
لا أعلم ما إذا كان لا يزال يقبض راتبه الشهري من جريدة الأهرام، وبالتبعية يقبض بدل التدريب النقدي من نقابة الصحفيين، أم لا، لكن الذي أعلمه جيدًا أنه يقبض راتبه الشهري من وزارة الإسكان بوصفه مستشارًا إعلاميًا للوزير.. وكأن الوزارة التي تضم جيوشًا من موظفي العلاقات العامة والإعلام لم تجد من بينهم من لديه القدرة على القيام بهذا الدور عندما استقدمته عليهم منذ العام 2007 لكي يقوم نيابة عنهم بما يجب أن يقوموا به، وكأن أكثر من 12 عامًا مضت لم تكن كافية لأن يتأهل منهم من يمكن أن يحل محله.
إلى ذلك والقضية هنا ليست في تكويش الزميل هاني يونس على الوظائف أعلاه وهو يقبض إلى جانب ما قبض ويقبض عنها من رواتب وحوافز وبدلات، وليست في أنه يقبض أيضًا راتبًا شهريًا آخرَ وربما ليس أخيرًا عن عمله مستشارًا إعلاميًا لرئيس الوزراء، إنما القضية هنا أنه وهو يقبض هذه الرواتب جميعها لا يقوم بعمله الواجب عليه أن يعمله.
إننا وإن كنا لم نلحظ له مقالًا واحدّا أو خبرًا يحمل توقيعه بجريدة الأهرام منذ سنوات طويلة، كما لم نلحظ له أثرًا في وظيفته كمستشار إعلامي لوزير الإسكان، أيضًا ولم نلحظ له أثرًا في وظيفته كمستشار إعلامي لرئيس الوزراء، وإن كان انعدام الأثر في الأخيرة أكثر وضوحًا في وظيفة الزميل هاني يونس مستشارًا لرئيس الوزراء.. خاصةً مع وجود متحدث رسمي باسم الدكتور مصطفى مدبولي هو المستشار نادر سعد، الذي يوجد إلى جواره أيضًا منصب جديد يتقاطع مع منصبي “يونس” و “سعد” في الوظيفة والدور إلى حد كبير هو منصب ووظيفة ودور وزير الدولة للإعلام الزميل أسامة هيكل الذي يُعد كذلك ناطقًا إعلاميًا باسم الحكومة، إلا أنه يبقى “يونس” مسئولًا بشكل شخصي وخاص عن كل ما يجب أن يصل إلى سمع وبصر رئيس الحكومة، خاصة وأن دوره وإن كان يتقاطع مع دور المستشار نادر سعد المتحدث الرسمي باسم رئيس مجلس الوزراء، إلا أنه يختص عنه أكثر في نقل ما يدور في وسائل الإعلام إلى رئيس الحكومة، بما في ذلك الآراء المؤيدة لقراراته أو المعارضة لها أو التي تنبه إلى وجود عوارٍ فيها.
الصفة التشريحية لوظيفة “يونس” هي تقديم الاستشارات الإعلامية لرئيس الحكومة، أما “سعد” فهو متحدث باسم رئيس الحكومة. الأول “يونس” ينقل إلى رئيس الحكومة أما الثاني “سعد” فإنه ينقل عنه.
أقول هنا بكل صراحة أن هاني يونس المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء لم يقم بواجبه في نقل ما نشره كاتب هذه السطور هنا الاسبوع الماضي وأثار تفاعلًا لدى قطاع عريض من رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى مسامع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء حول الانتهاك الصارخ للدستور الذي ارتكبه وزير الإعلام في احتفاظه بعدة وظائف إلى جانب عمله كوزير في الحكومة، وهو الأمر المجرم بنص المادة 166 الدستور.
هذه الجريمة التي ارتكبها وزير الإعلام الذي لم يتخل عن وظائفه الكثيرة بعد حلفه اليمين الدستورية، علم بها هاني يونس مستشار رئيس الوزراء، وشاهد أثرها على مواقع التواصل الاجتماعي لكنه لم يبلغ بها أو بالأثر المترتب عنها، رئيس الحكومة.
هل كان دافع هاني يونس في ذلك أن من كان بيته من زجاج لا يجب أن يقذف أسامة هيكل بالحجارة؟! إذ يشترك وزير الإعلام ومستشار رئيس الحكومة للإعلام في نفس الأمر، التكويش على الوظائف.
أم أننا أمام شلّة أخر ما يهمها هو صون الدستور واحترامه؟! أو غضب الجماهير ورضائها.؟!

قد يقول قائل أنه يستحيل أن يكون رئيس الوزراء لا يعلم بتلك الجريمة، وقد يكون ذلك حق، لكن المؤكد أن رئيس الوزراء لم يصل إلى مسامعه غليان الجمهور بعد علمه بها، وهو غليان يجب أن يقابل بالتوضيح والاعتذار المناسب والسريع من رئيس الحكومة، لما لذلك من أثر على صورة ومصداقية الحكومة ورئيسها أمام الجماهير، فإذا لم يحترم رئيس الوزراء ووزير إعلامه الدستور فمن يحترمه إذن؟!
إننا هنا أمام جريمة تاريخية في حق الدستور وحق الشعب، جريمة تستوجب الاعتذار السريع عنها للمصريين وبشكل عاجل، قبل التصويب الواجب والفوري.
أما أن يبقى الوضع على ما هو عليه، فإن رئيس الوزراء الذي راهن على وعي الجمهور في أزمة كورونا، يحتاج هو نفسه ومستشاره الإعلامي ووزير إعلامه إلى أن يعوا سويًا قدسية الدستور الذي يحكمنا ويحكمه، أن يعوا حتمية احترامه.
أن يعوا جميعًا أن انتهاك الدستور والقانون جريمة لا تُغتفر، ولا يسقط أثرها بالتقادم، بل وسيظل أثرها عالقًا بأثوابهم ما عاشوا وبعد الممات، فالذين أقسموا على احترام الدستور أمام الرئيس والشعب هم أنفسهم من تعدوا على الدستور، وحنثوا بيمينهم أمام الرئيس والشعب.
إننا والحال كذلك.. لا نراهن هنا على وعي رئيس الحكومة أو مستشاره الإعلامي أو وزير إعلامه، إننا نراهن هنا وفقط على حسم الرئيس لهذا الملف، ونثق في أنه سيفعل، وبأسرع مما نتخيل.