أدى التصعيد العسكري في المنطقة بعد عملية “طوفان الأقصى” إلى هروب جماعي للإسرائيليين من الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي تبين لاحقاً أنه دائم وليس مؤقتاً، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “زمان إسرائيل” العبرية.**
كشفت الصحيفة عن تزايد أعداد الإسرائيليين الفارين من إسرائيل خلال الأشهر الستة الأولى من الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وأرجعت الصحيفة ذلك إلى الحرب المستمرة التي اندلعت بعد تنفيذ حركة المقاومة الإسلامية حماس عملية “طوفان الأقصى”، بالإضافة إلى الأوضاع الداخلية في البلاد.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الهروب ليس مؤقتاً كما هو معتقد، بل أصبح اتجاهاً متنامياً داخل إسرائيل، مستندةً إلى عدة مؤشرات وبيانات تثبت صحة هذا الافتراض. فقد أظهرت المقارنات بين عدد القادمين إلى إسرائيل وعدد المغادرين منها، وكذلك مؤشرات الهجرة خلال العام 2024 مقارنةً بالأعوام السابقة، اتجاهاً واضحاً للهروب الجماعي.
فرار جماعي
وأوضحت الصحيفة أن “عدد الإسرائيليين الذين غادروا البلاد منذ يوليو/تموز 2023 حتى نهاية أبريل/نيسان 2024، تجاوز بنصف مليون عدد الإسرائيليين الذين عادوا في نفس الفترة”. ووفقاً لبيانات السلطة، في الربع الأول من عام 2024، غادر إسرائيل حوالي مليون و50 ألف إسرائيلي، بينما دخلها حوالي مليون و30 ألفاً، مما يعني أن عدد المغادرين كان أكبر بحوالي 20 ألفاً.
وفي أبريل/نيسان 2024، غادر إسرائيل نحو 645 ألف إسرائيلي، بينما دخلها 580 ألفاً، ليكون عدد المغادرين أكبر بـ 65 ألفاً خلال هذا الشهر. وأشارت الصحيفة إلى تقرير سابق لها في ديسمبر/كانون الأول 2023، كشف أن عدد الإسرائيليين الذين غادروا إسرائيل في أشهر الصيف والأعياد حتى السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 كان أكبر بحوالي 625 ألفاً من عدد القادمين.
وتابعت الصحيفة: “أي أنه في المجمل خلال العام 2023، غادر 575 ألف إسرائيلي أكثر ممن عادوا”. وترى أن عدداً من الذين غادروا إسرائيل قبل الحرب يفضلون الآن الاستقرار والعيش بعيداً عن الدولة العبرية، خاصة مع استمرار الصراع.
وأضافت الصحيفة: “ما كان يمكن أن يكون هروباً مؤقتاً أو صعوبة تقنية في العودة إلى البلاد مع اندلاع الحرب، يتضح الآن كظاهرة”. وتفسر حالات المغادرة المتزايدة قبل بدء الحرب برغبة المواطنين في قضاء عطلة الصيف والأعياد في الخارج. فتوضح أنه “في سبتمبر/أيلول والأسبوع الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2023، غادر إسرائيل، كما يحدث في كل فترة أعياد، حوالي مليون إسرائيلي لقضاء الإجازات، والرحلات وزيارة العائلات في الخارج”.
هذا الهروب الجماعي يعكس التوترات الداخلية والخارجية التي تواجهها إسرائيل، ويشير إلى تحول في ديناميكيات الهجرة والإقامة بالنسبة للإسرائيليين في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة.
وتضيف الصحيفة: “حوالي 400 ألف منهم عادوا إلى البلاد خلال فترة الأعياد؛ وحوالي 600 ألف كانوا لا يزالون في الخارج حتى السابع من أكتوبر”.
ونوهت الصحيفة إلى أن السلطات لا تتعقب دخول وخروج كل مواطن، بل تتابع فقط العدد الإجمالي.
وتقدر أن “جزءا منهم عاد، إذ شرع عشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين كانوا عام 2023 في رحلات طويلة، أو دراسات بالخارج، إلى العودة للانخراط في الجيش والتطوع، أو ليكونوا مع عائلاتهم وأصدقائهم أثناء الحرب”.
رغم ذلك، كان عدد الخائفين والهاربين يفوق القادمين، فبالتوازي مع العائدين، “غادر إسرائيل عدد أكبر من المواطنين، في الأشهر الأخيرة”.
وتؤكد الصحيفة على هذا الاتجاه المتنامي للفرار من إسرائيل، فتشير إلى ما “نُشر في العديد من المقابلات في وسائل الإعلام مع مواطنين قرروا مغادرة البلاد، عربا ويهودا، بما في ذلك نازحون من منطقة غلاف غزة ومن الحدود الشمالية”.
واستخلصت من بيانات سلطة السكان والهجرة أن “عدد الذين غادروا ولم يعودوا – أثناء عطلة الصيف وخلال الحرب- يزيد بنحو 550 ألفا عن المجموع الإجمالي”.
طول أمد الحرب
ويبدو أن طول أمد الحرب المستعرة، ليس في صالح دولة الاحتلال، إذ دفع ذلك المزيد من الأشخاص للهرب خارج إسرائيل.
وتقول الصحيفة: “في الشهور الأولى من الحرب، كان عدد العائدين إلى إسرائيل أكبر من عدد الذين غادروا البلاد؛ لكن بعد ذلك تغيرت المعادلة”.
وتوضح أنه “منذ 7 أكتوبر وحتى نهاية نفس الشهر، عاد إلى إسرائيل حوالي 70 ألف إسرائيلي أكثر من عدد الذين غادروا”. ثم في نوفمبر/ تشرين الثاني، كان الفارق 55 ألفا لصالح العائدين.
وفي ديسمبر، دخل حوالي 6,000 شخص أكثر من الذين غادروا، وفي يناير/ كانون الثاني كان الفارق حوالي 10,000 شخص.
لكن انقلبت الأمور بعد ذلك، فوفقا للصحيفة “في فبراير/ شباط 2024، غادر من إسرائيل حوالي 20 ألف شخص أكثر من عدد الذين دخلوا، وفي مارس/ آذار، غادر حوالي 7,000 شخص أكثر من العائدين”.
وأردف: “إذا تمت إضافة إجمالي الدخول والخروج في أبريل، يظهر أن الفارق لصالح عدد الذين غادروا كان أكبر بكثير، ووصل إلى حوالي 550 ألف شخص”.
تراجع جاذبية إسرائيل للمقيمين وسط ارتفاع أعداد المغادرين
تُظهر البيانات الحديثة أن إسرائيل تفقد جاذبيتها لقاطنيها، حتى بعيداً عن تداعيات الحرب. ووفقاً للمكتب المركزي للإحصاءات، لم يعد حوالي 60 ألف مواطن غادروا إسرائيل في عام 2022 خلال عام 2023، باستثناء الزيارات القصيرة. وقد تم تسجيل هؤلاء في إحصاءات المكتب كـ “مغادرين”، مقارنة بحوالي 40 ألفاً في المتوسط خلال السنوات السابقة.
توقعات خاطئة
عرضت صحيفة “زمان إسرائيل” توقعات بعض المنظمات الصهيونية والمؤسسات المعنية بالهجرة التي نُشرت خلال الحرب. هذه التوقعات كانت تشير إلى أن “الاحتجاجات ضد إسرائيل حول العالم ستؤدي إلى زيادة الهجرة إليها، وأنه من الممكن أن يأتي مليون مهاجر”. إلا أن الصحيفة فندت ذلك، مشيرةً إلى أن “هذه التوقعات لم تتحقق حتى الآن، وعدد المهاجرين أقل بكثير مما كان متوقعاً قبل الحرب”.
وتكشف بيانات وزارة الهجرة والاندماج عن “انكماش الهجرة إلى إسرائيل، حتى قبل الحرب”. كما أظهرت الأرقام انخفاضاً ملحوظاً في عدد المهاجرين الواصلين شهرياً إلى إسرائيل خلال عام 2024 مقارنة بعام 2023.
وأوضحت الصحيفة أنه منذ بداية عام 2024، وصل إلى إسرائيل 14,982 مهاجراً، معظمهم من روسيا، مما يعني متوسط 2,500 مهاجر شهرياً. وأكملت: “هذا تحسن بالمقارنة مع الأشهر الأولى من الحرب حيث وصل إلى إسرائيل حوالي 1,000 مهاجر شهرياً، ولكنه انخفض مقارنة بالأشهر من يناير إلى سبتمبر 2023 حيث وصل حوالي 4,500 مهاجر شهرياً”.
تأثير الحروب على الهجرة
رصدت الصحيفة زيادة في عدد المهاجرين إلى إسرائيل في عام 2022 والربع الأول من عام 2023، مرجعة السبب الرئيسي في ذلك إلى “الحروب في أوكرانيا وإثيوبيا”. ووفقاً لبيانات وزارة الهجرة والاندماج، في تلك الفترة، وصل إلى إسرائيل في المتوسط 6,500 مهاجر شهرياً، وهو رقم قياسي لم يُسجل منذ نحو عقدين.
واستطردت الصحيفة: “لكن ما إن استقر الوضع في إثيوبيا وأوكرانيا، انخفض عدد المهاجرين إلى متوسط 4,000 شهرياً”.
وكحال الإسرائيليين، شهدت أشهر الحرب الأولى زيادة أعداد القادمين الأجانب عن المغادرين، لكن مع استمرارها، انعكس الأمر.
فبحسب بيانات سلطة السكان والهجرة، غادر إسرائيل نحو 17 ألف عامل أجنبي في شهري أكتوبر ونوفمبر 2023، منهم نحو 9800 عامل زراعي، معظمهم من تايلاند، ونحو 3000 ممرض معظمهم من الفلبين، كما غادر آلاف السياح ورجال الأعمال والدبلوماسيين.
وفي ديسمبر 2023، دخل إلى إسرائيل نحو 107 آلاف أجنبي وخرج نحو 91 ألفا، فكان عدد الأجانب الداخلين أكبر من عدد المغادرين بنحو 16 ألفا.
وفي يناير 2024 دخل إسرائيل نحو 11 ألف أجنبي أكثر من عدد الأشخاص الذين غادروها.
وتظهر البيانات أنه في فبراير 2024، بلغت الفجوة حوالي 12 ألف شخص، وفي مارس، دخل نحو 10 آلاف شخص أكثر من عدد الأشخاص المغادرين.
واستطردت الصحيفة: “لكن في شهر أبريل 2024، غادر إسرائيل 6000 أجنبي أكثر من الذين دخلوا إليها”.
وتوضح أنه “بالمجمل، دخل نحو 43 ألف أجنبي إلى إسرائيل في الأشهر من ديسمبر 2023 إلى أبريل 2024، وهو أكثر من عدد الأجانب الذين غادروا”.
ويعود هذا الفارق لصالح عدد القادمين لدولة الاحتلال “إلى كون عدد كبير من هؤلاء الأشخاص ليسوا عمالا مهاجرين، بل دبلوماسيون ورجال أعمال وصحفيون وأقارب إسرائيليين جاؤوا للزيارة”.
وتشير الصحيفة إلى أن إسرائيل ما تزال تعاني من نقص حاد في العمال، بسبب منع حوالي 120 ألف عامل فلسطيني من العمل فيها.