لصالح حسن مالك وفي شركاته التي مسحت أمنيا عن آخرها، خلال رحلة صعود ليلة العلنية؟ والأهم من ذلك كيف تم ذلك دون مساعدة أحد في دوائر النفوذ والقوة الفعلية التي تدير أمور البزنس والمصالح على قدم وساق؟
2- منتجع ووتر واي وأسرار لم تنشر من قبل
إلى جوار منتجع ليلة منتجع آخر ظهر بعد 2011 فجأة، هو منتجع ووتر واي والذى يملكه صديق ليلة المدعو حسام حسن، نعم ربما كان الاسم مجهولا بالنسبة لكم فكم من الأسماء المجهولة التي ظهرت فجأة خلال السنوات الأخيرة وتحولت من صبيان أو سماسرة إلى رجال أعمال يلعبون بالمليارات دون أن يراهم أحد، أو بالأحرى دون أن يمنعهم أحد.
لقد كان حسام حسن سمسارا صغيرا بصحبة عماد الحاذق صاحب منتجع ليك فيو وشريك محمد ابراهيم سليمان وزير الإسكان الهارب من حكم نهائي بالسجن 3 أعوام ورد مليار جنيه للدولة في قضية فساد سوديك، وكما صعد الحاذق من الفراغ وتحول من معدم إلى ملياردير في عهد شريكه سليمان، كذلك صنع خليفته حسام وتحول من مجرد سمسار صغير – على يد مجهول- إلى واحد من حيتان العقارات، يبيع المتر الواحد في منتجعه بما يزيد على 27 ألف جنيه.
3- الملياردير الغامض خالد عبدالله ملك التمويل في مصر
وبتتبع شبكات الأموال والتمويل المشبوهة، يظهر من وراء الكواليس اسم آخر شديد الغموض، رغم أعماله ونشاطاته الواسعة التي تخطت قدرة المصارف والبنوك بل والدولة نفسها، إنه خالد عبدالله صاحب أكبر مجموعة تمويل باسم دار المال تتخطى محفظتها 2 تريليون جنيه، والذي يقوم بأعمال هى بالأساس من اختصاص البنوك بحكم القانون، حيث يقوم بأعمال إقراض لشركات ورجال أعمال بضمان أصول مشروعات وأراضي غالبا ما حضلوا عليها بالتخصيص أو الشراكة مع مسؤولين وجهات حكومية من الدولة، وقد تجاوز إجمالي القروض التي قدمها خالد لرجال أعمال بينهم محمد أبو العينين ومحمد المرشدي ومحمد وجدي كرارة وحسن راتب وغيرهم نحو 55 مليار جنيه، بفائدة 35%، وهى أرقام توازي إن لم تتعد محافظ القروض الاستثمارية التي تمنحها بنوك كبيرة في السوق المصري.
إن المثير للريبة ليس فقط حجم تلك الأموال ولا من يشاركه فيها أو كيف تسنى له القيام بهذه الأعمال في آمان كامل، بل قصة صعوده الغريبة، فلم يكن خالد سليل عائلة ميسورة ولا من علية القوم، بل كان صاحب محل سيراميك وأدوات صحية باسم المصريين في حى الفجالة الشعبي، يشاركه فيه شقيقه أمير عبد الله حتى منتصف التسعينات، أي منذ وقت قريب، وفي سنوات قليلة أصبح القاسم المشترك لكل أعمال البيزنس العلنية والخفية في مصر، يلجأ إليه كبار رجال الأعمال والشركات، ويوظف كبار المسؤولين السابقين، فبين كبار مساعديه حاليا رئيس وزراء سابق خو ابراهيم محلب ومدير أمن العاصمة السابق أسامة الصغير، الأول يتقاضى 150 ألف جنيه شهريا إضافة إلى سيارة فارهة خاصة، والثاني يتقاضى 50 ألف شهريا بالإضافة إلى سيارة فاخرة.
ذات مرة أسر خالد لأحد أصدقائه أنه حين أراد أن يعين محلب لديه بعد خروجه من الوزارة استأذن “فوق” قبل الإقدام على تلك الخطوة، فإذنت له الدوائر العليا “اللي فوق”- حسب قوله- بذلك، لكن وبعد مدة، جاءته رسالة من تلك الدوائر بطرد محلب إلا أنه اعتذر، وأصر على الإبقاء عليه في المجموعة، وكان ذلك على سبيل المباهاة بما يتمتع به من قوة ونفوذ لدى السلطة في مصر، وليس أدل على ذلك من أنه عين لديه ثلاث وزراء أخرين هم مختار خطاب وعثمان محمد عثمان وعبد الرحيم شحاتة محافظ القاهرة الأسبق.
وليس من العجيب أن نعلم أن بعض البنوك – كما علمت- تستعين به في توظيف بعض ودائع عملائها دون شفافية أو إعلان.
من آخر أعمال خالد عبد الله طرحه مول مكسيم في منتجع مكسيم المملوك لمحمد كرارة في التجمع الخامس للبيع بسعر 700 مليون جنيه، بعد رهنه وفندق كمبينسكى إلى خالد، وفاء لقرض منحه للإبن المدلل لرجل الأعمال الراحل وجدى كرارة شريك ابراهيم سليمان في هدم فيلات مصر الجديدة واستبدالها بالعمارات والفيلات الفاخرة والذى صعد هو الآخر من العدم ليصبح واحدا من أغنى أغنياء مصر في سنوات قليلة، بعد سلسلة من عمليات الفساد، من أطرفها ما نشرته قبل سنوات في مجلة روز اليوسف عن “عمارة الفاسدين”، والتي بناها كرارة في 58 شارع عمر بن الخطاب المتفرع من شارع العروبة مستغلا مواد البناء التي خصصتها وزارة الإسكان لترميم مسجد السيدة زينب، بتسهيل من صديقه سليمان، ومنح الدورين الأرضي والأول بمساحة شقتين لكل منهما إلى صفوت الشريف، والثاني إلى فتحى سرور، والثالث إلى عمر سليمان، والرابع إلى ابراهيم سليمان أهداه إلى ابنته داليا لتتزوج فيه، ثم فتح الدورين الأخيرين من الداخل بأعمدةعالية الارتفاع بمصعد خاص وأهداهما إلى علاء مبارك قبل زواجه، مخالفا كل الاشتراطات البنائية في المنطقة، بعد أن بنى على الصامت، فضلا عن ترهيب الجيران حيث كان سرور يأمرهم بتشجير وتجميل أسطح فيلاتهم المجاورة حتى لا تؤذي نظر الساكن العلوى ابن الرئيس مبارك.
ترك وجدى ابنه ليعبث باقتصاد مصر كما يشاء، فقبل خمس سنوات فقط تقدم محمد كرارة لمناقصة طرحتها وزارة الطيران على قطعة أرض في مطار القاهرة بما لا يزيد على 3 مليارات جنيه، إلا أن كرارة تقدم بعطاء يصل إلى 9 مليارات جنيه ما أصاب الوزارة بالذهول وجعلها تفرح بترسية العطاء عليه، بل وتدخل الوزير السابق حسام كمال لدى الرئيس السيسي لتغيير مسار كوبرى كانت تعتزم القوات المسلحة إنشاءه هناك مراعاة لخاطر كرارة ومشروعه الوهمى، وحدث أن اتصل بي ذات مرة الوزير حسام كمال فصارحته بأن كرارة لن يدفع جنيها عدا رسوم المناقصة التي لم تتجاوز 5 ملايين جنيه، وأنه غير جاد في المشروع وأنه يتلاعب بالدولة لحسابات أخرى، ورد الرجل بأنه لايملك إلا الانتظار حتى شهر أكتوبر- وكان الاتصال في مثل هذه الأيام من يناير- وفقا للمواعيد المتفق عليها، وراهنته على خداع كرارة للحكومة، وهو ما تحقق بالفعل، واعترف به الوزير بعد انتهاء المهلة، وقال “ياريتنى سمعت كلامك”.. ومع ذلك، وفي خطوة غير منطقية ولا مفهومة منحت الحكومة لكرارة بعد هذه الواقعه الكاشفة عن تعثره وتلاعبه مساحة 500 فدان في الساحل الشمالي يتربح منها بإنشاء منتجع جديد عالى الرفاهية.
إنها – في أحسن الظنون- عشوائية لا نظير لها في إدارة اقتصاد البلاد، من قبل مسؤولين غافلين أو متغافلين، وفي ظنون أخرى مشاركة وتسهيل لنهب المال العام وأراضي الدولة والتربح على حساب اقتصاد بلد يعاني من الأساس، ويشعر بمعاناته الصغير قبل الكبير.
4- قصة موظف الضرائب البسيط الذي أصبح أخطر رجل أعمال في مصر
في واقعة أخرى لم يمض عليها أكثر من عشرة أيام، ترتبط أشد الارتباط بشبكات الأموال والتمويل المشبوهة، التي تتقاطع فيها أسماء إخوانية مع أخرى من النظام القديم- نظام مبارك- إضافة لأسماء نافذة في السلطة حاليا، أو على الأقل قريبة منها، انتشرت في الصحف الصادرة يوم 11 يناير الجاري إعلانات أول جامعة خاصة في العاصمة الإدارية على أعلى مستوى تعليمي وتكنولوجي وباستثمارات ضخمة، مع فتح باب الحجز للالتحاق بها، حيث من المنتطر أن تبدأ فصولها الدراسية في سبتمبر 2020، وهنا تخفي الإعلانات المجهلة والمشروعات مستورة المصدر والممول والواجهة أيضا أكثر مما تظهر من أخبار براقة عن ضخ دماء جديدة في المشروعات والاقتصاد، فمن المفاجئ أن صاحب النصيب الأكبر في هذه الجامعة شخص يدعى “معتز” أصبح بين يوم وليلة، وبالتحديد في أقل من ثلاث سنوات رجل أعمال من العيار الثقيل، علما بأنه في الأصل وحتى وقت قريب لم يكن إلا مجرد موظف ضرايب.
نعم، ليس في العبارة السابقة أي خطأ، فقد تخرج الشاب معتز ابن حى مصر القديمة في كلية التجارة، وكان بحكم الوراثة يعاني الفقر بكل أنواعه، حتى صادف الحاج محمد جوهر صاحب محل الذهب في المنطقة، وكان واحدا من أشهر تجار المجوهرات ولديه محلات في أسوان والأقصر والهرم ومصر الجديدة، فرق لحاله وتوسط لتشغيله في أى وظيفه، وتمكن بالفعل من إلحاقه بوظيفة موظف في مصلحة الضرائب، إلا أن طموح معتز دفعه بعد تقربه من جوهر إلى الاستقالة، بعد طلب العمل مع جوهر لتعلم الصنعة، وظل على هذا الحال، حتى سنوات قليلة بعد ثورة يناير، حيث ترك العمل مع جوهر فجأة ليفتتح ورشة ذهب في الجمالية وشركة للصرافة في حى مصر الجديدة، إلا أنه سرعان ما ظهر اسمه على قائمة المتهمين في قضية توظيف الأموال والنصب بالفوركس في عام 2013 والتي اتهمت فيها ابنة السياسي حمدين صباحي، وصدر قرار حبسه 4 أيام على ذمة التحقيق ثم تجديد حبسه 15 يوما، قبل أن يخرج بمساعدة أحد تجار العملة الكبار ويدعى م.ن وعده بإخراجه كالشعرة من العجينه بعد دفع مليون جنيه، رغم أن القضية كلها جرت تسويتها سياسيا في عهد الإخوان، وأغلقت تماما.
بعد عامين فقط ظهر اسم معتز مرة أخرى، والذى كان يزاول نشاطا محموما في تجارة وتهريب العملة طوال تلك الفترة، بعد القبض على اثنين في شارع المعز بحى خان الخليلي وبحوزتهما 3 ملايين دولار بمعرفة مباحث الأموال العامة، على خلفية عملية اتجار بالعملة وإضرار بالاقتصاد الوطنى، وحدث أن المتهمين ظهرا على الهواء مباشرة في ضيافة الإعلامي وائل الإبراشي في برنامج العاشرة مساء على قناة دريم في اليوم التالي ليعترفا حرفيا بأنهما لا علاقة لهما بتلك الأموال وأنها تخص “الحاج معتز”.
وكانت تجارة العملة وتهريب الأموال تجرى على قدم وساق في تلك الفترة، مع بداية حكم الرئيس السيسي، في حملة منظمة لضرب الاقتصاد وهز الاستقرار، وقد سبق ونشرت تحقيقات وحلقات مطولة لفضح تلك الشبكات طوال أعوام 2014 و2015 و2016، وكان من بين رموزها في تلك الفترة صاحب إحدى أكبر شركات الذهب، والذى استولى على ملايين الجنيهات من تجار الصاغة لتوظيفها ورفض ردها، ما عرضه لرفع دعاوى قضائية ضده، وكان من بين ضحاياه تاجر العملة الشهير صالح البلاع الذي دفع إليه 3 ملايين دولار، إلا أنه أحجم عن مطالبته بها، فالرجل هو الآخر لديه بطحة كبيرة، فقد صدر ضده حكم غيابي بالسجن 15 عاما في قضية تهريب الأموال الشهيرة عبر مطار القاهرة والتي ضمت تاجر العملة الشهير رضا عواد والذى توفي منذ فترة قريبة، ويخضع صاحب شركة الذهب حاليا لمحاكمة أمام محكمة جنايات القاهرة والمحكمة الاقتصادية على خلفية قضية غسيل أموال كبرى سبق أن كشفت خيوطها أيضا في تحقيقات بمجلة روزاليوسف.
وظل صالح البلاع هاربا إلى اليوم، والطريف أنه أحد شركاء معتز في مشروع الجامعة الجديدة في العاصمة الإدارية، والذى أقنعه بالمشاركة بحصة مع وعد بتسوية قضية تهريب الأموال التي تورط فيها.. وقد التقى معتز تاجر ذهب شهير في دبي قبل أسبوعين، وداعبه قائلا “تجارة الدهب مش لايقة بمقامنا.. أنا والسويدي دلوقت الوحيدين اصحاب أكبر جامعتين شغالين في مصر..في العاصمة الإدارية”.
(وحق لهذا الصاعد الغامض في دهاليز صناعة الثروة والنفوذ في مصر هذه الأيام أن يباهي بكل هذه القوة، فقد يذهل الشعب المصري إذا علم حقيقة أسماء باقي الشركاء بل الملاك الحقيقيين لتلك الجامعة وباقي المشروعات التي يتصدر فيها هؤلاء المشبوهين كواجهات تربح غير مشروع على حساب شعب يئن ويزداد أنينه)
إنه يا سادة عالم من الخيال الأسود، إلا أنه – وللأسف – يحدث بالصوت والصورة في أرض مصر المحروسة على مدار الساعة، وكأن أحدا ينصب فخا للرئيس الذي يعلن مكافحة الفساد بشدة ويسلط أجهزته الرقابية على المفسدين، ويدعو الشعب والأقلام الحرة للتعاون مع في ذلك وفضح كل مفسد، فإذا بخفافيش متنكرة في مراكز نفوذ مجهولة تمنح ستارا حديديا لهؤلاء المفسدين، الكبار منهم خاصة، بل وتشاركهم وتتقاسم معهم الأرباح، والأكثر فجرا من ذلك كله أنها تقربهم من دائرة الرئيس نفسه، ولو من دون علمه.
5-التفاصيل الكامل لنهاية امبراطور فساد الإسكان في 6 اكتوبر
نعم، فما ظنكم بمقاول اشتهر بأنه متهم أول في أكبر قضية رشوة يجرى وضعه في الصف الخلفي للرئيس إلى جوار صاحب دبلوم صنايع أصبح يقدم نفسه على أنه إعلامى ويشتري الصحف ويتصدر المؤتمرات وهو الآخر شريك في أكثر من قضية رشوة، والمثير للحزن أن يجرى استضافة هؤلاء في مقاعد خلف الرئيس في مؤتمر يدعو للشفافية ومكافحة الفساد، وهو المؤتمر الذى عقد في شرم الشيخ قبل أشهر قليلة.
وإليكم مفاجأة أخرى.. أن هذا المقاول والمرتشي السابق جرى القبض عليه قبل ساعات بمعرفة الرقابة الإدارية في مدينة أكتوبر مع اثنين من مساعديه في قضية فساد جديدة.!
إنه المقاول الشهير ورجل الأعمال داكر عبد اللاه عضو اتحاد المقاولين وعضو لجنة التشييد بجمعية رجال الأعمال وبطل قضية الرشوة الكبرى في وزارة الإسكان التي كاد يتورط فيها ابراهيم سليمان ومدير مكتبه أيمن الليثي وسيط الرشوة، لولا تدخل جهات لحجب اسم الوزير عن التحقيقات، وأخيرا إطلاق سراح عبداللاه ( الذي وضعته بالمصادفة ضمن حلقات كتابي القادم ثعالب مصر) باستغلال مادة الاعتراف، وإلقاء كل المسؤولين على عاتق محمد حسنى أمين لجنة البت في الوزارة، والذي حوكم بالسجن 7 سنوات خرج بعدها ليتمتع بحصيلة الفساد وبالإقامة في قصره الفاخر بمنطقة الجولف إلى جوار علية القوم.
فقبل عدة أيام ألقت الرقابة الإدارية القبض على داكر للمرة الثانية أو الثالثة في تاريخه بعد تقديمه لمستندات مزورة إلى جهة حكومية هى جهاز مدينة 6 أكتوبر عن مستحقات مالية للدولة تبلغ 16 مليون جنيه، حيث قدم خطابي ضمان مزورين منسوب صدورهما لبنك عودة إلى الجهاز وفاء لمديونيته، أحدهما بقيمة 9.5 مليون جنيه والثاني بقيمة 6.5 مليون جنيه، وجرى اقتياده إلى نيابة 6 أكتوبر بعد القبض على مساعديه شادي خفاجة (ابن منطقته الجمالية) وطاهر، اضافة الى موظف البنك، وتوجيه تهمة استخدام محرر مزور لهم بهدف الاستيلاء على المال العام، والتلاعب بأملاك الدولة، والفساد في مشروعات مسندة إليه، وجرى حبسهم 4 أيام ثم تجديدها لمدة 15 يوما على ذمة التحقيق.
وقد نشط داكر طوال سنوات في احتكار أعمال وزارة الإسكان وكان من عادته الاجتماع مع محمد عبد الوهاب وعلاء والي (رئيس لجنة الإسكان حاليا في مجلس النواب) في فندق فيرمون ليلا، لتقسيم كعكة عقود مناقصات الوزارة، وتوزيع عقود المقاولات فيما بينهم، وهو ما جاء حرفيا في نص تحقيقات قضية الرشوة.
ومن الطرائف المضحكة المبكية أن داكر عبد اللاه – الذي كان يزعم أنه دكتور مهندس في تقديم نفسه للصحف، وكما كتب في اللافتات التي أغرق بها منطقة الجمالية والظاهر ومنشية ناصر وباب الشعرية – وفي مثل هذه الأيام قبل 4 سنوات فقط، خرج على الصحف بتصريح يشيد فيه بقرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بتكليف هيئة الرقابة الإدارية بمراجعة كافة المشروعات الحكومية التي ينفذها المقاولون قبل استلامها، عقب أزمة غرق محافظتي الإسكندرية والبحيرة التي كشفت عن تهالك البنية التحتية، بسبب فساد المقاولين والمسؤولين، وقال إن هذه الخطوة ستقضي نهائياً على الفساد في بعض أجهزة المحليات وتنقي العديد من الظواهر السلبية في الجهاز الإداري للدولة، والتي كانت السبب الرئيسي في تهتك البنى التحتية لمصر من خلال عدم مراجعة الأعمال الإنشائية عند الاستلام ومقارنتها بأوصافها في بنود التعاقد، علما بان داكر أحد كبار المدينين لوزارة الإسكان عن سوابق أعماله مع الوزارة، كما جاء في أحد تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات، ورغم ذلك ظل في الصدارة، يتجول بصحبة حسن عبد العزيز رئيس الاتحاد ووزير الإسكان ورئيس الوزراء في كل الزيارات الخارجية الرسمية من المغرب إلى أفريقيا، لقنص قطع من كعكة الاستثمارات التي تأتى بها الدولة من هناك، وفتح أسوق جديدة..
والغريب أن حسن عبد العزيز كان واحدا من رؤوس معاوني ابراهيم سليمان في عهد الفساد الكبير منذ منتصف التسعينات، حيث عمل رئيسا لجهازي 6 أكتوبر والقاهرة الجديدة، وكان أمين الحزب الوطنى المنحل في الجمالية، دائرة وزير الإسكان، وبعد عام 2011 جاء به ابراهيم محلب رئيسا لاتحاد مقاولي البناء والتشييد لمدة عشرة سنوات.!
6- انحرافات موظف سابق بالحرس الجمهوري
لقد نشطت أعمال التربح واستغلال النفوذ، الصحيح والمزيف، كما في حالة داكر وأمثاله، في الآونة الأخيرة إلى درجة مفزعة، ومن ذلك ما أسوقه في هذه الواقعة التي أقدمها كبلاغ إلى الجهات السيادية والرقابية لكبح جماح هذه الذئاب المنفلتة في كل مكان، فقد لجأ موظف كبير سابق في الحرس الجمهوري يدعى ع. عليوة بعد تقاعده لملاعيب شيحة للاستمرار في استثمار نفوذه السابق على رجال الأعمال، ومن بين هؤلاء حسن راتب الذي استولى عليوة منه على مبلغ 3 ملايين دولار بعد عرض خدماته الخاصة في تحويلها على نحو ما، إلا أنه لم يفعل، وظل يماطل راتب في رد المبلغ، وبعد جهد جهيد وعده أن يقوم بتوريد كرتون لحساب مصنع الأسمنت المملوك لراتب بنفس القيمة، وبذلك يكون قضى ما عليه، إلا أنه لم يفعل بالطبع، واختفى ليظهر من جديد قبل أيام في التجمع الخامس، بعد أن اتصل هاتفيا برجل أعمال في مجال العقارات وطلب لقاءه للأهمية القصوى، في كافيه بول، واستجاب الرجل للطلب الملح لاستكشاف الأمر، وفي اللقاء أبلغه عليوة أنه حصل على قطعة أرض كبيرة بالتخصيص في العاصمة الإدارية بفعل نفوذه الكبير، وأنه يعرض عليه المشاركة في مشروع تشييد كمبوند عليها، إلا أنه الرجل قاطعه قائلا إنه لا يحب المشاركة ولا يريد الدخول في مشروعات جديدة بل وإنه لا يملك أي أموال، وطلب منه شرب “اللاتيه” وإنهاء المقابلة في سلام.
إن أمثال هؤلاء النافذين بالوهم أو العلاقات المشبوهة صاروا كقطيع من الثعالب التي تعيث فسادا في أنحاء البلاد، ويستغلون كل اسم شريف في عمليات نصب وابتزاز واسعة، وأحيانا باسم الدولة والمسؤولين، فما ادعاه عليوة لا يمكن أن يكون صحيحا خاصة وأني أعلم بصفة شخصية مدى نزاهة اللواء أحمد زكى عابدين رئيس شركة العاصمة الإدارية، منذ كان رئيسا لهيئة تعاونيات البناء والإسكان في عهد وزير الفساد ابراهيم سليمان، وهو الوحيد الذي كان يعمل له الوزير ألف حساب، وفي عهده صارت الهيئة كالساعة في الانضباط، ويستحيل أن يمنح لكل من هب ودب اليوم أراضى الدولة ليتاجروا بها في مشروعات وهمية أو يستغلوها في النصب على رجال الأعمال والمواطنين.
7-ملك الرشاوي صديق الأكابر في مصر
وعلى ذكر صاحب دبلوم الصنايع الذي كان يجلس إلى جوار داكر خلف الرئيس مباشرة في مؤتمر الشفافية ومكافحة الفساد، على الرغم من أنه سجين سابق وضيف دائم على المحاكم وقاسم مشترك لقضايا رشوة الكبار في مصر ومن محافظ الجيزة إلى وزير الزراعة، والذى تحول إلى إعلامي كبير ومنسق أعمال خاصة لحساب مراكز نفوذ عديدة، أقصد محمد فودة، تستدعي التطورات الأخيرة ذكر اسم شريكه في “ِشلة الفورسيزون” كما أطلقت عليهم في تحقيق مطول قبل خمس سنوات في مجلة روزاليوسف، ذلك الشاب البائس الذي صعد من الفقر والفراغ ليصبح رجل الحديد الأول في مصر ثم محتكر الإعلام والصحف الوحيد، يؤجر من يشاء لتلميعه وحلفائه ويحاصر ويجوع من يشاء في حرب شرسة لتكميم الأفواه وكسر الأقلام، قبل أن يدق عنقه بيد من رفعوه، لنتبين أنه كان مجرد واجهة لاأكثر.
لن أتطرق إلى فضيحته الأخيرة، بشأن الفيديوهات المسربة والمشينة، فليس من طريقتي الخوض في عرض أحد حتى وإن كان هو من هاتكى الأعراض ومشعي الرذيلة عبر إعلام منحط كان يملكه، أو عبر علاقات نخجل من فضحها.
ولكنى أعود بالذاكرة إلى نشأته ابنا لأحد تجار وموزعي الحديد البسطاء في المنيا، قبل صعوده إلى الأضواء بخبر زواجه من فنانة الإغراء اللبنانية الشهيرة، بعد تعرضه لها في حفل بفندق شيراتون، حيث استعار سيارة هامر وقدمها لها لتكون في خدمتها طوال مدة إقامتها في مصر على سبيل الإعجاب المفرط، قبل أن يقنعها بالزواج منه، ليتفتح به باب علاقات واسعة مع رجال أعمال وأمراء خليجيين في قطر والإمارات تحديدا.
8-ننشر حركة أموال أبو هشيمة في الوطن العربي
إلى غير ما سبق يأخذنا الحديث إلى اللافتات الخليجية التي استتر وراءها الشاب “الكحيت” أحمد أبو هشيمة الذي عرف طريق كبار المسؤولين ورجال الأعمال في مصر، فدخل كل قصر، واستولى على حصة في كل مشروع، إلى حد أن وضعته الدولة بعد ثورة يناير بديلا لأحمد عز في صناعة الحديد، وأخذت تتعاقد معه على شراء حديد الشركة التي أسسها بأموال القطريين لسنوات مقدما، قبل أن تجد فيه وجها مناسبا للاستحواذ على كل القنوات والصحف وجعلها في قبضة أفراد في دوائر السلطة، ثبت مؤخرا أنهم لم يكونوا على مستوى المسؤولية.
ودون التطرق لتفاصيل مخجلة، نشرت إنذارا مبكرا في 2015 حول هذا المستهتر وأمثاله، ومدى خطورة تحدثهم باسم الدولة والنظام، واستغلالهم لنفوذهم، على خلفية القبض وقتها على ياسمين النرش بطلة واقعة الاعتداء على ضابط في المطار وحمل المخدرات، وسيدة القصور الأولى التي كانت تمتلك جاليري لديكورات القصور في الجونة وتقيم شبكة علاقة واسعة، كان من بين أبرز حلقاتها ابو هشيمة الذي جهزت قصره هناك، بينما لم يسعفها الحظ بتجهيز قصره الآخر في هاسيندا والذي تجاوزت قيمته 50 مليون جنيه.. وقد نشرت صورة تجمع أبو هشمية مع النرش وهى تضع يدها على كتفه في إحدى الحفلات الخاصة، مباهاة بقربها ممن كان يتصرف كواحد من مراكز القوى، بينما يعبث بكل شيء فقط لأنه كان يردد اسم الرئيس والاجهزة السيادية في كل جلسة خاصة هنا أو هناك.
ألا يكشف هذا الكلام إلى أي حد يجرى استغلال اسم الرئيس، والتصفيق له، والتصريح بدعمه، وترديد اسمه في كل مكان، من قبل جماعة انتهازية فاسدة لا تعبأ بوطن ولا رئيس ولا أمن قومي، في تعظيم أرباحها وتسهيل أعمالها القذرة وتشديد الحماية على جرائمها والتخفي وراء دعم الوطن في حربه على الإرهاب، وهى نفسها