كان من حظي أني التقيت – وأنا في ثلاثيناتي – بالفنانة نادية لطفي وزرتها في منزلها في جاردن سيتي، كانت قد أصبحت أيقونة نضالية، فضلا عن قيمتها الفنية بعد زيارتها لأبو عمار في حصار بيروت ودعمها للمقاومة.
يومها كانت قد أصبحت جزءًا من شلة الأستاذ محمد عودة المفكر الكبير، والتي كانت تضم الكتاب والصحفيين عبد العظيم مناف وعبد الله إمام والأستاذ حسنين كروم والأستاذ يوسف الشريف، وغيرهم من أساطين الصحافة والإعلام في ثمانينيات القرن المنصرم، فضلا عن عدد من القاده الفلسطينيين المقيمين في مصر، ومنهم الأستاذ أسعد الشريف الذي ظل لفترة مسئولا عن مكتب منظمة التحرير في مصر.
كان من حظي أني أصبحت فردا في تلك المجموعة بالتبعية لعلاقة وثيقة جمعتني بالأستاذ عبد العظيم مناف – كنت محاميه – وعن طريق مناف تمكنت من أن أكون تلميذا – لا أقول صديق – لمجموعة مهمة من الكتاب والصحفيين والمفكرين والسياسيين العرب والمصريين.
المهم لازلت أذكر يوم قررت نادية لطفي أن تقيم احتفالا بعيد ميلاد الأستاذ عودة، كما كان يناديه الجميع في منزلها في جاردن سيتي.
احتفلنا واستمعنا إلى عشرات القصص عن مغامراتها الأدبية والفنية وتحليلات سياسية مهمة للوضع السياسي العربي من شخصيات كبار كانوا متواجدين؛ وقبل انصرافنا أصرت نادية لطفي أن يأخذ الأستاذ عودة إلى بيته “التورتة” التي كانت قد أعدتها لعيد ميلاده، ولم يكن أحد قد امتدت يده إليها .
لم يكن الأستاذ عودة يحب ذلك، كما أنه كان يقيم وحده مع زوجته في عمارات الأوقاف بالدقي؛ فمن سيأكل منها؟
حاول الرجل أن يشرح الموضوع، فأصرت الفنانة علي الرفض، وحَملت عن الأستاذ محمد عودة “علبة التورتة”، وذهبت مع الأستاذ عبد العظيم مناف لتوصيله إلى منزله في عمارات الأوقاف في الدقي.
المهم وصلنا وكان الوقت متأخرا، وبعد أن ترجل الأستاذ عودة من السيارة وتحركنا، لاحظ الأستاذ مناف أن علبة التورتة لازالت على مقعد سيارته الخلفي، وانزعج، وقال: الأستاذ عودة نسي التورتة.
وهكذا عدنا إلى العمارة التي يسكن في الدور الأخير فيها، وطلب مني مناف أن أصعد وأسلم الأستاذ التورتة التي نسيها.
أخذت العلبة وصعدت إلى الدور الأخير، طرقت الباب بلطف، فتح الأستاذ الباب ووجدني أمامه أحمل العلبة، نظر إلي بغضب، وقال: “فيه إيه” .. قلت له: “علبة التورتة أنت نسيتها والأستاذ ……” لم أكمل الجملة؛ أغلق الباب في وجهي وقال بصوت خفيض ابقوا كلوها!!
ومن خلف الباب المغلق جاء صوت السيدة زوجته التي كانت قعيدة: “مين يا عودة”؟ وصوت الأستاذ وهو يقول بلهجه ناعمة، وأتصور أنه حتي كان يبتسم: “ولا حاجة.. بلاوي بتتحدف علينا..
الله يرحم الجميع ويبقى من بقي منهم في تمام الصحة والسعادة.
صباح الخير.