ألقى وباء (كوفيد – 19) بظلاله على كل شيء في أرجاء العالم الأربعة، وهذا ما أوضحه السفير أحمد التازي، سفير المملكة المغربية بجمهورية مصر العربية، المندوب الدائم للمغرب لدى جامعة الدول العربية، في ندوة نظمتها مؤسسة ثقافة السلم الدولي ببكين ومؤسسة شرف للتنمية المستدامة، بعنوان «السلم والحوكمة العالمية».
يقول السفير أحمد التازي: لا يُمكنني الحديث عن السلم والحوكمة العالمية اليوم دون ربطها بـ Covid-19، ذلك المستجد الذي طغى على الساحة العالمية منذ بداية السنة الجارية، والذي لا شك في أنه سيسهم في مراجعة بعض السلوكيات وإعادة تشكيل منظومة العلاقات الدولية.
كُتِبَ وقيل الكثير عن وباء كوفيد-19 وعن الآثار الوخيمة للأزمة التي أحدثها وسيُخَلِّفها على المدى الآني والمتوسط والبعيد سواء على المستوى الصحي أو الإنساني أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو الأمني.
ويضيف التازي: قد كانت هذه الغزارة في البحث وفي التحليل وفي التنبؤ شيئاً طبيعياً وصحياً مُتَّسِقاً بطبيعة البشر التي تدفعه إلى معرفة الظواهر الطبيعية التي يعيشها أو يصادفها في حياته، مسلحا بالعلم وبالأدوات المعرفية المتوفرة لديه للتحكم فيها أو على الأقل للتخفيف من انعكاساتها.
في هذا الخضم، حتى الدراسات المرتبطة بالجوانب الصحية، أي التي تدخل ضمن مجال العلوم الصلبة، لم تأت كلها واضحة ودقيقة ومحسوم فيها، بل اتسم بعضها بالارتباك والتناقض إلى درجة أن مقاربات واستراتيجيات تدبير أزمة كورونا جاءت متباينة تماما بين دولة وأخرى. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الظاهرة غير مسبوقة وأن الجميع لازال في طور اكتشاف أنجع السبل للتعامل معها قبل أن تتوصل البشرية إلى حلول جذرية فاعلة وقبل أن نشرع في الحديث عن قصص نجاح.
ويوضح السفير أحمد التازي: من المؤكد أن البشرية شهدت، عبر التاريخ، جوائح أودت بحياة الآلاف من الناس وأدت إلى كوارث اقتصادية وتغييرات ديمغرافية ومشاكل أمنية كبيرة، لكن الفرق بين تلك الحالات وفيروس Covid-19 هو أن هذه الجائحة حَلَّت بالكرة الأرضية وتعداد سكانها يُقارب 8 مليار، مقابل مليار ونصف وأقل من ذلك بكثير مِنْ قبلُ، ثم إذا كانت الأوبئة السابقة قد وقعت في مناطق معينة، فجل المناطق الأخرى كانت في معزل عنها ولم تتأثر بما جرى في المناطق الموبوءة. أما الآن، وبفضل وسائل النقل المتطورة والسريعة التي أتاحت حركة دؤوبة لملايين الناس، فانتشار الوباء يمكن أن يتم بسهولة متناهية ويستطيع القضاء على الملايين من النفوس في وقت وجيز، مهددة بذلك أمن وسلامة العالم.
أود الإشارة أيضا إلى أنه باستثناء بعض الدول التي اكتسبت تجربة طويلة في التعامل مع الأوبئة بصفة عامة، فإن تدبير أزمات مثل التي تَسَبَّبَ فيها هذا الفيروس الفتاك لم تكن من بين أولويات المجموعة الدولية ولا ضمن أجندات البلدان المتقدمة أو النامية.
ويؤكد السفير أحمد التازي: ففي ظل العولمة وما أفرزته من ترابط بين اقتصاديات بلدان العالم، فإن انتشار الفيروس كوباء بين الناس يتبعه، لا محالة، انتشار لتداعياته الاجتماعية والاقتصادية والأمنية على جميع الأقطار، بحيث إذا تضرر بلد معين، فلا شك أن أضرارا ستلحق ببقية البلدان سواء كانت مُصَنَّعة أو مُصَدّرِة للموارد الطبيعية أو صاحبة خبرات أو مَصْدَرَ تمويل.
لقد أصبحت العولمة، بإيجابياتها والفرص التي تتيحها ولكن أيضا بالتحديات التي تفرضها، واقعا لا يرتفع، فهل الحوكمة العالمية تنطوي على التأهيل والشمولية والعدالة أم أنها كاسحة وانتقائية واعتباطية ؟
مع اندلاع أزمة كورونا، اتضح بأن عدة بلدان استطاعت بفضل مجهوداتها الذاتية وتضحياتها الجسام وإجراءاتها الوقائية أن تَحُدَّ من الانعكاسات السلبية للجائحة سواء فيما يتعلق بحفظ النفوس أو حماية النسيج الاجتماعي أو تفادي انهيار الاقتصاد، ولعل أقرب مثال أستحضره هنا هو الهبة التضامنية التي عرفها المغرب والتي أثمرت عن تجميع ما لا يقل عن 3 مليارات من الدولارات لتوفير المستلزمات الوقائية والطبية الضرورية، ولمواجهة مختلف الآثار السلبية للأزمة. من طبيعة الحال، هناك أمثلة أخرى كالتجربة الصينية في هذا المجال والتي كانت نتائجها مرضية.
ويتساءل السفير أحمد التازي: فهل يمكن التفاؤل بتحقيق أو إسقاط نفس العدالة والتضامن الذي مضت فيه الدول داخل حدودها وانطلاقا من إمكانياتها الذاتية على منظومة الحوكمة العالمية التي نتوق إليها، علما بأن المجهود الوطني الذاتي لن يكون كافيا للتغلب على وباء عابر للحدود في ظل عولمة قائمة لا غنى عنها، أصبحت فيها الحركية والتشابك هي كلمة السر؟
ويقترح الحلول بقوله: هذا الأمل لا يخص فقط تحدي مواجهة وباء كورونا والقضاء عليه، بل يعني كذلك جميع التحديات الماثلة أمامنا، وعلى رأسها: مواجهة التطرف الفكري المؤدي إلى الإرهاب، وتطوير وسائل حديثة للتعليم ونقل المعرفة، وبناء القدرات، والصحة والبحث العلمي، والمحافظة على البيئة، وتقليص الهوة بين الأغنياء والفقراء، واحترام الخصوصيات المرتبطة بالهوية لضمان التعددية اللازمة لغنى الإنسانية.
موضحا بقوله: أي ما يمكن إجماله في الاستثمار في التنمية المستدامة وفي الصناعات المُؤنسِنة وفي الحد من أسباب التوتر والنزاعات في العالم، من أجل توفير جميع العناصر المكونة لحوكمة عالمية متجددة كفيلة بضمان السلم والتنمية.