فكرة التناغم بين فريق العمل، تختلف كثيرًا عن فكرة الشللية، فالأولى تعتمد على بناء سياسات تخلق هذا التناغم بين الفريق بما يسهم في رخاء المؤسسة أو الشركة، أما الشللية فهي تعتمد أساسًا على بناء أشخاص بعينهم بشكل أكبر من بناء المؤسسة ذاتها.
مؤخرًا.. ضرب منطق الشللية عدد من الشركات ومجتمعات الأعمال في مجال صناعة الأسمنت، بما خلفه ذلك المنطق من بيئة طاردة وقاتلة للكفاءات الإدارية، حتى أصبحت الشللية والفساد الإدارى وجهان لعملة واحدة اسمها الإنهيار، فكلما وجدت الشللية وجد الفساد الإدارى والمالى، فإذا ما وُجِدا.. بدأت الخطوات تتوالى نحو الإنهيار.
أقول ذلك بمناسبة الأوضاع التي شهدتها شركة مصر للأسمنت مؤخرًا في قنا وما تركته تلك الأوضاع من أثر على شركاتها الأخرى التابعة في “المنيا” و”الخرسانة” والصيانة”، إذ تغلّب منطق “الشلّة” فصار هو المتحكّم في مسار العمل بها، وهو قول ليس من عنديّاتي، بل كشفته سلسلة من الترتيبات رسمت في مجملها صورة بالحجم الطبيعي لـ”الشلّة” وأثرها الواضح على مناخ العمل في المجموعة، مجموعة مصر للأسمنت بكاملها.

ويقف فتحي عارف رئيس قطاع الموارد البشرية في شركة مصر للاسمنت وقفة “المايسترو” الذي يقود سيمفونية العمل بالشركة، ليظهر صوت صديقه طارق طلعت عذبًا أمام الجهات التي اختارته عضوًا منتدبًا للشركة، فالعلاقة على لحن واحدٍ بينمها منذ زمن طويل، من قبل أن يأتيا إليها، ويتم توزيع الأدوار بينهما في الشركة التي تعاني الآن من تراجع ملحوظ في أرباحها.
وجاءت تصرفات “عارف” الأخيرة لتقف خلف الكثير من الأسباب التي أدّت إلى موجة الغصب الأخيرة بمصنع الشركة في محافظة قنا، فالرجل الذي كان يعمل رئيسًا لقطاع الموارد البشرية في شركة “لافارج تيتان” بني سويف للاسمنت، و يتهمه العاملون بأنه “اُسّ” المشكلة الآن في مصنع مصر للأسمنت-قنا، يبدو أنه “اُس” كل مشكلة مع العمال في أغلب المواقع التي شغلها من قبل مجيئه إلى “مصر للأسمنت”، إذ يذكر الأرشيف المهنى للرجل أنه قام أثناء عمله في “لافارج” بتصفية نصف العمالة وانهاء عقودهم، إذ بلغ عدد العاملين الذين قام بتصفيتهم حوالي٣٥0 عامل من أصل ٦٦٥ أي أكثر من نصفهم دفعة واحدة.

وبعيدًا عن أن “لافارج” كانت هي الملتقى الذي جمعه مع طارق طلعت العضو المنتدب الحالي لشركة مصر الأسمنت، إذا عملا سويًا في “لافارج” ثم بعد افتراق قصير اجتمعا ثانية بمصر للأسمنت، فإن الثنائي “فتحي عارف” و “طارق طلعت” هما عصب كل القرارات المصيرية فيها، حتى أن اللواء حرحور رئيس مجلس الإدارة يكاد لا يستطيع إصدار قرار واحد من دون الرجوع لهما، بل أحيانًا يتم تجهيز القرارات ليبصمها الرجل كما أرادا، إن تتبعت العصب الذي يحمل كل إشارات القرارات التي تصدر في مصر للأسمنت، ستجدها تنطلق من الثنائي “عارف” و “طلعت”.
وتبدأ العلاقة بين العضو المنتدب وصديقه رئيس قطاع الموارد البشرية منذ التقيا سويًا في شركة “لافارج ” وكان طارق طلعت يعمل بقطاع المبيعات و فتحي عارف يعمل بقطاع الموارد البشرية.
لا أعرف الأسباب التي أدت إلى انتهاء علاقة المهندس طارق طلعت بشركة “لافارج” ولا تلك التي أدت إلى انتهاء علاقة صديقه فتحي عارف بها أيضًا، لكن ما أعرفه، أن طارق طلعت خريج كليّة الهندسة مدني، بعد تخرّجه من الجامعة عمل في شركة اكسسوارات وأدوات منزلية عام 1996، وهي الفترة التي كان فيها الراحل المهندس محمد محمود على حسن يتأهب لبناء واحدة من اهم قلاع صناعة الأسمنت في مصر، هي شركة مصر للأسمنت قنا.

بعد أن ترك طارق طلعت العمل في “لافارج” راح يبحث عن فرصة عمل في دولة الإمارات، ولمًا وجدها لم يبق فيها كثيرًا، إذ عاد مجددًا إلى مصر عام 2017، وفي مايو 2019 تم تعيينه بشركة مصر للاسمنت، وبعد شهرين من استلامه العمل بالشركة وإحساسه باستقرار اوضاعه فيها أتى بصديقه فتحي عارف معه إلى الشركة، تعاقد معه بدايّة بعقد مشروط، كمستشار للموارد البشرية، ثم وبعد عام عيّنه رسميًا رئيسًا لقطاع الموارد البشرية في الشركة.
عقد استشارات الذي منحه طارق طلعت لصديقه فتحي عارف كان بمبلغ 60 ألف جنيه شهريا قبل أن يتم تثبيته رئيسًا للقطاع و يبلغ فتحي عارف من العمر الآن ٦٨ عاما، فيعمل رئيسًا لمجموعة الموارد البشرية والأمن و الشئون الادارية للشركات الثلاث بمبلغ لا يقل عن ١٥٠ الف جنيه.
وقد اعتمد طارق طلعت على فتحي عارف في التخلص مما لا يقل عن ٨٠٪ من القيادات التي كانت تعمل بالشركات الثلاث في مصر للأسمنت، ليستبدلها بمقربين منه ومن طارق طلعت ونجح الثنائي “طلعت وعارف” وبسرعة رهيبة وفي زمن قياسي في التخلص من التالي ذكرهم؛-
مدير عام مصنع قنا
مدير عام مصنع المنيا
المدير المالي بمصنع قنا
المسئول عن الشئون القانونية بشركة قنا
المسئول عن الشئون القانونية بالمنيا
المدير المالي لشركة المنيا
المدير الإداري لشركة المنيا
مدير الموارد البشرية لشركة قنا
مدير الموارد البشرية لشركة المنيا
المسئول عن قطاع المبيعات بشركة المنيا
مدير المشتريات بشركة قنا
مدير المشتريات بشركة المنيا
مدير المراجعة بشركة قنا
مدير المراجعة بشركة المنيا
مدير التصدير بشركة المنيا
مدير العلاقات الحكوميه بشركة المنيا
فقد تخلص من كل هؤلاء وغيرهم بطرق مختلفة مرّة بالفصل ومرة بترضية مالية ضئيلة، ومرة بالنقل ومرات أخرى وهي الاخطر والأهم الإبقاء على بعض هذه القيادات بدون عمل وبدون تكليف لأي مهمة لهم.. فمنهم من يجلس الآن في بيته، يصل راتبه كل شهر، ومنهم من يجلس علي كرسي بدون مكتب بالشركة.
على الوضع الذي أصبحت عليه الشركة تمهدت الطريق كاملة أمام فتحي عارف وطارق طلعت في السيطرة علي كافة إدارات المجموعة بفروعها الأربع.
وقد استبدل الصديقان “طلعت وعارف” القيادات التي تمت تصفيتها بموظفين من المقربين لهما فتم منحهم العطايا والهبات والنفوذ والمميزات والمرتبات بمبالغ ورواتب طائله تتجاوز الـ100 الف وتقترب من 150 ألف بل وتتعداه لمحظوظين بعينهم، سيأتي ذكرهم لاحقا.
توقفت كثيرًا عند حافز اسمه 30% من الأجر الشامل، فوجدته لا يُعطى إلا لمجموعة بعينها في الشركة، يحصلون عليه تمامًا كما حصلوا على امتيازات أخرى ليس أقلها سيارات فارهة قيمة الواحدة منها مليوني جنيه الآن .
ومن بين تلك النمازج التي تحظى برعاية خاصة، “مدام سالي” التي كانت تعمل مع فتحي عارف في “الشركة الشرقية للسكر- نورين” إذ أتى بها “عارف” إلى الشركة وعينها مسئولة عن الاتصال فأصبحت ذات نفوذ غريب بين عشية وضحاها، وهنا قد تتبدد الغرابة باسناد أعمال الدعاية والإعلانات في الشركة لشركة “تحت بير السلّم”، إذ تبين وجود علاقة قوية بين ملّاك شركة الإعلانات و “مدام سالي”، وهي معلومة نهديها إلى الجهات الرقابية لتفتش في حجم وطبيعة تلك العلاقة من جهة، ومن جهة أخرى لمراقبة أعمال الدعاية والإعلانات والمؤتمرات بالشركة، خاصّة وقد خرجت كثير من المستندات إلى صفحات الـ”سوشيال ميديا” تتحدث عن سفه في المصروفات.
باسناد كافة أعمال الدعاية والاعلان بالشركات جميعها إلى شركة “بيرالسلم” تحوّلت تلك الشركة الصغيرة في مجال الدعاية والاعلان خلال فتره وجيزة إلى نافذة أخرى للنفوذ والسطوة في “مصر للأسمنت” حتى أن منتجات الشركة المحظوظة من لافتات إعلانية تم تشوينها على الأرض بلا استخدام، فذلك “ليس مهمًا” الأهم هو صرف قيمتها المالية.
وننشر هنا صورًا لأكوام لافتات الدعاية غير المستخدمة التي تم رميّها على الأرض في “مصنع مصر للاسمنت-قنا”، بعض المصادر قدّرت قيمة عقود تلك الإعلانات بـ ١١ مليون جنيه، وفي نهاية 2022 تكون شركة مصر للاسمنت قد اشترت من شركة “بير السلّم” مطبوعات و هدايا وخلافه بعدة ملايين من الجنيهات.
مؤخرًا تم تعيين سكرتيرة من شركة الإعلانات تلك، لتعمل أيضًا سكرتيرة لـ”مدام سالي” فتكون حلقة للوصل ولتسهيل الإسناد والإجراءات والتعاقدات والإتصالات و الدعاية والاعلان والمؤتمرات” لشركة “بير السلًم” وثيقة الصلّة بـ”مدام سالي”.
أمّا بسام عبد الرسول رئيس القطاع الفني المعين من قبل طارق طلعت فكثير من المعلومات تسأل عن طبيعة إسناد المشتريات في الشركتين “قنا” و “المنيا” الي شركات محددة، إذ بعد قيام شركة المنيا وشركة قنا بالتشغيل الذاتي بلغت قيمة المشتريات من الموردين والتعاقدات مع المقاولين مبلغ يقترب من المليار جنيه، وهنا نهيب بالجهات الرقابية مراجعة تلك العقود.
البعض ممن –لا أصدّقهم- يقول :”إنه “يتم عمل لجان صورية بأكثر من عرض صوري أيضًا- لاسباغ المشروعية علي عمليات الإسناد المختلفة التي تتم في القطاع بشكل مباشر في الواقع، بينما على الأوراق تتم وفق اتفاق منظم بين بين الموردين الذين يجتمعون خلف عباءة مورد واحد”.
حالة من الخلط الشائع أيضًا في المهام والأعمال بين “شركة مصر للأسمنت-قنا” و بين “المحاجر” في مدينة القصير، فنجد مثلًا عمالًا بالشركة يعملون رسميًا بتلك المحاجر، منهم على سبيل المثال لا الحصر، طارق أنور، علاء مصطفى، يونس جندي، ولم تفهم المصادر طبيعة ذلك الخلط، ولا يُفهم كذلك طبيعة عمل موظف في مصنع قنا اسمه محمد سيد مع تلك المحاجر.
وكلها أمور ساهمت في اندلاع موجة غضب عارمة في أوساط العمال الذين هبّوا في تنظيم اعتصام مفتوح للتحقيق في تلك المخالفات والحصول على ما وصفوه حقوقهم المنهوبة في “مصر للأسمنت”.
و نحاول الاستمرار في قراءة الأوراق عن العلاقة حول ملكية تلك الماجر، وموظفين بالشركة، كما ونوّجّه أنظار الجهات الرقابية، إلى التدقيق في العلاقة التعاقدية بين تلك المحاجر والمصنع، خاصّة مع وجود معلومات تشير إلى وجود تنسيق بين بسّام عبد الرسول رئيس القطاع الفني وبين المختص عن قطاع المشتريات في المجموعة أحمد نزار رئيس قطاع المشتريات، الذي تقول المصادر أنه –أي نزار- كان يعمل مع طارق طلعت في الإمارات قبل ان يتم تعيينه في المجموعة بمرتب شهري يزيد عن 90 ألف جنيه، رغم تواضع خبراته الفنيّة.
فلا يُفهم كذلك إدخال شركة “مصر للأسمنت-للصيانة” في عمليات التوريد كوسيط، في التوريد إلى شركتي “قنا” و “المنيا”، مع ما يخلفه ذلك من زيادة في تكلفة تلك العمليات على الشركتين..!
وإلى ما سبق يأخذنا الطريق إلى عمليات شراء الفحم، التي تتم من موّرد بعينه، وتلك قضيّة نتناولها بتوسع في حلقات قادمة، على أن ما يهمّنا فيها هو الإشارة هنا إلى الشركة التي تستحوذ على عمليات توريد الفحم إلى مصانع مجموعة مصر للأسمنت، مع ما يرتبط في ذلك من خيوط حول وجود شراكة في شركة “ريلانس للخرسانة الجاهزة” ومسئول كبير في المصنع.
مراجعة أوراق الملكية في “ريلانس” يمكن أن يفك خيوط فوز شركة معيّنة بمعظم عمليات توريد الفحم خلال السنوات الأخيرة، خاصّة إذا علمنا أن بند شراء الفحم في المجموعة لا تقل قيمته عن نصف مليار جنيه سنوياً.
إلى ذلك وتأخذنا الحكاية من قطاع المشتريات إلى قطاع المبيعات، وهو الذي كنّا قد وعدنا بفك طلاسمه في هذه الحلقة، لكنّها وقد تشعّبت إلى أحاديث قطاع المشتريات، فإننا سنؤجل الحديث عنها إلى الحلقة القادمة، مع فك طلاسم قائمة المحظوظين بالمجموعة وهم أولئك الذين تم تعيينهم تباعًا بسبب قربهم من نافذين في الشركة.
عبده مغربي