إنّ نجاحًا مخضّبًا بآلام الفراق وأوجاع الفقدِ تظل حلاوتُهُ مخلوطةً بالمرارةِ تحت اللسانِ، والفرحةُ تبقى باهتةً لو جاءتْ عقبَ الأحزانِ، واللمعةُ على بريقِها وإن خطفتْ عيونًا، فإنّ دمعةَ مكتومةً قد تكون السرَّ في هذا البريق.. وميضُ البرقِ في جوفِ الظلامِ هو نوعٌ من أنواعِ الحريقِ.. لقد دفعَ إبراهيمُ العرجاني ثمنًا باهظًا لهذا النجاحِ،
خلفَ ذلكَ اللمعانِ الساحرِ الذي ظهر عليه إبراهيم العرجاني في حفل رعايته النادي الأهلي تكمن خلفه آلافُ القصصِ.. والآلامِ.. والتضحياتِ. الانطباع الجذاب والجميل الذي ظهر عليه الفتى لا يعكس الجانب الآخر من التحديات والصعاب التي اجتازها في حياته.
كانت معركة العرجاني وقبيلته ضد الإرهاب في سيناء مثل قوس مشدود بين الألم والبسالة. كانوا كالبرق اللامع في جوف الظلام، يضربون بكل شجاعةٍ وعزيمة. فيقتلون ويُقتَلون. أفواجًا تقابلها أفواج.
إبراهيم العرجاني، بجرأته المعهودة حمل أهله إلى ساحة القتال، وهو أمر لو تعلمون عظيم، في مجتمع بدوي لا يؤمن كثيرًا بمفهوم الدولة، لكن أن يصبح بين ليلة وضحاها داعمها الأهم في مواجهة قوى الإرهاب والطغيان، فذلك أمر لو تعلمون عظيم، حينما أسلم وجهه للجهاد ضد قوى الجهل والضلال أسلمت معه كل عشيرته، إنّه لأمر جليل
كانت كل سيطرة له على منطقة أجبر داعش على الهروب منها تترك خلفها آلامًا تموج بها ثنايا قلبه وبيوتات القبيلة. فكما تفجّرت أصوات الرصاص كالصواعق، تفجّرت معها آلام الفقد، ففي كل جندي يسقط من قوات الجيش أو من أهله في سيناء، كان يتساقط معها أجزاء من قلبه وكيانه. اندفع هو وأبناء عمومته وأحباؤه نحو القتال كأنهم أمواج تجري خلف أمواج. تلاشت أوجاعهم في وجه الهمم المرتفعة والأرض المرصوفة بالشهداء. وما كان يدري إبراهيم العرجاني أنه سيشهد رحيل أعز أصدقائه، الشهيد سالم لافي، الذي كان له نعم الرفيق والسند في الراحة وفي أوقات الشدة.

إن المعركة ضد تنظيم داعش في سيناء نبضت بالتضحية والفداء، حتى بدت متفرّدة في سياقها، أصبحت معلمًا بارزًا في إلحاق الهزيمة بهذا التنظيم الإرهابي، وشاهدة على الشجاعة التي تحلى بها من خاضوا معاركها الطاحنة ضد هذا التنظيم الأرهابي والتضحيات التي قدموها وما يزالون يعملون لضمان عدم ظهور ذلك التنظيم من جديد، ومن أجل تحقيق استقرار سيناء وأمنها، وتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة، ما تزال هناك أدوار مستمرة على الأرض
كاتب هذه السطور اطلع على ما فعلته داعش في شرق الفرات بسوريا والعراق، شاهد بأمّ عينيه الدمار الذي لحق بمدن كبرى مثل الرقة ودير الزور وحمص وحماة والحسكة وغيرها من البلدات السورية العتيقة في عفرين وحلب وعين عيسى، وشاهد كيف أنّه لم تكتمل مهمة التحالف الدولي في العراق وسوريا بقيادة قوات من الجيش الأمريكي وهي تطلب الدعم المتواصل من المجتمع الدولي. لحثه على الانضمام إليه لتوفير مساعدات إرساء الاستقرار، اكبر وأقوى جيش على الأرض-الجيش الأمريكي- شاهد والويلات في حربه على الإرهاب في سوريا والعراق.

كاتب هذه السطور شاهد في جولة صحفية استمرت 11 يومًا معالم الدمار هناك، وكيف أن الاقتتال في سوريا والعراق تسبب في هروب ملايين النازحين، واطلع على عشرات القصص عن استغلال داعش للسكان الضعفاء في العراق وسوريا وتجنيدهم طوعًا أو جبرا، سيناء كان يمكن لها أن تلق نفس المصير لولا الجيش وداعميه من أبناء سيناء وفي القلب منهم إبراهيم العرجاني وقومه، وما احتاج أن ينزل له الجيش الأمريكي في العراق وسوريا للقضاء على داعش هناك، استطاع الجيش المصري وأبناء سيناء أن يفعلوه دون دعم من جيوش خارجية، الأبرز في التجربة المصرية أنها لم تشهد نزوح الأهالي من سيناء إلى خارجها أو إلى خارج البلاد، كما حدث في سوريا والعراق، السيناويون تشبثوا بالأرض، وشاركوا في القتال، وقدموا الفداء أموالًا ودماء.
وفيما نحتفل في مصر بهزيمة تنظيم داعش، تبقى تجربة الجيش المصري مع أبناء سيناء وفي القلب منهم إبراهيم العرجاني شهادة حاضرة على الهزيمة الكبرى لهذا التنظيم الإرهابي والمجموعات التابعة له في سيناء.
لمّا استهدف الإرهابيون إبراهيم العرجاني أكثر من مرة، وفي كل مرة تنقذه عناية الله، استهدفوا كذلك أفرادًا من أسرته وأبناء عمومته وصديقه المقرّب سالم لافي، وبالرغم من تلك المآسي، كان يمكن للعرجاني أن يتوقف عن الاستمرار في المعركة.. أن يستلم وأن يفتح الطريق لأبناء سيناء ينزحون إلى الوادي بعيدًا عن مناطق الاشتباك، لكنّه استمرّ في المعركة بل زاد فيها لمّا رأى الجيش يقدّم الفداء ببسالة وانتماء، “هذه أرضي أنا.. وأبي ضحى هنا.. وأبي قال لنا.. مزّقوا أعدائنا”.. كان ذلك لسان حالهم، صمتًا وغناء.
المثير أنه ما إن انتهت المعركة مع داعش، وبدأ الجيش المصري مع السيناويين وفي القلب منهم إبراهيم العرجاني يستعدون للاحتفال بالنصر على الإرهاب، في حفل مهيب يتوقع أن يحضره رئيس الجمهورية، حتى بدأت حرب جديدة ومن نوع خاص، فبعدما فشلت جهود داعش في تصفية العرجاني جسديًا، بدأت جماعة الإخوان الإرهابية بالخارج في اغتياله معنويًا، حربٌ ممنهجة لشيطنته، ربّما لكيلا يهنأ بفرحة الجلاء.. جلاء داعش عن سيناء، لهذا ظل وسيظل “العرجاني” مستهدفًا على الدوام من قوى الظلام.
على أن الذي شاهده في احتفالية النادي الأهلي، في حلته التي بدا بها في جرأة وإيمان، رأى كيف أن كل المحاولات التي استهدفت تشويه سمعته. أبى أن يستسلم لها أو للمعركة النفسية التي خطط لها الإرهابيون. اسمه أصبح رمزًا للأنَفَة والتَرَفُع، والكبرياء.
لا تستغربوا من الحملة الممنهجة لشيطنة العرجاني.. فهي انعكاس طبيعي لما قام به الأرض في سيناء.