من مخاطر التداخلات بين البيزنس والسياسة، خاصّة فيما يتم تحت غطاء عناصر في مؤسسات الدولة، أن أغلب هذه التداخلات يتغاضى عنها الكثيرون، مخافة أن يدفع أحدهم ثمن الاصطدام بقوى أكبر منه، وقد شاع هذا الخوف، حتى أن عناصر مهمة في أجهزة الدولة، تتخوّف من أن تقوم بواجبها في التصدّي لمثل هذه التداخلات التي باتت تنهش بشكل متسارع في جدار الثقة بين المواطن ونظام الحكم في البلاد.
الأخطر فيما سبق، أن النظام نفسه هو الذي سيدفع الثمن أكثر من غيره، ذلك أنّ المواطن غالبًا ما يتعايش في داخله مع هذه المستجدّات التي طرأت أو ما تزال تطرأ على التعاملات بينه وبين مؤسسسات الحكم، لكن ساعة أن يطلب النظام من الشعب مساندته، ضد التحديّات التي تواجهه في حماية الدولة، لن يجد النظام، ظهيرًا شعبيًا مناسبًا له في مواجهة مثل هذه التحدّيّات، ما يعني أننا جميعًا في النهاية سندفع الثمن، ثمن تراجع ثقة المصريين في المؤسسات، وهو ربّما يزيد عن الثمن الذي دفعته مصر في أحداث 25 يناير 2011، وما تلاها من أحداث، الثقة بين الشعب ونظام الحكم، ومؤسساته، تزيد وتنقص، تمامًا مثلما الإيمان، لذلك، أمرنا المولى سبحانه وتعالى بأن نُذكّر: فإن الذكرى تنفع المؤمنين، بأنّ نكشف: فإن الكشف ينفع المخلصين؛ لهذا الوطن.
الصورة في حزب الوفد هي لقطة من مشهد أوسع للصورة العامة في مصر
ما يجري في حزب الوفد من عمليات زجّ متواصلة بأسماء وشخصيات بارزة بالدولة وخارجها في تفاعلات الحزب الداخلية، ما هو إلّا حلقة صغيرة من مسلسل ممتد تدور أحداثه في دواليب مختلفة بالدولة، مسلسل يمكن الاستشهاد ببعض حلقاته في الطريقة التي تصدر بها بعض القرارات، أو تُدار بها بعض المؤسسات في الدولة المصرية، مسلسل تصبُ حبكته الدرامية في أن سلامة النظام الحاكم في بعض قراراته باتت محل شك، خاصة لدى بعض الوزارء والشخصيات النافذة فيه، والمحسوبة عليه.
حزب الوفد صار مرتعًا لأسوأ ثُلة من السياسيين، أساءت إلى الحزب وإلى الدولة وإلى المؤسسات، أن يخرج رئيس الحزب على فضائية سعودية مفتئتًا بحديث عن مقام رئيس الجمهورية بأن الرئيس طلب منه البقاء رئيسًا لحزب الوفد، هو حديث فيه تحميل على مقام الرئاسة بما لا يتناسب مع شخصية الرئيس التي يعرفها المصريون جميعًا، ويعرفون دقته في إختيار الألفاظ والتراكيب، الرئيس لأكثر من مرّة يقول عن نفسه، إنه يتخير مفرداته بعناية، حتى لا يُساء فهما، ومع ذلك خرج علينا رئيس الوفد بتصريح على فضائية إم بي سي يحوّل فيه مجرّد نصيحة من الرئيس أن يستمر “يمامة” في منصبه ما دام الوفديون يريدون له البقاء، إلى تهديد للوفديين بأنهم لا يجب أن يطردونه – بسببب ما ارتكب من حماقات- لأن الرئيس يريد له البقاء، وهو تصريح من رئيس الوفد، فيه من تحميل على الرئيس، تمامًا كما فيه من تحميل على الوفدين، لأن الوفد بطبيعته التاريخية، حزب دولة، يحترم قرارات الرئيس، لكن هل ما قاله الرئيس كان قرارًا، أم نصيحة، اُسيئ استغلالها بإخراجها من مضمونها، وتحويلها إلى توجيه، كان على أجهزة الدولة أن تتصدى للامر وتكشف الحقيقة كاملة أمام الوفديين، لكنّها لم تفعل.
ما تزال قيادات الوفد تنتظر، إنصافًا من مؤسسة الرئاسة لإصلاح أوضاع الحزب الداخلية التي تم الزجّ فيها باسم ومقام الرئيس، وأدى هذا الزجّ إلى تعطيل مؤسسات الحزب لحين يتاكدوا من سلامة ما نسبه يمامة إلى الرئيس.
خطر ما يجري في حزب الوفد.. كاشف لما يجري من مخاطر اخرى في بعض أروقة الدولة ومؤسساتها
مسلسل العجائب الذي نتناول هنا بعضًا من فصوله وصل إلى درجة من العبث، جعلتْ البعض يتحدّث عن مزاعم أخرى غاية في الإثارة، عن أن عضوًا في مجلس النواب حصل على مقعده في المجلس بسهولة غريبة، من خلال علاقة خاصة وشخصيّة وسريعة، تعمّقت إلى حدٍ كبير بمقربين من رئيس الوفد السابق المستشار بهاء أبو شُقّة، صاحبها توقيع عدّة شيكات لصالح الحزب، تبرّعًا لم يتم تحصيله حتى الآن، هذا العضو الذي يلصقون به تلك المزاعم، هو الدكتور أيمن محسب، وهذه المزاعم التي تدور بشدة الآن في حزب الوفد، ويلعب أدوار البطولة فيها- زيفًا بالطبع- أيمن محسب رئيس مجلس إدارة جريدة الوفد، تتواصل وتتزايد يومًا من بعد يوم، ثم تزيد المزاعم وتتواصل، من شخصيات إلى أخرى، وكلها لا تهدف إلا إلى شي واحد.. الخط الأحمر.. أن الاقتراب من عبد السند يمامة خط أحمر، تمامًا كما الاقتراب من أيمن محسب .. أيضَا خط أحمر، لا يجب الاقتراب منهما.
الجديد هذه المرة، هو أن المزاعم امتدت لتضم الدكتور مختار جمعة، وتدور حول أُمور في الحزب والوزارة، وفي أُمور تسيئ إلى نظام الحكم، في طريقه اتخاذه القرارات السيادية في مصر، ومنها قرار المدّ لوزير الأوقاف في منصبه، من أنّ أيمن محسب، الذي يشغل حاليًا منصب مستشار في هيئة الأوقاف المصرية، على علاقة قوّية، بعنصر إخواني تائب من المملكة المغربية، حاصل على الجنسية الفرنسية والإماراتية، أصبح لديه حظوّة كبيرة لدى الدائرة التي تُحيط بالشيخ محمد بن زايد، واسمه، الشيخ محمد البشاري، سنعود إليه –عطفًا- في فقرات لاحقة من هذا المقال.
هذه المزاعم التي يرددها مقربون من أيمن محسب، ولا أظن “محسب” يملك هذه القوة التي يزعمونها له، لكنّه مطالب بقوة أن ينفيها، ويوقفها، ويمنع من يرددها أن تنتشر، حتى لو كان في انتشارها ما يحقق له خدمة أو يعمّق من قناعات لدى نافذين في أجهزة الدولة، في اكتوبر، أو في حزب الوفد؛ أو حتى في وزارة الأوقاف، من أنّه رجل العلاقات المتشابكة، والإقتراب منه خطّ أحمر، لدرجة أن اجتماعًا تمّ قبل يومين في نادي الصيد، بين قيادتين، سابقة وحالية في حزب الوفد، كان يدرس فقط كيفية التخلص من أيمن محسب، دون أضرار تلحق بهما.
الفقرة السابقة ترددتُ كثيرًا في كشف مضامينها، أو الإعلان عن شخصية القيادتين، اللتين اجتمعتا لدراسة كيفية درء مخاطر حالة الغليان المنتشرة في الحزب، بسبب ما يتردد عن خيوط ومصالح تربط بين قيادة حزبية حالية، وسابقة، مع شخصية أثارت كثيرًا من اللغط والغضب في أروقة الحزب والجريدة، يعتقد البعض إنه لم يعد بإمكان الدكتور عبد السند يمامة والمستشار بهاء أبو شقّة برغم خلافهما وقد التقيا في دعم أيمن محسب أن يعلنا للوفديين أسرار دعمهما المفرط له، لأن أوراق “محسب” معهما ما تزال عامرة بكثير من الأسرار والتفاصيل، اجتماع نادي الصيد، يحتاج إلى حلقة خاصة من هذه السلسلة، وهي حلقة فيها الكثير من خبايا الحب والمصلحة في الحزب الكبير.
فبينما يغضب الوفديون من تقارب عميق بين رئيس الوفد الحالي عبد السند يمامة، فإن أول من بدأ وتيرة تصاعد نفوذ أيمن محسب في الحزب هو المستشار بهاء أبو شقّة الذي أصدر قرارًا بتعيين “محسب” مساعدًا لرئيس الحزب لشئون الإعلام، ولم يعرف ما هي علاقة أيمن محسب بالإعلام، وقد فشلت كل محاولاته في الانضمام إلى نقابة الصحفيين، وهي المحاولات التي تصدّى لها بقوة الزميل هشام يونس، وما يزال، النقابة وجدت أنه لا يتناسب لصاحب شركة إعلانات، وصاحب شركة تنظيم معارض، وصاحب شركة أمن وحراسة، أن يجمع بين عضوية هذه النقابة وهذه الأنشطة أو تلك الشركات، أيمن محسب ليس في حاجة من المؤكد إلى البدل النقدي الذي يحصل عليه الصحفيون من النقابة، خاصة وأن أطقم السكرتارية لديه من جنسيات أجنبية، يتم دفع مرتباتهم بالدولار.
الحزب الكبير الذي يشكّل جزء مهم من تاريخ الأمّة يُدار بالمزاعم والأكاذيب
الأمر على هكذا نحو.. يكشف خطورة وقوة انتشار المزاعم والشائعات، إلى حد أنها حالت دون الاستجابة لمطالب جماعية في الهيئة العليا بحزب الوفد، ومطالب جماعية وتوقيعات أخرى لأكثر من 160 صحفي بجريدة الحزب، يطالبون ويتوسلون ويهددون بتصعيد عنيف إن لم يتخذ رئيس الحزب قرارًا فوريًا وعاجلًا بإقالة أيمن محسب من مناصبه الكثيرة والمتعددة في الحزب والجريدة، فهم يرفضون بقوة أن يستمر في رئاسة مجلس إدارة الجريدة، بعد هذا الإنهيار الكبير الذي وصلت إليه على يديه، ومع ذلك يعجز رئيس الحزب عبد السند يمامة عن الاستجابة لهذا الطلب الذي يتزايد عليه، بشكل بات يهدده هو نفسه في منصبه، الرجل يرفض بشدّة أن يتّخذ موقفًا واحدًا ضد أيمن محسب سواء في الحزب أو الجريدة.
شبكة أيمن محسبب المزعومة تمتد من الإمارات إلى الأزهر إلى الأوقاف.. فما هي علاقته ببطل الأزمة بين شيخ الأزهر والرئيس؟
هذه المزاعم عن أن الاقتراب من أيمن محسب، يُشكّل خطًا أحمر، وصلت بنا إلى درجة من الهول، والزيف.. فلا يُعقل مثلّا أن نصدّق، مزاعم من أن وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، قد حنث في وعده، أن يمنح أيمن محسب رئاسة هيئة الأوقاف، فيتحول من مستشار فيها، إلى رئيس لها، بعد الدور الذي قام به مستشار بالهيئة في دعم خطّة الوزير، للتخلص من أحمد عبد الحافظ رئيس هيئة الأوقاف السابق.
كان أحمد عبدالحافظ بارعًا في شرح أوضاع الوزارة والهيئة أمام الرئيس السيسي خلال اجتماع جرى لمناقشة أوضاع وزارة الأوقاف وهيئتها برئاسة الجمهورية، وهو أمر أقلق مختار جمعة، فكان أن تم توظيف أكثر من صحيفة للهجوم على “عبدالحافظ” منها صحيفة الوفد ذاتها، كما وتم تسليم أوراق من الهيئة، من خلال مستشار يعمل في الهيئة إلى وزير الأوقاف، وساعدت في تشكيل لجنة للتحقيق مع “عبد الحافظ”، الأمر الذي أغضب عبدحافظ من هذا التصرّف فقدّم استقالته من الهيئة، لا يعلم كثيرون أن صداقة ممتدة بين أيمن محسب و أحمد عبدالحافظ انتهت بمرارة بين الاثنين.
لكن الوزير –بحسب هذه المزاعم التي لا نصدّقها بالطبع- بعدما حنث، فإنّه يتخوّف بشدّة من “محسب”، أنه في سبيل رد المكيدة للوزير، يتواصل الآن مع المستشار محمد عبد السلام، مستشار مجلس الدولة الذي تزامنت استقالته من منصبه مستشارًا لشيخ الأزهر مع استقالته من عمله قاضيًا في مجلس الدولة، وذهب ليُقيم إقامة دائمة في دولة الإمارات، مباشرةً بعد عتاب رئيس الجمهورية من أنه أخذ على خاطره من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، على خلفية مواقف لفضيلة الإمام، تردد في مشيخة الأزهر أن لمحمد عبالسلام دور فيها.
فما أهميّة أن يتواصل أيمن محسب مع المستشار محمد عبد السلام المقيم حاليًا في دولة الإمارات؟ وما الضرر الذي يمكن أن يقع على وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة من التواصل أو الصداقة بين أيمن محسب والمستشار محمد عبدالسلام؟ الأجدر أن هذ التواصل يُشكل خطرًا على أيمن محسب، لأن “عبدالسلام” خرج مغضوبًا عليه من البلاد، لا أن يضر بالوزير الذي كان وما يزال على خلاف كبير مع محمد عبدالسلام، وهذا الخلاف يفترض أنه في صالح الوزير، فما الذي يُقلق الوزير من أيمن محسب؟ّ!
إن كان يؤمن وزير الأوقاف بأن قرارات استمراره في منصبه تصدر من القاهرة لا من أبو ظبي فلماذا يتخوّف من “محسب”؟ المزاعم مقرفة
المستسار محمد عبدالسلام – لمن لا يعرف- سافر إلى دولة الإمارات العربية المتحدّة، وصار صاحب نفوذ لدى آلة الحكم هناك، بل وأصبح قريبًا من الدائرة الضيقة حول الشيخ محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، على أنّ محمد عبد السلام هذا، وإن كان من أشدّ أعدقاء وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، لكنّ مقربين من الوزير يقولون أن الوزير يتخوّف من أن يؤثر حديث عبد السلام على صورة وزير الأوقاف المصري لدى دائرة الحكم بدولة الإمارات،ويمكن لأيمن محسب أن يلعب دورًا في هذا الأمر، بحكم العلاقة التي تربطه بالمستشار محمد عبدالسلام.
لكن.. ما هي قوّة أيمن محسب، أو لماذا يتخوّف الوزير من “محسب” إلى هذا الحد؟ الإجابة: أن المستشار محمد عبدالسلام، عندما كان مشرفًا على المؤتمر الذي دعت إليه مشيخة الأزهر تحت عنوان”القدس.. أمانة الدين والتاريخ”، قبل أن يغادر مسرعًا للإقامة في دولة الإمارات، في هذا المؤتمر كانت بين “عبدالسلام” و “محسب” حكايات وحكايات.
في ذلك المؤتمر قامت شركة يعرفها جيدًا أيمن محسب؛ بكافة الأعمال الخاصة، من بناء اللوكيشن، والديكور، والتنظيم، والطباعة، والإضاءة، وشاشات العرض، وشبكة الترجمة، وتسكين الضيوف، إلى الحد الذي خرج فيه هذا المؤتمر في أبهى حلل التنظيم والجمالْ، وهو دور جعل المستشار محمد عبدالسلام، يحتفظ بعلاقة خاصّة، وطيبة جدًا، ومتواصلة، وبقوة، وإلى الآن.. مع أيمن محسب، تقول المزاعم التي يرددها مقربون من أيمن محسب، إن ذلك يقلق الوزير محمد مختار جمعة.
الوضع على النحو السابق، ليس فيه ما يُشين أيمن محسب، أن تقوم شركة يعرفها بأعمال تنال إستحسان المستشار محمد عبدالسلام، وأن يرتبطان؛ محمد عبدالسلام وأيمن محسب، بعلاقة طيبة منذ هذا التاريخ وحتى الآن، في تواصل لم ينقطع، لكن أن تنتشر مزاعم، في مكتب وزير الأوقاف من أن أيمن محسب، بهذه العلاقة، يمكن له أن يؤثر على صورة مختار جمعة لدى دوائر الحكم في دولة الإمارات، بأن يتفقا– محسب وعبدالسلام- على نقل معلومات عن مختار جمعة تهدد بقاء الوزير في منصبه؛ بحكم مساحة الصداقة بين الزعيمين، الرئيس السيسي والشيخ محمد بن زايد، هذا المستوى من المزاعم لا يمكن قبوله، أو الصمت عنه، خاصة عندما تمتد هذه المزاعم، إلى أمور تدور في حزب الوفد، فتصبح جريدة الحزب البوق الصارخ الذي يصدح بإنجازات وزير الاوقاف ليل نهار، في محاولة تم تفسيرها على أنّها رسائل حب وطمأنة واحترام من رئيس مجلس إدارة جريدة الوفد لوزير الأوقاف، وبأن أيمن محسب لن يستغل علاقته مع المستشار محمد عبد السلام في التاثير على صورة وزير الأوقاف لدى دوائر الحكم في الإمارات، “إضرب ولاقي”، ومن ذلك تتداخل المزاعم حول أدوار للوزير في إرضاء أيمن محسب، وإرضاء عبد السند يمامة، لكن ورغم مرارة هذه المزاعم التي تؤلمنا في سيادتنا، تبقى الأسئلة ملحّة وفي حاجة إلى إجابة، لماذا كل هذه المزاعم؟ وما الذي تعنيه في انتشارها؟ ومن يقف ورائها؟ وما هي أبعاد العلاقة بين وزير الأوقاف وبين أيمن محسب وبين عبدالسند يمامة؟!
الوفد على صفيح ساخن.. و الانفجار وشيك.. والأزمة المالية تفضح انحرافات الجميع
ما الذي يخاف منه وزير الأوقاف ويملكه أيمن محسب وما علاقة ذلك كله برئيس حزب الوفد عبد السند يمامة؟
خطورة هذه التشابكات وتلك المزاعم أن ترديدها يمثل إهانة لاستقلالية القرار السيادي المصري، فمنتهى السخف أن تنتشر مثل هذه المزاعم إلى هذا الحد الذي يسيئ إلى الجميع، الإخوة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وإلى الصورة المستقلة للقرارات السيادية في مصر، خاصة فيما يتعلّق بطريقة اختيار النظام المصري لعناصره المشاركة له في الحكم، لكن من المؤسف والمؤسف جدًا هو انتشار مثل هذه المزاعم بشكل بغيض في أروقة الوزارة وحزب الوفد، بعد هذا العجز الذي بدا واضحًا في شخصية عبد السند يمامة أن يتخذ موقفًا يستجيب فيه لهذه الضغوط المتزايدة وتطالبه بوقف تمدد أيمن محسب المتزايد في الحزب والجريدة، ولا يستطيع أن يفعلْ.
لدرجة أن اجتماعًا جرى في نادي الصيد عُقد خصيصًا بين قيادتين كبيرتين جدًا –سابقة وحالية- فقط لدراسة كيفية التخلّص من نفوذ أيمن محسب المتسارع في الحزب والجريدة بدون أضرار، فما هي تلك الأضرار التي يمكن أن تلحق بأيهما لمجرد استبعاد أو إعفاء أيمن محسب من بعض مناصبه الكثيرة في الحزب والجريدة؟!
نعم.. فإن نفوذ أيمن محسب قد وصل إلى أن اعتبره البعض أهم من رئيس الحزب، وأهم من الهيئة العليا وأهم من السكرتير العام، فهو ممثل الحزب في الحوار الوطني، وهو رئيس اللجنة المشرفة على أعضاء الحزب في ” تنسيقية الأحزاب المصرية”، وهو عضو الهيئة العليا لحزب الوفد بالتعيين، ورئيس مجلس إدارة الجريدة، وغيرها من المناصب الأُخرى غير المعروفة، وما لذلك كله من علاقة بتعيينه مستشارًا في هيئة الأوقاف المصرية، وتعيينه مستشارًا إعلاميًا لنادي الجزيرة، دونما مخوّلات علمية أو خبراتيه مؤهلة لذلك كله، حتى أنّ رسالة الدكتوراة التي ينسبها أيمن محسب لنفسه، لم يُعرف كيف ومتى وأين وفي أي تخصص حصل عليها..؟! وما صلاحتيها الفنية لأن يستند إليها في أن يقوم بالتدريس بإحدى الجامعات الخاصة بمدينة 6 اكتوبر ؟!
حالة من الغموض والعشوائية تضرب حزب الوفد في أربعة أركانه، وفي كل ركن منها تعشعش مزاعم مختلطة، ومتشابكة، يرددها مقربون من أيمن محسب وتخلط بين حزب الوفد، ووزارة الأوقاف، وشخصيات مزعومة تنسب نفسها إلى مجلس الدولة، مع شخصيات سابقة في جهاز الأمن الوطني، تحديدًا اللواء عماد صيام رئيس جهاز الأمن الوطني السابق الذي لم يكن يتناسب له أن تنشر مزاعم حوله من أنّه بن عمّة أيمن محسب، وأنّه سوف يعود رئيسًا لجهاز الأمن الوطني، وفي سبيل ذلك يتعيّن كشرط لأن يستمر عبدالسند يمامة في منصبه أن يحافظ على بقاء أيمن محسب في مناصبه الحزبية، بل وأن يرسل خطابًا لجهات يدعم فيها ترشيح “محسب” لمنصب وزاري في التشكيل الحكومي المرتقب، مزاعم كان يجب على أيمن محسب وعلى عبد السند يمامة وعلى بهاء أبو شقّة وعلى اللواء عماد صيام، أن يخرجوا جميعًا لنفيها، فهي تضر بالجميع.. الجميع الجميع.
لماذا لم يخرج أيمن محسب لنفي هذه المزاعم المتزايدة حوله وما علاقتها بنفوذه المتزايد في الجريدة والحزب؟
لماذا تنتشر كل هذه المزاعم تحديدًا حول أيمن محسب؟ ومن الذي يقف خلفها؟ ولماذا لم ينتفض أيمن لنفيها؟ وهل في استمرارها ما يشكل دعمًا له في أن صورة الرجل القوي صاحب العلاقات المتشابكة هي ما جعلتْ الجميع يعملون له ألف حساب، من وزير الأوقاف إلى رئيس الوفد السابق والحالي، مرورًا بشخصيات في اكتوبر لا تترأف إلا بمن يحيطون ويدعمون أيمن محسب؟
إن تلك المزاعم على هذا النحو الناعم، تكشف كيف تتفاعل القوى الاقتصادية والسياسية في مسرح معقد يتخذ من أروقة الدولة ساحة لأهداف مشبوهة. إنّ التداخلات بين البيزنس والسياسة، تعتبر عنصراً مزعجاً في مسار سلامة بنيان الدولة، عندما يُستخدم النفوذ السياسي أو تشتخدم المزاعم الكاذبة لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة.
في ظل هذا الواقع، يزداد التساؤل حول الشفافية والنزاهة في التعاملات السياسية والاقتصادية. فالتورط في شبكات معقدة من المصالح والتلاعب بأوراق سياسية لصالح المؤسسات أو الأفراد، ينذر بفقد الثقة في المؤسسات، مما يؤثر سلباً على استقرار البلاد.
لقد بات من المؤكد وبما لا يخفى على أحد، أنّ هذه التداخلات تُساهم في انتشار حالة من انعدام الثقة العامة بين الناس في طريقة إدارة البعض للملفات الهامة داخل النظام السياسي للدولة، حيث يفقد المواطنون الثقة في قدرة بعض دوائر القرار في الدولة على اتخاذ القرارات السياسية السليمة، بأنها – أي القرارات- تُتخذ بناءً على مصالح ضيقة، مما يزيد من حدة التوترات الاجتماعية والانقسامات.
الرسالة التي يجب على الجميع فهمها، أن سياسة المزاعم والشائعات، والرسائل المبطنة أو الغامضة، عن نفوذ هنا أو هناك، ورسالة في وزارة الأوقاف عن تواصل مع محمد البشاري الفرنسي المغربي الحاصل على الجنسية الإماراتية، والمقرب من دائرة الحكم في دولة الإمارات، لدرء مخاطر المستشار محمد عبدالسلام ضد مختار جمعة وزير الأوقاف،التي يمكن أن تستخدم في الإطاحة به من الوزارة، بالتوازي مع حملات دعاية مكثفة عن إنجازات وهمية لوزير الأوقاف على صفحات جريدة الوفد بشكل يومي، مع ما في هذه التلويحات تارة، والتهديدات المبطنة تارة أُخرى، ثم والإشادة المتواصلة بوزير على صفحات الجريدة، مع ما تحملة بعض الموضوعات الصحفية من رسائل مبطّنة لوزير الأوقاف، ثم والحملة التي قامت بها الجريدة ضد رئيس هيئة الأوقاف السابق، ثم وتلويحًا بعودة عماد صيام لرئاسة جهاز غادره، وتاثيرها على قرارات يصدرها أو يعجز عن إصدارها رئيس الوفد، وتوظيف ذلك كلّه في رسم صورة مرعبة عن قوة مفرطة لأيمن محسب، كلّها أمور لا تصب في الأساس لصالح “محسب”، وعلى “محسب” أن يقف ضد من يروجون لهذه المزاعم بسرعة، لأنها وإن كانت تصب في صالحه إلأ أنها من جهة أخرى أهم كثيرًا منه، ومن مناصبه، بل وأهم من مختار جمعة، ومن عبدالسند يمامة؛ أنها تؤدي إلى تراجع ثقة المصريين عمومًا والوفديين بشكل خاص في طريقة إدارة البعض للمؤسسات في النظام الحاكم للدولة.
محمد عبدالسلام الذي عكر صفو الأزهر، لا يجب استدعاءه مجددًا بهدف تعكير صفو وزارة الأوقاف، ومحمد البشاري، الإخواني التائب الذي رفضت الدولة دخوله البلاد، ثم وبالتأثير على وزير الأوقاف أن يتدخل لدى أجهزة الدولة للسماح بدخوله البلاد، حتى يمكن استخدامه في درء مخاطر محمد عبدالسلام، وكلاهما يطوفان في الدائرة المقرّبة من رئيس دول الإمارات، لا يمكن أن يكونا أبدًا ورقة للعبث في دواليب الدولة المصرية، كما و لا يمكن لحزب الوفد بل ولا يجب أن يكون الحزب مطيّة لمصالح ضيقة تؤثر على صورة ومكانة وتاريخ هذا الحزب العريق.
لقد بات حزب الوفد ميدانًا لأخطر وأسوأ المزاعم التي لا يجب الصمت عنها، ومنها أن رئيس الوفد لديه اقتناع ببشارة جاءته في منام أحد المشايخ بأنه سيكون رئيس مصر القادم عمًا قريب، وأن توترات ستشهدها البلاد، ستأتي به خيارً مناسبًا في الفترة الانتقالية، وأن عليه العمل من الآن ليكون خيارًا دائمًا وليس انتقاليًا، هذه المزاعم بات البعض يترجمها أنها السبب في دعم “يمامة” لـ”محسب” على هذا النحو العبثي، لا أظن أن “يمامة” يليق به انتشار مثل هذه المزاعم، التي يجد نفسه مسئولًا عن انتشارها ما لم ينتفض لنفيها وقد باتت حديث الوفديين ليل نهار في أروقة القصر والجريدة.
هذا الحزب العريق الذي تضربه الآن مجموعة من العواصف والشائعات والمزاعم، إلى درجة من العبث أخذت واحدًا من أهم أحزاب مصر إلى السير بعنف نحو الهاوية، يحتاج الحزب الآن وبقوة إلى مؤسسات وأجهزة الدولة التي تعني بسلامة واستقرار الأحزاب السياسية، كما ويحتاج الحزب قبلها، إلى قيادات الوفد وزعاماته التاريخية وقواعده في القاهرة والمحافظات، أن يهبّوا أجمعين وبسرعة لإنقاذ الوفد من تصرّفات لا محسوبة من رئيسه، وباتت حديث الوفديين.