قراءة تاريخية حول الفيلم الذي كاد أن يعطل مسيرة عماد حمدي الفنية.. يكتبها شريف الوكيل
كانت صناعة النجم أو البحث عن نجم من أصعب الأمور فى فترة الأربعينيات المزدهرة بصناعة السينما ونجومها ، وكان من بين من ساهموا فى هذا المجال المخرج (كامل التلمسانى) والذى كان يبحث عن بطل من نوع جديد بطل قادم من أحراش الحياة، بطل واقعى من لحم ودم وليس مجرد بطل وهمى،من النوع السائد فى سينما الأربعبنيات سواء المصرية أو العالمية، بطل لايميزه جمال الوجه ونعومة الشعر وأناقة الأزياء . ولكن يتميز بوضوح شخصيته وقوة روحه وتطابق ملامحه من ملامح الرجال العاديين ، فمشكلة بطل (السوق السوداء) تتجاوز من حيث العمق والشمول مشكلة العاشق الولهان الذى يضنيه حب فتاة تقف العقبات بينهما، فبطلنا ليس صاحب مشكلة خاصة بقدر ماهو صاحب قضية عامة، حيث تتمثل قضيته فى الوقوف بوجه تجار السوق السوداء المستغلين لمقدرات الناس . فما الذى دفع كامل التلمسانى فى إختيار ذلك الموظف المغمور بأستوديو مصر ودفعه كى يغامر بأن يسند له بطولة فيلمه السوق السوداء.
إنه الفنان(عماد حمدى) الذى وجد فيه التلمسانى ماكان يبحث عنه، فقد اكتشف بحسه المرهف ماينطوى عليه وجه الوافد الجديد من ألفه ووضوح وطيبة ، ونظرا لأن عماد حمدى لم يكن شابا فى مقتبل العمر لكنه كان فى الثلاثين من عمره، لذلك فإن التجاعيد الخفيفة فى جبهته أعطت أحساسا بأن صاحبها يعانى نفس المتاعب التى يعيشها الآخرين ، فهو ليس من سلالة أرستقراطية لكنه من قلب الطبقة المتوسطة. بكل متاعبها ومعاناتها حيث يمتلك الروح الصلبة التى لاتتنازل ولاتساوم فهو يتمتع بالقدرة على التأثير فى الآخرين .
بدأت ميول عماد حمدى للتمثيل فى المرحلة الثانوية وشغفه بعروض أقوى الفرق وقتها كفرقة رمسيس وجورج أبيض وفاطمة رشدى، وربما يكون أسلوب عماد حمدى فى الآداء منذ أول أفلامه مختلفا عن الأسلوب التقليدى السائد فى تمثيل من سبقوه ، فتجده مبتعدا تماما عن الفخامة وتغليب نبرات الصوت على معانى الكلمات فى الإلقاء لحد التكلف وكانت هذه سمة السينما خلال عقدين من الزمن. بدأ عماد حمدى أول أفلامه ممثلا فى غاية البساطة معتمدا على الصدق الداخلى فى أدائه فينساب أداؤه بصدق وبطبيعة كاملة ولكن نجاحه بجدارة فى أول أفلامه كاد يضيع مع السقوط التجارى المروع لفيلم اليوم(السوق السوداء) وكان الفيلم الشجاع يقوم بهجاء وتجريح بل وتعرية تلك الطبقة المستفيدة من الحرب والمسيطرة على الأسواق الفاسدة، وبقدر عنف الفيلم جاء عنف الجمهور المشاهد له بمجرد ظهور كلمة النهاية على الشاشة بعد انتصار سكان الحارة على تجار السوق السوداء ، حتى بدأ الجمهور المستفيد من هذا الحال المتفشى بالأسواق الفاسدة بتكسير مقاعد السينما وصارت معركة المهم فيها البحث عن كل من المخرج وبطل الفيلم طلبا للقصاص الفورى منهما .
عماد حمدي.. ممثل مصري، ولد في مدينة سوهاج في صعيد مصر عام 1909، تعلم فنون اﻹلقاء أثناء دراسته الثانوية في القاهرة على يد الفنان عبد الوارث عسر.
ظهر للمرة الأولى في السينما من خلال فيلم (عايدة) في عام 1942، لكن الجمهور عرفه على نظاق واسع من خلال فيلم (السوق السوداء) الذي يعده الكثير من نقاد السينما المصرية من الأفلام التي رسخت للمدرسة الواقعية في السينما المصرية.