إذا قادتك الصدفة للجلوس بجوار أحد كبار السن في أتوبيس النقل العام، وتطرق الحديث لسلبيات منظومة النقل في مصر، فإنه حتما سيحدثك عن «أيام أبو رجيلة» أحد أهم الإقتصاديين القدامى الذين قادوا الزمالك إداريًا في 1956، الذي كانت معه مواعيد أتوبيسات العاصمة مضبوطة بالدقيقة، نحن على موعد مع شخصية من الشخصيات الرائعة فهى ليست شخصية عادية بل شخصية اقتصادية ورياضية ويعد وكان أحد اعمدة الاقتصاد فى مصر فهو رائد حافلات النقل العام فى مصر ومن اكبر رجال الأعمال فى جيله واطلق عليه “امبراطور الاتوبيس ” لارتباطه بالعصر الذهبى للاتوبيسات فى مصر.
قصته مع الزمالك
تولى عبد اللطيف ابو رجيلة رئاسة نادى الزمالك عام 1956 وحصل معه نادى الزمالك على اول بطولة دورى عام منذ نشأته عام 1911 وانتعش نادى الزمالك بشكل كبير خلال فترة رئاسته حتى ان ميزانية النادى ارتفعت من 6000 جنيه الى 18000 جنيه، وحدثت طفرة كبيرة فى منشآت النادى حيث تبرع ابو رجيلة بمبلغ كبير لبناء مقر النادى بميت عقبة واتم بناء استاد الزمالك وكانت الميزانية لا تسمح باستكماله ولكنه لجأ الى حيلة صغيرة فساوم الشركات التى تقوم بتوريد البنزين لشركته للحصول على اقل سعر بفارق 50 مليم وقام بتخصيص فائض هذه الاموال التى قدرت بعشرة آلاف جنية لصالح نادى الزمالك واستكمال بناء الاستاد ومدرجات الدرجة الثالثة وادخل المياه والكهرباء الى نادى الزمالك ومنطقة ميت عقبة بالكامل، وتم إفتتاح ملعب الزمالك فى مباراة مع دوكلا براغ التشيكى وانتهت يفوز الزمالك 3-0.
إبراهيم عيسى يروي قصة أبورجيله والزمالك
وقال الكاتب الصحفي والإعلامي إبراهيم عيسى، أن الأهلي احتكر البطولات لمدة 15 سنة وقتها، وقتها ترك حيدر باشا ترك رئاسة الزمالك، فتم التفكير في جلب حوت لمواجهة هذا الأمر أحضروا شخص اسمه محمود شوقي ولم يكمل، وجاء الشواربي ولم يستمر.
وتابع: وقتها ظهر عبداللطيف أبورجيلة، واحد من أعمدة الاقتصاد المصري وقتها، وكان هناك أزمة في النقل الداخلي في القاهرة أنقذها أبورجيلة عمل شركة أتوبيسا القاهرة، عمل أسطول نقل داخلي وكانت نموذج مذهل ورائع منتهى النظافة والأناقة والشياكة، وكان لاعبا كرة ورياضي داخل الزمالك، والنادي كان عبارة عن 3 غرف على النيل وكان لا حول ولا قوة قصاد الأهلي، فجاء أبورجيلة في 56 وبنى الزمالك اللي في ميت عقبة، ونقل ميزانية الزمالك من 6 آلاف جنيه إلى 18 ألف جنيه وعمل توسعات رائعة بأمواله، وأدخل حتى المياه لمنطقة ميت عقبة كلها ومن هنا جاء غرام ميت عقبة بالزمالك ووظف الكثير من عمالة النادي من هذا الحي العريق، وبدأت نهضة حقيقية في الزمالك حتى على مستوى شراء اللاعبين”.
وأردف: “لكن إذا بحظ الزمالك المدوحس يحصل لتأميم لكل رجال الأعمال وأولهم أحمد عبود باشا وأبورجيلة، يعني الزمالك أخذ 3 سنوات في عمره فقط اقتصاد مالي تأسيسي والأهلي أخذ 15 سنة”.
يوم لا يُنسى لأبو رجيله في الزمالك
قرر عبداللطيف أبو رجيلة أن تكون مباراة إفتتاح الملعب مع فريق أوروبي سيحضر علي نفقته الخاصة، فوافق فريق دوكلا براج التشيكي، ولتكن ضربة البداية من السماء وليست على الأرض، فاتفق مع طائرة على أن تحلق فوق المدرجات وتلقي من السماء الكرة التي ستلعب بها المباراة، كان يوما للذكرى انتهى بفوز الزمالك بثلاثة أهداف نظيفة.
كيف تعامل أبورجيله مع ضياع ثروته والتأميم على ممتلكاته
لم ييأس عبد اللطيف ابو رجيلة من ضياع ثروتة والتى كونها ب 34 جنيها فتم التأميم على جميعها، فعاد للصعود الى القمة مرة اخرى من خلال استثماره فى مجال الحافلات “الاتوبيس”، وقد عاش فى ايطاليا اكثر من 12 عام وذلك قبل ثورة يوليو 1952 وتزوج من ايطالية تدعى لندا ثم عاد الى القاهرة وتولى ادارة مرفق اتوبيس القاهرة فوصل المرفق على يديه الى نمو غير مسبوق حتى قيل انه كان يتخفى فى الاتوبيسات ليراقب الموظفين فى تعاملهم مع الركاب.
مواقف أبو رجيله الوطنية
ولم تخلو حياة ابو رجيلة من المواقف الوطنية فقام بتمويل صفقات الاسلحة للقوات المسلحة والتى كان الحظر مفروضا عليها بعد الحرب ووضع حافلاته تحت تصرف القوات المسلحة خلال العدوان الثلاثى على مصر وكان يدفع رواتب سائقيها من ماله الخاص وكان ابو رجيلة شخصية محبوبة جدا من الجميع واتسم بالتواضع الشديد وحسن الخلق توفى ابو رجيلة عام 1987 ليترك خلفه تاريخ حافل بالانجازات الاقتصادية والوطنية والرياضية.
إمبراطور الأتوبيس
الكاتب الكبير أحمد بهجت ذكر في شهادته على «إمبراطور الأتوبيس» أن السائقين والمحصلين والمفتشين كانوا على أتوبيسات أبو رجيلة يقدمون نموذجاً جديراً بالاحترام والتقدير في الانضباط وحسن معاملة الركاب، وأداء العمل على الوجه الأكمل وفق المعايير الموضوعة لهم.
كان زمن التقاطر 3 دقائق، باستخدام 400 أتوبيس يخدم 13 مليون راكباً شهرياً. كان كلام «أبو رجيلة» يدور دائما حول أن سيارة الاتوبيس ليست مجرد مركبة تسير في الشارع، بل إنها جزء من نسيج الحياة اليومية للمواطن العادي.
في جراجات «أبو رجيلة» كان عدد كبير من العمال يتولون مهمة تنظيف وتعقيم اسطول السيارات بالمواد المطهرة مرتين أو ثلاثاً في الأسبوع.
الكمساريات الفاتنات
كان معروفاً عن «أبو رجيلة» أنه يحرص على ركوب إحدى السيارات مرة واحدة على الأقل كل شهر متخفياً لمراقبة النظام، وكان يعمل ساعات أكثر من أصغر عامل عنده، وكان يوزع نقوداً من جيبه الخاص بعيداً عن حسابات الشركة، وفي المقابل لا تهاون مع أحد، وفتح الباب للمرأة للعمل في هذا المرفق وكان أول من وظف كمسارية.
وحتى يساعد الناس علي تقبل الفكرة ساهم في إنتاج فيلم «الكمساريات الفاتنات»، ثم ضم إلى أسطوله سيارات “مرسيدس”، أشاعت البهجة في شوارع القاهرة، وكان الناس يتعاملون معها باعتبارها ” خروجة”، وكانوا يتباهون فيما بينهم بانهم ” ركبوا النهاردة أتوبيس أبو رجيلة”.