من المقرر أن يفض البرلمان دور الانعقاد الرابع من الفصل التشريعي الثاني غدًا الخميس، وهو آخر موعد دستوري يحول دون الفراغ الدستوري في المجلس الأعلى للإعلام الذي انتهت مدته القانونية في 21 يونيو 2024 طبقًا لقرار رئيس الجمهورية رقم 363 لسنة 2020.
وعلى ذلك، فإن حالة الفراغ الدستوري الحالية داخل المجلس الأعلى للإعلام يمكن أن تمتد لثلاثة أشهر قادمة إلى حين الدعوة لدور الانعقاد الخامس في أكتوبر المقبل، بما يعني أن الساعات القادمة يمكن أن تحول دون استمرار هذا الفراغ الدستوري في المجلس الأعلى للإعلام بإعلان الأسماء الجديدة لرئاسة وعضوية المجلس، وأدائها اليمين الدستورية أمام البرلمان غدًا الخميس، أو أن يبقى الفراغ ممتدًا لعدة أشهر قادمة.
وإلى ما سبق يقترب الزميل ضياء رشوان من التعيين رئيسًا للمجلس الأعلى للإعلام، الهيئة الاعتبارية الدستورية المستقلة في مصر، والتي يُفترض أنها تتمتع باستقلالية كاملة لضمان تطبيق القوانين والمعايير الإعلامية على الجميع دون استثناء. إلا أن هذا التعيين يأتي محاطًا بتحديات كبيرة تتعلق بتعارض المصالح، خاصة في ظل علاقة رشوان بالمؤسسات الإعلامية السعودية والإماراتية.

لقد تناقلت صحف شبه رسمية، تخضع أخبارها للتدقيق المؤسسي نبأ اختيار ضياء رشوان رئيسًا للمجلس الأعلى للإعلام، ما يجعل نبأ تعيينه محسومّا إلى حدٍ كبير وبشكل شبه قاطع، لكن لا أحد في مصر نبس ببنت شفه، في هذا الأمر، وكأن ضياء رشوان بات من الخطوط الحمر التي يحترق كل من يحاول الإقتراب منها.
الزميل ضياء رشوان مثال للإنسان الخلوق، يتمتع بقدر كبير من الذكاء الاجتماعي، لاعب محترف داخل دوائر السلطة، يرتبط معها بعلاقات وثيقة، لكن.. وهو على ذلك، قادر أن يرسم لنفسه صورة يبدو فيها أنه يتمتع بقدر من الاستقلالية، لكن البعض ممن ينتقدونه يقولون إن صورة “رشوان” المستقلة ما هي إلا “فلتر” و”الفلتر” أصبح نمط حياة في مصر.
وبعيدًا عن “الفلتر” أو المحسنات الفوتوغرافية.. فإن قضية تعارض المصالح تطرح تحديًا كبيرًا وحاضرًا، بشكل دائم ومستمر، أمام ضياء رشوان في حال تعيينه رئيسًا للمجلس الأعلى للإعلام، إذ لا يصح الجمع بين منصب رئيس المجلس الأعلى للإعلام والعمل في مؤسسات إعلامية أجنبية، دع عنك الآن بعض الأقاويل الخاصة بتدوير المناصب، سنعود إليها في نهاية هذا المقال.
فإذا نشبت أزمة تتعلق بإحدى الفضائيات السعودية أو الإماراتية في مصر، والتي قد تخترق قواعد الإعلام المصرية، سيجد رشوان نفسه في موقف محرج. يجب على المجلس الأعلى للإعلام حينها أن يكون جهة الفصل في هذه النزاعات، ولكن وجود رشوان على رأس هذا المجلس قد يثير الشكوك حول نزاهة القرارات.
الإعلام والاستخبارات: حدود التأثير والتداخل
من المعروف أن القنوات الفضائية في العديد من دول العالم، بما في ذلك الدول العربية، تخضع بشكل أو بآخر لتأثير أجهزة الاستخبارات فيها. لذا، فإن رشوان، إذا ما تولى المنصب، سيصبح مرتبكًا في قراراته المتعلقة بالقنوات الفضائية السعودية مثل MBC والعربية، أيضًا والقنوات الفضائية الإماراتية، مثل الغد العربي. ذلك لأنه يتقاضى رواتب شهرية من هذه الفضائيات، ليس من قبيل المِنّة عليه لا سمح الله، بل لأنه يعمل فيها بشكل رسمي ومُعلنْ.
كذلك فإن جائزة دبي، التي يترأس “رشوان” مجلسها، ويتقاضى عن عمله فيها رواتب ضخمة، سيكون في حال تقدّم أحد المواطنين المصريين، أو إحدى المؤسسات المصرية، رسمية كانت أو مستقلة، بشكوى ضد هذه الفضائيات الخليجية من تلك التي يعمل فيها الزميل، سيكون ضمان عدم التداخل بين دور ضياء رشوان الرقابي مع علاقاته المؤسسية بالدول مالكة هذه الكيانات، محل شك، وإن لم يكن في محلّه، لكن على الأقل فإن الحديث عن مبدأ تعارض المصالح في مَهمَّته هذه سيكون حاضرًا.. وبقوّة.
حالة عمرو أديب: اختبار حقيقي

تُعد حالة الإعلامي عمرو أديب مثالًا حيًا على التعارض المحتمل. فإذا ارتكب أديب مخالفة لقوانين الإعلام المصرية، سيكون على المجلس الأعلى للإعلام اتخاذ الإجراءات المناسبة. ولكن نظرًا لأن أديب يعمل لدى نفس المؤسسة السعودية التي يعمل فيها ضياء رشوان، فهل يستطيع رشوان اتخاذ قرار يغضب السلطات السعودية؟! هذا السيناريو يضع نزاهة واستقلالية ضياء رشوان و المجلس على المحك.
برامج رشوان على الفضائيات الخليجية
الشكوك حول تعارض المصالح إنّما بسبب البرامج التي يقدمها رشوان على فضائية “الغد العربي” المملوكة لدولة الإمارات الشقيقة، وفضائية “العربية” المملوكة للعربية السعودية الشقيقة، فإن استقال ضياء فهل ستتحقق الإستقلالية؟! يتلقى رشوان رواتب شهرية من هاتين الدولتين، مما يزيد من تعقيد موقفه في المجلس الأعلى للإعلام حتى لو استقال، لدينا تجارب كثيرة لنافذين سابقين هرعوا إلى دول خليجية، للإحتماء أو للكسب، مباشرة بعد تركهم مواقعهم الحساسة في مصر، ولذلك.. فإن الأمل سيظل معقودًا لديهم وهم في مناصبهم، على استكمال مشوارهم بعد نهايته في مصر، من جديد داخل دول النفط العربية.
موقف نقابة الصحفيين المحترم من رفض تدوير المناصب لماذا لم يتم تطبيقه على “رشوان”؟!
“تجلى نفوذ ضياء رشوان داخل نقابة الصحفيين -رغم رحيله عنها- عندما رفضت النقابة ترشيح عبد المحسن سلامة، رئيس مجلس إدارة الأهرام السابق، ليكون ممثلًا للنقابة في المجلس الأعلى للإعلام. انتفضت النقابة ضد ترشيح سلامة، مما يعكس تأثير رشوان القوي داخل النقابة التي يحكمها تيار اليسار الذي ينتمي إليه رشوان” يقول قائل.
لكن موقف الزميل هشام يونس الرافض بقوّة لمبدأ تدوير المناصب في مؤسسات الدولة المصرية في مقال نشره على صفحته الشخصية في فيسبوك، يجب أن يكون محل تقدير واحترام الجميع.
التساؤلات حول تدوير المناصب تغلي في نقابة الصحفيين
يثير بعض الزملاء في نقابة الصحفيين تساؤلات حول عملية تدوير المناصب، بمعني أن من يخرج من منصب يتم ترشيحه في منصب آخر، دون إفساح المجال لعناصر جديدة بتجارب جديدة اكثر حيوية وقدرة على العمل باحترافية، وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال للإخوة في مجلس نقابة الصحفيين: لماذا لم تصدروا بيانًا ترفضون فيه إعادة تعيين ضياء رشوان في مناصب جديدة؟! ألايُعدّ ذلك تدويرًا فجًّا للمناصب؟! هل أُستثنى من الحديث عن التدوير فقط لأنه ينتمي لنفس التيار اليساري الحاكم في النقابة؟!
يبدو أن اقتراب رشوان من المناصب العليا جعله خطًا أحمر بالنسبة للعديد من الزملاء في مجلس النقابة، أو يبدو أنّ ضياء رشوان بن التيار.. فما ننتقد فيه غيره لا يمكن أن ننتقده فيه!
تعيين ضياء رشوان كرئيس للمجلس الأعلى للإعلام قد يكون خطوة مهمة، للخروج من حالة الموات الطويلة التي عاشها المجلس خلال الفترة الماضية. لكن التحديات المرتبطة بتعارض المصالح تظل قائمة. يجب على دوائر القرار في الدولة التفكير جيدًا في هذه الزوايا لضمان استقلالية ونزاهة الإعلام المصري في مواجهة أي ضغوط أو تأثيرات خارجية.
عبده مغربي