نشر “معهد عكيفوت” الإسرائيلي، مؤخرا، قرار محكمة الاستئناف العسكرية، المتعلق بمذبحة “كفر قاسم” التي وقعت في أكتوبر عام 1956، وهي مجزرة نفذها حرس الحدود الإسرائيلي ضد مواطنين فلسطينيين عُزَّل في قرية كفر قاسم الفلسطينية، وراح ضحيتها 51 مدنيًا عربيًا، منهم ثلاثة وعشرين طفلًا دون الثامنة عشر، وحاولت حكومة دافيد بن جوريون التستر عليها. ووقعت المذبحة بالتزامن مع “العدوان الثلاثي” الذي شنّت فيه بريطانيا وفرنسا وإسرائيل العدوان الثلاثي ضد مصر.
وأصدرت المحكمة قرارا قضى بإتاحة مئات الصفحات من بروتوكول “محاكمة كفر قاسم” التي تم التكتم عليها، وحظرت السلطات نشرها حتى الآن..
ورغم محاولات تصوير المذبحة على أنها “خطأ تاريخي”، والتي لا تزال سائدة اليوم في معجم إسرائيل الرسمي، فإن تسلسل الأحداث التي يتم الاعتراف بها بالتدريج، يكشف أن ما جرى في كفر قاسم هو جريمة ارتُكبت وفقاً لأوامر عسكرية واضحة، وضمن تدرّج التراتبية العسكرية المعمول بها. فالضابط برتبة مقدم، يسسخار شدمي، الذي كان قائد اللواء العسكري في المنطقة، استدعى، في ذلك اليوم، الضابط شموئيل مالينكي- قائد سرايا ما يسمى حرس الحدود، وأصدر إليه تعليمات بفرض منع التجول بصرامة على القرى المذكورة، ليس بواسطة تنفيذ اعتقالات لمن لا يلتزم به، بل بواسطة إطلاق النار.
وصدر قرار محكمة الاستئناف العسكرية بإتاحة مئات الصفحات الخاصة بالمذبحة، في ختام مسار قانوني استمر حوالي أربع سنوات ونصف السنة. ففي عام 2018، عقدت المحكمة عدداً من جلسات الاستماع التي طالبت بفتح وثائق محجوبة أمام الجمهور، وهي محاضر الجلسات والأدلة المقدمة خلف الأبواب المغلقة، ومنذ ذلك الحين تم تأجيل القرار.
وذكر قرار المحكمة الأخير أن “قضية كفر قاسم” لا تزال إحدى القضايا “القاسية التي زعزعت الدولة وأثارت عاصفة شعبية كبرى”، بعد قرار القاضي مناحيم هليفي الذي رفض ادعاء مجرمي مذبحة كفر قاسم بأنهم لم يقوموا سوى بتنفيذ أوامر. حيث كتب القاضي في قراره أن “هناك أوامر يُحظر تنفيذها، لأن مجرد التنفيذ هو جريمة جنائية بحد ذاته”.
وفي نهاية مداولات قانونية استمرت خمس سنوات، اتخذت المحكمة العسكرية قرارها بالكشف عن وثائق تاريخية متعلقة بمذبحة كفر قاسم، غير أن هذا القرار لم يُنفذ لأسباب سياسية في الغالب.
وقال المؤرخ الإسرائيلي آدم راز، إنه كان يعمل على تأليف كتاب عن المذبحة، وقد طلب الكشف للجمهور عن وثائق تاريخية تمت كتابتها خلال المحاكمة العسكرية التي جرت في نهاية الخمسينيات ضد الجنود الذين ارتكبوها. المادة التي طلب راز الحصول عليها شملت نحو 600 صفحة من محاضر ووثائق قُدمت كأدلة في تلك المحاكمة التاريخية. جميع المداولات منذ ذلك الحين جرت خلف أبوب السريّة، وكما هو متوقّع عارضت الحكومة الطلب، بذريعة وجود مخاوف من أن كشف محاضر الجلسات “سيمس بأمن الدولة وعلاقاتها الخارجية”.
وأضاف المؤرخ راز: “من الواضح بعد عقود أن عدم الكشف عن الوثائق لا يرتبط بمسائل أمنية أو سياسة خارجية، بل يرتبط بحقيقة أن الدولة تريد منع نشر معلومات ستحرجها وتظهرها بصورة سلبية”.
وأُدين ثمانية جنود بالمشاركة في المذبحة، وتم الحكم عليهم بالسجن. ولكن تم تخفيف عقوبتهم لاحقاً، وإطلاق سراحهم دون قضاء معظم فترة العقوبة، بل إن بعضهم أشغل فيما بعد وظائف رسمية في الدولة، وواصل العمل في سلك الجيش ونال ترقية بعد أخرى في الرّتب والمواقع العسكرية.
ويذكر أن الأحزاب اليهودية في الكنسيت الإسرائيلي أسقطت في أكتوبر الماضي 2021، مشروع قانون طرحته النائب عايدة توما سليمان عن “القائمة المشتركة” المشاركة في الائتلاف الحكومي برئاسة نفتالي بينيت، لتخليد ذكرى ضحايا مجزرة كفر قاسم وجعلها يوم “حداد رسمي”.