ظننتُ وبعض الظن إثم، أن حزب الوفد في إنتخاباته الاخيرة قد ثار من داخله على أوضاع أوشكت أن تُلقي به في سلة مهملات التاريخ، فانتفضتْ ثلّة من أعضائه ضد أن يسقطوا ويسقط حزبهم في تلك في السلة، بأن قلّدوا ذلك القادم من غياهب المجهول- لا أحد يعرفه ولم يسمع به نفرٌ من قبل- زعامة حزبهم، وقلتُ أن الجهل بالرجل، لا يُقلل من قيمته، التي قد أكون أنا الجاهل بها وبه، فأهل الوفد أدرى بشعابه، وأنه في الغالب هو حصان طروادة الذي استحصن بداخله نخبة منهم أن يكون أداتهم ووسيلتهم ورايتهم في إصلاح الأوضاع المقلوبة بالحزب منذ زمن بعيد.
حصان طروادة الخشبي وضع حدًّا لحربٍ دامت 10 أعوام وفق الأسطورة اليونانية، لكن “يمامة” تكسّرت أخشابه على عتبة الحزب بعد قليل من نجاحه رئيسًا.. الرجل خيّب ظن الجميع
لقد استيقظتُ على تلك الحقيقة الصادمة، فوجدتُني أردد: “كنت ابكي من عمروٍ فلما جاء زيدٌ بكيتُ على عمروْ”، فالمستشار بهاء أبو شقّة على عثراته التي مرّغت الحزب في براثن الشللية والإنقياد والتبعية في عهده، لهو أهون كثيرًا من عبدالسند يمامة، الذي لم نر له استقامة.. حتى نغفر له عثرة.

منذ نجح الدكتور عبد السند يمامة في الإنتخابات الأخيرة رئيسًا للوفد وكانت كل الأنظار تتجه إلى أنه الخيار الثوري في الحزب للنهوض بالوفد إلى مكانته التي تليق به في الحياة السياسية.. لكن الرجل بدا عاجزًا بعد هذه المدة أن ينتصب معتدلًا كقائد حقيقي أو كصاحب قرار في حزب عريق.. تمخّض الوفد بعد طول أمل فأنجب عبد السند يمامة، بلا لون.. ولا طعم.. ولا رائحة.
بعد أيام من جلوسه على مقعد رئيس الحزب، ولمّا انتهى عقد الزميل وجدي زين الدين رئيس تحرير جريدة الوفد السابق بخروجه إلى المعاش، لم يستطع”يمامة” أن يكون له قرار في من يقلّده رئاسة التحرير من بعده.
فكان أن أشار عليه نائب رئيس الحزب وممثل الهئية الوفدية في مجلس الشيوخ الزميل الصحفي عبد العزيز النحّاس باستدعاء قرار سابق أو بالأحرى ورقة من أوراق سلفه بهاء أبو شقّة، مدّون بها 4 أسماء من صحفييّ الوفد كان يعتزم أبو شُقّة الإختيار من بينهم لرئاسة تحرير الجريدة خلفًا لرئيس التحرير الذي ستنتهي مدّته، لكن نهاية بهاء أبوشقّة سبقت انتهاء فترة وجدي زين الدين.

فتح عبد السند يمامة ورقة سلفه بهاء أبو شقّة، فوجد الأول قد خرج إلى المعاش والثاني ناصبه العداء في الانتخابات، ولم يتبق أمامه إلا اثنين، كان عليه أن يوّلّي أحدهما، لكنًه لرجفةٍ في اتخاذ القرار، لم يستطع الإختيار من بينهما فولًاهما معًا رئاسة التحرير.
بعض المعلومات التي لا أصدّقها كثيرًا تقول أنه تلقى توجيهات بذلك.. ونفّذها.
إلى ذلك وقد لا يكون ذلك دلالة كافية على وهن الرجل.. فإن عدم فتح “يمامة” ملف شيكات نواب حزبه الذين تبرعوا بها قبيل إنتخابات البرلمان الماضية، كتعهد مالي منهم لصندوق “الوفد” نظير قيدهم في كوتة الحزب بالقائمة الموحدة التي أتت بهم نوابًا تحت القبة، وتبين أنها بدون رصيد، عدم فتح “يمامة” حتى اللحظة لهذا الملف الذي كان على رأس بنود برنامجه “الثوري” في الإنتخابات، يدعم بشدّة الإعتقاد السائد في الحزب الآن بأن رئيس الوفد الجديد كان “مقلب” كبير.
في الإطار اعلاه وكنتُ قد كتبتُ في وقتٍ سابق عن رشّوة الشاليهات، وقد أشرتُ ضمنيًا وفق شائعات بالحزب إلى تورّط أحد أعضاء مجلس الشيوخ في تلك الرشوة، البعض فهم أنه الزميل والكاتب الصحفي عبدالعزيز النحّاس.

لكن المعلومات التي انتهت إليها التحقيقات في لجنة النظام بالوفد، أكدّت أن رشوة الشاليهات التي قدّمتها إحدى مرشحات الحزب في الكوتة بالقائمة الوطنية أثناء إنتخابات مجلس النواب الماضية، شملت فقط أمين الحزب في محافظتها، وأمين الشباب هناك، بعدما حضر عبدالعزيز النحاس إلى اللجنة، وسأل النائبة: ” إنتي يا ست انتي..هل أنا أعرفك أو شفتك قبل كده.. أو حتى ليّا أي علاقة بيكي أصلًا؟” فقالت بشكل قاطع : “بصراحة.. لأ”.
ومن بين ما تردد عن السبب في الدفع بإسم عبدالعزيز النحاس في تلك الشائعات، أنّ “النحّاس” كان ينتوي الترشح على زعامة الحزب، وأنّ الزجّ بإسمه في تلك الشائعات كان لأغراض إنتخابية، لذلك ولمّا لم يتقدم “النحاس” لقيد اسمه في قائمة مرشحي رئاسة الحزب، انتهى الضجيج الخاص برشوة الشاليهات.
لكن عبد العزيز النحاس أصر على مواجهة تلك “النائبة” أثناء التحقيق في لجنة النظام، لدحض كل ما يدور بشأنه في جلسات النميمة حول رشوة الشاليهات، وتحديد أركان الرشوة بشكل دقيق، وهو ما تم بالفعل، ليخرج عبد العزيز النحاس من الإجتماع ملوّحًا بأن من سيذكر اسمه في ذلك الأمر من بعد ذلك فإنه سيكون له معه حساب شديد.
ويبدو أن الأمر كان كذلك بالفعل، وبدلًا من ان تستمر التحقيقات في ملف رشوة الشاليهات، إذا بها بعد جلاء موقف “النحّاس” يتم حفظها تمًامًا، وينتهي الحديث بشكل قاطع عن رشوة الشاليهات، لتبقى قضية تخص النائبة وقيادات الحزب في تلك المحافظة.
ويبدو أن قضية الشيكات التي تعهد أصحابها بتسويتها بعد تحويلهم إلى النائب العام، سنتتهي أيضًا إلى لا شيء، ويتبدد ما يتبقى من أمل لأعضاء الحزب في رئيسه أن ينفّذ واحدًا من بنود برنامجه الإنتخابي.. تمخّض الوفد فوضع عبد السند يمامة، خاصّة وقد ترددت أنباء عن عضو مجلس النواب جمع زملاء وزميلات له متورطون معه في قضية الشيكات، وطالبهم بألا يدفعوا ملّيمًا واحدًا من تلك الشيكات، وأن عليهم ألا يقلقوا من تحويل الملف إلى النيابة العامة، فالحل عنده.. ولا قلق على الإطلاق من عبدالسند يمامة.