راندة علي صالح المنشاوي، التي وُلدت في 3 أكتوبر 1963، تُعتبر واحدة من أكثر الشخصيات النسائية تأثيرًا ونفوذًا في الحكومة المصرية، إن لم تكن الأكثر نفوذًا بلا منازع الآن، لكنّ أكثر ما يثير الاستغراب في مسيرتها؛ ليس بالضرورة سجلها الأكاديمي، أو قدراتها الخارقة، بل قدرتها الفريدة على كسب ثقة كل من تعمل معه، وخاصة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، الذي وعلى الرغم من أنه ليس الأول الذي عملت معه في وزارة الإسكان، إلا أنها بلا شك كانت وما تزال الأكثر حظوة لديه منذما كان وزيرًا للإسكان، وحتى أصبح رئيسًا للوزراء.
ولقد قام الدكتور مصطفى مدبولي بتصعيدها مراتٍ عديدة وتكليفها بملفات متعددة في آنٍ واحد، مما جعلها الشخصية المحورية شديدة التأثير في دوائر صنع القرار في البلاد، وهو ما فرض حزمة من علامات الإستفهام حول السر وراء هذا الصعود المتواصل والدائم والمستمر، فهل يكمن ذلك في قدرات حقيقية دفعت بها إلى مناصب عدة ومهام عديدة في توقيتٍ متزامن؟ أم في مهاراتها الفذة في بناء العلاقات المهنية؟ وهل يكمن سر نجاحها في مهارات إدارية لا تُرى إلا لمن تعامل معها عن قرب؟ أم في ظلٍ خفيّْ تستند عليه.. وحقق لها ما تحققْ؟ مسيرتها التي تزداد غموضًا مع كل ترقية جديدة هي ما تدفع إلى البحث في السجل المهني الحافل للسيدة الحديدية في الحكومة المصرية.
تدرجت راندة المنشاوي في المناصب القيادية على مدار أكثر من ثلاثة عقود، بدأت مسيرتها المهنية كمهندسة معمارية بعدما تم تعيينها بوزارة الإسكان في نفس العام الذي تخرّجت فيه، وصولاً إلى منصب مساعد أول لرئيس مجلس الوزراء لشؤون المتابعة، وهو منصب يضعها في قلب صناعة القرار الحكومي.

البدايات: من الهندسة إلى قلب صناعة القرار في الحكومة
بعمر 22 عامًا، تخرجت المنشاوي في كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان عام 1985، وحصلت على البكالوريوس في الهندسة المعمارية. وبعد أيامٍ معدودة، التحقت بوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، حيث بدأت مسيرتها المهنية. وبعد أقل من عام، تركت الوزارة وانتقلت للعيش في دولة الكويت، وهناك – وبحسب ما كتبته عن نفسها – عملت “مع مكاتب استشارية هندسية، وساهمت في تصميم العديد من الأبراج السكنية والإدارية”، قبل أن تعود إلى مصر في أواخر التسعينيات للعمل من جديد في وزارة الإسكان بعد غيابٍ عنها امتد لاثني عشر عاما.
التدرج الوظيفي الغامض إلى المناصب القيادية
عقب عودتها إلى مصر، تدرجت المنشاوي في المناصب داخل وزارة الإسكان بطريقة لافتة، حيث تولت منصب “مشرفة على مكتب الوزير”، وهو منصب مكّنها من العمل عن قرب مع خمسة وزراء للإسكان، بدءًا من المهندس أحمد المغربي، مرورًا بالمهندس إبراهيم محلب والدكتور مصطفى مدبولي، وصولًا إلى الدكتور عاصم الجزار. وخلال هذه الفترة، أشرفت على العديد من المشروعات القومية، بما في ذلك مشروعات تطوير البنية التحتية والمرافق في المدن الجديدة.
تمكنت راندة المنشاوي من تجاوز الصراعات الداخلية بفضل قدراتها المميزة في كسب ثقة أكثر من 5 وزراء للإسكان، لكنّ ما أهلها لتولي مناصب مؤثرة في وزارة الإسكان مثل رئاسة وحدة إدارة المشروعات (PMU) وتمثيل الوزارة في مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية الجديدة ثم وصعودها المتسارع بشكل لافت للانتباه . لم يكن إلا بفضل دعم متصاعد من الدكتور مدبولي، سواء عندما عملت معه في الوزارة أو لمّا نقلها معه إلى ديوان رئاسة الوزراء.

في 14 يونيو 2018، أصدر الرئيس السيسي قرارًا جمهوريًا بتعيينها نائبًا لوزير الإسكان لشؤون المتابعة والمرافق- بتوصية من الدكتور مدبولي ربما- لتصبح أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخ الوزارة. وفي هذا المنصب. كانت مسؤولة عن متابعة تنفيذ العديد من المشروعات الكبرى، بما في ذلك مشروعات الإسكان الاجتماعي وتطوير العشوائيات، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
– الإشراف على قطاع المرافق لمدة عامين، تم خلالهما إنهاء نحو 400 مشروع لمياه الشرب والصرف الصحي.
– إنشاء وحدة إدارة المشروعات (PMU) بوزارة الإسكان، تضم كوادر شابة وخبرات فنية، لإدارة المشروعات وتعزيز التعاون مع شركاء التنمية مثل البنك الدولي والصناديق العربية، في شركات مياه الشرب والصرف الصحي بالمحافظات.
– متابعة المشروعات القومية مثل محطة مياه 6 أكتوبر، محطة مياه العاشر من رمضان، محطة مياه طامية، مشروع صرف صحي عين شمس، وغيرها.
– التعامل مع مشكلات تسليم أكثر من 300 محطة تنقية مياه ومعالجة الصرف الصحي نجحت في حلّها بحسب موقع البوابة نيوز.
– تكليفها بتعزيز دور -والتعامل مع- المجتمع المدني في دعم مشروعات المياه والصرف الصحي، عبر توفير الأراضي والتمويل من مؤسسات مثل “مصر الخير” و”تروس”.
– تكليفها بتقييم أنظمة المتابعة والتقييم بالشركة القابضة لمياه الشرب والجهاز التنظيمي لضمان استدامة الخدمة.
– رئاسة وحدة متابعة المشروعات الخاصة، ومنها:
– مشروعات الإسكان الاجتماعي.
– مشروعات الطرق القومية، مثل محور 30 يوليو.
– مشروعات البنية الأساسية والمرافق والإسكان بالمدن الجديدة.
– الإشراف على تنفيذ حي المال والأعمال بالعاصمة الإدارية ومدينة العلمين الجديدة.
– متابعة تنفيذ مرافق “بيت الوطن” وأعمال تطوير المدن الجديدة.

الصعود إلى مراكز صنع القرار: مساعد أول لرئيس مجلس الوزراء
في 23 ديسمبر 2019، أصدر الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، قرارًا بتعيين المنشاوي مساعدًا أول لرئيس مجلس الوزراء لشؤون المتابعة، لتصبح بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب في مصر، و في هذا الدور، أصبحت مسؤولة عن متابعة تنفيذ المشروعات القومية الكبرى ومراقبة أداء الوزارات المختلفة، بالإضافة إلى إدارة ملفات استثمارية حساسة، حتى أنها رافقت الدكتور مدبولي وشهدت معه اللقاء الذي جمعه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان في 16 سبتمبر 2024

من أبرز المهام التي تولتها في هذا المنصب:
– رئاسة الوحدة الدائمة لحل مشكلات المستثمرين: ومن أهم مهامها العمل على تسريع إجراءات التراخيص وتذليل العقبات التي تواجه المستثمرين.
– متابعة مشروع “حياة كريمة”: وهو المشروع القومي لتطوير قرى الريف المصري، والذي يهدف إلى تحسين البنية التحتية والخدمات الأساسية في المناطق الريفية.
– الإشراف على مشروعات الهيدروجين الأخضر: ونقلت عنا الصحف المصرية خبر إعلانها توقيع 23 مذكرة تفاهم مع مطورين دوليين لإطلاق مشروعات جديدة في هذا المجال.
صانعة القرار وصاحبة النفوذ القوي في قلب السياسات المصرية
يعلم كثيرون ممن يتحركون في دوائر القرار أن المنشاوي تتمتع بنفوذ كبير داخل الحكومة المصرية، نظرًا لقربها من رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، ذلك لأنها عملت معه لفترة طويلة خلال رئاسته لوزارة الإسكان. ولثقته الكبرى فيها، فقد منحها صلاحيات واسعة في متابعة تنفيذ المشروعات القومية ومراقبة أداء الوزارات المختلفة. المرأة أصبحت ذات مهابة ينصاع لها كثير من الوزراء، أن تتكلم فهذا يعني أن من يتكلم هو رئيس الوزراء، وأن تأمر فإنه هو الذي يأمر، وهو نفوذ في إدارة الدولة المصرية لم تسبقها إليه في مصر إلا حتشبسوت.
.jpg)
من خلال منصبها كمساعد أول لرئيس مجلس الوزراء، أصبحت المنشاوي حلقة الوصل بين رئيس الحكومة والجهات التنفيذية المختلفة، مما جعلها واحدة من أكثر النساء المصريات تأثيرًا في صنع القرار الحكومي في مصر. ومع ذلك، فإن هذا النفوذ الكبير يثير تساؤلات كثيرة حولها خاصة في صعودها السريع ومهامها الكثيرة.
دورها في بنك التعمير والإسكان
إلى جانب دورها في مجلس الوزراء، تشغل المنشاوي عضوية مجلس إدارة بنك التعمير والإسكان، ممثلة عن هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، إذ تمتلك الهيئة 29.81% من أسهم البنك. ورغم امتلاكها حصة شخصية باسم راندة المنشاوي في البنك تكاد لا تُذكر (0.0004%)، إلا أن عضويتها في مجلس الإدارة تمنحها تأثيرًا هو الأبرز في قرارات المؤسسة المالية، خاصة فيما يتعلق بمشروعات الإسكان الممولة عبر البنك، ليس بسبب أسهمها التي تملكها ملكية خاصة، ولا بسبب تمثيلها هيئة المجتمعات العمرانية في مجلس إدارة البنك، إنما في موقعها البارز وقربها الواضح من رئيس مجلس الوزراء.
جمع راندة المنشاوي بين عدة مهام ومناصب وتكليفات في آن واحد يثير تساؤلات حول مدى قدرتها على إدارة هذه الأعباء المتعددة بفعالية. فمن ناحية، يُعتقد أن تعدد المهام قد يؤثر سلبًا على جودة الأداء، حيث يصعب التركيز على كل ملف بالعمق المطلوب، خاصة في ظل الطبيعة المعقدة للمشروعات القومية التي تشرف عليها. هذا التوزيع الواسع للمسؤوليات قد يؤدي إلى تأخر في اتخاذ القرارات أو تراجع في دقة المتابعة، مما ينعكس على نتائج المشروعات التي تُعد حيوية لاقتصاد البلاد.

من ناحية أخرى، فإن توليها هذا العدد الكبير من المهام قد يثير استياء بعض المحيطين بها في مجلس الوزراء، الذين قد يرون في ذلك تركيزًا مفرطًا للسلطة في شخص واحد، خاصة في ظل علاقتها المهنية الوثيقة برئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي. هذا الوضع قد يخلق حالة من عدم التوازن في توزيع الأدوار داخل الحكومة، ويُغذي شكوكًا حول مدى استقلالية القرارات المتخذة.
أما عن اختيار هيئة المجتمعات العمرانية لها كممثلة في مجلس إدارة بنك التعمير والإسكان، فيطرح تساؤلات حول دوافع هذا الاختيار. هل كان بسبب كفاءتها الفعلية وخبرتها الواسعة في مجال الإسكان والمرافق، أم أن الهيئة رأت في قربها من رئيس مجلس الوزراء فرصة لتعزيز نفوذهابالبنك وسرعة إنجازها المهام؟ يبدو أن الهيئة، رغم وجود كوادر مؤهلة بين موظفيها، رأت في المنشاوي خيارًا استراتيجيًا لضمان تنسيق أفضل مع الجهات العليا في الدولة، مما يعكس توجهًا نحو تعزيز العلاقات بدلاً من الاعتماد فقط على الكفاءة التقليدية.
هذا الاختيار يفتح الباب أمام نقاش أوسع حول مدى تأثير العلاقات الشخصية في توزيع المناصب الحساسة، وما إذا كان ذلك يعكس نقصًا في الثقة بالكوادر الأخرى أم مجرد سعي لتحقيق مصالح مؤسسية أوسع.
السيناريوهات المستقبلية: هل تتولى وزارة الإسكان؟
مع تزايد الحديث عن تعديل وزاري مرتقب، يشاع أن الدكتور مصطفى مدبولي قد يترك رئاسة الحكومة ليتبوأ منصبًا آخر، قد يكون في حزب الجبهةالوطنية تحت التأسيس، بما يعكس تحركات سياسية مفاجئة في الفترة المقبلة. في ظل هذه التوقعات، تشير بعض الدوائر السياسية إلى أنه قد يوصي براندة المنشاوي لتولي حقيبة وزارة الإسكان، في خطوة قد تكون متوقعة بالنظر إلى العلاقة الوثيقة التي تربطها به منذ سنوات. إلا أن منصب وزارة الإسكان لا يزال ينافسها عليه بقوة الدكتور وليد عباس، النائب الأول لرئيس هيئة المجتمعات العمرانية، الذي كان حتى وقت قريب الرجل الأقوى في الوزارة قبل أن يُبعده وزير الإسكان الحالي من موقعه بديوان الوزارة إلى موقع رمزي في هيئة المجتمعات العمرانية. وبين عباس والمنشاوي، تدور الأقاويل التي تشتعل بها أحاديث النميمة في جنبات الوزارة وقطاعاتها، حيث تزداد التكهنات حول من سيحظى بثقة رئيس الحكومة المقبلة في تولي وزارة الإسكان.

لكن مصادر أخرى تؤكد أن راندة المنشاوي ليست متحمسة لتولي حقيبة وزارة الإسكان بعدما تجاوزت الستين بعامين، وهي تدعم الدكتور محمد خلف الله، رئيس جهاز المشروعات السياحية بهيئة المجتمعات العمرانية، لخلافة وزير الإسكان الحالي. ورغم الفارق الكبير في الخبرة والسن بينهما، إلا أن هناك وجهًا مشتركًا بين الصعود السريع لهما. خلف الله، الذي بدأ مسيرته من قريته في مركز أبوتشت بقنا، اقتصرت خبراته في البداية على مشاريع صغيرة مثل تمهيد طريق أسمنت النهضة، لكنه سريعًا ما أظهر قدرة غير عادية على تسلق السلم الوظيفي ببراعة أثارت الكثير من علامات الاستفهام. فقد انتقل من العمل موظف صغير في جهاز مدينة طيبة بالأقصر، إلى نائب رئيس جهاز مدينة 15 مايو، ثم رئيسًا للجهاز، قبل أن ينتقل للعمل رئيسًا لجهاز مدينة دمياط الجديدة.. كل ذلك في سنوات قليلة جدًا.

اليوم، يتربع خلف الله على أحد أهم المناصب في وزارة الإسكان، رئيسًا لجهاز المشروعات السياحية مسئولًا عن ستثمارات الهيئة في منطقة الساحل الشمالي، ليصعد بشكل لافت من منزل بسيط في قنا إلى قصر مهيب في مدينة 15 مايو، محققًا بذلك قفزات سريعة أثارت انتباه الأوساط المختلفة بهيئة المجتمعات العمرانية. في هذا السياق، تبرز تساؤلات حول التوازن بين الخبرة العميقة والمتراكمة لراندة المنشاوي، وقدرتها على إدارة النفوذ، وبين الصعود السريع للدكتور خلف الله الذي يحظى بدعم كبير من راندة المنشاوي؛ تقول المصادر.
المصادر
- الموقع الرسمي لوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية (http://www.housing.gov.eg)
- صحيفة الوقائع المصرية (http://www.egypt.gov.eg)
- موقع مجلس الوزراء المصري (http://www.cabinet.gov.eg)
- دار المطبوعات الأميرية (http://www.gpo.gov.eg)
- تقارير إعلامية من الصحف المصرية الكبرى
- مصادر في مجلس الوزراء ووزارة الإسكان وهيئة المجتمعات