في قلب الساحة السياسية المصرية، تتراص الأحزاب السياسية كأوراق اللعب على طاولة الحكم والتأثير، محاولةً تشكيل مسار البلاد وتوجيهها نحو آفاق أكثر إشراقاً واستقراراً. فالحزب السياسي، بكل مكوناته وتنوعاته، ليس مجرد تجمع لأفراد يتبنون الأفكار والمبادئ السياسية المشتركة، بل هو محرك رئيسي في آلة الدولة، يعمل على تحقيق التنمية وتعميق الاستقرار.
في مصر، تُشكل الأحزاب السياسية الفاعلة عماداً للنظام السياسي، تقوم بدور حقيقي في دعم الدولة وتعزيز أهدافها، إنها الكيانات الرئيسية التي تسعى جاهدة لتحقيق التوازن بين السلطات المختلفة، وتوجيه السياسات نحو مصلحة الوطن والمواطن.. بالتنسيق مع الحكومة وبقية الأطراف السياسية الأخرى الفاعلة، تعمل الأحزاب على تعزيز دور الدولة.
من خلال برامجها ومشاريعها المتنوعة، تسعى الأحزاب السياسية في أي نظام سياسي إلى تدعيم مؤسسات الدولة وتعزيز قواعدها، من خلال إرساء قيم الديمقراطية وتفعيل مشاركة المواطنين في الحياة السياسية. إنها تلعب دوراً حيوياً في تحسين الشفافية ومكافحة الفساد، وتطوير قيم العدالة وحقوق الإنسان في المجتمع.
هكذا، يظهر دور الأحزاب السياسية الفاعلة في دعم الدولة المصرية كشريك حيوي ومؤثر في بناء مستقبل أفضل للوطن ولشعبه، وفي ذلك لم نلحظ منذ فترة أي دعم من حزب الوفد للدولة المصرية، سوى في انتخابات الرئاسة، عندما اضطلع الحزب بدوره و بما له من مكانة تاريخية، لأن يطرح نفسه خيارًا لتحمّل المسئولية، فكانت مشاركة حزب الوفد تحديدًا في هذه الانتخابات كفيلة بأن تبعث برسالة واضحة للخارج، بأن العملية الانتخابية على ما للرئيس السيسي من قوّة في الشارع، وقناعة لدى الناخب المصري بأن ماكينة التنمية الجبّارة التي تشهدها مصر على يديه لا يجب أن تتوقف، وأن الشعب على مساحة من الوعي، تجعل منافسة أي مرشح على مقعد الرئاسة مع الرئيس السيسي، مجرّد عملية إجرائية، لكن مشاركة حزب الوفد في هذه الانتخابات، بعراقته، ومكانته التاريخية، قد أضفت على العملية الانتخابية تقديرًا سياسيًّا في الداخل والخارج.
الاستغلال السيء لنصيحة الرئيس.. كيف أهان “يمامة” حزب الوّفد؟
كان يفترض لحزب الوفد أن يبنى على مشاركته في الانتخابات الرئاسية، مرحلة جديدة من تاريخه السياسي، لا أن يصبح عبئّا على النظام السياسي للدولة، فالرجل الذي خاض انتخابات الرئاسة منافسًا للرئيس السيسي، لم يكن ليصح أن تخرج منه عبارة “الرئيس قال لي: ليه تستقيل؟ وشدد عليّا.. على البقاء والحفاظ على مصلحة الحزب وما يتعرض له، ولذلك أنا مستمر في الحزب من أجل إعداد كوادر جديدة وسيكون لنا مرشح بالانتخابات المقبلة ولو قيادات الحزب طلبت مني الاستقالة سأستقيل”.
هذا إقحام لرئيس الدولة في شئون الحزب الداخلية، ولا يجب على عبد السند يمامة أن يحوّل من نصيحة رئيس الجمهورية له، بأن لا يستقيل، وأن يستمر في رئاسة الوفد، كما لو أنّها توجيه، ذلك لا يليق برئيس الوفد، أنّ يٌعرّض بمقام الرئاسة أو يوّظّف نصيحة شخصية له من الرئيس، لأغراضه الشخصية، ولأهدافه السياسية في الحزب، فمكانة الرئيس السيسي عند الوفديين وعند المصريين عمومًا، يترجمها هذا الحوار الدائم بينه وبين الشعب، وإن كان الرئيس نفسه يكرر دائمًا من نصائحة حتى لا تٌفهم تصريحاته بالخطأ، فما قاله الرئيس لم يزد عن مجرّد نصيحة شخصية له، لم يكن مقبولًا أن يوظّفها الرجل لأغراضه، ولا أن يصنع منها توجيهًا، بما لا يليق بمقام الرئاسة، تلك جريمة بكل المقاييس، يجب أن يُحاسب عليها عبدالسند يمامة، فمقام الرئيس عمومًا، وشخصية الرئيس السيسي التي يعرفها المصريون على وجه الخصوص أعمق من ذلك بكثير .

كان من الأولى والأجدر برئيس الوفد بعد حديثه مع شريف عامر على فضائية إم بي سي مصر، وقد تحدّث فيها بما فيه إقحام لمقام الرئاسة في شأن وفدي داخلي، أن يخرج معتذرًا بأن تصريحاته لم تكن دقيقة، أن يشرح للرأي العام السياق الذي جرى عليه الحديث مع الرئيس، وفي إطاره جاءت النصيحة، نصيحه له بأن يستمر، طالما يريد له الوفديون أن يبقى، لكنّها ليست توجيهًا للوفديين أن يبقوه، الرئيس ومقام الرئاسة أكبر من ذلك بكثير.
كان يجب على يمامة أن يصحح تصريحاته، لكنّه لم يفعل، بل وإمعانًا في الاستغلال استخدم نصيحة الرئيس سلاحًا لإرهاب خصومه الذين تضجّ بانفعلاتهم الغرف المغلقة في الحزب، بعدما حوّل حزب تاريخي مثل حزب الوفد إلى عزبة خاصة به، فأصبح هذا المبنى العريق في 1 بولس حنّا مسرحًا للشللية والمحسوبية، حزب الوفد جزء من النظام السياسي للدولة المصرية.. والعبث به أو فيه هو عبث بالدولة المصرية، يجب التصدّي له من الجميع، يجب التصدي له من مؤسسات الدولة ومن أعضاء الحزب، ومن المصريين بالعموم، فالوفد جزء من تاريخ مصر الذي يعتز به المصريون.
فالوفد.. كان وما يزال وسيبقى حزب الأمة الحقيقي، لا يجب أن يتهاوى إلى أن يصبح نسخة من “حزب الأمة” و رئيسه الشيخ الصباحي عليه رحمة الله، والذي كانت كل وظيفته في النظام السابق هي إدخال السرور على الرئيس الأسبق حسني مبارك في اللقاءات السياسية، حزب الوفد هو حزب الأمة الحقيقي، لا يجب أن يحوّله عبد السند يمامة إلى حزب الأمة في نسخة الشيخ أحمد الصباحي، والذي من فرط فكاهيته، أن أعلن ترشحه في مواجهة الرئيس مبارك، وقال الشيخ الصباحي في خطاب الإعلان إنه سيعطي صوته لمبارك، في واحدة من أطرف التصريحات السياسية وقتها، لذلك.. فإن رئيس الوفد مُطالب بأن يُصحح تصريحاته فيما يخص إقحامه مقام الرئاسة في شأن وفدي داخلي، ومُطالب كذلك بأن يُصحح الخلل الواضح في إدارته للحزب، وأن يوقف سيل الانحرافات المتزايدة في الحزب، أو يرحلْ.
“محسب” و “يمامة”.. حزب برأسين سيغرق لا محالة
منذ كتبتُ؛ مقالي السابق؛ عن أزمة حزب الوفد؛ ورئيسه الفعلي أيمن محسب، لم يكن في ضميري؛ أن ألوم؛ الهيئة العليا لحزب الوفد؛ وقد بدت مغلوبة على أمرها؛ كما لم يكن في ضميري أن ألوم صحفيي جريدة الوفد؛ وقد غرقوا في دوّامة البحث عن حقوقهم؛ حتى أنهم وفق بيان اللجنة النقابية؛ لم يتقاضوا مرتباتهم منذ 6 شهور.
أيضًا.. لم يكن بضميري أن ألوم بالطبع أيمن محسب الذي يعمل في مجال إعلانات لافتات الشوارع التي شوّهت محافظة الجيزة؛ في سعيّه الدؤوب إلى الحصانة؛ بعدما فشل في الحصول عليها مستقلًا في انتخابات الشيوخ؛ حتى لو كانت الطريقة التي حصل بها على تلك الحصانة.. مرشّحًا بالقائمة عن حزب الوفد؛كوميدية. ذلك لأنه لم تكن له علاقة من قريب أو بعيد بالحزب، لكنّه أتى على قوائمه، فعلى الرغم من أن الوفد يعجّ بكثير من القيادات التي هي أحق بتمثيله تحت القبة من “محسب”، تبقى واقعة تسلله إلى الحزب على هذا النحو .. في غاية الكوميديا، أو قل التراجيديا، فمجيئ محسب عضوًا في مجلس النواب عن حزب الوفد كان الأكثر دلالة على أن الحزب، قد هان، إلى حد يدمي القلوب، ويُبكي المُقَلْ.

لكنني ألوم؛ زعامات الوفد التاريخيين؛ أمدّ الله في أعمارهم؛ محمود أباظة؛ والسيد البدوي؛ وبهاء أبو شقّة؛ بوصفهم رؤساء سابقين للحزب؛ حافظوا على مكانته ووحدته وقوته بدرجات متفاوتة؛ وقد ضربهم الصمت؛ وهم يرون حزب الوفد ينهار إلى دركٍ أحزاب الدرجة الثالثة؛ فيوشك أن يصبح نسيًا منسياْ؛ فَقَدَ الوفد بريقه التاريخي؛ بعدما أصبح عاريًا أمام الشعب؛ بتخلّيه عن دوره كضمير للأمّة؛ ثم أصبح جثة هامدة أمام الدولة؛ فشل أن يدعمها في أزماتها وتحدّياتها؛ غاب عن الشارع، وانتظر لقميماتٍ تأتيه من هنا وهناك، خذ هذه لتفعل تلك، وخذ هذا ليفعل ذاك، ولا تلك ولا ذاك فعلا شيئ، شيكات الحزب التي حصل عليها من أيمن محسب نظير حصوله على الحصانة، اُعيدتْ إلى محسب بدون تحصيل، وماحدث مع محسب حدث مع غيره، أصبح الوفد.. مثل بنت العمدة التي تزوجت من مُحدث نعمةٍ، أن يفك رهنيّة أرضها، لتعود إليها، فإذا به يبيع الأرضَ لأصحاب الرهن، ويضع بقيّة ثمنها في جيبه، ثم يُعاير زوجته أنه فكّها من عثرتها، وهو الذي أعثرها اكثر.
نفس اللوم يُوّجّه؛ إلى قامات بحجم منير فخري عبدالنور؛ وفؤاد بدراوي؛ وهاني سريّ الدين؛ وعصام شيحة؛ إضافة إلى القيادات الأخرى الفاعلة ممن يطول سردهم ولا يتسع المجال لذكرهم؛ كذلك نواب الوفد الذين حملوا الأمانة أن يحافظوا على الوفد؛ وصورته؛ وتاريخه؛ فإذا بهم سقطوا في براثن الصمت.
الوفد لن يرحم من شاهدوا الهوان ولم ينطقوا ببنت شفه، أن يصبح مجرّد مندوب إعلانات يعمل في شوارع الجيزة؛ متحكمًا فيما يقولونه في البرلمان؛ أو فيما تكتبه الجريدة؛ أو فيما يصدر عن الحزب من بيانات؛ حتى أصبح رئيس الحزب عبدالسند يمامة؛ لا يتحرّك إلّا بعد إشارة من أيمن محسب تحت وَهْمْ أنه مسنود.
لم يعد الصمت فضيلة، وإنقاذ الوفد من بركان يوشك أن يقتلع الأخضر واليابس فيه، يتحمّل مسئوليته الجميع، خصوم يمامه قبل انصاره، صرخة أكثر من 120 صحفي يرفضون الأوضاع المائلة في جريدتهم، ليست إلا إرهاصات لحدث كبير يوشك أن يقع في الحزب، أزمة الصحفيين بالجريدة، هي أزمة الأعضاء في الحزب، وفي أغلب الأزمات، يبرز إسم أيمن محسب الذي يباهي نفسه أمام الجميع بعلاقاته، وعلاقاته التي اتت به إلى الحزب تحت مزاعم إنقاذ الحزب من عثرته المالية، يجب أن تدفع ثمن هذا العبث الحاصل في واحد من أهم الأحزاب المصرية الداعمة لاستقرار الدولة المصرية.
في الحلقة القادمة:
هل يمكن لرئيس حزب يتم التوقيع نيابة عنه وبدون علمه أن يستمر في موقعه؟!
لماذا رفض يمامة تحصيل 12 مليونًا مستحقة للحزب من أيمن محسب؟