دخلت “حركة النهضة الإسلامية” إلى نادي الأحزاب التي تعاني نزيفاً من خلال الاستقالات والانشقاقات، بعدما احتفت بكونها الكيان السياسي الأكثر تماسكاً في تونس، ما بعد 2011.
وتتعالى الأصوات الاعتراضية داخل الحركة، تطالب بإبعاد رئيسها راشد الغنوشي، لتغوّله في إدارة الشأن الداخلي للحركة، وضرب الديمقراطية الحقيقية في تسيير شؤونها، وتقدم جيل جديد إلى الصفوف القيادية في الحزب، الذي يعاني محنة الحكم والغضب الداخلي.
أعلن القيادي في الحركة عبد الرزاق حسين استقالته التي نشرها على “فيسبوك”، ووجّه فيها اتهامات عدة إلى الغنوشي، تتعلّق بـ”التفرّد في القرار داخل الحركة، وتضخّم الأنا والتوريث”، مشيراً إلى أن الحزب يتّجه إلى أن يكون “حزب الرّئيس”، وهو ما تسبّب في “تهميش مؤسّسات الحزب وإرساء ديمقراطية صورية” أنتجت فئة من “الأعضاء متماهية مع الرئيس تتخذ من الانتهازية أداة لتحقيق مآربها الذاتية”.
وفيما توقّع القيادي المستقيل أن يفرز هذا الوضع “ديكتاتوريّة مقدّسة”، شدّد على توجّه الحزب نحو تصنيف كلّ من يعارض الغنوشي ضمن المناوئين له”.
ويعتقد الصّحفي يوسف الوسلاتي، “بناءً على تاريخ الحركة، بأن الاستقالات فرديّة، وليست جماعيّة، وأنّ المستقيلين يبقون دائماً تحت غطاء الإسلام السياسي، وإمكانية عودتهم إلى الحركة تبقى محتملة، وبالتالي فهم في نهاية الأمر داخل المشروع نفسه، سواء كانوا داخل هياكل الحزب أو خارجه”.
ويعتبر الوسلاتي، بأنّ “ما يحدث في الحركة هي أصوات غاضبة ومتفاوتة الوزن، فاستقالة القيادي البارز عبد الحميد الجلاصي في مارس الماضي، هي استقالة من الحجم الثقيل في الحركة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى استقالة القيادي زياد العذاري، في نوفمبر 2019. ويتوقف عند استقالة زبير الشّهودي في سبتمبر 2019 وعودته إلى الحركة في مايو 2020.
ويلاحظ الوسلاتي أن الديمقراطية داخل الحركة صورية لا تختلف كثيراً عمّا كان يُسوِّقه الرئيس السابق زين العابدين بن علي، عن نظامه الذي يعتبره ديمقراطياً.
ويذكّر بأنّ الغنوشي حلّ المكتب السياسي في مايو الماضي وحوّله إلى مكتب تصريف أعمال، مبقياً على عدد من القيادات الموالية له. والغنوشي هو الحاكم بأمره في الحركة داخلها أو خارجها”.
ويقول الكاتب صلاح الدين الجورشي، إن تعدّد الاستقالات إشارات إلى وجود أزمة تنظيمية وفكرية، لا بد من تحديدها واستخلاص الدّروس منها.
ويتوقّع الجورشي أن يشهد المؤتمر المقبل للحركة تجاذبات بين شقّ يرى ضرروة استمرار الغنوشي، وهو تيار في تزايد ويسعى إلى تعديل القانون الأساسي كي يبقى الغنوشي داخل الحركة، وشق يستند إلى القانون الذي ينصّ على ضرورة أن يفرز المؤتمر قيادة جديدة.
ويرى الجورشي أنه “في حال إجراء ذاك التعديل الذي يُبقي الغنوشي في رئاسة الحركة، يجعل النهضة تناقض نفسها وشعار الديمقراطية الذي ترفعه”.
يُذكر أن مجموعة من أعضاء في الحركة أصدرت بياناً تحت اسم “الوحدة والتجديد” وطالبت الغنوشي بالتنحّي قبل نهاية العام الجاري، ودعت المجموعة إلى ضرورة عقد مؤتمر الحركة في موعده القانوني، قبل نهاية 2020، وإلى ضمان التداول القيادي بما يسمح بتجديد نُخبها، وذلك في إطار تجديد عميق للحركة استجابة لمتطلّبات الواقع وحاجات البلاد.