عقب وصوله إلى كرسي المشيخة، سعى الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، إلى البحث عن كيفية التخلص من تحكم رئيس الجمهورية في اختيار من يجلس إلى الكرسي، فبعد 23 يوليو 1952، لم يستطع شيوخ الأزهر أن يتخذوا موقفًا حاسمًا ضد تدخل الرؤساء في الأمور الدينية بسبب القانون الذي نصت عليه قيادة الثورة حينها ليصبح اختيار الإمام من مهام الرئاسة، وسعى بعضهم إلى تملق الحكومة، فيما لم يجد آخرون سوى الاستقالة كسبيل للاعتراض على عدم فصل السياسة عن الدين مثل الشيخ عبد الحليم محمود، وهو ما أجبر الإمام «الطيب» على إيجاد سبيل لإلغاء تلك التبعية وإعادة الأزهر إلى سيرة الأولين.
وبالعودة إلى الماضي، فقد تم تغيير قانون الأزهر عام 1961 الذي جعل اختيار شيخ الأزهر بالتعيين من قبل رئيس الجمهورية، وهو ما عارضه علماء أزهريون طوال 60 عاماً، معتبرين أن القانون صدر لتكميم أفواه الأزهريين، وبعد قدوم «الطيب» شكّل لجنة ترأسها المستشار طارق البشري -الفقيه القانوني ورئيس لجنة تعديلات الدستور-، لإعداد قانون جديد لتنظيم الأزهر.
قانون تنظيم الأزهر الجديد
وبالفعل، تم اعتماد القانون الجديد في 2012 -فترة إدارة المجلس العسكري للبلاد-، وجاء في بعض بنوده تعيين شيخ الأزهر بطريق الانتخاب من بين أعضاء هيئة كبار العلماء وليس بالتعيين من قبل رئيس الجمهورية، و أن يكون من خريجي إحدى الكليات الأزهرية المتخصصة في علوم أصول الدين والشريعة والدعوة الإسلامية واللغة العربية، وأن يكون قد تدرج في تعليمه قبل الجامعي بالمعاهد الدينية الأزهرية، وتختار هيئة كبار العلماء لهذا المنصب ثلاثة من بين أعضائها الذين تتوافر فيهم الشروط المقررة بشأن شيخ الأزهر عن طريق الاقتراع السري في جلسة سرية يحضرها ثلثا عدد أعضائها، ثم تنتخب الهيئة شيخ الأزهر من بين المرشحين الثلاثة في ذات الجلسة بطريق الاقتراع السري المباشر و يصبح شيخا للأزهر إذا حصل على الأغلبية المطلقة لعدد أصوات الحاضرين، ويعامل شيخ الأزهر معاملة رئيس مجلس الوزراء من حيث الدرجة و الراتب و المعاش وكافة المزايا.
ويظل شيخ الأزهر في منصبه حتى سن الثمانين، ثم يعود من جديد لشغل مقعده في هيئة كبار العلماء، و ينتخب شيخ جديد من أعضاء هيئة كبار العلماء المكونة من 40 عضواً.
وفي ظل الأزمات المتتالية بين شيخ الأزهر والرئاسة، تعالت الأصوات التي تنادي بعزل الإمام، وتكهنت أصوات أخرى بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي في طريقه لعزل «الطيب»، ولم يعلموا أن قانون تنظيم الأزهر يمنع تدخل الرئاسة في اختيار الإمام من الأساس، بل وأن الدستور المصري الحالي ينص على أن الأزهر مؤسسة مستقلة، لا تتبع أحد، لتسقط التكهنات والمطالبات المختلفة.
قانون جديد للحد من سلطة الإمام
ورغم القانون الواضح والصريح، إلا أن مطالبات تعديل قانون الأزهر تطفو على السطح مع كل خلاف يظهر بين الإمام والرئيس، وسبق أن أعلن النائب محمد أبو حامد -عضو مجلس النواب-، أنه يعمل على إعداد قانون يمنح رئيس الجمهورية حق اختيار هيئة كبار العلماء بدلًا من شيخ الأزهر، وجاء هذا المقترح على إثر أزمة الطلاق الشفوي التي أثيرت بين مؤسسة الرئاسة والأزهر العام الماضي، حيث طالب الرئيس السيسي بتقنين الطلاق الشفوي، في حين رأت هيئة كبار العلماء التابعة للأزهر – ويختارها شيخ الأزهر بنفسه-، أن الطلاق الشفوي يعتد به، وأنه موجود منذ عهد النبي، الأمر الذي أثار حفيظة الكثيرين وتعالت الأصوات المعارضة لذلك القانون قبل أن يظهر للعلن، مبررين رفضهم بأن ذلك عودة لما قبل ثورة يناير، وتمهيدًا لظهور شيوخ السلطة التي تنطق بما يريد الحاكم، ففي النهاية اختيار الرئيس لهيئة كبار العلماء هو اختيار غير مباشر لشيخ الأزهر.
عادت المطالبات في الظهور مرة أخرى بعدما أثار حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي، عن السنة النبوية -تعقيبا على كلمة شيخ الأزهر-، خلال الاحتفال الذي نظمته وزارة الأوقاف المصرية، بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، ردود فعل متباينة في الشارع المصري وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وانتقد “الطيب” في كلمته دعاوى التشكيك في قيمة السنة النبوية وفي ثبوتها والطعن في رُواتها من الصحابة والتابعين، والمطالبة باستبعاد السنة جملة وتفصيلا من دائرة التشريع والأحكام، والاعتماد على القرآن الكريم فحسب، مردفًا: “سلخ القرآن عن السنة يفتح عليه أبواب العبث بآياته وأحكامه وتشريعاته، كما أن ابتعادهما يؤدي إلى ضياع ثلاثة أرباع الدين”.
وتعقيبا على كلمة شيخ الأزهر، جاء رد السيسي سريعا في الاحتفال ذاته مشتبكا مع ما ذكره “الطيب” بشكل مباشر، رافضا محاولات وضع منظور تجديد الخطاب الديني في غير سياقه عبر الحديث عن دعوات تطالب بالاستغناء عن السنة النبوية كمرجع أساسي، وكان شيخ الأزهر قد ألمح في حديثه إلى تجربة أحمد خان في القرن الـ19 والذي يعد من أوائل التنويريين الهنود الذين طالبوا بفصل الدين عن السياسة، وإلغاء التعامل بالسنة النبوية، ما ترتب عليه إلغاء الكثير من الشعائر الأساسية الإسلامية وتغيير شكل الصلاة، لتصبح في يد الحاكم هو من يحددها، ليقارن الشيخ ضمنًا بين التجربة الهندية وبين ما يمكن أن يحدث في مصر، بعد مطالبات الرئيس عبد الفتاح السيسي بتجديد الخطاب الديني، ليفهم الرئيس مغزى كلمة الإمام ويخرج عن نص كلمته متحدثا عن محاولات “البعض” تلخيص مواجهة التطرف بتجديد الخطاب الديني في الاستغناء عن الأحاديث النبوية، لتنطلق الحملات التي تهاجم شيخ الأزهر معلنة أنه يعطل ما سمي بـ”تجديد الخطاب الديني”، في حين أيد ملايين المتابعين الإمام واصفين إياه بحامي السنة النبوية، لتخرج مظاهرة في الأقصر تهتف باسمه، ويرفع مستخدمو موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بين الحين والآخر “هاشتاجات” تعبر عن دعمهم لشيخ الأزهر أحمد الطيب مع كل موقف يتجدد.